أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - 1 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثوري العربي















المزيد.....



1 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثوري العربي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2173 - 2008 / 1 / 27 - 10:44
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


اصبح الإعلام في الزمن الراهن من اهم الصناعات، اذا لم تكن الاهم على الاطلاق، التي توظف فيها عشرات ومئات مليارات الدولارات، ومن اهم الأسلحة الستراتيجية، لأي دولة، او منظمة دولية، او حزب، او قوة سياسية معاصرة.

صناعة الاعلام
ومع تعاظم دور وسائل الاتصالات نوعيا وكميا (بالمعنى التقني، وبمعنى الاتساع والشمول: ظهور الطباعة، ومن ثم الصحافة المكتوبة، ومن ثم الصحافة والاعلام السمعيين، ومن ثم السينما والصحافة والاعلام المرئيين، ومن ثم شبكة الانترنت ووكالات الانباء عبر الهاتف المحمول والانترنت الخ الخ.) اصبح الاعلام "سلعة" معتمدة من قطاع اوسع فأوسع من "المستهلكين". وهذا التوسع "الاستهلاكي" وجد انعكاسه على الاعلام كـ"صناعة" وكـ"مهنة". فبعد ان كانت هذه "الصناعة" و"المهن" و"الوظائف" المرتبطة بها تقتصر على عدد محدود من المؤسسات وبضعة الوف، او بضع مئات، او حتى بضع عشرات من الكتاب والصحفيين والاعلاميين في كل بلد، طبعا حسب حجم البلد، ومستوى رقيه، تضاعفت اعداد العاملين في هذا القطاع بنسب كبيرة جدا، تفوق بشكل ملحوظ نسب زيادة عدد العاملين في اي قطاع اقتصادي، صناعي، ثقافي وعلمي آخر. ومثل اي صناعة او مهنة، زادت "التخصصات" في داخل صناعة ومهنة الاعلام ذاتها. فبعد ان كانت الصحيفة القديمة، مثلا، تتضمن مختلف الصفحات: صفحة الخبر الدولي، والخبر المحلي، والصفحة الاجتماعية، والصفحة الثقافية، والصفحة النسائية، والصفحة الشبابية والرياضية الخ. اخذت تظهر صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية متخصصة. وهذا الاتجاه يزداد باطراد. واصبحنا نجد فروعا اعلامية متخصصة (برامج، مطبوعات، اقساما سينمائية، وقنوات تلفزيونية، متخصصة ومخصصة بالكامل لمواضيع او فروع علمية او فنية او تاريخية او عسكرية او سياسية معينة). واليوم يعد العاملين في قطاع الاعلام بالمئات والالوف، حتى في اصغر البلدان. وقد حدثت الطفرة الكبرى مع تطور وسائل الاتصالات السمعية والبصرية، من جهة، ومع محو الامية وارتفاع وتوسع مستوى التعليم عموديا وافقيا، ولا سيما بعد القضاء على الاستعمار التقليدي الذي كان يقف حجر عثرة امام التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة السابقة، التي كانت تعد عدة مليارات من البشر.
وقد ساعد في توسع وتطور صناعة الاعلام التوسع في مفهوم الاعلام ذاته. في البداية، لدى اكتشاف المطبعة والاحرف الطباعية، بدأت عملية الطباعة والنشر، التي حلت محل النسخ اليدوي. وبالطبع ان المطبعة احدثت "ثورة" او "نقلة" نوعية وكمية جديدة على صعيد المعرفة. ولكنها اعتبرت بحق امتدادا لعملية التأليف والتثقيف والتعليم. اما تعبير الاعلام (information) فقد ظهر لاحقا، وكان ذا مدلول او معنى ضيق، الا وهو "نقل الخبر". وكان في البداية مقتصرا على نقل اخبار الحكام وقرارات وبلاغات السلطات السياسية والبلدية والقضائية وغيرها. ومن ثم تطور ليشمل الاخبار والحوادث والاحداث الفردية والاجتماعية العامة، لوجوه المجتمع والحكام والحكومات، ومن ثم اخبار الحوادث والاحداث السياسية والاجتماعية والعلمية والطبيعية الخ، الداخلية والخارجية. ولذلك ارتبط اسم الاعلام منذ البداية بالصحافة (press)، واصبح ملازما له حتى ظهور الاعلام المسموع، اي الاذاعة. ولكن فيما بعد توسع مفهوما الاعلام والصحافة (information)
و(press)، ليشملا الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية والانترنت. الا ان مفهوم الاعلام (information) اتخذ مدلولا اوسع من مفهوم الصحافة (press). فاذا كانت "الصحافة" تعني: نقل الخبر السياسي وغير السياسي، والتعليق والتحليل والمقابلات، بما في ذلك نقل (نشر) الدراسات والاحصائيات والمعلومات؛ فإن "الاعلام" يشمل، فوق ذلك كله، صناعة السينما والنشر وتحضير البرامج للاذاعة والتلفزيون والانترنت وطباعة الاقراص المدمجة واجراء (انتاج) الابحاث والدراسات والاحصائيات وتنظيم الحملات الدعائية لمختلف المراجع واخيرا لا آخر: صناعة الصورة او السمعة (image) للحكام والاحزاب والزعماء والشخصيات والفنانين الخ.الخ.
وهذا التوسع في الاعلام، ادى ايضا الى توسع في الاعلان التجاري (التعريف والتشويق لتسويق السلع) والاعلان السوقي والاقتصادي (نشاطات البنوك والشركات وعروض المشاريع الكبرى) والاعلان "الانساني": الفني والرياضي والسياسي الخ ("تسويق" الفنانين والرياضيين والسباقات والنوادي والعاهرات والشخصيات والاحزاب السياسية، بحيث اصبحت كل من هذه "الفروع" مهنة بحد ذاتها). واخيرا لا آخر "تشابكت" وتداخلت المصلحة المادية (العائدية) والمعنوية (الانتشار والنجاح) لثلاث صناعات كبيرة هي:
1 ـ الاعلام؛
2 ـ الاعلان؛
و 3 ـ وسائل واجهزة الاتصال التقنية (الهاتف النقال، الادوات السمعية والبصرية، اجهزة الكومبيوتر)؛
حيث اصبحنا نجد، مثلا، شركة تلفون نقال تطلب من (اي: توصي لدى) قناة تلفزيونية مشهورة، او بالعكس: "تشتري" منها، تنظيم او تغطية برنامج سياسي او اجتماعي ـ انساني او رياضي او فني كبير ومكلف (تقوم الشركة "الموصية" او "الشارية" بتغطية نفقاته كلها او الجزء الاكبر منها، ضمن اتفاقات معينة) مقابل ان تجري الاتصالات خلال البرنامج عبر الشركة الموصية، او مقابل القيام بالدعاية للشركة الموصية بأنها هي التى "ترعى" هذا البرنامج الخ.
وقاد هذا التطور النوعي والتوسع الكمي والتراكم الرأسمالي في الصناعة المتمايزة ـ المتشابكة (الاعلام ـ الاعلان ـ وسائل الاتصال) الى تحول الاعلام الى ـ اذا جاز التعبير ـ "وحش" اسطوري لا يشبع، يبحث عن "الخبر" و"الاثارة" في ادق التفاصيل. واصبح هناك جيوش من المخبرين والمراسلين والباحثين وحتى العلماء والمصورين الصحفيين والكاميرامان الخ، يرصدون على مدار الساعة كل ما يمكن تحويله الى خبر، ويسابقون رجال المخابرات الكلاسيكيين ورجال الشرطة والقضاء في التحقيقات حول اي جريمة او حدث او قضية او جماعة او شخصية، مما يمكن ايضا تحويله الى خبر. وبنتيجة ذلك حدث هنا ما يمكن تسميته "طفرتين":
الطفرة الاولى، تتجسد في تحول العلاقة بين الحدث والخبر: في الماضي (قبل الطفرة الاعلامية) كان الخبر يتبع الحدث. وبكلمات اخرى: كان الحدث يصنع الخبر. ولكن بعد الطفرة الاعلامية، فقد ظل الحدث ايضا يصنع الخبر. ولكن دخل عنصر نوعي جديد هو ان الخبر اصبح هو ايضا يصنع الحدث. (مثال: رئيس وزراء اسرائيلي (لنقل اسمه رابين) تدعمه كتلة صهيونية معينة ضد كتلة صهيونية اخرى. من اجل ضرورات التمويل و"المكافأة" يطلب منه ان يفتح حسابا صغيرا في بنك اجنبي. فتفتح زوجته حسابا بمبلغ تافه لا يتعدى 2000 دولار. ولكن بما ان اسرائيل ليست دولة عربية، وبالتالي فإن القانون فيها يطبق على "مواطنيها"، حتى لو كان احدهم على رأس السلطة، وبما انه حسب الدستور او القانون الاسرائيلي، يمنع على الشخصيات المسؤولة (وافراد عائلاتهم) فتح حسابات خارجية اثناء تولي الوظيفة، ولما كان رابين "تحت الرقابة الاعلامية"، داخليا وخارجيا، في كل ما يقوم به في ادق تفاصيل حياته العامة والشخصية، فإن احد الصحفيين الاسرائيليين او الاجانب، الذين يراقبون رئيس الوزراء الاسرائيلي، تلقف الخبر وحوله الى من يلزم لاذاعته. وسرعان ما تحول الخبر ـ الفضيحة الى حدث ـ فضيحة، مما ادى الى تقديم رابين استقالته، ومن ثم الى نجاح خصمه السياسي نتانياهو في الحلول محله. / مثال اخر: رئيس دولة عجوز متصاب (لنقل اسمه كساب او كتساف، رئيس اسرائيل السابق) كشف الاعلام بعض مغامراته الجنسية وتحرشه بعدد من النساء داخل اطار الوظيفة. فتحول النبأ ـ الفضيحة الى حدث ـ فضيحة، واضطر هو ايضا الى تقديم استقالته. ويمكن ايراد مئات والوف الامثلة كل يوم، من هذا القبيل وغيره. وفضيحة "ووترغيت" وفضيحة "كلينتون ـ لوينسكي"، اللتان نشأتا عن نشر اخبار معينة، واديتا الى ازمتين سياسيتين كبيرتين في اميركا، هما معروفتان تماما).

الاعلام والمخابرت
وفي اطار الاعلام كانت على الدوام تدخل ما يسمى "الحرب النفسية"، كجزء لا يتجزأ من الستراتيجية العامة للدولة او الطرف المعني، وخاصة كجزء من "الحرب الباردة" او "الحرب الساخنة" او ببساطة "الحرب" ضد العدو المعين.
وفي هذا السياق من الضروري الاشارة والتأكيد على الترابط العضوي الذي اصبح قائما بين الاعلام الرأسمالي المعاصر وبين المخابرات والجاسوسية. بحيث اصبح من الصعب الفصل بين هذين الجانبين. ولا نقصد هنا مسألة قيام بعض عناصر اجهزة المخابرات بانتحال الصفة الصحفية او بتجنيد بعض الصحفيين والاعلاميين والكتاب والمترجمين الخ، كجواسيس، للحصول على بعض المعلومات السرية من اطراف معينة، او التجسس على شخصيات معينة؛ وهو ما يدخل ضمن عملية انتحال صفة دبلوماسية او دينية، او ـ ايضا وبالمثل ـ تجنيد دبلوماسيين او رجال دين، لاهداف تجسسية. لا شك ان هذه الممارسة لا تزال قائمة. ولكن ما اردنا الاشارة اليه والتأكيد عليه ليس هو هذا "الجانب التجسسي" المباشر في الاعلام، حيث يكون الاعلامي المعين عميلا للمخابرات او "مخبرا"، ويمارس هذا "العمل" في الوقت نفسه الى جانب عمله "العادي، الامر الذي يبدو كسوء استعمال للوظيفة الاعلامية، بل نقصد الجانب الاعلامي البحت، الذي يوظف في عمل اجهزة المخابرات والجاسوسية ونكاد نقول "يحل محلها".
وفي هذه النقطة نجد ان هناك تلاقيا اساسيا بين عمل الاعلام وعمل اجهزة المخابرات والجاسوسية. ولتوضيح هذه النقطة نطرح سؤالا رئيسيا:
ـ ما هو الهدف الرئيسي لاجهزة المخابرات والجاسوسية؟
* انه خدمة الستراتيجية العامة للدولة او القوة السياسية المعينة، عبر "الحصول على المعلومات"!
وبكلمات اخرى: فإن احد جوانب العمل "الكلاسيكي" لاجهزة المخابرات والجاسوسية يقوم على: "الحصول على المعلومات" وتقديمها للمؤسسات الاخرى للدولة او الحزب او القوة السياسية. ومن ثم، فإن الاجهزة المعنية الاخرى لهذه الاطراف (الجيش، الشرطة، القضاء، وزارة الاعلام، وزارة الخارجية الخ.) تستخدم هذه المعلومات كل في حقل اختصاصها، بشكل منفرد، او بالتنسيق مع الاجهزة الاخرى.
وقد اشرنا فيما سبق الى ان الطفرة الاعلامية ادت الى حدوث طفرة في العلاقة بين الخبر والحدث. ولكن الاهم من ذلك والاخطر بكثير هو حدوث ايضا طفرة ثانية، وهي الطفرة في العلاقة بين الاعلام والمخابرات.
في السابق كانت المخابرات والجاسوسية هي التي "تكتشف" و"تحصل على المعلومات" ذات الاهمية و"تقدمها" الى المراجع المختصة. فتقوم تلك المراجع المعنية في الدولة او الحزب الخ، بتحويل هذه المعلومات الى من تشاء من المؤسسات الاعلامية لكشفها للعلن والتعليق عليها واستخدامها لمصلحة السياسة المرسومة للدولة او الحزب. الان اختلفت الامور. اصبحت المؤسسات الاعلامية، لا اجهزة المخابرات والجاسوسية، هي التي تحصل مباشرة على جميع انواع المعلومات، المهمة والعادية و"التافهة"، و"تعالجها مهنيا" اي تنشرها وتعلق عليها وتحللها الخ.الخ. ومن ثم اصبحت هي، اي المؤسسات الاعلامية، المصدر الاول للمعلومات. هذا لا يعني ابدا ان اجهزة المخابرات توقفت عن اداء وظيفة جمع المعلومات. كلا! بل يعني انه اصبح هناك "تكامل" بين اجهزة المخابرات والمؤسسات الاعلامية في جمع المعلومات. وهو "تكامل" اصبحت فيه المؤسسات الاعلامية تحتل المركز الاول، واجهزة المخابرات المركز الثاني. فأجهزة المخابرات تعتمد في عملية جمع المعلومات على ثلاثة مصادر:
1 ـ نشاطها الخاص بواسطة شبكة المخبرين والجواسيس والمتعاونين.
2 ـ رصد وسائل الاتصال المحلية والدولية والافادة من اجهزة التصوير والرصد الفضائية.
3 ـ رصد الكم الهائل من المعلومات الواردة يوميا وكل ساعة في اجهزة ووسائل الاعلام المعاصر.
ولقد اصبح المصدر الثالث هو المصدر الاكبر لجمع المعلومات لدى اجهزة المخابرات نفسها. ولا بد هنا من الاشارة ان تعبير معلومات لا يعني فقط "المعلومات الهامة"، بل ابسط وادق واتفه المعلومات واكثرها "عادية". بحيث ان اي معلومة "تافهة" على صعيد معين، قد يكون لها اهمية حاسمة على صعيد آخر. (مثلا: معلومة العلاقة الحميمة لاحد الزعماء العرب باحدى الصحفيات، لم تكن ذات اهمية في ما يسمى "الشارع" او "الرأي العام" العربي، ولم تهز طبعا مركز ذلك الزعيم ومكانته وشعبيته، بل ربما زادته "شعبية"، لانه يجوز للزعماء العرب ما لا يجوز لغيرهم. ولكن قيام الرسام الكاريكاتوري الفلسطيني المشهور ناجي العلي بوضع رسم يغمز فيه من قناة هذه العلاقة، كان كافيا للحكم على ناجي العلي بالاعدام واغتياله. وطبعا ان الذي نفذ "حكم الاعدام" بالرسام "الجاني" هو "مجاهد" كسب فيه اجرا في الدنيا وثوابا في الآخرة وسيكون مثواه الجنة. / مثلا آخر: ما هي الاهمية السياسية لمعلومة من وزن نوع الشوكولاته او القهوة او الشاي الذي يفضله احد الاشخاص؟ لا شيء! ولكن يقال ان المناضل الفلسطيني الاشهر د. وديع حداد، الذي دوخ الموساد والسي اي ايه وجميع اجهزة المخابرات المعادية، جرى تسميمه عبر "اهدائه" ـ طبعا بواسطة احد المقربين اليه ـ علبة شوكولاته من نوع سويسري معين يحبه. حيث قام احد العملاء بتأمين العلبة وايصالها بطريقة ملتوية الى صديق للد. وديع حداد).
ان المعلومات هي مستند رئيسي لاي دولة او حزب او بنك او شركة الخ، لتقرير سياستها العامة او المعينة في كل منطقة او بلد على حدة، وفي كل مرحلة على حدة. ونذكر هنا ان تقارير القناصل الغربيين في الاراضي العربية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية هي حتى اليوم مصدر رئيسي لدراسة اوضاع تلك المناطق في تلك الفترة، حيث ان تلك التقارير لم تكن تتضمن فقط الحديث عن اتصالات القناصل وعن الحوادث الكبرى والتغيرات السياسية الكبرى والتعليق عليها، بل كانت تتضمن ايضا ادق التفاصيل الحياتية والاقتصادية والتقاليد الاجتماعية. ومن الامثلة التاريخية البارزة على هذا الصعيد هو ان نابوليون حينما قدم في حملته على الشرق في نهاية القرن الثامن عشر، لم يكن برفقته الجيش والقواد والخبراء العسكريون فقط، بل و"جيش" آخر من العلماء والمتخصصين في كل الحقول: التاريخ القديم والمعاصر، الاديان، الاداب، اللغة العربية، التربة، المياه، المناخ، الجغرافيا الخ الخ. وطبعا كان نابوليون يزمع على استخدام الابحاث والدراسات "البريئة" لهؤلاء العلماء في معرفة كيفية حكم البلاد التي هو قادم على فتحها. ولكن التاريخ حرمه من هذه الامكانية. الا ان الدراسات التي قام بها العلماء الذين رافقوا نابوليون افادت في جوانب منها محمد علي باشا في محاولة اقامة دولة عربية قوية، على انقاض السلطنة العثمانية. ولا تزال تلك الدراسات حتى اليوم احد اهم المراجع للابحاث حول مصر.
والتحول في العلاقة بين مؤسسات الاعلام واجهزة المخابرات، في السنوات او العقود القليلة الماضية، اعطى المؤسسات الاعلامية اهمية استثنائية اضافية، بحيث اصبحت تتقدم على اجهزة المخابرات حتى في مجال الحصول على المعلومات. وان الكثير الكثير من الابحاث والدراسات الضرورية لسياسة الدولة او الحزب الخ، يتم القيام بها بشكل "بريء" جدا عبر مراكز الابحاث والدراسات ومؤسسات الاعلام "العادية"، التي يمكن من خلالها دراسة مجتمعات معينة والاتجاهات السياسية للرأي العام في تلك المجتمعات. ويحضرنا هنا التذكير بمراكز الابحاث والدراسات والاعلام التي اسسها غورباتشوف، وسيرغيي ابن نيكيتا خروشوف في واشنطن، والدكتور سعدالدين ابرهيم في مصر وفخري كريم في لبنان وسوريا والعراق.
هذا مع العلم ـ خصوصا بالنسبة للدول الامبريالية الغربية والصهيونية العالمية ـ ان "التعاون" الاعلامي مع احد "الاصدقاء"، او حتى من غير "الاصدقاء"، ولكن الذي يمكن لـ"التعاون" معه ان يكون "مفيدا"، ـ ان هذا "التعاون" الاعلامي يبدو "اكثر براءة" بالتأكيد من التعاون معه عبر اجهزة المخابرات مباشرة. وفي حال تعرض هذا "المتعاون" الاعلامي للمضايقة، يمكن بسهولة اكبر الدفاع عنه وشن حملة هجوم معاكس تحت الشعارات الطنانة المعروفة، شعارات "حقوق الانسان" و"حرية الصحافة" و"حرية التعبير والضمير". بينما يصعب الدفاع عن اي جاسوس او مخبر او عميل مباشر، في حال انكشافه.
وهكذا احتل الاعلام مركزا مميزا في النظام الرأسمالي الاحتكاري الدولي المعاصر، واصبح يمثل المرآة الدائمة الملازمة لاي نشاط اقتصادي، فني، اجتماعي، ثقافي وخصوصا سياسي في هذا المجتمع. وصار الاعلام يشغل المرتبة الثانية في الاهمية، مرتبة الظل الملازم، بعد كل مركز من مراكز السلطة في تراتبية النظام السياسي القائم. وهذا شيء جديد في التركيبة السياسية للدول. فاذا اعتبرنا ان مركز الرئيس هو المركز الاول من حيث الاهمية في الولايات المتحدة الاميركية، فإن المرتبة الثانية في الاهمية ليست لنائب الرئيس كما قد يتبادر الى الذهن، بل للجوقة الاعلامية الخاصة بالرئيس. والشيء ذاته بالنسبة لنائب الرئيس، وهكذا دواليك، بالنسبة لكل شخصية ولكل مسؤول سياسي وعسكري الخ، وبالنسبة لكل مؤسسة اقتصادية وفنية ورياضية وسياسية الخ. في الماضي، في المجتمع الشرقي مثلا كان السلاطين وامراء المؤمنين يعبرون عن عظمتهم ببناء القصور الخيالية واقتناء جيش كامل من الحريم والغلمان والخصيان؛ اما في المجتمع الغربي، فكان القياصرة والاباطرة والباباوات يعبرون عن عظمتهم ببناء الهياكل والكاتدرائيات الاسطورية وتشييد ساحات المصارعة واقامة الاحتفالات الضخمة التي تشق فيها صيحات "عاش الامبراطور" عنان السماء. اما الان، فإن "العظمة" اتخذت شكلا اعلاميا، وهو ما يسمى احيانا "الشهرة"، وان اتفه موظف في وزارة الخارجية الاميركية، حينما يقوم بزيارة اي بلد عربي، حتى الصومال التي يموت فيها الناس من الجوع، يكون برفقته او في انتظاره او في وداعه او في اثره عشرات الصحفيين والمصورين، الذين يكلفون الوف وعشرات الوف الدولارات، كي يغطون تحركاته وحركات شفتيه ويديه وقعوده وقيامه وحتى ذهابه الى الحمام. كما ان اضخم الشركات الاستهلاكية الاميركية، مثل كوكا كولا وبيبسي كولا وماكدونالدز، لا يكفي ان سلعها ومحلاتها تملأ الشوارع في كل مكان، فيزيد على ذلك ان دعاياتها تطل على المواطن المعاصر في الكوكب الارضي في الصحف والراديو والتلفزيون والسينما والمسرح وملاعب الرياضة والمدارس وامام دور العبادة ذاتها، وفي كل حي وشارع وزاروب. هذا مع العلم ان هذا المواطن نفسه، الذي توضع هذه "الخدمة الاعلامية" اكراما "لخاطره" هو الذي يدفع عمليا كل هذه التكاليف الخيالية.

