مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:46
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
الزازوس The Zazous*
في 1940 احتل النازيون فرنسا . كان نظام فيشي , بالتعاون مع النازيين و الفاشيين أنفسهم , يحمل أخلاقية شديدة المحافظة في السياسة و الرأي و بدأ يستخدم نطاقا كاملا من القوانين ضد الشباب الذي كان متململا و متحررا من الأوهام .
بدأ الشباب في باريس بالالتقاء في المقاهي , و بقضاء أوقاتهم بالسخرية من سياسة زمنهم . هذا التطور العفوي كان استجابة حادة للتأثير المهلك على المجتمع لحكم فيشي – النازيين . كانوا يلتقون في السينمات , نوادي البدرومات ( الأقبية ) و الحفلات التي نظمت على عجل . وجد هؤلاء الشباب الذين سموا أنفسهم زازوس في كل فرنسا لكنهم تركزوا أكثر في باريس . كان أهم مكانين لالتقاء الزازوس هو سقف نادي بام بام في ميدان الإليزيه و البول ميتش ( في جادة سان ميتشيل قرب السوربون ) , جاء الزازوس في ميدان الإليزيه من خلفية أكثر من الطبقة الوسطى و كانوا أكبر عمرا من الزازوس في الحي اللاتيني . أما الزازوس في ميدان الإليزيه فكان يمكن تمييزهم بسهولة على سطح نادي بام بام و كانوا يذهبون في جولات على الدراجات النارية بعد الظهر في غابة بولونيا . في الحي اللاتيني كان الزازوس يلتقون في نوادي الأقبية في الدوبونت اللاتيني أو الكابوليد .
كان الزازوس الذكر يرتدي جواكيت ( سترات ) كبيرة جدا تصل إلى ركبته و مزودة بجيوب كثيرة و غالبا عدة أنصاف زنانير أو زنانير غير كاملة . كانت كمية المواد المستخدمة عبارة عن رد مباشر على مراسيم الحكومة فيما يتعلق بترشيد المواد المستخدمة في الملابس . كانت بناطيلهم ضيقة , مضمومة عند الخصر , و كانت هناك عدة أربطة قطنية أو من الصوف الكثيف . كانت ياقات قمصانهم مرتفعة و قد ثبتت في مكانها بدبوس أفقي . لقد أحبوا ارتداء الأحذية المرقطة الجلد ذات النعل السميك , مع جوارب بيضاء أو ذات ألوان ساطعة . كانت تسريحة شعرهم مدهنة و طويلة . في الواقع أنه بعد مرسوم الحكومة عام 1942 الذي أمر بجمع الشعر من دكاكين الحلاقين ليستخدم في صنع الشباشب ( الخف ) قاموا بتطويل شعورهم أكثر ! و في محاكاة ساخرة للانكليز حملوا معهم مظلات رسمية "تشامبرلينية" ( نسبة لرئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين – المترجم ) ملفوفة بعناية دوما دون أن تفتح أبدا بغض النظر عن الجو الممطر .
رخيمة
علقت مجلة فاشية على الزازوس الشاب : "هذه عينة من موسيقى السوينغ المتطرفة عام 1941 : شعر يتدلى إلى العنق , مندوف كالقطن و غير مرتب , شارب صغير يشبه ثلاثي كلارك ,....أحذية ذات نعل سميك جدا , و مشية رخيمة" .
كان للزاسوزيوية الشابة خصلات شعر تتدلى إلى كتفها في ضفائر . كان لونها المفضل هو الأشقر , و كانت تضع أحر شفاه فاقع , بالإضافة إلى نظارات شمسية التي كان يفضلها أيضا بعض الزاسوزيون الشباب . لقد ارتدين جواكيت ( سترات ) واسعة جدا عند الأكتاف و تنانير قصيرة مثنية . كانت جواربهن مخططة أو على شكل شبكة في بعض الأحيان , و ارتدين أحذية ذات نعل سميك خشبي .
كان الزازوس معجبين جدا بالنماذج المخططة على الجواكيت ( السترات ) و التنانير . و اعتادوا الظهور في المطاعم النباتية و أظهروا رغبة كبيرة بسلطة الجزر المقشر ! و كانوا يشربون عصير الفاكهة أو البيرة مع عصير الرمان , كوكتيل يبدو أنهم من اخترعه .
لقد ألهمت موسيقى الجاز و السوينغ مباشرة الزازوس . ظهر انفجار ضخم لجاز السود في مونتمارتر في سنوات بين الحربين . شعر الأمريكيون السود بحرية أكبر في باريس مما شعروا في وطنهم الأم و كان انفجار موسيقى الجاز النامية في الوطن قد رسخ بشكل أساسي نتيجة هجرتهم . بدأ الموسيقيون الغجر مثل دجانغو رينهاردت بأداء موسيقى الجاز و السوينغ في نوادي باريس .
أخذ الزازوس اسمهم على الأغلب من جملة في أغنية – زاه زوه زاه التي أداها موسيقار الجاز الأسود البشرة كاب كالوي الذي اشتهر بأغنيته ميني المتسكعة . كانت هناك أيضا أغنية لمغني فرنسي , جوني هيس , ذا شعبية كبيرة بين الزازوس , الذي غنى أيضا أغنية أنا مغني سوينغ في أوائل 1942 التي غنى فيها الجملة التالية : زا زو , زا زو , زا زو , زا زو زي " .
