أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية















المزيد.....

جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2286 - 2008 / 5 / 19 - 11:04
المحور: القضية الفلسطينية
    


بعد جيل أول من إجماع سياسيين وثقافي عربي معلن على رفض الواقعة الإسرائيلية وإعلان العزم على إزالتها، أظهر جيل ثان من السياسيين والمثقفين استعدادا لمسالمة إسرائيل والتفكير في سبل التعايش معها. واليوم، في الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية، ليس في رصيد الجيل الثاني (1978-2008) ما يثبت أن نهجه أجدى من نهج الجيل الأول (1948-1978) لم الذي قد يمكن تعيين نهاية هيمنته بالصلح المصري الإسرائيلي عام 1978. ولعل المناسبة، التي يحتفل بها الإسرائيليون كعيد استقلالهم الستين أيضا، تصلح نهاية اصطلاحية لمقاربات الجيل الثاني وبداية لتفكير وسياسات جديدة، ربما لن تتضح ملامحها قبل سنوات من اليوم.
مثّل تحرير فلسطين مشروع الجيل الأول الذي خاض أربعة حروب غير مثمرة، انتهت أولاها (1948) بقيام إسرائيل، وثالثتها (1967) بتوسعها لتشمل كل فلسطين وأراض من دول عربية مجارة، فيما هزمت أطراف عربية عسكريا في الثانية (1956) والرابعة (1973)، لكن تحققت لها مكاسب سياسية ملتبسة. بعد الحرب الرابعة انتهت حروب الدول وبدأت حروب المنظمات، الأمر الذي يؤشر على انتهاء زمن الإجماع العربي الفاعل على رفض إسرائيل.
شهدت سنوات ما بعد الصلح المصري الإسرائيلي مبادارت عربية من أجل السلام وتفاعلا عربيا إيجابيا عموما مع مبادرات أجنبية. وفي تسعينات القرن العشرين شاركت الأطراف العربية جميعا في "عملية السلام" التي أطلقها مؤتمر مدريد عام 1991. كما أظهرت الثقافة العربية استعدادا للتجاوب مع مشاريع السلام، وأعلن بعض أبرز المثقفين العرب موقفا إيجابيا من عملية مدريد والصلح مع إسرائيل، فيما كان عدد كبير منهم مترقبا، قد يتحول إلى موقف إيجابي إن وعدت العملية بنتائج كريمة. ورغم أن مثقفين آخرين ثابروا على الولاء للمقاربة القديمة، إلا أن هذه فقدت هيمنتها وباتت رأيا بين آراء.
نتائج سياسة الجيل الثاني معروفة. تحقق نوع من السلام على الجبهة الأردنية التي قلما كانت جبهة أصلا. وتعذر السلام مع سورية. وفي فلسطين حصل تقدم وقتي لم يبن عليه. كان ثمة أخطاء فلسطينية بلا ريب، إلا أن إسرائيل أظهرت على الدوام أن السلام في مفهومها هي حرب أقل كلفة فحسب. وفي المحصلة كان نصيب جيل السلام العربي من السلام منافسا لنصيب جيل الحرب من الحرب، لا شيء ذا قيمة تقريبا.
إسرائيل لا تريد السلام لأنها متفوقة في الحرب. بالحرب تكسب، وبالسلام تخسر لأنه يقيد ميزتها التفاضلية الكبرى: التفوق العسكري. الحرب لعبة إسرائيل، فلماذا تجنح للسلم؟ وهي لن تسالم حقا إلا إذا كان من المحتمل أن تخسر الحرب. وهذا احتمال يتكفل الدعم الأميركي المطلق العسكري والاقتصادي والقانوني بتجنيبها إياه. وإلى الدعم هذا يعزز الاحتضان الغربي، الثقافي والأخلاقي، نزوعا إسرائيليا متأصلا إلى رفض المساواة مع الفلسطينيين والعرب، لا في الأمن أو السيادة فقط، وإنما كذلك في الاحترام والقيمة الإنسانية. وهذا يقوض أساس السلام، ويحرم تطلعات السلام العربية من أية أرضية أخلاقية وثقافية، ويطعن في صدقية وشرعية المسالمين من العرب.
واليوم يبدو أن ثلاثين سنة بعد السلام المصري الإسرائيلي، و17 عاما بعد مدريد و15 بعد أوسلو، كانت كافية لإنضاج شعور بامتناع السلام مع إسرائيل أو بقلة جدواه. ولعل هذا سيكون عنصرا أساسيا في تشكيل خبرة الجيل الثالث، العربي والفلسطيني، بالواقعة الإسرائيلية. نرجح أيضا أن خبرة الجيل هذا ربما تكون تركيبا هيغليا من خبرتي الجيل الأول والجيل الثاني. فهي تسترجع اعتراض الجيل الأول على إسرائيل، لكن سند الاعتراض هذه المرة هو حس العدالة والمساواة، وليس القومية والصراع الوجودي بين العرب و"الكيان الصهيوني". ومن خبرة الجيل الثاني ربما تأخذ رفض الحرب، لكن دون أوهام حول السلام. لا يتعلق الأمر هذه المرة برفض مطلق للواقعة الإسرائيلية ذاتها بالضرورة، بل برفض سياسي وأخلاقي يشمئز من العنجهية والعدوانية الإسرائيلية. إنه رفض لحق إسرائيل في معاملتنا كبشر ودول من مرتبة أدنى، دون أن يتورط حتما في رفض وجودي لها. وهو، تاليا، لا يتعارض مع وجود إسرائيل في صيغة معدلة، أي كدولة مثل غيرها ومساوية لغيرها.
