توقيت ايقاض الصراع النائم في القوقاز ؟

جمال محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 08:20
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

رغم الصغر الشديد لجمهورية جورجيا بالمقارنة مع الدولة القارة المتمددة على كل الطابق العلوي لاوروبا واسيا دولة روسيا الاتحادية لكنها ومنذ الايام الخوالي للدولة السوفياتية كانت تشكل جزءا لامعا على خارطة الامبراطورية المترامية الاطراف ، ومبعث ذلك ربما يعود الى قلقها الداخلي الذي صيرته جغرافيتها بحيث جعلتها كعصفور يمد رأسه في فضاء مائي مطوق ـ البحر الاسود ـ بنسور تتصارع على مفاتيح بوابات هذا الفضاء ، اضطراب تاريخيها يؤكده حضورها الاجباري شبه الدائم في معظم الصراعات الكبيرة لمنطقة القوقاز والقرم بين العثمانيون والقياصرة ثم بين البلاشفة وتركيا الكمالية ثم تداعيات الحرب الباردة التي كانت تغازل الحواف السوفياتية اكثر من غيرها ـ جمهوريات البلطيق والقوقاز ـ !
لدى نخبها نزوع لانتزاع ما يؤمن كيانها الضئيل ، هي من انجب جوزيف ستالين الذي اراد ارادويا الغاء كل الفوارق بين الصغار والكبار في دولة المنجل والمطرقة !
بعد الانهيار السوفياتي السريع وبعد التقدم الاسرع لامبراطورية القطب الاوحد وذراعها الطويلة ـ الحلف الاطلسي ـ ومع اغراءات الانضواء تحت جناح الغرب المنتصر راحت الدول الفارة من اضطرابات السقوط تنخرط وبحماس يغذيه ضعف الجار والحاضن الاكبر ـ روسيا الاتحادية ـ بمعسكر المنتصرين الذين يتقدمون بحلفهم الاطلسي لتطويق بيت الدب النائم والتنين الناهض وكل بيوت الطاقة الفاعلة في العالم حتى لا تقوم للدول الخارجة على بيت الطاعة الغربية قائمة !
ان الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي وبالتالي تجسيد التبعية الشاملة للغرب هي خارطة طريق لسياسة احتواء كل دول الطوق الصغيرة والكبيرة في الجانب الاوروبي اما في الجانب الاسيوي فان التغلغل الاقتصادي ومعاهدات الشراكة الامنية هي سكة خلفية للتطويق الجنوبي !
جورجيا موعودة ـ بالفردوسين ـ الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي ، جورجيا لم تفلح بتصفية حساباتها القديمة مع الجار العملاق فاوسيتيا منطقة عالقة بين الدولتين الشمالية جزء لا يتجزء من روسيا والقسم الجنوبي بقي ضمن جورجيا وسكان كلا القسمين ينطقان بالروسية كما هو حال اقليم ابخازيا الحدودي ، جورجيا تضع نفسها تحت تصرف الذراع الاطلسية لتساعدها على انجاز تصفية حساب ملائمة لها مع روسيا حتى لو اضطرت لاستفزاز الدب الروسي الجريح !
المناطق الجورجية المحاذية للحدود الروسية ـ اوسيتيا الجنوبية وابخازيا ـ كانت تتمتع بحكم ذاتي منذ ايام الدولة السوفياتية وسكانها يختلفون عرقيا عن السكان الجورجيين ولهم ميول تاريخية للارتباط بالروس ، وحصلت صدامات متكررة بين مشروع سكان اوسيتيا الجنوبية وابخازيا للاندماج بروسيا الاتحادية وبين اصرار جورجيا على الاحتفاظ بهذه المناطق ذات الحكم الذاتي بل راحت ابعد من ذلك عندما حاولت الغاء حكمها الذاتي مما تسبب باشتعال المواجهات العسكرية في بداية التسعينيات ومنتصفها وهذا ما اضطر سكان المنطقتين لطلب الدعم الروسي الذي جاء وبقوة ليعزز على الارض منطق البحث عن الحلفاء على طول حدود صارت تعج بالاعداء ، ثم جرى تطبيع الموقف بوضع قوات مراقبة روسية على حدود المنطقتين مع جورجيا لمنع اي تجاوز عليها ، لكن وصول ميخائيل ساكشفيلي لرئاسة جورجيا وهو يمثل جيل من المتآمركين الجدد في جورجيا ، جعل الموقف كله عرضة للاهواء الامريكية حيث راهن ساكشفيلي على المواجهة المباشرة بعد ان تلقى كل تطمينات الدعم الامريكي له ، فهب بقواته مجتاحا عاصمة اوسيتيا الجنوبية فتصد الروس له واجبروه على التقهقر مظهرين غضبهم الشديد من التدخلات الامريكية وحلفها الاطلسي الذي يضيق الخناق على طول وعرض حدودهم !
السؤال المنطقي هنا هو لماذا اعطت امريكا الضوء الاخضر للرئيس الجورجي لاستفزاز الروس وتحديهم في هذا الوقت وليس غيره ؟
هل هو جزء من سياسة فرض حالة التقهقر على الروس ؟ ام انه مرتبط بواقع ارصدة مرشحي حزبي الانتخابات الرئاسية الامريكية ؟ فاشغال الناخب الامريكي بصراع جديد يطغي على حالة الفشل في افغانستان والعراق مع ابتزاز جمهوري للحالة بتشتيت الاهتمامات لصالح نهجه بفتح ابواب الحلف الاطلسي امام دول الاتحاد السوفياتي السابق ، سيظهره بمظهر الضليع الفالح بسياساته الخارجية ؟
اما اذا ذهبنا ابعد من ذلك فاننا سنجد ان محاولة توريط روسيا بمواجهات دموية لجعلها عرضة للنقد الدولي والادانة والانهاك لاضعاف شوكتها في التصدي للتحركات الامريكية الاسرائيلية السائرة نحو تحرك ما ازاء ايران لاسيما وان الاصابع الخفية لاسرائيل غير بعيدة عن الاهداف الاقليمية المتحققة من وراء تلك المواجهات ، البصمة الاسرائيلية في السياسة العسكرية الجورجية تسليحا وتدريبا وتخابرا ليست بخافية انها تؤشر على التكامل العملياتي بين اجندة الحلف الاطلسي واسرائيل من جهة واسرائيل والمخططات الامريكية من جهة اخرى في هذه المنطقة الحساسة من العالم والتي تعج بالنفط والغاز وانابيبها !

#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات