أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سنان أحمد حقّي - هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!














المزيد.....

هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 10:17
المحور: حقوق الانسان
    


منذ نيفٍ وعشرين عاما تعرّفت على شابٍّ عاد توّاً من أوربا بعد أن قضى فيها بضعة عشر عاما درس فيهنّ أحد أهم العلوم الهندسيّة وتخصص فيها وكان يُتقن ويُجيداللغتين الإنكليزية والألمانيّة إجادةً تامّة ،ومن هواة الموسيقى الكلاسيكيّة والعالميّة ،وقد كان انيقا ومتخلقا بخلقٍ عالٍ يأكل ويلبس ويتصرّف وفق أعلى أتكيتات وأصول اللياقة، وجدته ذا ثقافةٍ عالية وصفاء نفسي وحديث منمّق جميل يُمتع محدّثه عندما يتحدّث في الأدب أو السياسة أو طبائع الشعوب الأوربيّة وسكّان جبال الألب، وكم كنتُ أستمتع بحديثه عن رجل من الريف الألماني كان مُعجبا به وبحبّه للتعلم وكيف كان ذلك الرجل يُحاول أن يُضفي على طباعه ألألوان الألمانيّة فدقّة المواعيد هي من اهم طباعه وحديثه حتّى بالعربيّة كان كانه ترجمة لما تعوّد عليه في التحدّث بالألمانيّة
كان محبّا للنظافة والأناقة وينتهج في عمله كل الأسس والمناهج العلميّة التي تعلّمها وباختصار كان صاحبنا مثار إعجاب كثيرين من أصحابنا الذين تعرّفوا عليه.
وبعد أن شغلتنا الحياة بالشقاء وابتعدنا عن الناس وأصبحنا نخشى بعضنا البعض وبعد مضيِّ سنين طويلة مليئة بالشقاء والنكد التقيت صاحبي هذا عن طريق الصدفة، مرةً أخرى
لقد كان يتجمل بثياب شبه رثّة وينتعل نعالا باليا وكان ينظر لي وإلى من حوله بشيءٍ من الخجل والإستحياء رأيته وهو يقود ثلاثة صبيةٍ صغار قذري الملبس شبه حفاة شعورهم منكوشة ولا يبدو انهم يستحمّون باستمرار وكان يزجر أولئك الصبية الصغار وكأنهم ليسوا أبنائه وسلّم عليّ وصمت كثيرا ومضى ساريا في الزحام سريعا
سألت عنه فإذا هو قد عانى في عمله الوظيفي معاناة لا حدود لها حتّى أُصيب بالكآبة وتم تزويجه على حسب ذوق عائلته الريفية من إحدى الفتيات القرويات التي اخذت على عاتقها ترويضه للعودة به إلى عاداتنا وتقاليدنا (ولكم أن تقدّروا مالذي تعني تلك القروية الأميّة بالعادات والتقاليد!!!)
وأنجب منها قطارا من الأبناء الذين لم يتوفر له أن يُعلّمهم التعليم الذي لا بدّ أنه يتقاطع مع التقاليد التي أشرنا إليها.
حتّى لهجته وطريقة تكلّمه أصبحت أقرب ما تكون إلى أبناء الريف بعد أن كانت أقرب إلى الفصحى ولا اظنّ أن أحداً يتكلم معه الآن لا باللغة الألمانيّة ولا الأنكليزيّة ، وهو كما علمت أيضا يقضي ساعات الدوام الرسمي في إحدى غرف حفظ الملفات أو يتجول بين صغار الموظفين ويُشاطرهم نكاتهم البذيئة والضحك بصوتٍ عالٍ في أروقة الدائرة الكبيرة.
أمّا صاحبي الآخر فقد كان في أناقةٍ لا مثيل لها في أوائل الشباب ، لا يتنازل عن قميص أبيض ناصع منشّى حتّى في أشدّ أيّام القيظ القائظ أما بنطاله فقد كان يحرص على أن ينشّي كسرته لكي تبقى على سمتها طيلة اليوم ولا أنسى تسريحة شعره التي كانت تشبه تسريحة جيمس دين فعلا اما حذاؤه فلم أنظر له يوما إلاّ وجدته لا معا برّاقا، لقد كان بوسعه أن يتقرّب إلى أشدّ الفتيات عجرفة برقّته وحسن عباراته ومزاياه المختلفة .
تخرّج في كليّة مرموقة ودخل الجيش وقضى فيه ما يقرب من خمسة عشر عاما وبعد التسريح وجد نفسه خاليا من كلّ شيء من شبابه ومن مستقبله ومن أناقته ...
والتقيته في سنوات الحصار وهو يفرش الأرض في سوق الجمعة وهو السوق الذي تباع فيه البضائع المستعملة وربما المسروقة ويعرض بيع بعض الملابس العسكريّة وبعض الأجهزة الكهربائيّة المستهلكة وهو في أزرى حال! وأقذر صورة لإنسان حقيقي قبرته بلاده بعد أن كنا نأمل أن تزهو به الدنيا.
هل بلادنا فعلا مقبرة المواهب؟ لا يتقدّم فيها أصحاب العلم والفهم ولا مكان فيها للعبقريات ولا للنوابغ؟
هل هناك مقعد واحد فقط .
مخصّصٌ لمن هو خالٍ من كل مزيّةٍ أو موهبة؟
تُرى هل نستمرّ بإنجاب الأذكياء والمميزين والموهوبين لنُلقي بهم إلى أتون هذه المقبرة؟وبين أناس يجهلون قدرهم جهلا خالصا؟ليُعوّقونهم ويسخرون منهم ويروّضوهم لكي يعودوابهم إلى عاداتنا وتقاليدنا النتنة؟!
أليس هناك مكانٌ للعمل الصالح والنابغ؟؟! يا تُرى؟



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاءُ جهنَّم..!
- نداء لمنع توزيع الأراضي لأغراض السكن!
- هل أن ثورة تموز أسّست فعلاً لظاهرة الإنقلابات؟
- كان هناك أستاذٌ كبيرٌ وتُوفّي!
- مالشرف ومالشريف؟!
- تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم...وجاراتُكم غرثى يبِتنَ خمائصا ...
- المستقلون عناصر تُثري الحياة السياسيّة لا ينبغي قمعها!
- فجرٌ جديدٌ جداً ،حقّاً!
- الحلّ..! في فن العمل بين الجماهير.
- الشِّعريّةُ وقصيدةُ النثر !
- رداءُ الإفلاس
- الغش والخداع والتمويه
- نقد فكر ومنهج الإسناد والترجيع!
- في الحداثة وما بعد الحداثة!
- متى ؟ ..متى؟
- نوري السعيد..أيضا!
- مغالطات وأكاذيب!
- خليف الأعمى وسرُّهُ الصغير!
- خليف الأعمى وسرُّه الصغير!
- قولٌ على قول..!( في الماديّة الدايلكتيكيّة)


المزيد.....




- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سنان أحمد حقّي - هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!