|
العالم يعيد اكتشاف جيفارا !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2321 - 2008 / 6 / 23 - 10:17
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في ثورة طلاب باريس 1968 حملت لافتات عليها صور غير معتادة ، رجل بملامح وسيمة وطلة تشبه طلة المسيح لكن نظرات عينيه ليست خاشعة ، ويبرق منها وميض حلم تكمن فرادته باستحالة قتله ! في عهد السادات حمل طلاب وعمال القاهرة شيئا من حلم جيفارا زادا لطريق ثورتهم التي ارادوا بها شيئا من العدل ، فالتبس الامر على الحاكم وراح يسقط على الثوار شيئا من صفاته ـ ثورة الحرامية ـ ! في مخيمات عمان واربد مجالس يحضرها جيفارا ـ بؤر ثورية ، حرب عصابات ـ اعطني مفرزة لثوار لا يزيد عددهم عن عدد اصابع الاطراف ، مؤهلين مؤمنين بالحلم الذي سيأتي رغم انف الموت ورغم انف الجحافل المجحفلة ، اعطيك شرارة متنقلة لثورة لا ينطفيء لهيبها الا برؤية الحلم على الارض بعينين يقضتين ! حضر مجالس الثورة في فيتنام والنيبال ونيكاراغوا وقيل انه كان في كتائب ثوار انغولا وموزمبيق وغينيا بيساو ومصر والجزائر ، قيل انه حاور عبد الناصر ولوممبا وجياب قيل انه لمح لجورج حبش بشيء ما ! كان مولعا بالالمام بتضاريس الارض التي تعزف عليها انغام الثورة وكان حريصا على تمهيدها كما تمهد الناس ، فالناس يشبهون الارض التي يعيشون عليها ! الثورة تتدحرج واحيانا تتعثر ولا تواصل تقدمها ، المطبات والمنعطفات ، والحواجز تستوقفها فتتراجع ، من هنا فان مواصلة دفعها الى امام هو فن وصناعة ثورية شعبية ، لا خامات لها غير جسد يتماهى مع روحه الواثقة من طريقها ، ويوميات البحث كفيلة بالصهر والتعدين ، والصقل والاستقطاب والترويج ! الثورة صراع ارادات وكلما كانت ارادة الثوار متلاصقة بحلمها كلما كان النصر حليفها ، وارادة العدوتتآكل كلما صقلت ارادة الثوار باحتكاكات صادقة ومخلصة مع الاهالي !
طاقة لا يستوعبها وعاء فانتشرت في كل الانحاء :
روحه حرة نادرة لم تقبل تقديس النصوص او الدول او الثورات الميتة ، لم تقبل بالاقرار بالامر الواقع ، روح متمردة على الاطر والمناهج الثابتة ، فعنده الشيوعية نوع من المغامرة والتجريب واذا توقفت عن فعل ذالك فهي تعرض نفسها للموت البطيء ، عنده الانسانية هي العلم والعلام والهدف والحزب ، وهي لا تكون متحققة الا في انعدام الظلم وبكل انواعه ، هو يختلف مع لينين في التعايش السلمي بين الانظمة الاجتماعية المتناقضة ، ويتفق مع تروتسكي بضرورة جعل الثورة مستمرة استجابة لتناقضات الواقع المقلوب ، يتفق مع ماو في ان الريف بحر المدينة وما ان تنجح في ركوب امواجه ، ستفتح لك المدن ابوابها ، الفلاحون المعدمون الثائرون صنو العمال والمثقفون وفي اتحادهم تشق الثورة عنان السماء . كان قد تحاور مع المسيح وكسبه الى صف الثورة في ربوع امريكا اللاتينية فصار لا يبارحها ، كان معجب بتحدي خوزيه مارتيني وكاسترو لكنه لم يكن ضيق الحلم فلم تكن كوبا ضالته ولا حتى امريكا اللاتينية كلها ، العالم كله بيته وعائلته ومسقط راسه وطريق مسير قدميه ! كانت لاتفارقه المعادلات الاستفهامية ، فاذا كانت الولايات المتحدة هي مدينة كبيرة ، فان حديقتها الخلفية هي المسؤولة عن استمراراها بالحياة ، وعليه بأي حق يعيش ابناء العم سام عيشة الاسياد وهنود القارتين اصحاب الارض واصحاب الخامات والخيرات المنهوبة يعيشون عيشة العبيد ؟ لم يكن مؤطرا للقتال المؤدلج نصرة لشيوعية ما او يسارية ما او وطنية ما ، كان يحتوي كل هذه الاطر ويخرج عنها ليندمج بها مع كل ملامح الزمان والمكان بحثا عن سبيل الخلاص الذي يعالج الاوبئة ولا يسكن الآمها .
