|
العَذراء والبرج *
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2378 - 2008 / 8 / 19 - 07:42
المحور:
الادب والفن
من مدوّنة مجهول / العسكرُ المغوليّ ، اللجب ، كان قد أضحى قدّام أسوار الحاضرة . " كتبغا " ، قائدهم المرعب الحضور ، تأثلَ بعضاً من رقة أخته ؛ زوجته الجميلة ، التي سبق أن تنصّرت على يد كاهن نسطوريّ . ولكنّ هذه الرقة ، الموصوفة ، لم يحظ بها الآخرون ، على كلّ حال ، ممن أمعنوا في مداهمة برّ الشام . وكالعادة ، تمّ قتل الرجال وسبي النسوة ، فيما سيق الأطفال من ثمّ في طريق الإياب ، المُفضي لبوادي آسية ، القصية . وكان " كتبغا " قد أمّن العائلة الحاكمة ، الأيوبية ، مشترطاً قبل كلّ شي تسلّم مفاتيح المدينة . في سبيله ، طائعاً ، إلى خيمة المغوليّ الفاتح ، تجاهلَ الملكُ الناصر عويلَ نسائه ، المدمّر ، المتصاعد من فوق الأسوار والمُخترق الآفاق ، وإستصراخاتهنّ ألا يستسلم للكفرَة . إصطحبَ معه أفخر الجواهر والملبوس والجياد ، هديّة ً للفاتح وحاشيته ؛ هوَ العارف بطبيعة الحال ، أنها أشياءٌ من متاع الدنيا ، الفانية ، ما عادت لتنفعه بشيء .
بإحتفاءٍ ، مُعتبَر ، إستقبل الملكُ الأيوبيّ ، الفتيّ نوعاً ، من لدن المحاربين ، الذين أبدوا دهشة ، كبيرة ، أمامَ صورته البديعة ، النبيلة . سألَ " كتبغا " عنه من كاتبه " كويوك " ، فأجاب هذا وبسمة غلّ ، سامّة ، تقطر من شدقه : " كيف ؟ إننا في حضرة سليل صلاح الدين ، قاهر الملوك الفرنجة " . الملكُ الأسير ، أمضى أياماً ستة حسب ، في تلك الخيمة الفارهة ، المنصوبة في قلب المعسكر الغريم ، المُرابط في " مقام إبراهيم " ، على بعد فراسخ قليلة من أسوار المدينة . ومع عزلة مقامه ، فإنّ الملك الناصر ، حزيناً مقهوراً ، كان يُدرك جيّداً ما يجري من أهوال في شامه الحبيبة ، المنتهكة . هي ذي صبيحة اليوم التالي ، السابع ، الشاهدة على إفاقة ملولة ، متعبة ، للقائد المغوليّ ، بعدما قضى ليلة اخرى ، ماجنة ، صحبة أجسادٍ لم يُبصَر مثيلاً لفتنتها تحت بريّة الله .
مُتطيّراً ، بعث " كتبغا " إلى كاتبه ، لكي يوافيه في الحال . كلمه بإقتضاب عن حلم مزعج ، كان قد خرج من براثنه للتوّ : " شارفتُ نهر " بردى " ، وأنا أكاد أموت عطشاً ، ولكن راعني أنه يستحيل عليّ من موقفي ذاك ، العالي ، إدراكَ مياهه ، المشهورة بعذوبتها " . قرر " كويوك " ـ الذي كان معروفاً في البلاط بمراسلته البابا باللغة الآرامية ـ أن يؤوّل على هواه حلمَ سيّد البرَيْن والبحرين . ساعة اخرى ، ثمّ أحضر على الأثر آخر ملوك بني " أيوب " ، الشوام ، فلم يلبث سوى دقيقة واحدة ، ليهوي جسداً بلا رأس . في عصر ذلك اليوم ، كان القائد المغوليّ يتسكع سعيداُ في دروب المدينة ، الهادئة . حالما أشرفَ على النهر ، المُقدّس ، راح يتأمل أمواهه المذهّبة ، والتي يزعمُ أنّ منبعها مركون فوق ، في الجنة السماوية . أعطيت الإشارة الآمرة ، المطلوبة ، فما عتمَ بعضهم أن تعاونوا على رمي الجسد الملكيّ ، الشهيد ، في لجة النهر ، مما أحدث جلبة حين إرتطامه بالمياه . تقلبت الجثة مرات ، فيما التيار يسحبها ببطء متثاقل ، حزين . الثواني والدقائق ، مرّت دونما حدث ما ، جلل ، مما أفقدَ " كتبغا " رباطة جأشه : " يا أحمق ! أيّ جثة لقادرة ، وحدها ، على خلق طوفان ؟ " ، قال لكاتبه مغضباً . هكذا ، تلقف النهرُ بقية الجثث ، الأكثر طزاجة ، لقتلى ذلك النهار ، والتي كانت مكوّمة تحت برج القلعة ، الرئيس ، على شكل أهرام سامق . طافَ " بردى " ، وإرتوى القائد الدمويّ من السلسبيل ، النمير ، المكسور إيسافاً بالسائل الخمريّ ، الأشهى .
* مستهلّ الفصل السادس ، من رواية " برج الحلول وتواريخ اخرى "
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطلسَم السابع 6
-
محمود درويش ، الآخر
-
الطلسَم السابع 5
-
الطلسَم السابع 4
-
زمن السّراب ، للشاعر الكردي هندرين
-
الطلسَم السابع 3
-
الطلسَم السابع 2
-
دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
-
الطلسَم السابع *
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة
-
حَواريّو الحارَة 6
-
النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
-
حَواريّو الحارَة 5
-
حَواريّو الحارَة 4
-
حَواريّو الحارَة 3
-
حَواريّو الحارَة 2
-
النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
-
حَواريّو الحارَة *
-
مَسْرىً آخر لمَغاورها
المزيد.....
-
الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو
...
-
تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري
...
-
وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب
...
-
“أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m
...
-
فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش
...
-
أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا
...
-
الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود
...
-
“نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|