"الاعلام التضليلي" (desinformation)
وقد بلغ من اهمية سلاح الاعلام (information) وتأثيره في "صناعة" و"توجيه" الرأي العام، ان الكونغرس الاميركي قد شرّع مؤخرا لادارة الرئيس بوش الابن اللجوء الى سلاح "الاعلام التضليلي" (desinformation)، وخصص لذلك ميزانية تقدر بمئات ملايين وبمليارات الدولارات. ونذكر هنا محطات الاذاعة والقنوات التلفزيونية ومراكز الابحاث والدراسات ودور النشر والصحف والمجلات، في مختلف البلدان وبمختلف اللغات، التي تمول وتدار مباشرة من قبل المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية الاميركية (ولا سيما من قبل المخابرات المركزية الاميركية والمؤسسات المرتبطة بها). وهناك فيض من المراجع التي تفضح هذه السياسة "الاعلامية" التضليلية الاميركية. ومنها محاضرة قيمة حول الموضوع للكاتب الاميركي نوعام تشومسكي بعنوان "وسائل الاعلام تحت السيطرة ـ الانجازات المرموقة للبروباغنده" (القاها في 17 اذار 1991 في كينتفيلد، كاليفورنيا. ونشرت ترجمتها البلغارية في 2004 تحت عنوان "وسائل الاعلام تحت السيطرة"). وفي مقالة بعنوان "المتطرفون يحضرون حربا ضد ايران" بقلم س. س. هاريسون في اللوموند ديبلوماتيك (الطبعة البلغارية ـ تشرين الاول 2007) جاء ما يلي: "... والمزيد من العمليات السرية، الهادفة الى تقويض استقرار الجمهورية الاسلامية، والتي تمت الموافقة عليها بموجب التوجيه الرئاسي الصادر في نهاية شهر نيسان 2007. وهذه العمليات كانت تجري منذ عشرات السنين، ولكنها حتى الان لم يكن لها تغطية قانونية، وكانت المخابرات المركزية تعمل فقط بواسطة الوسطاء (ويسمي الكاتب خاصة باكستان واسرائيل). وتصريح الرئيس الصادر في نيسان يسمح بزيادة عدد العمليات "غير القاتلة"، التي تقودها مباشرة الوكالات الاميركية. وبالاضافة الى زيادة بث البروباغنده، وحملة التضليل الاعلامي وتجنيد اللاجئين في اوروبا واميركا، لتحفيز الانشقاق والمعارضة السياسيين، فإن البرنامج الجديد يعطي الاولوية الى الحرب الاقتصادية...". (انتهى كلام هاريسون).
وفي هذا السياق تدخل سياسة القمع ومنع الحريات الصحفية وحرية التعبير: قتل واغتيال واعتقال الصحفيين، إغلاق وحجب الصحف والمجلات والاذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية (في حرب تموز 2006 في لبنان، كانت علامة (press)، التي يحملها الصحفيون اللبنانيون بموجب الاتفاقات الدولية، لا مصدر حماية، بل مصدر خطر وعلامة للقتل بالنسبة للطيران الاسرائيلي الذي يأتمر مباشرة بأوامر "البيت الابيض" الاميركي، وقد تم حجب قناة "المنار"، وتدمير البناء الذي تقع فيه تدميرا كاملا. وقبل ذلك في حرب حلف الاطلسي ضد الجمهورية الاتحادية اليوغوسلافية في 1999، بهدف انتزاع اقليم كوسوفو وتحويله الى "الجمهورية “الاسلامية!!!” ـ الاميركية للمخدرات والمافيات والمخابرات"، كان التلفزيون اليوغوسلافي هدفا "حربيا" من الدرجة الاولى لارباب "العالم الحر" و"الدمقراطية الاميركية").

ولاعطاء فكرة تقريبية عن "التضليل الاعلامي" و"حرية الصحافة" الاميركية نكتفي بإيراد الاستشهاد التالي: في مقالة منشورة في موقع "المركز الدولي لدراسات اميركا والغرب"ICAWS بعنوان "من يمتلك إعلام اميركا؟" بقلم جوديث ماكلنتوك تقول: ان "الشركات الكبرى تملك معظم وسائل الإعلام الأميركية وتديرها بما يتبع مصالحها بغض النظر عن الحقيقة". وتضيف: "وفي ظل هيمنة عدد محدود للغاية من المؤسسات الإعلامية على عملية نقل المعلومات التي يستقيها غالبية الأميركيين، يشير الكثيرون إلى أن هناك مخاطرة تكمن في إمكانية عدم كشف تلك الشركات إلا عن المعلومات التي تختارها بنفسها.
"وبما أن جميع وسائل الإعلام تقريبا التي تصل إلى متناول الأميركيين تملكها مؤسسات ومنظمات تبغي الربح، فان هدف تحقيق الإرباح غالبا ما يتعارض مع الممارسة الإعلامية المسؤولة. حسب ما أعلنته مؤسسة "فير" وهي منظمة قومية معنية بمراقبة النزاهة والدقة في توفير الخدمات الإعلامية.
"وعلاوة على ذلك فان تلك المؤسسات العملاقة لا تعمل فقط في مجال الإعلام لكنها تملك مشاريع في قطاعات أخرى الأمر الذي يُعتبر تناقضا في المصالح – فعلى سبيل المثال وطبقا لما أوردته مقالة نشرتها صحيفة "سياتل تايمز" التي تصدر في ولاية واشنطن على الساحل الغربي وهي بقلم الشقيقين "ديفيد" و "آمي جودمان" فان شبكة "سي بي اس" كانت ولا تزال ملكا لشركة "وستنجهاوس" وشبكة "ان بي سي" كانت ولا تزال أيضا ملكا لشركة "جنرال اليكتريك" إبان حرب الخليج في أوائل التسعينات.
"وفي هذا الوقت كانت شركتان من كبريات منتجي الأسلحة النووية ملكا للشبكتين الرئيسيتين – وكانت شركة "وستنجهاوس" و " جنرال اليكتريك" تصنعان معظم قطع الأسلحة التي استخدمت في حرب الخليج الأولى.
"وقال الصحفيان الشقيقان أن هذا الوضع جعل تغطية الحرب على الشبكتين كما لو كانت تغطية معرض للأسلحة والمعدات. وأضاف "ديفيد" و"آمي": "لقد شاهدنا صحفيين داخل كابينة قيادة الطائرات الحربية أثناء مقابلاتهم مع طياريها وكانوا يسألونهم عن مشاعرهم وهم يسيطرون على الطائرة – لم نر أبدا صحفيين يسألون المستهدفين بالضربات الجوية عن مشاعرهم وسط أجواء الحرب."
"وجاء في الدراسة التي استدعت مقابلة ما يزيد على 200 صحفي أن 15% ممن شملتهم الدراسة قالوا إن المؤسسات الإعلامية التي يعملون لديها تدخلت في مناسبة أو أكثر في تحرير مواد للنشر وإنهم لم يصدقوا الحالة التي أصبحت عليها تقاريرهم عند نشرها في نهاية المطاف.
"وأضافت الدراسة أن حوالي 42% ممن استطلعت آراؤهم انه طُلب منهم عدم نشر صور فوتوغرافية لقتلى من الجنود الأميركيين – فيما ابلغ 17% أنهم مُنعوا من ذلك. كما أوردت الدراسة أن 36% من المشاركين تلقوا تعليمات من شبكاتهم بعدم نشر صور للرهائن". (انتهى كلام جوديث ماكلنتوك).
ومن أبشع الارتكابات الاخيرة على هذا الصعيد هو حجب موقع "الحوار المتمدن" الالكتروني في السعودية والامارات العربية المتحدة وتونس وغيرها، بالتواطؤ بين الحكومات العفنة في تلك البلدان وبين الادارة الاميركية واصحاب القرار في مراكز "الخدمة" الالكترونية العالمية، بالرغم من كل التبجحات حول "حرية التعبير" وتطبيق معايير "الاقتصاد الحر". والهدف هو الضغط على الموقع و"تليينه" وحرفه عن اتجاهه التقدمي واليساري المعادي للامبريالية والصهيونية، ودفعه نحو مستنقع الاتجاه "الليبيرالي" المبتذل.
ان الاعلام الغربي اصبح كمن يكذب كذبة لا يصدقها احد من المستمعين، ولكن لكثرة تردادها صبحا ومساء فإن صاحب الكذبة نفسه يأخذ في ان يصدقها، ويقع في حالة من الهذيان اللامعقول. واسطورة "الارهاب الدولي" هي خير مثال على ذلك. فالاعلام الغربي يتحدث عن الارهاب الدولي بشكل مطلق ومعمم: قناة "المنار" ارهاب دولي. طفل فلسطيني يرمي دبابة اسرائيلية بحجر: "ارهاب دولي". مظاهرة لامهات المعتقلين في سجن ابو غريب في العراق: "ارهاب دولي". صلاة المؤمنين في المسجد الاقصى في القدس: "ارهاب دولي". ولم يبق الا ان يقولوا لنا ان حمل النساء العربيات وولادة الاطفال العرب هو ايضا: "ارهاب دولي"، لأن هؤلاء الاطفال سيكبرون يوما ويهددون "الامن القومي" لاميركا، و"الامن الجماعي" لحلف الناتو، وطبعا "الوجود المشروع" للاحتلال الاميركي والاسرائيلي. واولئك الازواج والزوجات العرب، حينما يقدمون على ممارسة الجنس، فإنهم يهددون مصير "العالم الحر" و"النظام العالمي الجديد" بقيادة اميركا.
ولم يعد من مجال للمقارنة بين السي ان ان و"الجزيرة"، او غيرها من المؤسسات الاعلامية العربية، حتى ابسطها. فقد فشلت الاجهزة الاعلامية الغربية فشلا ذريعا في الوسط العربي والاسلامي، وهي غير قادرة على اقناع غير "المقتنعين سلفا" في الدول الغربية ذاتها.
ان تشريع وممارسة "الاعلام التضليلي"، في الدولة "الدمقراطية" الاولى في العالم، وزعيمة ما كان يسمى "العالم الحر"، يضع تحت الاستفهام المشروع صناعة الاعلام الرأسمالي بأسرها، بل وينزع عن الإعلام الرأسمالي ككل اي صفة اخلاقية، ويكشف تماما ان الانسان في المجتمع البرجوازي المعاصر ليس "اثمن رأسمال في العالم" وليس ـ ذاتا وموضوعا ـ "السيد السامي" للاعلام، الذي هدفه ـ اي الاعلام ـ خدمة وتنوير وتثقيف هذا "السيد". بل ان الاعلام الرأسمالي يجعل من الانسان "مادة خاما"، "هدفا" و"عدوا مفترضا ومكروها"، يعمل الاعلام الرأسمالي ـ الامبريالي ـ الصهيوني على "تشكيله"، اي تشويشه وغسل دماغه وتفكيك واعادة تركيب وعيه بطريقة لا يملك فيها هذا "العدو" حرية اتخاذ الرأي الصحيح، لأنه ـ بواسطة "الاعلام التضليلي" (disinformation) ـ يتم حرمان الانسان من حقه الطبيعي في الاطلاع على الحقيقة ومعرفة الصورة الصحيحة عن الواقع.

الآلة الاعلامية في خدمة الجرائم
ضد الانسانية ولنهب الشعوب
ان الموقف من الامم المتحدة، كما يفترض ان تكون منظمة للسلام والامن والتعاون بين الدول والشعوب، هو في حالة حرجة: فمن جهة تزداد الحاجة لوجود هذه المنظمة وصنع وتعزيز دور ايجابي لها؛ ومن جهة ثانية تبرز اكثر فأكثر تبعيتها للولايات المتحدة وللصهيونية العالمية واسرائيل، بحيث تبدو احيانا وكأنها اداة مسخّرة لوزارات الخارجية والدفاع والمالية الاميركية ـ الصهيونية. ويبدو الامين العام للامم المتحدة ذاته كموظف اميركي صغير (مثال: اثناء العملية العدوانية التي شنتها اسرائيل ضد لبنان في نيسان 1996، وسمتها "عناقيد الغضب"، حيث قامت الطائرات اميركية الصنع بقصف وحشي للبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والاحياء السكنية الآمنة، قام المئات من سكان بلدة قانا الجليل (التي ـ حسب الانجيل المقدس ـ حضر فيها السيد المسيح عرسا، حيث قام بأعجوبة تحويل الماء الى خمر) بالاحتماء بمركز الامم المتحدة في البلدة، الذي توجد فيه "القبعات الزرقاء" ويرفع علم الامم المتحدة بشكل واضح لا يخفى عن الانظار. وقد عمدت القوات الاسرائيلية الى قصف الموقع بشدة لمدة ساعات، غير مقيمة اي اعتبار لعلم الامم المتحدة ذاته. وقد سقط من جراء ذلك مئات الجرحى من المدنيين اللبنانيين، الذين كل ذنبهم انهم وثقوا بالحصانة الدولية لعلم الامم المتحدة. كما سقط اكثر من مئة قتيل بينهم اكثر من ثلاثين طفلا. وابيدت عدة عائلات بأسرها. وقد قدمت اسرائيل "اعتذارا" كاذبا، بأن القصف كان نتيجة "خطأ". ولكن الامين العام للامم المتحدة حينذاك، العربي المصري بطرس غالي (الذي هو قبطي مسيحي وزوجته يهودية، وهو بعيد كل البعد عن تأييد الارهاب والتطرف) لم يقتنع بـ"عذر" اسرائيل وطالب بإجراء تحقيق في هذه الجريمة. فما كان من الادارة الاميركية الا ان ضغطت لاقالته من منصبه، ولم يجر تحقيق في هذه الجريمة. وبعد سنوات من ذلك، في السنة 2003 قامت الدبابات والجرافات الاسرائيلية بتدمير وجرف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في بلدة جنين، فوق رؤوس السكان البائسين ومنهم النساء والاطفال والعجزة والمرضى، وجبلت اجساد عشرات الضحايا بالانقاض. وقد قتلت حينذاك ايضا احدى ناشطات السلام الاميركيات، وتدعى راشيل كوري، التي وقفت بوجه الجرافة الاسرائيلية لايقافها، فجرفتها. وقد اجتمع مجلس الامن بطلب من الامين العام كوفي عنان، وقرر ارسال لجنة تحقيق دولية الى مخيم جنين. ولكن اسرائيل رفضت اجراء التحقيق، فعاد الوفد ادراجه. ولاذ كوفي عنان بالصمت، تحت الضغط الاميركي، والا لـ"طار" كالعصفور الصغير و"حط" على الغصن الذي سبقه اليه بطرس غالي). فماذا كان دور آلة الاعلام الاميركية التي تصم الآذان بالزعيق حول "حقوق الانسان" و"الدمقراطية"؟! ـ لقد عملت الآلة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية لتبرير الاكاذيب الاسرائيلية، وللتعتيم على هذه الجرائم الكبرى بحق الانسانية، جاعلة سمعة الامم المتحدة في الحضيض). (مثال: ان البنك الدولي، الذي هو مبدئيا مؤسسة تابعة للامم المتحدة، مهمتها مساعدة الدول المحتاجة للتنمية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الاستعمار التقليدي، هذا البنك اصبح اداة بيد الاحتكارات الاميركية والمالية اليهودية، لتخريب اقتصادات البلدان التي "يساعدها"، ولتنظيم "الانقلابات" واعمال التخريب السياسي والامني والقضاء على استقلال البلدان الضعيفة، لمصلحة اميركا والصهيونية العالمية، تحت لافتة "المساعدات" و"الدمقراطية" و"اقتصاد السوق" و"حرية التجارة" و"الخصخصة". وقد سخرت الآلة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية العالمية كل امكانياتها لاجل تضليل شعوب اوروبا الشرقية، بالاضافة الى شعوب البلدان النامية، وحتى ما كان يسمى "النمور الآسيوية"، حول دور البنك الدولي وما يسمى "اقتصاد السوق" و"العلاج بالصدمة"، مما ادى الى تخريب اقتصاديات هذه البلدان ونهبها بشكل فظيع).

"الثورات" و"المظاهرات الشعبية" المشهدية المأجورة
امام تعاظم دور الاعلام المعاصر، تلجأ اجهزة المخابرات الاميركية والصهيونية العالمية والتابعة لبعض الدول المعنية، الى التعاون مع اجهزة الاعلام لـ"إخراج" مظاهرات وحركات "شعبية" مفتعلة ومأجورة، تقوم على تمويلها الاجهزة المخابراتية والشركات متعددة الجنسية ذات المصلحة. وتعتمد هذه اللعبة "الاعلامية ـ السياسية ـ النفسية" على اهمية الدور الذي يلعبه الاعلام المعاصر في توجيه الرأي العام والتأثير عليه. ونقدم فيما يلي بعض الامثلة على هذا "الدور الجديد":
1 ـ من ابرز الامثلة "الناجحة" على هذا الصعيد ما سمي في حينه "الثورة التلفزيونية" في رومانيا في 1989: ان النظام "الشيوعي!!!" السابق في رومانيا، بزعامة نيقولاي تشاوشسكو كان بدون شك نظاما دكتاتوريا، الا انه كانت لديه انجازاته النسبية، واهم شيء انه كان يحافظ على استقلالية وطنية نسبية لرومانيا ـ تجاه الاتحاد السوفياتي في حينه، كما تجاه الغرب ـ وهو الدولة "الاشتراكية" الوحيدة التي رفضت في 1968 ارسال قوات مسلحة مع حلف فرصوفيا لقمع "ربيع براغ". وقد وافق ذلك النظام في حينه على اجراء انتخابات حرة واشاعة الدمقراطية واجراء اصلاحات في النظام السياسي. ولكن "المعارضة"، وخاصة الجناح المرتبط بالغرب، رفض ذلك وطالبوا بتنحي تشاوشيسكو وباستلام السلطة من قبل المعارضة بدون انتخابات ومصالحة وطنية الخ. وللتوصل الى اسقاط نظام تشاوشيسكو بطريقة غير شرعية، تولت اجهزة المخابرات، بالتعاون مع اجهزة الاعلام، تحضير ما سمي لاحقا "ثورة تلفزيزنية"، حيث جرى تنظيم مظاهرات مفتعلة ومدفوعة الاجر ومغطاة اعلاميا على نطاق واسع، وفي الوقت ذاته نظموا انقلابا بوليسيا ـ عسكريا، تعاونت فيه السي آي إيه الاميركية مع الكا جي بي الروسية، من اجل قلب نظام تشاوشيسكو بالقوة. وقد تم القاء القبض على تشاوشيسكو وزوجته ايلينا واعدامهما بعد اجراء "محاكمة" صورية مخجلة لهما، عرضت ايضا في شريط تلفزيوني، ولم يظهر فيها وجه حتى "القاضي"، ناهيك عن عدم وجود اي مدعي عام، واي محامي دفاع الخ. وقد عمل الاعلام الاميركي ـ الصهيوني المسيطر على تغطية هذه "الثورة" بشكل مكثف الى درجة انها سميت بحق "ثورة تلفزيونية"، وذلك لهدف "تبليع" الرأي العام العالمي هذه المسخرة المنافية لابسط قواعد الحرية والدمقراطية، على انها مثال للحرية والدمقراطية. لا شك ان تشاوشيسكو كان دكتاتورا. ولكنه كان مستعدا لادخال الدمقراطية تدريجيا، وهو قتل بهذه الطريقة البشعة ليس لدكتاتوريته، بل لانه كان يمثل احدى الضمانات لاستقلال رومانيا. وهو ما لا تريده الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. وقد انهارت رومانيا بعد قتله وتحولت الى انقاض دولة فقيرة معدمة منهوبة مستباحة تملأ شوارعها جيوش من الشحاذين وبائعات الجسد والاطفال المتروكين والمشردين (ظاهرة اطفال الشوارع التي اتخذت في رومانيا احجاما مأساوية). ولكن المصير المفجع لرومانيا بعد اغتيال تشاوشيسكو لا يقلل من اهمية "الانجاز" السياسي والاعلامي الذي حققته تلك "الثورة التلفزيونية" في رومانيا.
2 ـ حينما تم تفكيك الاتحاد السوفياتي وفصل دوله المختلفة عن روسيا في 1991 ـ 1992، جرت في مختلف البلدان الاوروبية "مظاهرات عفوية!!!" تطالب بـ"استقلال" هذه الجمهوريات. وقد جرت في وسط العاصمة البلغارية صوفيا مظاهرة من هذا القبيل تطالب باستقلال جمهوريات البلطيق الثلاث: لاتفيا وليتوانيا واستونيا. وكنت بالصدفة أمر بالمكان مع صديق كردي هو الدكتور ف. خ. (من حزب الـPKK ويعيش الان في موسكو). ولفت نظرنا العدد الكبير جدا من الكاميرات، التي يحملها مختلف المصورين و"المراسلين"، بالاضافة الى عدد من "المصاطب" المحضرة سلفا لاخذ "صور جميلة" لهذه "المظاهرة العفوية!!!"، كما لفت نظرنا التنظيم الدقيق للمظاهرة، والهتافات المنسقة تماما، مما لم اعهده في المظاهرات البلغارية الاخرى، وكانت تلك الفترة موسم مظاهرات متوالية للمعارضة "الدمقراطية!!!" في بلغاريا. فخطر لي فورا انها مسرحية "مظاهرة تلفزيونية"؛ فتقدمت انا والدكتور ف. من رجل في منتصف العمر، وسألته بجدية "كم دفعوا لك اجرة اليوم؟"، فأجاب بتلقائية "مبلغ كذا" (لم اعد اذكر الرقم)، فقلت له بمزيد من الجدية "ولكنهم دفعوا لغيرك مبلغ كذا؛ إسأل هذا الشاب" وذكرت اعتباطيا رقما اكبر وانا اشير الى شاب كان واقفا بالصدفة امامنا، وللحال بدأ نقاش بين الاثنين وذهبا سوية للتفتيش عن شخص ثالث هو المسؤول عن الدفع. وانتهزت انا والدكتور ف. الفرصة للانسحاب من هذه المظاهرة التلفزيونية الاميركية "الدمقراطية!!!" جدا.
3 ـ وقد تكرر شبه لـ"الثورة التلفزيونية" و"المظاهرات التلفزيونية" فيما بعد في اكثر من بلد، بما في ذلك في لبنان بما سمي "ثورة الارز"، واخراج المظاهرات المدفوعة التي رافقتها، والتي يتبين الان بمزيد من الوضوح ان الهدف منها لم يكن "كشف الحقيقة" حول اغتيال الرئيس اللبناني الاسبق رفيق الحريري وتحقيق "سيادة لبنان" تجاه النظام السوري، بل كان الهدف نقل لبنان من تحت وصاية النظام السوري، التي لم تعد تفي بالمتطلبات الاميركية، الى تحت الوصاية الاميركية ـ الاسرائيلية المباشرة. وربما كان لهذه المظاهرات المأجورة في لبنان احدى "الحسنات"، وهي اعادة جزء من "الدين العام" المنهوب، الى الناس العاديين.