الارجنتين بلاده وكذلك كوبا وبوليفيا والكونغو وفلسطين ، لا تسأله عن عنوانه له كل العالم عنوان ، لم يكن يقاتل راس الافعى الاولى فقط وانما كل الافاعي القاتلة ـ ذات الاجراس التي تحتكر البراري والكوبرا التي تحتكر الغابات والافاعي البرمائية التي تحتكر البحر والنهر وما بينهما ـ لم يكن باتستا عدوه الوحيد ولا الجنرالات المزمنين في حكم بلاد الامزون والشركات المركبة العابرة للحدود والقابضة على تلابيب الهنود الحمر والكاكاو والنحاس والكوكايين ، كل أكلة قوت البشر وبالتالي لحومهم اعداؤه ، كل المستعمرين اعدائه كل مصاصي خيرات الشعوب اعدائه .
هو ليس من طراز الفلاسفة ، رغم انه ثائر فيلسوف ، وهو ليس من طراز الزعماء رغم انه ثائر وزعيم الثوار ، لم يكن من طراز الاساتذة رغم انه معلم وشيخ الاساتذة ، لم يكن من طلاب السلطة رغم قدرته على امتلاكها ، لكن رسالة حلمه الابدي ان يقاتلها حتى الموت ، وها هي روحه ترفرف على قلوب اهل المعمورة المبصرين ليواصلوا طريقه طريق الا سلطة عبر افقادها الاهلية !
لايكسر شوكة الارهاب الامبريالي الا الارهاب الثوري :
ارهاب النظام الامبريالي هواعلى مراحل الارهاب البشري واكثره جرما ووحشية وعلى مدى كل حقب ودهور التاريخ المليء ومنذ النشئة الاولى بالصراعات الفتاكة تلبية لاحتياجات البقاء والمنافسة على مصادر الرزق ، حتى غذا هذا ناموس طبيعي له بداية وليس له نهاية ، واصبح هو ذاته مسؤولا عن الوفرة والرخاء لفريق دون الاخر ، وفيه يكمن سر المعاناة والشحة والبؤس لدى الاغلبية الساحقة ، والاستحواذ والتملك وتسخير الكل لخدمة الجزء والاكثرية في طاعة الاقلية ! اصبح الارهاب الامبريالي تحول نوعي في مسيرة ماقبله من حقب ـ العبودية والاقطاع ومرحلة المزاحمة الحرة من الراسمالية ـ فهو ارهاب يستعدي البشر وحاضنتهم الطبيعية البيئة وتوازناتها ، انه موجه موضوعيا ضد الحضارة الانسانية وضد الوجود الحي على كوكبنا ، فهو متفوق بالاسلحة الكونية الفتاكة وهو لا يكل عن العبث بكل انظمة التوازن القائمة في اليابسة والماء والهواء وحتى في الذات الجنية للبشر والاحياء قاطبة ! النهج الجيفاري يبحث عن المبادرة لايقاف الاخلال الامبريالي المتعاظم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للبشرية جمعاء ، ولا يجد سبيلا الا بالتصدي الحازم له ، من خلال مقاومته والثورة بوجهه وارهابه دون انقطاع لاجباره على الانكسار والرضوخ للارادة الانسانية السوية ، النهج الجيفاري يعول على بذر الثورة في كل الاصقاع وفي اوقات استباقية متواترة ومباغتة . النهج الجيفاري يعتبر النظام الكولونيالي القديم والجديد هو شكل متقدم من اشكال الارهاب الاحتكاري بالضد من ارادة الشعوب قاطبة ، ويعتبر الحرب العالمية الاولى والثانية والحرب الباردة اعراض للحالة المرضية التي يعيشها النظام العالمي المستند على احتكار وتقديس الملكية الخاصة والتقسيم غير العادل للعمل والثروة ، فابادة اكثر من 60 مليون انسان وخلال فترة عقدين وبضع سنين دليل مادي صريح على الكارثة المحدقة التي حلت والتي سيزيد حلولها من الارقام الفلكية للموت والسفح والتدمير والخراب ، ما لم تضع الشعوب ومناضليها وثوارها حدا قاطعا لها ! النازية والفاشية والعنصرية بكل اشكالها المستحدثة والمطورة ـ الابارتايد ، والارية ، والصهيونية ، وتفوق اللون الابيض ـ هي وليدة موجات وتيارات ارهابية ملازمة لنهج الهيمنة وعولمة الظلم وتركيزه !
