|
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2288 - 2008 / 5 / 21 - 10:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ قرابة العام رحبت بما ذكره الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي ، في خطاب تنصيبه ، عن إمكانية إنشاء إتحاد للمتوسط ، و هذا الترحيب كان مرجعه ، إيماني - و الذي لازال قائماً – بأن مصر ، مثلها مثل كل دول العالم ، دولة متعددة الإنتماءات أو الهويات ، فهي عربية ، مثلما هي أفريقية ، مثلما هي بحر متوسطية ، إلى أخر القائمة الكبيرة من الإنتماءات الكبيرة و الصغيرة ، فكل إنتماء كبير من الممكن تقسيمه إلى إنتماءات أصغر ، فالأفريقية من الممكن أن تنقسم إلى إنتماء جغرافي محدد في أفريقيا ، كالإنتماء لمنطقة شرق و شمال شرق أفريقيا ، أو منطقة الشمال الأفريقي ، أو دول حوض النيل . إيماني في البحر متوسطية ، كأحد إنتماءات مصر ، إذاً لم يتزعزع ، لأنه مبني على حقيقة جغرافية – تاريخية ، فمن هو الذي يستطيع محو التاريخ المصري ، أو التلاعب في جغرافية مصر ؟ و للعلم فإن كل من يعتقد بأن البحر متوسطية ، كفكرة للتعاون السياسي و الثقافي و الإقتصادي ، بين دول حوض المتوسط ،هي إكتشاف جديد ، أو من بنات أفكار الرئيس الفرنسي الحالي ، هو مخطىء ، لأن التعاون المتوسطي ، كفكرة ، أقدم بكثير من ساركوزي ، و أبسط الأدلة و أوضحها ، هي دورة الألعاب البحر متوسطية ، و التي أقيمت لأول مرة بمدينة الأسكندرية ، في مصر ، فضلاً عن كتابات الكثير من المفكرين المتوسطيين . إيماني الذي تغير ، هو في قدرة ساركوزي على إعادة الإهتمام بالفكرة القديمة ، فكرة جامعة متوسطية ، أو إتحاد للمتوسط ، فليس كل من يطلق دعوة ، يعني إنه قادر على تحقيقها على أرض الواقع ، بل حتى لو سعى لتحقيقها ، فإن من الضرورة التمعن في الأهداف التي يرمي لها من وراء الفكرة . الأهداف التي من أجلها إيدت دعوة إقامة إتحاد للمتوسط ، عبرت عنها في مقال كتبته بعد فترة قصيرة من خطاب النصر الإنتخابي لساركوزي ، تلك الأهداف التي تتمثل في إتحاد يعمل من أجل مصلحة الشعوب ، بالعمل على تحرير التجارة ، و التنسيق السياسي ، دون الإخلال بسيادة الأعضاء ، و تحرير حرية الأفراد في التنقل ، مع الدعم الفوري للتعليم و الثقافة و الفنون ، و البحث العلمي . و لكن الأهداف التي تمنيتها ، و التي مازالت على أملي في تحقيقها ، وجدت - و بعد مضي عام تقريبا ، على إنطلاق دعوة ساركوزي الأولى لإتحاد المتوسط - إنها ليست تماماً هي نفس الأهداف التي من أجلها أطلق ساركوزي دعوته ، ناهيك على ضعف جدية الرئيس الفرنسي للسير قدماً في تحقيق فكرته . ساركوزي كما هو واضح ، من تصريحاته خلال العام الذي مضى ، يستخدم البحر متوسطية ، لتخدير شعوب جنوب المتوسط ، بإطلاق تصريحاته مع كل زيارة لدول جنوب المتوسط ، تلك التصريحات التي إتضح إنه بالفعل لا يؤمن بها ، أو على الأقل يدرك إستحالة تحقيقها في الظروف الحالية ، خاصة مع الإعتراضات التي بدت من بعض الأطراف الأوروبية ، و التي و إن كانت غير متوسطية ، إلا إنها لها كلمتها في هذا الشأن بحكم عضويتها ، و عضوية فرنسا ، في الإتحاد الأوروبي ، تلك العضوية التي تضع قيوداً على فرنسا لو أرادت السير في أي مسار خارجي تراه بعض الدول الأوروبية إنه يتناقض مع مصلحة دول الإتحاد الأوروبي ، و أول تلك الإعتراضات بالطبع ترتكز على الرفض المطلق لفكرة حرية تنقل الأفراد . فالذي طمحت فيه هو إتحاد شعوب المتوسط ، لا إتحاد قيادات سياسية ، فبدون الحرية المطلقة لتنقل الأفراد ، تماما مثل حرية تنقل البضائع و الأموال ، فإن الإتحاد يغدو إتحاد إتفاقيات سياسية ، لا إتحاد شعوب و أفراد . كذلك فإنه بات من الجلي أن ساركوزي يريد إستخدام فكرة إتحاد المتوسط - على الرغم من صعوبة تحقيقها - من أجل بناء مناطق نفوذ فرنسية جنوب المتوسط ، فإذا كانت أحد دويلات الخليج قد فتحت بالفعل بابها - بالرحب و السعة - لقاعدة فرنسية بها ، و في تشاد عززت الساركوزية مكانتها في فبراير الماضي ، فإنه يعلم أن الأمر جنوب المتوسط يختلف ، و ذلك للتراث الفرنسي القديم ، و الوعي الوطني المستيقظ و الحساس الذي لا يتوافر بقوة في دول الخليج ، لهذا فكان أن قرر أن تصبح فكرة الإتحاد مدخل لتحقيق تلك المخططات . ساركوزي يريد توظيف فكرة نبيلة ، لتحقيق أغراض دنيئة يعلم بأنها لا تلقى قبول شعوب جنوب المتوسط . ساركوزي ليس شارل ديجول القرن الواحد و العشرين ، فالساركوزية و إن إرتدت معطف الديجولية إلا إن تحت المعطف بونابرت ، فالساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية . إنها – أي الساركوزية – تريد عودة الإحتلال لا تحرير الشعوب . إتحاد المتوسط سوف يكون بالإمكان تحقيقه ، لا أشك في ذلك ، ليس على يد ساركوزي ، و إنما على يد شعوب جنوب المتوسط ، عندما تستطيع تلك الشعوب أن تزيل الهوة الإقتصادية التي تفصل ما بين شمال المتوسط و جنوبه ، و يصبح مستوى التعليم مماثل لشمال المتوسط ، و لكن عندها سنفكر ، هل فعلاً نحن مازلنا في إحتياج لذلك الإتحاد ، فالطرف الذي رفضنا اليوم ، لا يجب أن نقبله نحن بسهولة غداً ، فأوروبا عليها أن تتغير أيضا .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
-
لنحبط معاً إقامة مؤتمر ويكيبيديا بالأسكندرية
-
روسيا تحتاجين إلى حلفاء ، فالردع النووي لا يكفي
-
إنتصار ماراثون ، إنتصار لكل الإنسانية
-
لنقيم جنازات شعبية رمزية لشهداء السادس من إبريل
-
تحية إلى محلة الثورة ، و تحية إلى كل أبطال ثورة 2008
-
التغيير سيكون مصرياً ، لا إخوانياً
-
معاً من أجل يوم و نصب المعتقل المجهول
-
لنجعل من السادس من إبريل علامة تحول ، و بداية عهد ، و عيداً
...
-
الخبز قبل المفاعلات ، يا لويس مصر
المزيد.....
-
السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج
...
-
الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال
...
-
الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص
...
-
شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق
...
-
قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي
...
-
-وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف
...
-
-لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
-
الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص
...
-
الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح
...
-
وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|