الشمولية الجديدة
كنتيجة للتطور السريع والكبير لوسائل الاعلام، يتحول العالم اكثر فأكثر الى قرية كبيرة، ويزداد انتقال الافكار والناس والسلع، بين جميع بلدان العالم، بالرغم من النزاعات الاقليمية والدولية، والسياسة العدوانية لاميركا واسرائيل ضد العالم العربي والاسلامي، والعنصرية والصهيونية وبقايا الاستعمار. وهذا ما يشجع المؤسسات الانتاجية في العالم بأسره على اللجوء الى الاعلان بشكل متزايد، وذلك بالاعتماد على المؤسسات الاعلامية. واننا نرى ان الاعلام والاعلان اصبحا يسيران جنبا الى جنب. وهذه العملية تساعد على ترويج السلع، وفي الوقت نفسه تساعد على تطوير وسائل الاعلام. ولكن من زاوية نظر معينة، فهذا يحد من حرية الاعلام، لانه يجعله رهينة بارداة المعلنين وسياستهم. على هذا الاساس يبرز اكثر فأكثر الاختلاط بين العناصر الثلاثة التالية:
1 ـ السياسة (الاتجاهات والاهداف السياسية، الكامنة خلف كل مؤسسة اعلامية، وخلف المعلنين: الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية والتجارية).
2 ـ الإعلام (سينما ـ مسرح ـ تلفزيون ـ نشر ـ صحافة ـ اذاعة، بكل ما تنتجه بدءا من ألعاب الاطفال البريئة، وانتهاءا بالادب الكلاسيكي والقواميس والموسوعات (الانسيكلوبيديات)، مرورا ببرامج الالعاب والفنون الهابطة و"ادب" البورنوغرافيا، حيث ـ مع الخدمة بحد ذاتها ـ يقصد الوصول الى الجمهور المعين لايصال رسالة معينة او لاصابة هدف آخر لا علاقة له بالاساس بالمادة الاعلامية المقدمة اوليا كـ"طعم").
3 ـ الإعلان التجاري (من قبل مختلف الشركات والمؤسسات، ونجد ان شركات معينة تعمد عن طريق الاعلان الى دعم برامج اعلامية (ترفيهية ، تثقيفية ، سياسية وغيرها) معينة، كما والى دعم مؤسسات اعلامية معينة تلتقي معها في الاتجاهات والاهداف السياسية).
وهذا الثلاثي، التابع لهذه الدولة او تلك، هذه القوة او تلك، يعمل المستحيل للسيطرة على "السوق الاعلامية" و"السوق التجارية" و"الحياة السياسية" معا. وهذا ما يهدد المجتمع المعاصر بالوقوع تحت رحمة الشموليات الجديدة (totalitarianism) التي هي اخطر بكثير من شمولية الانظمة الدكتاتورية (الستالينية والهتلرية الخ) السابقة التي كانت تعتمد على القمع والاجهزة البوليسية. اما الشموليات الجديدة فهي تعتمد على "معالجة" (manipulation) و"تضليل" (disinformation) الرأي العام باسم الدمقراطية وحرية الصحافة والحرية التجارية وغير ذلك من الخرافية (mythicism) المعاصرة التي هي اخطر من الخرافيات القديمة، الدينية والايديولوجية والقومية والعنصرية، لان الخرافية البرجوازية المعاصرة تتخذ طابعا شكليا من "العلم" و"الحرية" و"الفردية".
واذا جمعنا القدرات المادية والاعلامية والسياسية (بما في ذلك القمع غير المباشر، كالتضييق في العمل على الاعلاميين "غير المطواعين" وتجويع المبدعين "المعارضين" الخ) للثلاثي المشار اليه، مع الرغبة المسبقة في التضليل الاعلامي (disinformation) كما سبق واشرنا، نجد انه اصبح هناك ارضية واسعة جدا لتضييع وتحريف وتشويه الحقيقة، وتقديم الوقائع ذاتها بأسلوب تأويلي (interpretation)، من شأنه عرض الوقائع بشكل مقلوب تماما احيانا، يعكس وجهة نظر المراجع الاعلامية والقوى السياسية والتجارية التي تقف وراءها. ومن اخطر اشكال هذا الاتجاه، لا سيما في السياسة الخارجية للدول، هو تنميط (stereotypy) وشخصنة (personalization) الاتجاهات السياسية الكبرى والجماعات الدينية الكبرى والشعوب والدول، سواء بشكل سلبي مشيطن (demoniacal)، كما بالنسبة للعرب والاسلام بشخص "بن لادن" و"الزرقاوي"، او بشكل ايجابي مؤسطر (mythical) كما بالنسبة لاميركا والغرب بشخص "بوش".