حروب الاستعمار في فيتنام والجزائر وفلسطين وجنوب افريقيا وامريكا الجنوبية هي صيغة حداثية للقرصنة في ظل قانون شريعة الغاب السائد ! الارهاب الثوري هو المعادل الاذكى وهو الواقي من مستقبل مظلم مجهول ، باستنزاف الغول الامبريالي وتعميق جروحه الكثيرة وتفجير ينابيع البؤر الثورية يكون الردع حافزا لتراجع الغول وتقهقره . جبهة ثورية شاملة للمظلومين والمتضررين والمستعبدين والمحرومين واصدقاء السلام الحقيقي واصدقاء البيئة كفيل بجعل الثورة طريق ممهد للتغيير الخلاق نحو انسانية متوازنة ومنسجمة مع ذاتها ومع تطلعاتها المشروعة .
جيفارا لم يمت ولم تنقطع اخباره :
ولد في 14 ايار عام 1928 ترعرع بوسط مرفه من بيوتات الارجنتين المستقرة ، درس الطب وتخرج عام 1952 وعمل في اوساط الفقراء ، كان متميزا بروحه الشفافة وحماسه وحبه للحياة ، لم يكن ينساب مع عالمه المحيط ، فكانت هناك بدواخله تعتمل عوامل من نوع اخر وصلت الى ذروتها في تجاوزه لكل نداءات الترف والدعة ، راح يعيش حالة انفكاك عن عالمه الذي وجد نفسه فيه الى عالم اخر اختاره هو ، هل مناصرة المضطهدين مغامرة ؟ هل عصيان نهج ـ النعام ـ بوضع الرأس بالرمال كي لاترى الحقيقة ، تطرف ؟ واذا كان الجواب نعم ، فسجل ان جيفارا مغامر متطرف ! هكذا كان روبن هود وهكذا كان المسيح وهكذا . . وربما هكذا كان كلكامش ! مثله مثل الاساطير لا يستوقف انتقالها بل فل طيرانها اختلاف الازمان والمواسم والامكنة ! جيفارا زهد بالحياة الهادئة المستقرة لصالح هاتف في داخله ، غادر المدينة التي يحب من اجل عالم اراده يتكحل بالحب الكبير ، الحب الذي لا انانية فيه ولا نرجسية ولا طمع او جشع التملك ! غادر نوافذ الشعر ليطرق ابواب عالم شاعر كله ، غادر الدولة التي كان هو فيها اكثر من وزير ، لفضاء الثورة وروحها الحرة التي تحكم ولا تملك ، اراد ان يفك الحصار عن دولة الرفاق في هافانا بمحاصرة الحصار ، اراد ان يتسع الحلم ويتمدد لا يتقوقع ويتبدد ، ما اصغر الدولة وما اعظم الثورة ، لم تكن الدولة لديه حلم ، حلمه ان يكون الكون كله دولة لا حاكم فيها غير حكم الجمال والاندهاش ! عام 1967 كان على موعد مع التسامي ، كان على موعد مع التحليق الابدي ، حتى قاتله خشع من لحظة الفراق ، جيفارا كعادته لم يستغرب اللحظة وراح يستعجلها لتنجلي فصولها متسلسلة كما ارادها هو !