كان رفيق الزازوس المغني و مؤلف الأغاني و عازف البوق و الشاعر و الروائي الأناركي بوريس فيان الذي كان معجبا بشدة بحروف ز في أغنيته ! كما أن السترة الطويلة قد نسخت من الملابس التي ارتداها معجبي كالوي . "كان النازيون يبغضون الزازوس بكل وضوح , الذين قاموا على الجانب المقابل من نهر الراين منذ وقت طويل بتدمير القسم الأعظم من الثقافة الألمانية الطليعية , فقاموا بحظر الجاز و كل العلامات الظاهرة ل...انحطاط الثقافة الجرمانية ..." , أرسل بيير سيل الذي كان زازوس شاب إلى معسكر اعتقال ألماني بسبب مثليته الجنسية .
عندما أجبر اليهود على ارتداء النجمة الصفراء , قام غير اليهود الذين اعترضوا على هذا الإجراء بارتداء النجمة الصفراء إلى جانب كلمة "بوذية" أو "لغير اليهود" أو "النصر" . قام الزازوس بهذا مع كتابة زازوس تحت النجمة . عندما تم استئصال اليهود الفرنسيون من المشهد تحول نظام فيشي و أسياده النازيين إلى الزازوس . أسس الفيشيون "أماكن العمل للشباب" في يونيو حزيران 1940 في محاولة لتلقين الشباب الفرنسي . و في نفس السنة أنشئوا وزارة للشباب . و قد رؤوا في الزازوس منافسا و أصحاب نفوذ خطر على الشباب . بحلول 1942 أدرك كبار موظفي حكومة فيشي أن الإحياء الوطني الذي رغبوا به و الذي يفترض أن يتم إنجازه من خلال الشباب تحت توجيههم قد تهدد بشكل خطير برفض هذا الشباب الواسع للوطنية , و أخلاق العمل و إنكار الذات و قيم التقشف و الذكورة التي دعوا إليها . كان الزازوس فاسدين أخلاقيا و متأنقين , ألم يكن الكثير من هؤلاء الحثالة يهودا صريحين ؟
بداية مطاردة الساحرات
نشرت 78 مقالة معادية للزازوس في الصحافة عام 1942 ( مقابل 9 عام 1941 و 38 في عام 1943 ) . تحسرت الصحافة الفيشية على الفساد الأخلاقي و التدهور الذي كان يصيب الأخلاقية الفرنسية . جرى اعتبار الزازوس على أنهم ينفرون من العمل , أنانيون , متهربون يهود و ديغوليون . أصبح شعار الفيشيين "اسلخوا فروة رأس الزازوس ! " . قامت فرق من شبيبة جي ب ف الفاشية المسلحة بمقصات الشعر بمهاجمة الزازوس . و اعتقل الكثيرون و أرسلوا إلى الريف ليعملوا في سخرة الحصاد , عند هذه اللحظة بدأ الزازوس بالاختباء , في قاعات رقصهم و نوادي الأقبية . مع تحرير باريس بدا أن بعض الزازوس قد انضموا إلى القتال المسلح لطرد النازيين – بالتأكيد كان لديهم بعض الحسابات ليصفوها معهم . لكن الزازوس الذين اشتبهت , المقاومة الشيوعية الرسمية , بهم بأنهم كانوا يملكون موقفا "غير مبال" بالحرب عموما .
كان عدد الزازوس بالمئات و ليس بالآلاف و كانوا عموما بين 17 و 20 عاما . كان هناك زازوس من كل الطبقات لكن كانوا ذا مظهر متشابه ظاهريا . استخدم الزازوس من الطبقة العاملة ملابس مسروقة و نشاطات السوق السوداء ليحصلوا على ملابسهم , و أحيانا كانوا يخيطون ملابسهم بأنفسهم . عدل بعض الزازوس الأكثر بوهيمية في الحي اللاتيني من مظهرهم , باستخدام جواكيت ( سترات ) من جلد الغنم و أوشحة متعددة الألوان . كان موقفهم العام و تعليقاتهم الساخرة و اللاذعة عن الحكام النازيين و الفيشيين , تأنقهم في المظهر و مذهبهم في المتعة , و تشككهم في أخلاقيات العمل و عشقهم للجاز "المنحط" ما ميزهم كواحدة من حركات الشباب الأصلية التي تضع قيم المجتمع الرأسمالي موضع تساؤل . رغم أنهم لم يعانوا مثل نظرائهم في ألمانيا , قراصنة الإيديلويز** ( نبات ينمو في الألب – المترجم ) من الطبقة العاملة , الذين تم شنق بعضهم من قبل النازيين , إلا أنه في مجتمع الاشتراك الواسع في الجريمة و الخضوع , كان موقفهم جريئا و مختلفا عن السائد .
* لقب أطلق أثناء الحرب العالمية الثانية و ما بعدها على الشبيبة الذين تميزوا بشغفهم بموسيقى الجاز الأمريكية و بلباسهم الصاخب .
** قراصنة الإيديلويز : مجموعات من المراهقين الألمان في مرحلة الحكم النازي . قاموا بأعمال التخريب و مساعدة اليهود و الفارين من الجيش و كتابة الشعارات المعادية للنازية على الجدران . قام بعضهم حتى بأعمال أكثر فعالية و بطولية ( كان قائد الغستابو في كولونيا أحد ضحايا أعمالهم هذه ) . تعرضوا للقمع و الاعتقال في معسكرات العمل و الاعتقال و حتى الإعدام . مثلا تم إعدام قادة القراصنة في كولونيا بشنقهم علنا في نوفمبر تشرين الثاني 1944 .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن كراس مقاومة النازية Resistance to Nazism , الذي أصدرته الفيدرالية الأناركية في بريطانيا عام 2006
نقلا عن http://www.afed.org.uk
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