نواف خلف السنجاري
الحوار المتمدن-العدد: 2310 - 2008 / 6 / 12 - 09:46
المحور:
الادب والفن
مسرحية من مشهد واحد
المكان: غرفة تعمّها الفوضى
الوقت: الساعة الثالثة صباحاً
الممثلون: كاتب – أوراق بيضاء
الكاتب: أيتها الورقة الفارغة.. أيتها الأرض القاحلة التي لم ترطبها يوماً قطرة مطر.. لم اعد املك قوة الفلاح لأحرثكِ، وأزرع بذور القمح التي تملأ خزائني لتنمو وتتحوّل إلى سنابل.. ليس لدي العناد والتصميم لأحولكِ إلى حقل أخضر.. كل ما أملكه هو روح مهزومة وقلم رخيص.
الورقة: أيها البائس.. كل ضحكك وصخبك ورقصك ليس فيه فرح حقيقي.. أنت غني بإحزانك.. لكني سئمت من احتوائها! لقد اسودّ قلبك وأصبح كالفحم في موقد كان يتحلّق حوله العشاق المنتشين بالخمر والقبلات.
الكاتب: كم لطّخ الأغبياء بكارتكِ البيضاء بأحبار أقلامهم الشهوانية.. على وجهكِ الأبيض الناصع سجّل التجار الجشعون كل ديونهم على الفقراء المعدمين.. وكنتِ الساحة التي وقّع عليها القادة أحكام الإعدام بحق المذنبين والأبرياء.
أيتها الورقة الوضيعة كيف تحوّلتِ إلى - عملة نقدية – يتقاتل من اجلها البشر ويستميتون؟! كيف أغريتِ الرسامين العباقرة ليصبّوا فوقكِ ألوانهم وأفكارهم فتصبحين قديسة أو عاهرة؟! تتحولين إلى جنة أو ساحة حرب، شلال أو بركان، عصفور أو أفعى! أنتِ وحدكِ من استطاعت أن تحفظ كل أكاذيب التاريخ ومسيرة الجبابرة ووحي الأنبياء! كيف استطعتِ أن تنتزعي (الشعر) من أفواه الشعراء لينثروا فوقكِ عصارة أرواحهم وعشقهم؟ أيتها الماكرة لقد أغويتِ الحكماء فسطروا حكمتهم و كل تجارب حياتهم على أرضك الفارغة فأصبحت أثمن من الذهب!
لن يصبح لك أية قيمة إذا هجرك ِقلمي.. لقد قررتُ أن أبقيك عذراء غير مدنسة بحبري.. فموتي كمداً وحسرة، واغرقي في بحر بياضكِ الناصع!
الورقة: أيها الكاتب الفاشل.. أنا من صنعتُ منك نجماً، وأوصلت أفكارك وهذيانك وجنونك إلى الناس.. أيها المدعي الكاذب اهجرني إن استطعت؟! فقبل أن تموت بسموم حبركَ المكبوت.. ستركضُ عارياً في الشوارع، وتتسوّل في الطرقات!! لن تستطيع أن تحمل عبقريتكَ وحدك.. وستتحول إلى مجنون ومتشرد قذر!
الكاتب: أنا أكرهك أيتها المتكبرة العنيدة.. سأمزقك، وأتخلص منكِ إلى الأبد..
الورقة: تضحك.. وهي تتحول إلى قصاصاتٍ في الفضاء.. لن تستطيع الهروب مني.. ستأتي ورقة أخرى لتروضكَ، وتحول تمردكَ إلى إبداع...
يسقط الكاتب وتتناثر فوقه القصاصات الورقية..
- ستار-
#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