أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علم الدين بدرية - تراكض خلف التساؤلات















المزيد.....

تراكض خلف التساؤلات


علم الدين بدرية

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 07:56
المحور: الادب والفن
    



( 1 )
ما زالت النسائمُ تهبُّ باردةً ، تداعبُ جدارَ الذاكرة ، تقرعُ أبواباً لا توصد ، تُيقظ ألماً دفيناً ، حجرُ الرحى يدورُ منذ سنين يطحن أحزاناً ، ويذرُّ فوق الجراح غبارَ النسيان.
تمايلت أغصانُ الأشجار ، وتساقطت أوراقُها واحدةً تلو الأخرى ، تودعُ فصلَ الصيف معلنة قدوم الخريف ، وهبَّت رياحٌ باردةٌ جافةٌ مؤذنة بموت الفصل الأخير في المسرحية . تعرت أشجارُ اللوز والتوت أمام حقيقة الوجود ، وتجردت آلامي فوق صخور حياتي الجرداء ، لترسم قصة صراعي على رمال صحراء عمري القاحلة .
أيقظني شحوبُ الشمس الباهتة ، واكفهرار الجو ، وتلبد الغيوم في مفترق أيامي ، فنهضتُ مذعوراً من سبات أفكاري .. فزعاً من اضمحلال مواردي العقلية ، متشائماً من الشيخوخة وجفاف النبع المسيّر لجسدي المادي ، لكني مدرك أن طاقتي الروحية لا تتأثر بالتضاريس الجغرافية ، وتقلبات الأحوال الجوية ، وتعاقب الفصول والموت والحياة وما عساي أفعل وبيتي لحم ودماء مادة وأزياء ، فقد أخذت ألملم أشلائي ، وأجمع أشرعتي الممزقة لأسافر في بحر السراب ، فينجلي عن عين بصيرتي الضباب .
لا أظن بأنّي سأعرف الاستقرار ، ولا أين هو الصواب . زوابع العمر تهبُّ حاملةً هموم الحياة ، وأعاصيرُ الزمن الأصفر تقتلعني من تربة الروتين الممل لتلقي بي في معاركَ لا تنتهي ، ويستمر صراعي مع المجهول ، فأتوه بين نفسي ونفسي لأغرق من جديد في دوَّامة المعقول واللامعقول ، الواقع والخيال ، فيعود التراكض خلف التساؤلات .
أتعبُ من جريي وراء المعادلات ، والبحث عن حلول للأشياء ، فتبدأ دورة جديدة في رحلة العذاب هذه .. جولة من المتناقضات في المعادلة الحسابية للوجود .. فأنقشُ التساؤلات في لوحة مشواري السريع ، واطلقها صرخة تتردد في الفراغ الأبدي ، فيُسْمَعُ الصدى يمزق الآذان دون استئذان ، فهل من مجيب ..؟!

** تراكض خلف التساؤلات **

( 2 )

علم الدين بدرية

يسقط الوعي وتضيع الأنا في حقيقة الوجود ، وينصهر العالم في بوتقة دائرية واحدة ، يتوقف الزمن عن الدوران ، وتعكس مرآة الحق وجه البشرية تعيد أدوارها إلى فجر التكوين . في جلسة شرقية وهدوء شامل يخيم على شعوري ، تعاودني التساؤلات ، لأعيد تقييم خطواتي وجريي وراء الأشياء ، أسبح في محيط أفكاري وأهرب مسرعاً خوفاً من أسماك القرش المفترسة التي تسللت منذ أمد بعيد إلى دماغي .
أستفيق من أحلامي من صومعة ذكرياتي ، من عقلي الباطني وتجاربي في عالم الروح ، لأعود إلى عالمي الكثيف ، إلى واقعي الأرضي المادي الكئيب ، إلى أمراضي المزمنة ، إلى وساوسي وهمومي ، إلى ركضي وراء التساؤلات .
أهرب من حرّ أنفاسي ، أعدو في طريق آلامي المزروع بالشوك والدموع ، بالآهات وبكاء الأطفال اليتامى ، المرصوف بدماء الضحايا الأبرياء ، أركض فوق آمالي وأوهامي ، فتلهب نار الجحيم أقدامي المدمّاة العارية ، ومن سعيرها أصنع أكفاني ، نحن حفاة وعراة أمام الحقيقة ، فهل ينقذني خلاصي ؟!
من جبال الصمت المكفهر خلف المرايا ، تولد اللعنات ، بين جهل الكلمة وامتداد الحروف في قلعة الذكريات ، وبصمة ماض ، وإقلاعات حاضر ، وتوقعات مستقبل غير آت ، ينحصر في زهرة ليلكية ، تحترق فوق رماد الحياة ، لينصهر في بحر الشموع المتلألئة في سراب النور المخادع .
أسير على طريق الآلام والدعوة إلى الإلحاد ، تلاحقني لعنات حمورابي وتوت عنخ آمون ، فتسبقني خطواتي العرجاء عبر الزمن الممدود ، والكون الآخذ في الاتساع والابتعاد ، وتقلص الأحداث ، وصيرورة الأشياء .. أهرب من وجودي .. أقطع أميال الزيف من تكون الفكرة حتى الانبثاق ، من لحظة الإبداع إلى الإشراق ، أتعثر برمال الماضي ويعود التراكض خلف التساؤلات .
أتسابق والقدر العاتي في خضم أحلامي ، وتوقظني آهات الزمن الأصفر ، وقرع نواقيس الختام ، وتزلزل كياني دقات أجراس الحاضر معلنة نهاية السكون المهيب في ساعة الوقت القاتل ، وابتداء رحلة لا تعرف الانتهاء ، رحلة مدّ وجزر ، وبلبلة وهوية مقلوبة والتسبيح بآيات لا تقرأ . ها هي الغيوم تتلبد من جديد في سماء معرفتي ، وتهطل أمطار الصبر على أرض واقعي ، فأجمع بقايا أفكاري المشتتة وأعود راكضاً أحمل حقيبة تساؤلاتي لأستعد لمشوار جديد في دائرة لا تنتهي من تراكض خلف التساؤلات ، أنظر لساعتي فما زالت عقاربها تقف على الصفر .
مازالت الرياح تهبّ عاتية ، والمروحة تدور بسرعة هائلة ، تحمل استغاثة الأيام ، فصرخات الضمير لا توقفها طواحين الهواء ، وصدى الحقيقة لا يموت ، ويدور من جديد خلف عجلة الزمان والمكان ، ويعود التراكض خلف التساؤلات !!


** تراكض خلف التساؤلات **
( 3 )
علم الدين بدرية

رحلة الحياة ، هذا المشوار الطويل المليء بالأشواك والزهور ، يمرُّ سريعاً كشريط سينمائي أمام أنظارنا ، نحن مسافرون في هذه الدنيا وهناك الكثير من المحطات ، لكن قطار الأيام لا ينتظر . أناس راكضون دوماً وراء أوهام وهموم الحياة ، وآخرون متفرجون . بعضنا ممثلون على خشبة المسرح ، وبعضنا مشاهدون ، والمسرحية مستمرة ، تعرض قصصاً وحكايات جديدة كل يوم .
وعندما يسدل الستار بعد المشهد الأخير ، سيتوقف جريي خلف الأشياء ، وسأغيب عن حلبة الحياة لأستقبل الموت الذي هو ولادة جديدة ، وصراع آخر ، وحياة أخرى ، أو شكل آخر للحياة وتساؤلات وتساؤلات !! فهذه الشعلة القدسية بداخلي لن تعرف الراحة أبداً ، لن تسهو ، لن تهدأ ، لن تنام . عراكها مع المجهول مستمر إلى مالا نهاية .
بعزف الموسيقى الأزلية ، تترنم الروح باعتلاء درجات المعرفة نحو النرفانا . تمتلئ نفسي بالإشراق ، وتسطع شمس الحق بنور الوجود ، وأنسى ذاتي في معراج رحيق العرفان ، واعلم أني ذرة ضائعة في هول اتساع الكون ... لكن ومضة الإشراق فيّ ترنو إلى القمة المقدسة بين القمم ، التي يتأمل منها الإنسان ذاك الجمال وهو في طريقه نحو المعرفة ، فدعوني أحرر ذاتي من ذاتي ، وأصهر الأنا الحقيقي بنفسي بالأنا الكليّ الخالد ، فأتطهر من أدران جسدي المادي ، وأصبو إلى محراب النور الأزل ، نحو قبلة العارفين ، الكلمة الأولى والعقل الكليّ ..
سأفتح أبوابي وأشرّع نوافذي على مصراعيها ، وأنظف فراشي من غبار الآثام وأدران الأحقاد ، فيدخل هواء نقي وضياء ، فعندها وعندها فقط أكون مجرداً من البغض والحب معاً !!
ليفنَ الجسد ، ليزُل الفكر ، لتختنق الحواس ، لتضمحل الدنيا لتعبر كل المظاهر الخادعة خارج وجودها الوهمي .. ليبقَ الشاهد والمشهود ، الحق والحقيقة ، الواحد المتوحد ، الصافي النقي الساكن الهادئ .
عندما تتشابك الأبعاد في عمق الوجود ، سيطير عصفور فرحتي بعيداً بعيداً عن قفصه ، سيحلق عالياً في فضاء رحيب .. ضائعاً في اللانهاية .. ويصبح قطرة في المحيط اللا متناهي ، عائداً إلى الوطن الحبيب .
حرة وطليقة أنت أيتها الروح ، كالهواء .. حلقي في السماوات اتحدي أيتها القطرة التائهة مع المحيط .. ذوبي في الواحد تجلي في كل مكان وانتشري في الكون بأسره ، أنوار النرفانا تناديكِ تضيء لكِ درب الوجود ..
هذا القميص الذي يسمي نفسه تجاوزاً إنسان ، وأدعوه ( أنا ) أنه مجرد قطعة من الطين البالي !!
صوت يصرخ من مجاهل الأعماق .. أنا لست بأنا وما أنا إلاّ وعي في حقيقة الذات !!
ويعود التراكض خلف التساؤلات ...



#علم_الدين_بدرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُنَاجَاةٌ
- عُنْفُوان
- نزيف
- هروب نحو المغيب
- مُفَارَقَة
- صَيْرُورَة
- آيَةٌ لا تُقْرَأ
- مُطْلَق
- الوجه الآخر للصمت
- عِنَاقٌ
- عودةٌ إلى المحور
- صلاة في محراب العاشقين
- رجوع
- سرابيّة إعرابي
- اللاّزَوَرْد وعَرُوسُ الْبَحْر
- عُرَى الاستِحَالة
- عدميّة واسترقاق ..وصهيل أوجاع على مشارف الذات
- احْتِجَابٌ فِي رَحِيلِ الْعُمْر
- مُحِيطٌ مِنْ نُور
- اعتذار


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علم الدين بدرية - تراكض خلف التساؤلات