أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلمان محمد شناوة - العراق والفيدرالية















المزيد.....



العراق والفيدرالية


سلمان محمد شناوة

الحوار المتمدن-العدد: 2267 - 2008 / 4 / 30 - 11:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بسم الله الرحمن الرحيم
الفيدرالية مشروع للتقسيم او مشروع للوحدة :

ظهرت دعوات إلى إنشاء إقليم يضم محافظات الوسط والجنوب وهو ما ينادي به المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ويعده المجلس وقوى سياسية أخرى حلا ناجعا للكثير من القضايا التي يمر بها العراق وفي أولها المسألة الأمنية. إلا إن أطرافاً أخرى تصرح أن مثل هذه الدعوات تشكل قلقاً مشروعاً من إن يكون ذلك قاعدة لتمزيق العراق إلى عدة دويلات كردية وسنية وشيعية. وشهدت جلسات مجلس النواب أو المؤتمرات الصحفية التي نظمها نواب تجاذبات عنيفة بسبب التقاطعات في آراء ووجهات نظر الكتل النيابية وصلت إلى حد التهديد بحمل السلاح وتحميل كتلة الائتلاف الموحد أعمال العنف التي يتوقع إن يدخل بها العراق في حالة الاستمرار في عرض هذا القانون. هذه التوطئة الخبرية تعطينا تصورا عن المشهد السياسي العراقي وآراء مؤيدي ورافضي الفيدرالية، فقد تتراءى الفائدة من دراسة نظرية وسير الأنظمة الفيدرالية في أرجاء العالم لمعرفة هل إن الفيدرالية أداة لتمزيق العراق حسب ما يدعيه الرافضون لها، أم أنها نوع من الضبط الإداري والسيطرة على الثروات وخلق نوع من التنافس بين الأقاليم لاستثمار طاقات الإنسان والأرض لبناء وتطوير العراق حسب ما يدعيه متبنوها.

اذن هناك خوف حقيقي يتمثل في القول إن الفدرالية ماهي إلا طريق يؤدي بالضرورة الى تقسيم البلد وتحوله الى دول مستقلة منفصلة .

هناك خوف حقيقي ان هذا " المشروع " بداية لتقسيم العراق ؟
يقول هذا الاتجاه :-
إن العراقيين إذا وافقوا على أي مبدأ فيدرالي اتحادي ، فان الممارسات والشعارات توحي لكل العراقيين بأن المشروع ليس نظيفا على الإطلاق , وانه بالفعل سيؤدي بالبلاد الى مصير مجهول من خلال مباركة فاضحة للتقسيم ، وإذا كان البعض يغض الطرف عن ذلك متعمدا او عن جهالة ، فان الواقع الاجتماعي والسياسي يفرض التقسيم فرضا ..
وينقسم الرأي العراقي العام اليوم بشأن الفيدرالية الى ثلاثة أقسام ، قسم يدفع باتجاه هذا المشروع الى الامام بأقصى قوته ، وقسم يقف في الضد منه او متحفظ عليه إذ يعده بابا لانقسام البلاد .. وقسم ثالث لا يعرف ما الفيدرالية أصلا ، ولا يدري من أمرها شيئا يذكر أبدا ( ومن هذا القسم الأخير ساسة ونواب ومثقفين وحتى زعماء أحزاب وكتل !! ) .. واستطيع القول بأن هذه الاتجاهات الثلاثة تعيش وهما وتستخدم موقفها من هذا " المشروع " لأسباب سياسية ومصلحية ولكونها صاحبة أهداف شخصية وفئوية وطائفية معينة ..

نصت المادة الأولى من الدستور العراقي :-
المادة (1)
جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي .

ونص الدستور العراقي في الباب الخامس

سلـطـات الأقاليــم
الفصل الأول
(الأقاليم)
المادة (113)
يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية .
المادة (114)
أولاً: يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان، وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً.
ثانياً: يقر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه.
المادة (115)
يسن مجلس النواب في مدة لاتتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له، قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة.
المادة (116)
يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقيتين:
أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
الثاني: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
المادة (117)
يقوم الإقليم بوضع دستور له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لايتعارض مع هذا الدستور.
المادة (118)
أولاً: لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.
ثانياً: يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألةٍ لاتدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
ثالثاً: تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.
رابعاً: تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية.
خامساً: تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم.
اولاً :
إن الدستور العراقي قام بترتيب مسألة الأقاليم حيث أعطى لكل محافظة أو أكثر الحق في تكوين أقاليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه بإحدى طريقتين وفقا للمادة 119.
الأولى: -
بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس الأقاليم.
والثانية:-
بطلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم ذلك.
ويتوقع مراقبون حاجة مجلس النواب إلى مدة سنة لتكوين الأقاليم وأن هذا القانون سيكون بمثابة جواز سفر يستخدم في الوقت الملائم.

حقائق:-

1- يوجد في العالم الآن 25 دولة تطبق الفيدرالية، تضم 40% من سكان العالم وتعكس كل منها الخصائص الأساسية للدولة الفيدرالية. منها سويسرا وكندا وأستراليا والنمسا وألمانيا والهند وماليزيا وبلجيكا وإسبانيا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية.
2- لا يوجد نموذج فدرالي صافٍ يمكن تطبيقه في كل مكان. فقد تعددت -وما زالت- الأنظمة الفيدرالية في جوانب كثيرة: طابع الأسس الاجتماعية والاقتصادية المتعددة لهذه الأنظمة وأهميتها، عدد الوحدات التي تشكل الأنظمة الفيدرالية ودرجة التماثل أو عدمه، حجم الوحدات، الموارد المتوفرة والوضع الدستوري، مدى توزيع وتخصيص المسؤوليات من حيث التشريع والتنفيذ والإنفاق، توزيع وتخصيص الموارد وسلطات فرض الضرائب، طابع مؤسسات الحكومة الفيدرالية ومدى التأثير من جانب المناطق / الأقاليم في صنع السياسة الفيدرالية، إجراءات حل النزاعات وتسهيل التعاون بين الحكومات المعتمدة على بعضها البعض، وفي الإجراءات الرسمية وغير الرسمية للتكيف والتغيير.

ما هي الفيدرالية :-
تُعرف الفيدرالية بأنها نظام حكم اتحادي يتكون من حكومة اتحادية مركزية ويقسم البلد فيه إلى أقاليم أو ولايات تتكون كل منها من عدة مدن أو محافظات ، بحيث تُعطى لتلك الأقاليم أو الولايات الصلاحية الكاملة التي ينص عليها ويضمنها الدستور الاتحادي لأن تمارس كافة ما تتطلبه أعباء الإدارة المحلية فيها بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، حيث تقوم وفقاً لذلك باستحداث وتنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاصة بكلٍ منها وفقاً لضوابط يتضمنها الدستور الاتحادي، ويستثنى أحياناً بعضٌ من مواد هذه السلطات لتكون من ضمن مسؤوليات الحكومة المركزية، وتقوم كل سلطة محلية من هذه السلطات الثلاث بممارسة صلاحياتها داخل الإقليم أو الولاية وفقاً لما يحدده الدستور الاتحادي في الأساس، وتتكون موازنة الولاية عادة من جزءين، أحدهما يأتيها من الموازنة الاتحادية، والجزء الآخر تعتمد فيه كل ولاية على مواردها الداخلية، ولكل ولاية حكومة داخلية خاصة تتخذ شكلها وفقاً لما يحدده الدستور كأن تكون من رئيس الولاية ورئيس وزرائها أو أن تكون من الحاكم ومجلس الولاية وهكذا، بحيث تقوم هذه الحكومة برعاية كامل شئون الولاية من التعليم والصحة والأمن الداخلي وكافة متطلبات الإدارة المحلية، هذا بينما تختص الحكومة المركزية الاتحادية بالمسؤوليات القومية الكبرى كشؤون الدفاع والشؤون الخارجية ورعاية مقومات الاقتصاد الوطني وما يناظرها من مسؤوليات وفقاً لبنود الدستور الفيدرالي.
تقاسيم الدولة الفيدرالية
، تقسم الدول الفيدرالية إلى:-
أولاً، دول متجانسة لأنها في الأصل كذلك (ألمانيا) أو لأنها صهرت التنوع فيها ) الولايات المتحدة ) .
ثانياً، دول غير متجانسة وهنا توجد ثلاث حالات:
أولاً، أن تكون هنالك أكثرية واضحة وأقلية واضحة مثل كندا أو نيجيريا .
ثانياً، أن تكون هنالك أكثرية وشبه أكثرية مثل بلجيكا .
ثالثاً، أن لا تكون هنالك أي أكثرية واضحة بل عدد من الأقليات مثل لبنان .
بالنسبة للدول غير المتجانسة، توجد مشكلة حقيقية وهي: هل يمكن تحديد الأكثرية أو الأقلية في مساحة جغرافية محددة؟ والجواب هو النفي طبعاً وبالتالي
فالسؤال الثاني الذي يتبعه مباشرة: هل هنالك بديل للفيدرالية الجغرافية؟ هنالك ما يسمى الفيدرالية الشخصية وهي تتخذ من الانتماء إلى مجموعة بشرية معين )عرقية، دينية، لغوية...) أساساً لها بالإضافة إلى الفيدرالية الجغرافية ( بلجيكا ) .
من يطبق الفيدرالية :-
يطبق الفيدرالية ما يناهز على 25 دولة في العالم، أبرزها (( الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وكندا واستراليا والنمسا وألمانيا وبلجيكا والهند والبرازيل ))، ويمكن أن يعبر هذا النظام بكلمات قليلة بأنه «يمثل تسوية سياسية صعبة بين فئات أو طوائف مختلفة ومتمايزة عن بعضها البعض دينياً أو مذهبياً أو لغوياً أو ثقافياً أو خليطاً منها، وهذه الفئات تشترك أو تتنافس على سلطة ذلك البلد التي تقيم فيه وثرواته وكافة مقومات اقتصاده» وهو نظام سياسي حديث النشأة، حيث تفتقت عنه أفكار فلاسفة عصر التنوير الأوروبي كعلاج لتعايش شعوب الدول التي تتميز بأنها تضم خليطاً متنوعاً متمايزاً من سكانها بحيث لا تسيطر فئة وحدها على الفئات الأخرى أو طائفة بعينها على بقية الطوائف مما ينتج عن تلك السيطرة بالضرورة طغيان واستبداد وقهر لكافة الفئات التي لا تنضوي داخل الأيديولوجية الخاصة بالفئة أو الطائفة المسيطرة، وبما يؤدي بدوره إلى التفكك والانقسام التام مع أول بادرة تحرر من النظام الشوفيني المسيطر وفق أيديولوجية واحدة، هي أيديولوجية الفئة المسيطرة.
بحسب تقرير للأمم المتحدة حول التطور البشري الذي يرتب 180 دولة نجد أن هنالك أربعة دول فيدرالية بين أفضل ستة دول من حيث نوعية الحياة وهي: أسترالية، كندا، بلجيكا، والولايات المتحدة؛ بعدها بقليل تأتي سويسرا وألمانيا.