القطيعة مع التاريخ والحضارة العالميين
من اخطر اتجاهات الاعلام المعاصر في عصر "النظام العالمي الجديد" ومحاولة اميركا بالاخص فرض هيمنتها على كل شيء، هو "السيطرة على الوعي الذاتي التاريخي للشعوب"، و"تفكيك" (dislocation) و"اعادة تركيب" اعتباطي (arbitrary reconstruction) او "اصطناع مزيف" (simulation) للتاريخ بما يتلاءم مع اتجاه الهيمنة الاميركية. (مثال: طمس الحقيقة التاريخية حول نشوء المسيحية بوصفها ـ قبل الاسلام ـ هي اول ديانة قومية جامعة لشعوب الامة العربية. فيوحنا المعمدان قد غادر المدينة اليهودية ولجأ الى وادي نهر الاردن. وهناك كان "يعمـّد" المؤمنين في نهر الاردن (كرمز للاغتسال من ادران وانحطاط المدينة اليهودية ومعتقداتها الباطلة). والانصار الاولون ليوحنا المعمدان هم بدو نهر الاردن (ولا تزال طائفة يوحنا المعمدان "الصابئة" (او مسيحيو يوحنا المعمدان) موجودة الى الان في العراق، وهي طائفة عربية كلية. ويوحنا المعمدان قتله الرومان بالتآمر من قبل الكهنة اليهود والراقصة سالومي وامها هيروديا عشيقة هيرودوس حاكم فلسطين الروماني. والعائلة المقدسة (يوسف ومريم ويسوع الطفل) هربوا من فلسطين الى مصر عبر شاطئ غزة ورمال سيناء على مسافة مئات الكيلومترات، الى مصر، وذلك بمساعدة صيادي السمك الفلسطينيين وبدو سيناء وفلاحي مصر، العرب جميعا، في حين ان الرومان واليهود كانوا يطاردون عائلة الطفل يسوع لقتله. وبعد ان بدأ المسيح بالدعوة الى الدين الجديد (وكان يتكلم ويبشر باللغة الآرامية ـ العربية القديمة)، فإن الرومان قتلوه بطلب من القادة والرعاع اليهود، وطاردوا جميع تلامذته وانصاره واضطهدوهم شر اضطهاد. فمن حمى هؤلاء التلامذة والانصار، ومن تبنى الرسالة السماوية الجديدة؟؟ انهم العرب الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والمصريون الخ. ففي الاراضي العربية بالذات نشأت الكنيسة المسيحية الاولى، ومنها انطلق المبشرون الى كافة انحاء العالم القديم للتبشير بالدين الجديد. والغالبية الساحقة من شهداء المسيحية الاوائل هم من العرب الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين الخ. ولكن رغم نف كل وقائع التاريخ المسيحي الحقيقي، فإن "المسيحية الغربية المتصهينة" (بواسطة سيطرتها على الاعلام الموجه) تعمل المستحيل لطمس "عروبة" الديانة المسيحية، وللادعاء بأن العرب هم فقط مسلمون، وان الاسلام هو معادٍ للمسيحية التي تعطى طابعا "يهوديا ـ غربيا". / مثال آخر: قام العثمانيون باستعمار منطقة شبه جزيرة البلقان، بما فيها بلغاريا، لمدة 500 سنة. ولولا العراقة الحضارية والمقاومة المسلحة والسياسية والثقافية للشعوب الاوروبية الشرقية، لاضمحلت شخصياتها القومية ولحل بها ما حل بالهنود الحمر على يد الغزاة البيض المتوحشين في اميركا. والشعب البلغاري يفتخر بشخصيات تاريخية تمثل وجدان وحضارية هذا الشعب، وعدالة قضيته، مثل فاسيل ليفسكي وخريستو بوتيف وحاجي ديميتر الخ. ومع ذلك فإن هناك في بلغاريا "الدمقراطية!!!" اليوم، من يستغل حرية الاعلام كي يحاول (بدعم اميركي وتركي) ان "يعيد تركيب" التاريخ بشكل "مصطنع" (simulation) ويدعي انه لم يكن يوجد "عبودية" او "نير تركي" في التاريخ البلغاري، بل انه كان يوجد "حضور تركي" (presence). وهذا التزوير التاريخي ليس مسألة اكاديمية واعلامية فقط، بل هو مسألة خيانة وطنية وقومية، الهدف منها التمهيد لتحويل بلغاريا الى "محمية تركية"، والا.... فإن "سيناريو كوسوفو" جاهز للتنفيذ في بلغاريا (منطقة الرودوبي والبوماك)، او على الاقل "سيناريو البوسنه والهرسك" الدموي، او "سيناريو مكدونيا" السلمي (بقصد نزع الصفة القومية البلغارية عن بلغاريا، وتحويلها الى "دولة جغرافية" تعيش فيها "قوميات" متعددة. وطبعا في هذه الحالة فإن "القومية التركية" ستكون هي الاقوى، نظرا للتواصل الجغرافي بين المنطقة التي يقطنها الاتراك ـ البلغار وبين تركيا، وللدعم الاميركي غير المشروط لتركيا، ولعجز اوروبا الغربية عن الوقوف بوجه المخططات الشيطانية "الاميركية ـ الصهيوينة ـ التركية"، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة، وخاصة في الحرب الظالمة على صربيا). واذا لم يع الوطنيون البلغار الاخطار التي تتهدد وطنهم، فإن شعبهم سيكون في مهب الريح، وهو قد يهزم إعلاميا قبل ان يهزم بأي معركة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى، خاصة وان بلغاريا بلد صغير، وهي الان بعيدة نسبيا، سياسيا، عن روسيا، العمود الفقري للشعوب السلافية ووعيها الذاتي الحضاري والتاريخي.)

"البلقنة" من جديد!
كانت كلمة "البلقنة" في الماضي تعني التفكك الاتني والديني والقومي لشعوب شبه جزيرة البلقان، التي تلتقي عندها او هي نقطة تقاطع للثقافات المتعددة الاوروبية الشرقية والاوروبية الغربية، المسيحية، والتركية ـ الاسلامية. وفي السابق كان البلقان يسمى "برميل بارود". وقد ارتبط هذا التعبير بالحروب البلقانية في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، عشية الحرب العالمية الاولى، ومن ثم في الحرب العالمية الاولى التي اندلعت شرارتها تحديدا من البلقان، على اثر قيام القوميين الصرب باغتيال ولي عهد امبراطورية النمسا ـ المجر في سرايفو. وقد حاول المارشال تيتو (الكرواتي الاصل) تجاوز "البلقنة" عن طريق تشكيل جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية. وقد طرحت في اعقاب الحرب العالمية الثانية فكرة "الكونفدرالية البلقانية"، التي وافق عليها الزعيم التاريخي البلغاري غيورغي ديميتروف، وعارضها ستالين بشدة وافشلها. وقد انعكس ذلك في الانشقاق في صفوف "الكومنفورم" الشيوعي، والنزاع العنيف بين ستالين وتيتو، الذي وجد انعكاسه على اليونان وبلغاريا. وهذه الظروف اعاقت اعادة بناء دول البلقان بشكل موحد. وبعد نهاية الحرب الباردة وزوال حلف فرصوفيا، اتيحت فرصة تاريخية لاعادة توحيد كل بلد بلقاني ومختلف دول وشعوب البلقان، على اسس دمقراطية حقيقية، تحفظ فيها حقوق جميع الاتنيات والاديان والقوميات، على اساس مبدأ "التنوع في الوحدة"، على مثال "الاتحاد الاوروبي". وفي هذا السبيل جرت لقاءات وحوارات عديدة بين مختلف المثقفين وممثلي الرأي العام في البلدان البلقانية، ولا سيما على صعيد الاحزاب الاشتراكية واليسارية والشيوعية السابقة والحالية. ولكن هذا الاتجاه الحواري والتوحيدي ضعف امام الستراتيجية الاميركية، القاضية بمتابعة اللعب التاريخي على "البلقنة"، من اجل منع وحدة وتأديب شعوب البلقان التي سبق لها واختارت "الاشتراكية الواقعية" وسارت في تحالف مع الاتحاد السوفياتي السابق، ومن اجل اضعاف وتفكيك البلدان والشعوب السلافية خاصة، والمسيحية الشرقية عامة، ولتعزيز دور "الاسلام التركي ـ العثماني الجديد"، الذي هو عدو تاريخي لروسيا والشعوب المسيحية الشرقية، من جهة، وللعرب من جهة ثانية، ولايران من جهة ثالثة، وهذا ما يتفق تماما مع المصالح والتوجهات الاميركية ـ الصهيونية. وضمن هذا السياق تمت المؤامرة الدولية على يوغوسلافيا وتم تفكيكها، ثم استكملت فصول المؤامرة ضد صربيا، التي جرى ضربها وتفكيكها وانتزاع كوسوفو منها وتحويلها الى قاعدة تخريب سياسي واقتصادي واخلاقي (تجارة المخدرات والرقيق الابيض والمسروقات) ضد شعوب البلقان وشعوب الاتحاد السوفياتي السابق. وتم كل ذلك تحت حملة دعاية عنصرية عالمية ضد الصرب ونظام ميليسوفيتش، الذي تم اعتقاله واحالته الى المحكمة الدولية. وحينما وجدوا ان المحاكمة ستنقلب عليهم، وانه يمكن ان يترشح للانتخابات الرئاسية ويفوز على المرشح الموالي لاميركا، وهو في السجن، عمدوا الى تسميمه داخل السجن. وفي حين تعمل السياسة الاميركية (بمساعدة منظمة "المجتمع المفتوح" لجورج سوروس، ومنظمة "النادي الاطلسي" الذي يراسه السيد سولومون باسي ـ الصهيوني، وزير خارجية بلغاريا السابق) على اضعاف استقلال دول وشعوب البلقان، فهي تعمل في الوقت ذاته على دعم تركيا و"الاسلام التركي" في البلقان، والهدف الابعد هو: تحويل البلقان الى "منطقة نفوذ: تركية ـ صهيونية ـ اميركية". ويتم انفاق عشرات ملايين الدلارات على الاعلام الاميركي ـ الصهيوني ـ التركي في منطقة البلقان، الذي يصب في هذا الاتجاه.
وبفضل هذه السياسة الخرقاء تحول البلقان من جديد الى "برميل بارود" يهدد سلام العالم اجمع!

الأمـركة!
ان هيبة ما يسمى النظام العالمي الجديد في الثقافة السياسية الكونية، في الزمن الراهن، انما هي مبنية على عنصرين:
الاول والاهم هو الرهبة، او الخوف، من مواجهة القوة الساحقة لاميركا والصهيونية العالمية، ماليا واقتصاديا و"ثقافيا" وعسكريا الخ. وتتبدى هذه الرهبة في اوروبا الغربية والشرقية خصوصا، نظرا للارتباط الكبير للبنى التحتية والفوقية في اوروبا الغربية، باميركا، من جهة، وهيمنة اليهود الصهاينة على الكثير من القطاعات، من جهة ثانية. ونظرا لهزيمة النظام الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري، الذي كانت تمثله "الاشتراكية الواقعية"، بالنسبة لبلدان اوروبا الشرقية.
والعنصر الثاني لهيبة "النظام العالمي الجديد" هو وجود شرائح اجتماعية "مستفيدة" من التغييرات التي تحدث، وخاصة في القيادات الحزبية والسياسية وفي قطاع الاعلام و"الثقافة" (بمعناها المؤسساتي ـ الجهازي ـ المصلحي، لا بالمعنى الحضاري للثقافة). وهذه الشرائح هي اشبه شيء بحصان طروادة داخل البلدان الاوروبية ـ الشرقية والغربية ـ وينطبق عليها تشبيه "الطابور الخامس" الاميركي ـ الصهيوني. وفي ظروف طبيعية لهذه البلدان، فإن هذه العناصر ستنكشف تماما بكونها "يوضاسيين" باعوا "مسيحهم" للفريسيين، وباعوا انفسهم للشيطان بـ"ثلاثين من الفضة".
وللوصول الى غاياتها الانانية الضيقة، تحاول الاحتكارات الاميركية ـ الصهيونية الكبرى، والشرائح العليا السياسية والثقافية والاعلامية المرتبطة بها، ان تمسخ التراث والتاريخ والثقافة والشخصيات القومية المستقلة لجميع شعوب العالم، وتفتيتها وتفكيكها من الداخل وضرب بعضها ببعض، لاضعاف الجميع واظهار "لا جدوى" و"ضرر" الخصائص الوطنية والقومية، ولتحويل العالم الى قطعان ضائعة من البشر عديمي الملامح الانسانية، واختزال البشر الى كائنات حية (في المستوى الحيواني) ذوي حاجات جسدية فقط، تمهيدا لفرض "النمط" الاميركي عليهم جميعا، من المأكل والملبس واللغة واسلوب الحياة والمفاهيم والقيم. وهذا ما نسميه "الأمركة". علما ان هذه الأمركة ـ حتى بالحسابات الاقتصادية البحت ـ لا تعني رفع المستوى الحياتي والمعيشي لمختلف شعوب العالم الى المستوى الاميركي، بل العكس هو الصحيح: اي نزع الارادة الحرة لدى مختلف شعوب العالم، لتحويلها الى قطعان من الخدم ـ الروبوتيين، عديمي الشخصية الاجتماعية والقومية والانسانية، في خدمة الهيمنة الاميركية، وبالتالي رفع مستوى اميركا على حساب كل من يسير وراءها وفي خدمتها. ومثال بلغاريا هو خير دليل على ذلك. فقد سارت بلغاريا، بعد ما يسمى "التحول الدمقراطي!!!" خلف "النمط" الاميركي. فماذا جنت؟ ان بلغاريا اليوم، في مطلع القرن الواحد والعشرين هي، بفضل "الأمركة"، وبكل المقاييس المعيشية والاجتماعية والثقافية والصحية، أسوأ مما كانت عليه في اواخر القرن التاسع عشر. و"القيم" الوحيدة التي ربحها الشعب البلغاري العريق من "الأمركة" هي: العلكة، والماكدونالدز والـKFC، والمخدرات، والبورنو، والايدز، والفساد والجريمة المنظمة، بالاضافة طبعا الى انتشار عادة تربية القطط والكلاب بدلا من تربية الاطفال. وتحت شعارات "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حقوق الاقليات" يجري ـ في وقت واحد ـ تقليص عدد البلغار (السلافيين) و"غجرنتهم" (اي إفقارهم وتخفيض مستواهم الاجتماعي والثقافي ووعيهم وعنفوانهم القومي، ليصبحوا في مستوى الغجر)، وزيادة عدد الغجر و"بلغرتهم" (اي رفع مستواهم المعيشي والثقافي ووعيهم "القومي" البلغاري ـ الغجري، ليحلوا محل البلغار السلافيين).

الأسرلة!
ان احد ابشع واغبى اشكال السياسة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية المعاصرة، التي تفرض فرضا على مختلف البلدان والشعوب، تحت الشعارات الكاذبة حول "مكافحة الارهاب" او ضد "معاداة السامية"، هو: الأسرلة؛ اي تبني وجهة النظر الاسرائيلية في الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ضد نضال الشعب الفلسطيني لاجل التحرر من الاحتلال والظلم.
ومثال بلغاريا هو نموذجي على هذا الصعيد: كانت بلغاريا تمتلك صورة ايجابية في البلدان العربية خاصة والشرقية عامة، بوصفها صديقا وفيا لشعوب تلك البلدان وقضاياها العادلة. ولكن بعد التحولات المسماة "دمقراطية!!!"، فإن بلغاريا، واجهزتها الاعلامية، انتهجت سياسة خاطئة تماما، تجعلها تخسر اصدقاءها الحقيقيين، دون ان تربح اصدقاء جددا بشخص الدول الغربية واسرائيل، التي لا يمكن ان تكون صديقة حقيقية لبلغاريا بل هي تستغلها وتستفيد منها بكل شيء، دون ان تفيدها بشيء. وقد فقد الاعلام البلغاري مصداقيته وموضوعيته المهنية، من اجل ارضاء اميركا والصهيونية واسرائيل (مثال: التعامل مع مأساة الاطفال المصابين بالايدز والمعتقلين البلغار في ليبيا، ليس لاجل إحقاق الحق الانساني ومواساة الشعب الليبي على مصابه والدفاع عن المواطنين البلغار اذا كانوا ابرياء، بل لاجل شن حملة سياسية معادية للعرب والمسلمين، مما شكل تهديدا لسلامة المواطنين البلغار المعتقلين، وغيرهم من الوف المواطنين البلغار الذين كانوا لا يزالون يعملون في ليبيا وغيرها من البلدان العربية والاسلامية). (مثال: التعتيم الاعلامي على الجرائم الفظيعة التي ترتكبها اسرائيل كل يوم ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وعرض اي عملية للمقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال، من وجهة نظر اسرائيلية. فاذا قامت دبابة اسرائيلية بقتل اطفال فلسطينيين، يعتبر هذا الفعل الوحشي "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها". واذا نسف استشهادي فلسطيني هذه الدبابة يعتبر ذلك "ارهابا" و"لاانسانية" وقتل للشبان الاسرائيليين (اي طاقم الدبابة من الجنود) الذين كانوا "يتنزهون" او "يمرون صدفة" بالمكان. واذا تمت مواجهة بين القوات الاسرائيلية ومظاهرة شعبية فلسطينية، استخدم فيها المحتلون الاسرائيليون الرصاص والقنابل، واستخدم فيها الفلسطينيون الحجارة، وسقط 10 شهداء فلسطينيين و99 جريحا، واصيب جندي اسرائيلي بحجر، يعتبر ذلك "اشتباكا بين الفلسطينيين والاسرائيليين سقط فيه 10 قتلى و100 جريح من الطرفين"). ان تحسين صورة بلغاريا الدولية، ولا سيما على المستوى الاعلامي، يرتبط عضويا بتحرير الاجهزة الاعلامية من هيمنة الطابور الخامس الاميركي ـ الصهيوني، المعادي في الحساب الاخير للمصالح القومية العليا للشعب البلغاري، قبل ان يكون معاديا للعرب والمسلمين والشعوب الشرقية بما فيها روسيا.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدة كيانية سايكس بيكوية، حلها في الميدان لا في البرلمان
- حوار الطرشان ... حقا طرشان!!!؛
- العداء الاستعماري الغربي للشرق العربي، و-الوعد الشيطاني-؛
- الشهيد ياسر عرفات... ضحية وهم -السلام- مع اسرائيل
- وأي رئيس جمهورية يريد حزب الله؟!
- وثيقة شيوعية بلغارية تفضح التواطؤ الستاليني الصهيوني
- العرب والبلغار على المسرح الحضاري العالمي
- حرب تموز 2006، والخطة -السلمية- الاميركية لاحتواء حزب الله
- الفتنة ليست طريق الخلاص لسوريا
- اغتيال الشيخ رفيق الحريري وصراع الكتل المالية الدولية للسيطر ...
- نحو جبهة أممية موحدة
- نحو بناء التنظيم الشيوعي الثوري العربي الموحد
- احمدي نجاد ليس معتوها، بل -العرب- متخاذلون!
- 1 العلاقة التناحرية الروسية الصهيونية،والمصير الملتبس لاسر ...
- اذا خضعت حماس، هل سيخضع حزب الله؟!
- الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير ال ...
- حزب الله في الكماشة
- صدام حسين.. المثال النموذجي للسقوط التاريخي للبرجوازية الصغي ...
- النظام الليبي يدخل بامتياز في اللعبة الاميركية
- من ارتكب الجريمة الكبرى ضد الاطفال الليبيين؟ ولماذا؟


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - 1 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثوري العربي