قال وظل يقول حتى الان ، فصار قوله اشد من وقع سفمونية دقات القدر ، فعل وظل فعله وسائل انتاج لاعمال لا يفعلها الا المتسامون ، قال : " انني احس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا ، فاينما وجد الظلم فذاك هو وطني " ، وقال : " الثورة قوية كالفولاذ ، حمراء كالجمر ، باقية كالسنديان ، عميقة كحبنا الوحشي للوطن . . لا يهمني متى واين ساموت لكن يهمني ان يبقى الثوار منتصبين ويصدحون في الارض ضجيجا كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق اجساد البائسين والفقراء والمظلومين . . " . ختمت النبوة السماوية لكن النبوة الثورية لا تختم ، فجنتها ونارها على الارض وحادي عيسها الهاما ورمزا لا يأفل ابدا قيامتها جيفارا وحشرها حشره وميزانها ميزانه ! تبرع العشاق والمريدون وفقراء مسقط راسه بما امكنهم من نحاس ـ كامن في مفاتيحهم القديمة او ادوات مطابخهم ـ لصنع تمثال شاهق القامة للحبيب الذي لن يغيب ابدا فكان تمثاله سبيكة برونزية فيها تلاوين مريديه ! في الذكرى الثمانين لميلاده رايناه ثانية ، لم يتغير اي شيء في ملامحه التي عرفناها منذ 1967 ، التقيناه هذه المرة وكان جيفارا قد سبق الجميع في دخول معظم الاقسام الداخلية لطلبة الجامعات في العالم ، وكانت صوره مرسومة على جدران معظم العواصم والاحياء ، وكان سباقا في المداومة على حضور احتجاجات حركات اليسار والخضر ومعارضو العولمة الامبريالية .
جيفارا الان جيفارا كان جيفارا يكون
الهواء مسكون به والضمائر ، الحب لا يعرف الركون الثورة تكره السكون
ما خاب ضن الناس في تلك العيون .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-صحوة- احزاب المنطقة الخضراء !
-
لا حِراك في الفطائس يا حراك !
-
كيف سيمررون اتفاقية الانتداب الامريكي على العراق ؟
-
انطباعات في الشيوعية الروزخونية !
-
أجل اسرائيل مسمى !
-
مئة عام من النفط = مئة عام من الدماء !
-
عبود يعبر الحدود !
-
الثوريناطح الثورة !
-
أيار العراقي
-
الطبقة العاملة العراقية تبحث عن حزبها فلا تجده !
-
خمسة أعوام من الارهاب الامريكي في العراق!
-
31 أذار يتوشح بالحزن !
-
الصهيونية عنصرية مدللة !
-
جنس من اجل البقاء !
-
8 اذار رفيق 1 ايار !
-
وديعة بوش الساخنة لخليفته !
-
حوار الطرشان !
-
العراق بين التخيير والتسيير؟
-
نداء غزة !
-
الرجل المومس والبغي الفاضلة !
المزيد.....
-
أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 552
-
النظام يواصل خنق التضامن مع فلسطين.. ندين اعتقال الناشطات وا
...
-
الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا
...
-
بيان مركز حقوق الأنسان في أمريكا الشمالية بشأن تدهور حقوق ال
...
-
الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت
...
-
مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من
...
المزيد.....
-
مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا
...
/ جيلاني الهمامي
-
كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع
...
/ شادي الشماوي
-
حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
/ مالك ابوعليا
-
بيان الأممية الشيوعية الثورية
/ التيار الماركسي الأممي
-
بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)
/ مرتضى العبيدي
-
من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا
...
/ غازي الصوراني
-
لينين، الشيوعية وتحرر النساء
/ ماري فريدريكسن
-
تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية
/ تشي-تشي شي
-
مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|