أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 22 - سيرة















المزيد.....

البسيط والهيئة العليا - 22 - سيرة


ناس حدهوم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2333 - 2008 / 7 / 5 - 09:56
المحور: الادب والفن
    



حل بمدينة – سانسيبسطيان – صديق لي تعرفت عليه يوما بالعاصمة مدريد . وهو من تطوان ومن نفس الحي الذي أسكنه وكان ذلك لمدة محددة ثم افترقنا وأخذ كل واحد منا وجهته إلى منطقة معينة . أخبرني بأن مدينة – bilbao - - يتوفر فيها
الشغل ولا يمكن للواحد هناك أن يظل عاطلا . مما أغراني ذلك على الإنتقال إليها صحبته. كان همي الوحيد وشغلي الشاغل هو العمل فقد كنت عاجزا عن أن أعيش بطريقة أخرى . كانت سعادتي كلها تختزل في العمل ولو كان قاسيا .
وكنت دائما أحب أن أعتمد على نفسي . تلك هي سعادتي . وهكذا أصبحت أعرف كيف أحصل على قوت يومي بعرق جبيني . دخلت مدينة – bilbao - مصحوبا بالصديق ( عبد الواحد ) الذي إستعار له إسما مقتضبا من إسمه العائلي وهو – القماص - فكان يحب أن يسمي نفسه ( kamas ) لكي لا يثير الإنتباه إليه كمغربي كان عمره أقل بسنتين من عمري وكان متأثرا بموجة الوجودية التي إجتاحت العالم آنذاك. لكن شكلا فقط وليس فكرا . كان يلبس اللباس المثير
للإنتباه ومغرم بأغاني البلوز وملكته ( أريطا فرانكلين ) وكل الأغاني المتمردة . كان هذا الأسلوب قريبا من نفسي فارتميت معه في هذه الأجواء . ونظرا لكون مدينة ( بيلباو ) مدينة عمالية فقد كانت حالتنا هاته مثار دهشة للعمال ونحن نعيش في وسطهم إن لم أقل مثار سخرية كذلك . إلا أن بعضهم كان يميل إلى التعاطف معنا وتقبل غرابتنا . كنا نسكن معا ونشتغل معا ونرتاد المراقص والحانات معا ولا نفترق أبدا كان هذا الشاب موضع ثقة . وبقدر ما جلبت لنا
حالتنا هاته الكثير من المتاعب والسخرية فقد كانت أيضا سببا في التعرف على فتيات جميلات دفعهن فضولهن إلى التقرب منا حيث سيدركن من بعد أننا أناسا مثل بني جلدتهن أو ربما أفضل من الكثيرين من أبناء البلد. وسنكون السبب في تغيير رأيهن عن عالمنا العربي والمغربي على الخصوص . بنينا معا علاقات رائعة لم تكن في الحسبان إن لهن أو لنا . وإن كنت أنا قد تعرفت على فتاتي في هذه المدينة وأخرج معها بانتظام . لكن طعم الصداقة مع الفتيات كان
أروع من الحب الذي كان يجمعني بفتاتي . فكنا صديقي وأنا نخرج مع الفتيات الصديقات في رحلات متكررة نحو الطبيعة ونتمتع بدفيء صداقتهن وأصبحنا في حكم الإخوة وكنا لمجرد أن نفترق عنهن لأيام معدودة حتى نعود ونلتقي كما يلتقي الأحباب بعد طول غياب .
إنني عاجز عن شرح تفاصيل هذه الصداقة العجيبة لكنني سأختار فقط حدثا أو حدثين مختزلا ملحمة عشتها مرة واحدة في حياتي ولن تتكرر أبدا وربما كان الشأن بالنسبة إليهن هو كذلك. أربع فتيات وأحيانا خمسة . منهن أختان
شقيقتان ( كونتي و مريم ) وأسماء الأخريات لا أدري كيف خانتني ذاكرتي ونسيت أسمائهن . كن جميعهن خفيفات الظل
رشيقات وجميلات يملؤهن الحبور والبهجة ومتخلقات بأخلاق عالية فيها نوع من الكرامة والشرف . لم يكن قصدهن الحب أو الزواج بل صداقتنا كانت بريئة وكنا نحترم إرادتهن . ورغم وجود فتاتي لكنها لم ترق إلى مستواهن الإجتماعي والفكري . ورغم إنضمامها إلينا أحيانا كانت تبدو معهن قاحلة أو أقل مرتبة منهن . ومع مرور الأيام كانت
صداقتنا تكبر وتزداد وثوقا وتجذرا وهن كن كل يوم يزددن فهما أكثر لنفسيتنا وتعمقا فيهما فيغير ذلك من مفاهيمهن السابقة . كان كل شيء يتجدد بيننا باستمرار وتكبر هذه الصداقة كما تكبر الأشجار بتؤدة وبهدوء وبصمت وتأني .
إلى أن ولد الحب بيني وبين ( مريم ) في لحظة واحدة وبسرعة خاطفة وبإحساس غير متوقع . كان ذلك ذات مساء
داخل غابة بجبل إسمه ( archanda ) كنا نصعده بواسطة الفونيكولار وهو عبارة عن حافلة صغيرة معلقة في السماء
بأسلاك كهربائية . كما أن هذا الجبل كان أيضا مقر عملنا هناك بورشة كبيرة تقام فيها بناية ضخمة لمعهد ترعاه الكنيسة
الكاثوليكية . وكانت ايضا بهذا الجبل مطاعم فاخرة ومقاهي حديثة يزورها علية القوم بواسطة سياراتهم الفارهة عبر طريق سيار يلتوي كالأفعى بين صخور الجبل الجميل . كان هذا الجبل أيضا مزار العشاق الفقراء مثلنا الذين
يستعملون – الفونيكولار – في صعودهم ونزولهم ويتمتعون بأسرار الجبل العظيم وغابته الشاسعة .
في العمل كنت وصديقي ننطلق عند الواحدة زوالا لتناول غذاءنا في مطعم يملكه أفراد من عائلة واحدة ملتحمة . وكانت هذه العائلة من - الباسك – أحبتني حبا كريما فقد كنت أبدو لهم خفيف الظل بما كنت أروي لهم من نكت وأغني وأرقص داخل مرقص المطعم على أغاني كنت أقترحها عليهم وكان الجميع يتحلق حولي يراقب حركات جسدي التي
كانت تروي قصة . وكان الجميع يشهد ببراعتي في الرقص لقد كان الرقص جنوني وهوايتي في آن .
وكان العمال على وقع ما يشاهدونه يظنون بأن تلك العائلة كانت ترمي من وراء ذلك إلى زواجي من إحدى بناتها
لكن ذلك لم يكن صحيحا البتة . حتى أن العائلة الكريمة دعتني لكي أترك العمل بالورش وأشتغل معها في المطعم وكان
شرطهم الوحيد هو حلق شعري الطويل والتخلي عن هندامي المهلهل لكنني رفضت لأنني كنت ضد مصالحي الشخصية أو مجنونا عن جدارة واستحقاق .
ولن أنس أبدا يوم أن ودعت هذه الأسرة الكريمة فقد رأيت عيون أفرادها رجالا ونساءا تغرورق بالدموع . قلت لهم ( شكرا لكم ) وأنا أودعهم . أجابوني كلهم بصوت واحد كتلاميذ المدرسة ( gracias a usted senor ahmed ) كانت الدموع تسيل من عيني وأنا أتجه نحو الباب كما يسيل الماء العذب الصافي من الغدران .كانت
هذه العائلة كما لو أنها عائلتي .
أعود إلى الصديقات ونحن داخل أدغال غابة ( أرتاندا ) بأشجارها الباسقة ورائحتها الزكية كنا نفترش الأرض
المعشوشبة النقية وعى حين غرة إنطلقت أصوات الفتيات الملائكية في غناء حزين حزين جدا لم أكن أفهم كلام الأغنية لأنها باللغة الباسكية الرائعة لكن بالتأكيد فهمت الحزن المبثوث فيها فقد ولج قلبي واعتصره ولم أشعر كعادتي
المرضية إلا والدموع في عيني . وبعد لحظة انتبهت الفتيات لبكائي الخافت . اقتربت - مريم – مني ووضعت يدها حول عنقي من الخلف وحضنتني برفق . أخدت يدها ثم تركته يحط على العشب ثم ارتميت أرضا وصرت أضرب بكلتا يدي على الأرض بقوة وأنتحب . أصبت بنوبة بكاء هستيرية وتحول المشهد كله إلى جنازة بدون ميت . وانخرط الجميع في البكاء وتعانقنا في مشهد لا أستطيع وصفه بدقة إلن أن بدأت تخفت نوبة البكاء رويدا رويدا وطبق صمت غريب على المشهد . فجأة إنقلب كل شيء إلى ضحك فقهقهة . إنتهى بأغنية مرحة تدعو للرقص ثم وقف الجميع وتشابكت الأيدي وتم رسم حلقة جعلنني داخلها وهن يتهادين مع كلمات الأغنية . إختلط في داخلي الحزن
بالفرح والدهشة . وكان صديقي يراقب ما يحدث على مبعدة منهن ومني حدست أن الغيرة كانت بادية على وجهه
هكذا فكرت .
عند نزولنا من - الفونيكولار- أسفل الجبل . دخلنا حانة فقد كنا على ظمأ . طلبت كؤوس الجعة الباردة وسددت ثمنها
واتجهت نحو آلة الغناء كعادتي أستمع إلى أغنية - البلوز – ل. أوتيز ريدينك - بينما واحدة من الفتيات اقتربت مني
وطلبت الإذن لتشرب كأسي الذي كان لا زال ينتظرني على الكنطوار فأشرت عليها بأن تشربه . وقبل أن تفعل سمعتها تقول مندهشة ( que bueno ) .
وقبل أن نصل إلى المكان الذي تعودنا أن نفترق فيه جاءتني أخت - مريم - وأفشت لي سرا لم يكن في علمي
قالت لي بأن شقيقتها - مريم - تحبني ومغرمة بي . وكما لو أنني سمعت شيئا تافها قلت ( وماذا عن فتاتي ؟ )
منذ ذلك اليوم إختفت - مريم - من حياتي ولم تعد تأتي مع الأخريات . ولم تكن تدري تلك الفتيات أو إحداهن
على الأقل بأنني كذلك كنت مغرم بتلك الجميلة مريم دون أن تحدثني نفسي بإفشاء سري كما فعلت هي . لقد
إحتفظت بحبي في قلبي لأنني كنت أشعر بمركب نقص . أنا المغربي الكادح لا حق لي في الحب لا حق لي في
الحلم .

- يتبع -



#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البسيط والهيئة العليا- 18- سيرة
- البسيط والهيئة العليا -20 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا-19- سيرة
- رسالة إلى المطلق - من إقتراح الأستاذ رشيد المشكوري
- البسيط والهيئة العليا -14- سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 15- سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 17 - سيرة
- الرياح الوثنية
- البسيط والهيئة العليا -16-سيرة
- سارق الضوء
- البسيط والهيئة العليا - 13 - سيرة
- الدائرة
- البسيط والهيئة العليا - 12 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا -10- سيرة
- مثلا
- البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا -8- سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 7 - سيرة
- لحظة ضعف


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 22 - سيرة