وبعد أن تمثلت سياسة الجيل الأول في اللاسلم مع إسرائيل، وسياسية الجيل الثاني في اللاحرب معها، قد تتمثل سياسة للجيل الثالث في "اللاحرب واللاسلم"، لكن في صيغة معدلة: نمتنع إلى أقصى حد عن محاربة إسرائيل، ونمتنع بالدرجة نفسها عن تقديم أي تنازل لها، و.. نبني بلادنا. إنها "حالة اللاحرب واللاسلم"، التي ثلبت كثيرا في أوقات سابقة، لكنها ليست متمحورة هذه المرة حول إسرائيل، وإنما حول البناء الداخلي. أي هي أثر لتحول السياسة نحو الداخل بعد جيلين من المحورية الإسرائيلية لسياسة الدول العربية المعنية. ومن شأن التحول هذا وحده أن يجعل الزمن يعمل في صالح العرب.
وبعد دولة واحدة في فلسطين، هي فلسطين، في سياسة الجيل الأول؛ ودولتين، فلسطين وإسرائيل، في سياسة الجيل الثاني، نرجح أن يعود الجيل الثالث إلى دولة واحدة أيضا، لكن ثنائية القومية، في فلسطين. هذا ما يترتب تحديدا على السياسية الإسرائيلية التي لا تكف عن تقويض شروط حياة دولة فلسطينية. لكن هذا ما هو صحيح وأخلاقي أيضا. ففلسطين لا تحتمل دولتين، حتى وإن أمكن أن تحتمل شعبين. ومحصلة أوسلو طوال خمسة عشر عاما، وبالخصوص انقسام فلسطين قبل أن تقوم، هي في نظرنا البرهان الأقوى على إفلاس "عملية السلام" وانطواء عهد جيل السلام. وأكثر من كون الانقسام هذا نتاجا لسياسات فلسطينية خرقاء، هو نتاج لاستحالة السياسة فلسطينيا. أعني لتساوي خيارات الفلسطينيين في سوئها.
وكما لم تتلاش سياسة الجيل الأول في زمن صعود سياسية الجيل الثاني، فإن من غير المحتمل أن تزول سياسة الجيل الثاني السلمية في زمن الجيل الثالث الذي لعله بدأ لتوه. فإن كان ذلك قريبا من الصحة، على ما نرجح، كان من المتوقع أن تظهر مبادرات السلام ومشاريعه ومؤتمراته عقما متزايدا، على نحوٍ ربما يمثل عليه أحسن تمثيل مؤتمر أنابوليس قبل أشهر. فالمشكلة ليست في الإجراءات التي ترتد إليها حصرا تلك المبادرات والمشاريع، بل في الافتراضات الأساسية لعملية السلام برمتها كما عرفناها خلال جيل كامل.
ومن هذه الافتراضات مشروع دولتين ذاته، ومنها قرارات الأمم المتحدة التالية لحروب 1948 و1967 و1973، وهي المرجعية القانونية للسلام، ومنها بالتأكيد السيادة الأميركية على العملية المزعومة بمجملها.
.. التاريخ يسير بنا وحولنا، لا يتوقف، ورغم كل شيء فإنه لا يسير نحو الأسوأ.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبز شعير.. عربي
- الأولوية، عربيا، للتقدم أم لمواجهة إسرائيل؟
- الدين كحق من حقوق الإنسان
- سلام في سورية من أجل سلام لسورية...
- من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية


المزيد.....




- قبل وبعد الضربة الأمريكية.. ماذا يظهر تحليل CNN لصور منشأة ف ...
- وزير الدفاع الأمريكي: دمرنا برنامج إيران النووي وقضينا على ط ...
- سوريا: قتلى ومصابون جراء -هجوم إرهابي- استهدف كنيسة بدمشق
- البابا يدعو إلى السلام ويدعو الدبلوماسية لإسكات السلاح إزاء ...
- ما تداعيات الضربة الأمريكية على إيران؟
- هل تنسحب إيران من اتفاقية انتشار أسلحة الدمار الشامل؟
- هل انخرطت أمريكا رسميا في الحرب على إيران؟
- الجيش الإسرائيلي يعلن أنه يتحقق من نتائج الضربات الأمريكية ع ...
- هل دمرت الضربات الأمريكية البرنامج النووي الإيراني؟
- مظاهرة في المغرب تندد باستمرار الإبادة في غزة


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية