أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي محيي الدين - تصورات يائسة















المزيد.....

تصورات يائسة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 2340 - 2008 / 7 / 12 - 06:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وبعد هذه نفثات حاولت التعبير من خلالها عن الأفكار التي تتزاحم داخلي،وأن أرسم صورة نابضة بالحياة عما أريد أن أقوله...أفكار ربما تبدو ساذجة أو غبية...ولكنها تعبير عن أحساس داخلي بما يجب أن يكون عليه الإنسان بمداه الواسع،وما هو عليه العالم بما فيه مــن متناقضات فرضتها الطبيعة،ونسجت خيوطها بأحكام لتلف في شباكها كل ما يعيش في هذا الكوكب.أن الحياة لغز محير وقف ألإنسان حياله حائراً لا يعرف من أسراره وخفاياه ألا النزر اليسير ولا يستطيع تخطي الحواجز المنيعـة للوصول إلى أبوابه الموصدة بأحكام،فظل يتثاءب وتداعب أجفانه تهويمات حالمة جعلته يعيش في دوامة من القلق والحرمان.
أن الحياة تمور بصور شتى،وتزدحم بإرهاصات مختلفة،يقف الإنسان حيالها مأخوذاً بما كان ويكون متلفعاً بأردية مهلهلة من الصبر،متكئاً على أعواد هزيلة متآكلة ،لا يمنعه عن السقوط في هذا الخضم ألا بقايا أمل واهن يجعله متشبثاً بخيوط أوهى من خيوط العنكبوت،تتآكلة شهوة غامضة،لا تقل عن شهوة الطعام أو شهوة الجنس، أنها شهوة الأيمان واليقين،وللوصول إليها تراه يلجأ إلى الاعتقاد بحجر أو صنم أو اله غير منظور،وقد يدفعه الضعف للاستعانة بالتعاويذ والحجب التي يعملها السذج والمعتوهين،وهو ليس ساذجاً ولكنه الضعف الفطري يدفعه للتوسل بها وللاعتماد عليها،والاستسلام لأوهامها ،تسوقه الفطرة والغريزة للتشبث بالواهي من الأمور.
أنه يرى كل شيء يتهاوى من حوله، ولا شيء ثابت بل أنه في تحول من حالة إلى أخرى،فالإنسان يلفه الموت،والحيوان يستسلم إلى العدم،والأشجار تتساقط متهاوية نحو الزوال،والكل مدعوون لوليمة ملئت بالسم النقيع،فيأكلون ويذهبون إلى عالم مليء بالأسرار والغموض.
أن هذا الضعف هو الذي يدفع الإنسان لإسراج الشموع،وإشعال البخور في الأضرحة والمزارات،لأنه يريد الوصول إلى الأيمان بشيء،وليكن ذلك ولياً أو صنماً،اله من تمر أو اله من حجر، انه يريد الاهاً وحسبه فيه ملجأً يكنه من هجير الحياة اللافح،ومن زمهريرها القارص،ألا المفكر الحكيم، فأنه يرفض الاستسلام،ويعاند على البقاء في صومعته رغم أن ما حوله يتداعى ويتهاوى، أنه يرفض الزيف،أو الخرافة،أو الركون للمسلمات الجاهزة.أنه يبحث عن الحقيقة، الحقيقة المجردة،لأنها أقوى من الأيمان الأعمى،وأبقى من اليقين الواهي.فالشك ألذي ينوء بألامة أفضل من الزيف الذي يؤرقه كل يوم،فهو لا يستطيع العيش بأروقة يملؤها الظلال وتعصف بها المتناقضات،فيبحث في الزوايا عن حل لما يعانيه في محنته،يراه الناس زنديقاً كافراً،لأنه يلحد بما يؤمنون به من زيف وظلال وكذب وبهتان،ولكنه يؤمن بما هو أرفع وأعلا من تفكيرهم وتصوراتهم،ويعيش وسط البراكين ليعرف ماهيتها ،وكنه صيرورتها،وهم يتلفعون بأردية مهلهلة من الأفكار الباهتة عنها،أنه يتعرض لأنفجاراتها،وهم يقبعون بعيداً عنها،قانعين بما هم عليه،راضين بما صاروا أليه،فهو السوبرمان الذي يواجه الأفكار المشبعة بسموم الخردل،ليبني على حطامها أفكاره الجديدة المعبرة عن الحقيقة، الحقيقة المجردة عن الزيف،الحقيقة الكبرى التي يسعى أليها ألإنسان منذ أن عرف طريق الفكر،وسار في دروب المعرفة.
وهو لا يعبأ بما يواجهه من صعاب،ولا ما يلاقيه من عقبات،ولا تهوله المشانق،لأنه يعلم بأن بذرة الفناء كامنة فيه، ولابد له من السير إلى المرفأ الأخير،فعلية التصريح بما في نفسه،فما من شيء ثابت وكل ما موجود يتعاوره الشك،وترفضه الحقيقة. وهناك بون شاسع بين الذي يعيش وبين الذي يتفرج،فالمتفرج يرى بعينية والذي يعيش يعاني مرارة التجربة،والحياة مليئة بالمتناقضات،خلقهـا الإنسان بأنماط مختلفة من التفكير،فالخير يناقضه الشر،والفضيلة تخالفها الرذيلة
والصدق بنازعة الكذب،والعدل ينافسه الظلم،والذي نراه رذيلة قد يراه الآخرين من الفضائل،والذي نحسبه ظلماً هو في جانب آخر منتهى العدل، والمتناقضات وليدة الضوابط التي وضعناها بأنفسنا،وأخذنا ننوء بحملها ،ونجأر بالشكوى منها،والخوف خلقناه بأنفسنا، فتزاحم في خيالاتنا وأحلامنا،وغزا تصوراتنا،وأخذ يطاردنا أنى نكون وأنى نذهب،فأقض مضاجعنا،فاستسلمنا للقلق ألممض، والحيرة الخانقة،واندفعنا ندور في حلقات مفرغة تؤدي بنا إلى التشبث
بأوهام زائفة جسدها خيالنا المريض، فتمسكنا بالقدر،ورمينا على كاهله كل أخطائنا، وتصرفاتنا الفجة،ولجأنا إليه يدفعنا الإرهاق من هذا الواقع الذي لا نستطيع تغييره .فسائق السيارة عندما يسير بسرعة جنونية وترتطم عجلته بعمود النور،نتشبث بالأقدار ونرمي عليها ما أصابه،فإذا قال أحدهم لو لم يكن متهوراً في سياقته لما حدث ما حدث له،لوجدنا ألف من يجادل بأنها أرادة القدر ولا هروب مما تريده الأقدار.

أن الدنيا عبث في عبث،وضياع في ضياع،لأن ما يولد سيأخذه الموت ولا حق في الاختيار والتصرف،فالأقدار تدفعنا لما تريد..وأنا عاجز عن مواجهتها لذلك فأن ما أفعلة لم يصدر عني ولا يعبر عما في نفسي،لأني فاعل بإرادة غيري..ولكن هل أستطيع ألانسلاخ من واقعي وأكون حراً..أفعل ما أراه جديراً بي ...؟ إن الحياة طريق إلى عالم آخر..عالم مجهول بكل ما فيه من تصورات،خلقناه بعقولنا أشراقة في سمائنا المظلمة..جعلناه مثال لما نتمنى أن نكون عليه..وضعنا حدوداً وقيوداً على أنفسنا في هذا الكون ورسمنا عالم آخر..نعيشه بعد الموت..عالم ساحر يجد الإنسان فيه ما يريد,وينال ما يشتهي،فالحور والولدان ,وأباريق الخمر والموائد العامرة بأصناف الطعام،والمتنزهات الفاخرة والقصور الفارهة التي لم نرى مثيلها في الأرض،فلننتظر الموت بسكون ،ونتجلد في حمل ما يحدث في هذا العالم..فسوف نسافر السفر الأخير إلى حيث الحرية والمتعة والانطلاق.
ولكن هل هناك أمل..هل هناك نهاية للوهم..أننا نستطيع أن نقنع أنفسنا بقبول الواقع بما فيه..أن نقول نعم لمن يريدها..نعم للأقدار ،نعم نعم للواقع الراهن..نعم نعم لكل شيء..أن القبول بالقدر... الخلاص من العقل..والعقل مصدر الغربة في حياة الإنسان..والجاهل من ينعم بحياته بما فيها،لأنه لا يفكر بأحسن منها.
أن اليأس من تغيير الواقع يدفعنا إلى حيث الملجأ الذي يوفر لنا القناعة بما نحن فيه فنتدثر بأردية سميكة تقينا زمهرير الشتاء،ونتلفع بالملأأت الشفافة لنستدر بها الهواء العليل..ونسير ولكن إلى أين..كل ذلك مجهول في هذا العالم.
أين يمضي قطار العمر..أنها نفس الصور المتكررة أراها كل يوم وأعايشها بكل تفصيلاتها المملة..أمارسها بروتين قاتل..أنام لأصحو..أشرب الماء وأتناول الطعام أحب وأكره..أتكلم وأصمت أسمع وأرى..أتوقف وأسير..ولكن إلى أين؟ لا أدري..أنها رتابة مملة..أحلم بالمستقبل وأفكر بما سأكون ولكنه يصبح حاضرا لا يختلف عن الماضي بصوره وأحلامه وتطلعاته..صورة مكررة وفلم مصري لا يختلف في نتائجه وأن اختلفت تفصيلاته.
ولكن كيف أحطم أغلالي..كيف أتخلص من الأصفاد التي تقيدني..أنها قيود قاتلة فرضتها التقاليد ورسمها المجتمع ..أنها سياط تلهب ظهري وتحد من تصرفاتي وترسم لي صور مخيفة مرعبة.
أين الحرية الموعودة ..هل هي في هذا العالم الذي تحده القوانين وتكبله الأديان..
وتعطله الظروف ، أن الحرية ..أن أكون وحدي في هذا العالم ..المسيطر عليه والحاكم بأمره ، عندها أستطيع أن أقول أنا حر.. حر في اتخاذ القرار الذي يناسبني ويحقق ما أصبوا أليه ، أما أن أكون مكبلاً بأصفاد تحد من حريتي ، وقيوداً تحد من قابليتي .. وحدوداً تمنعني من الوصول إلى الشواطئ التي أحلم بها ..فهذه عبودية خانقة ..تجهر على ما في النفس من تطلعات وما أصبوا أليه من أمال وفي ذلك النهاية لوجودي كإنسان .
ولكن أين المفر وكل الدروب تفضي إلى مكان واحد ..مكان لابد من دخوله لأنه المصير المحتوم للإنسان .. ولكن هل سأجد هناك عالم أخر أستطيع أن أكون فيه كما أريد ... أم هو ذات العالم الذي خلفته ورائي لا أدري ...
وسـوف نــرى. .



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14 تموز الخالد انقلاب تحول إلى ثورة
- الشهيد محمد النعمان (أبو نجاح)
- باق وأعمار الطغاة قصلمناسبة الذكرى(45) لانتفاضة الرشيد الباس ...
- (( طاهر الحسني ..من شعرائنا المنسيين))
- نهاية العائلة المالكة في العراق
- هل أصبحت قضايا الشرف مبرر لقتل النساء؟!
- هل المصلحة الكردية فوق مصالح العراقيين
- الأهزوجة المقاتلة..المرأة العراقية
- أنتبه كهرباء ترفك لايت
- (بعدك بالطوله)
- شيگلچ الصاحب ....گولي يس
- متى يحاكم قتلة الشيوعيين العراقيين
- الاتفاقية العراقية الأمريكية استعمار جديد
- ما بين حانه ومانه ضاعت حقوق الشعراء الشعبيين
- محمد الصكر..شاعر في الذاكرة
- ((عرس الكلاب))
- ضاع الگدر علينا
- (ثلج أصلي....وثلج راس كوب)
- شهادات عن الشهيد الأنصاري ناظم مصطاف(ملازم سامي)
- الشهيد الشيوعي الأنصاري ناظم مصطاف عبد الأمير (ملازم سامي)


المزيد.....




- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي محيي الدين - تصورات يائسة