تاريخ الفيدرالية

تشير الوثائق التاريخية إلى إن أول نظام فيدرالي قد نشأ قبل أكثر من 3200 سنة، حيث نشأت أول التحالفات المبكرة بين المدن الدول الهيلينية فيما يعرف اليوم باليونان وآسيا الصغرى مصممة لكي تجمع الأنظمة الديمقراطية المشاعية أو ما يعرف بالكومونة (المجتمعات الطائفية) في تكتل واحد من اجل تعزيز التجارة وضمان الدفاع، كما وضعت الجمهورية الرومانية ترتيبات قائمة على أساس لا تماثلي أصبحت روما بموجبها قوة فيدرالية في حين ارتبطت بها المدن الأكثر ضعفا بوصفهم شركاء في النظام الفيدرالي.
وشهدت العصور الوسطى مدناً تتمتع بالحكم الذاتي فيما يعرف اليوم بشمال ايطاليا وألمانيا، كما أقامت الكانتونات في سويسرا روابط على شكل اتحادات كونفيدرالية فضفاضة لأغراض التجارة والدفاع. وقد استمرت الكونفيدرالية في سويسرا التي تأسست في العام 1291 لغاية 1847 على الرغم من بعض فترات الانقطاع. وفي أواخر القرن السادس عشر تم تأسيس كونفيدرالية مستقلة، اتحاد مقاطعات الأراضي المنخفضة (هولندا)، خلال ثورة ضد اسبانيا. وقد تأثرت الكونفيدرالية في كل من سويسرا والأراضي المنخفضة / هولندا بحركة الإصلاح الديني التي أضفت حدة من الانقسامات الداخلية. وشهدت هذه الفترة أيضا الكتابات الأولى بوضوح عن النظرية الفيدرالية وما أتبع ذلك من جهود من جانب النظريين الألمان لتوفير أرضية لصيغة حديثة ومتجددة لإمبراطورية رومانية مقدسة. كما تأسست عدة مستوطنات بريطانية في أميركا الشمالية، وخاصة في نيو انگلند على ترتيبات فيدرالية نابعة من حركة الإصلاح الديني البروتستانتية.
تم تشكيل اتحاد الدول الامريكية سنة 1776 لمواجهة انجلترا في النزاع المسلح الذي نشب بينهما بسبب مطالبة هذه المستعمرات بالاستقلال .
و أقامت الولايات المتحدة المستقلة حديثا كونفدرالية في العام 1781. لكن جوانب النقص فيها أدت، في العام 1789 إلى تحولها على اثر مؤتمر فيلادلفيا في عام 1787 إلى أول نظام فيدرالي حديث. كما حولت سويسرا نظامها الكونفيدرالي، بعد حرب أهلية قصيرة، إلى نظام فيدرالي في العام 1848. وأصبحت كندا ثالث دولة فيدرالية حديثة في العام 1876. وتم في العام 1871 توسيع فيدرالية شمال ألمانيا التي كانت قد تأسست في العام 1867 لتضم الولايات الألمانية الجنوبية. وأصبحت أستراليا في العام 1901 دولة فيدرالية كاملة بالإضافة إلى ذلك تبنت بعض جمهوريات أميركا اللاتينية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أنظمة فيدرالية في محاولة لتقليد فيدراليات الولايات المتحدة الأمريكية. وشهد النصف الثاني من القرن الماضي انتشارا واسعا للأنظمة الفيدرالية بالإضافة إلى أشكال أخرى من الفيدرالية من اجل توحيد مجتمعات متعددة الاثنيات في مناطق المستعمرات السابقة وفي أوربا.
وتأسست أنظمة فيدرالية وشبه فيدرالية، لم يكتب لها جميعا النجاح، في قارة آسيا، على سبيل المثال في الهند الصينية (1945)، وبورما (1948)، واندونيسيا (1949) ولعل أشهر نموذج للفيدرالية الناجحة واقرب إلى ظروفنا الآسيوية والشرق أوسطي والعربي هي دولة الامارت العربية المتحدة التي تأسست في العام 1971، وشملت الأنظمة الفيدرالية التي تأسست أو أعيد تأسيسها في أوربا الوسطى والشرقية كلاً من النمسا 1945 ويوغسلافيا 1946 وألمانيا 1949 وتشيكوسلوفاكيا 1970 كما تبنت البرازيل 1946 وفنزويلا 1947 والأرجنتين 1949 في أميركا الجنوبية.
خلال الفترة بين 1960 وأواخر الثمانينيات بدا واضحا بصورة متزايدة إن الأنظمة الفيدرالية أصبحت العلاج السحري الذي تخيله الكثيرون. وشهد العديد من التجارب الفيدرالية التي نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية صعوبات كما تم تجميد بعض الأنظمة أو التخلي عنها نهائيا. وتشير هذه التجارب إلى انه ثمة حدود لمدى ملائمة الحلول الفيدرالية أو أشكال معينة من الفيدرالية في ظروف معينة حتى عندما تكون هذه الأنظمة الفيدرالية قائمة على أفضل الدوافع والأهداف.

نشأة الدولة الفيدرالية:

يثير البحث في الدولة الفيدرالية، باعتبارها دولة اتحادية؛ مسألة كيفية نشأتها، ومن خلال الدراسات المقارنة يتبين أن الدولة الفيدرالية يمكن أن تنشأ بإحدى طريقتين:

الأولى: تفكك دولة بسيطة موحدة إلى عدة وحدات ذات كيانات دستورية مستقلة، ثم بناءً على الدستور الفيدرالي يتم توحيد هذه الولايات ثانية على أساس آخر وهو الدولة الفيدرالية، ويعتبر كل من الاتحاد السوفيتي سنة 1922 والبرازيل سنة 1891 والأرجنتين سنة 1860 والمكسيك وفق دستور سنة 1857 المعدل سنة 1917 وتشيكوسلوفاكيا سنة 1969، من الدول الفيدرالية التي نشأت بهذه الطريقة.
الثانية: انضمام عدة ولايات أو دول مستقلة يتنازل كل منها عن بعض سلطاتها الداخلية، وعن سيادتها الخارجية ثم تتوحد ثانية لتكوّن الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي، ومن أمثلتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 وجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949 والاتحاد السويسري عام 1874 واتحاد الإمارات العربية عام 1971.

حقوق الدولة الاتحادية باتجاه الاقاليم

• للحكومة الفيدرالية حق عقد المعاهدات الدولية وعقد الصلح مع الدول الأخرى.
• للحكومة الفيدرالية حق تنظيم الموازنة العامة للدولة وتوزيع الثروات.
• وحدة العلَم.
• وحدة التمثيل الخارجي والسفارات تكون بيد الحكومة الفيدرالية.
• وحدة القوانين والقضاء تكون بيد الحكومة الفيدرالية، ولا يمنع من أن تكون للحكومات المحلية في الأقاليم دساتير مناسبة تتناسق مع دستور الدولة الاتحادي.
• وحدة المؤسسات العسكرية تكون بيد الحكومة المركزية.
• تكون باقي الأمور الإدارية للإقليم متروكة لشؤون الإقليم والمجالس المحلية المنتخبة.

شروط قيام نظام فيدرالي

بحسب المتخصصين بالفيدرالية، هنالك شروط مسبقة يجب أن توجد لدى الجماعات المختلفة قبل تطبيق الفيدرالية كحل للنزاعات في المجتمعات غير المتجانسة:
أولاً، أن تكون هنالك رغبة في الإتحاد في نظام فدرالي .
ثانياً، أن توجد بعض المبادئ المشتركة بين الأطراف المعنية .
ثالثاً، أن تكون هنالك ثقة بين المجموعات المختلفة .
رابعاً، أن يتم تطوير ثقافة سياسية مبنية على تقاسم السلطة والتعاون واحترام الدستور.

التجربة البلجيكية

تقع بلجيكا في غرب القارة الأوربية. ويرجع اسمها الى اسم السكان الأوائل، الذين يقطنوها، ويدعون (بلجيكا). عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، فيكونون من 55% من الفلمينك، و34% من الوالون، و1% من الجرمان، و10% عناصر مختلطة..حكمت بلجيكا مدة 1800 سنة من قبل أقوام مختلفة بما فيهم الرومان والفرنسيون والأسبان. وقد بقيت تحت الاحتلال الفرنسي للفترة من عام 1795 حتى عام 1815. كما احتلت فرنسا هولندا ووحدت البلدين إداريا.. وقد انفصلت بلجيكا عن هولندا عام 1830 وأعلنت استقلالها، الذي تم الاعتراف في مؤتمر لندن عام 1831 باعتبارها دولة ملكية دستورية وراثية..
وقد نشأت بين الفلامان حركة قومية مطلبية واسعة وبرز نوع من الكراهية المتبادلة بين الوالون والفلامان فقد ابتلى سكان بلجيكا الفلامان بمشكلة التعاون مع الاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية، فيما كان البلجيكيون الوالون. الناطقون بالفرنسية يميلون الى المقاومة الفرنسية، وهذا ما انعكس على مواقفهم وتوجهاتهم السياسية فيما بعد.. وحيث إن الحلفاء هم الذين انتصروا في تلك الحرب، فقد اكتسب الموطنون الناطقون بالفرنسية الكثير من النفوذ السياسي على حساب الآخرين، مما وسع الكراهية بينها وظهرت حركات انفصالية بين الوالون تدعو بعضها الى الانضمام الى فرنسا..
ومع مرور الزمن وتوحد أوربا واختفاء الحدود، ومع سيادة مفاهيم الوحدة الأوربية، اكتسبت مناطق الشمال بلجيكا وسكانها الناطقون باللغة الفلامنكية زخماً كبيراً، حيث إن مناطقهم تحوي على أكثر الصناعات تطوراً، واقتصادها أكثر ازدهاراً من المناطق الأخرى. وهكذا بدأت مطالبتهم بحقوق متساوية مع الجنوب الوالوني. وجرت مناقشات وحوارات طويلة على أساس المساواة بين المواطنين وحقوق الإنسان. لاسيما منذ عهد وزارة ليوتندرمان عام 1977، ثم وزارة ولفريدمارتنز للفترة 1979-1992، ومن بعده وزارة لوك دوهين عام 1993. وفي عهد تندر مان عقدت اتفاقية ايكمونت، قسمت بلجيكا بموجبها الى ثلاث مناطق جغرافية، هي:-
المنطقة الشمالية الناطقة باللغة الفلامنكية. والمنطقة الجنوبية الناطقة بالفرنسية، ومنطقة بروكسل المختلطة. ومنحت المنطقتان الفلامان والوالون صلاحيات لامركزية..
وأكملت وزارة دوهين العلمية بإجراء تعديل دستوري جذري عام 1993 تحولت بموجبه بلجيكا الى صيغة الحكم الفيدرالي. وبذلك تكون عملية التحول من المركزية الى الفيدرالية قد استغرقت أربعين عاماً من الصراعات القومية التي تكللت بالحل الصائب، فأصبحت بلجيكا تتمتع بأفضل وضع ديمقراطي رشحها لتكون مركزاً للوحدة الأوربية، وبأحدث الدساتير وأكثرها ديمقراطية، نظراً لما حواه من صلاحيات لامركزية لكل جماعة أثنية ومنطقة جغرافية وإقليم ووحدة إدارية، وما احتواه من عدالة بين جميع أبناء الشعب البلجيكي دون تمييز لأي سبب كان..
كما يسود نظام التعددية الحزبية في مناطق بلجيكا الثلاثة، وابرز الأحزاب فيها:-
1- الحزب الاشتراكي الوالوني..
2- الحزب الاشتراكي المسيحي الفلمينكي..
3- الحزب المسيحي الوالوني..
4- الحزب الاشتراكي الفلمينكي..
5- حزب الحرية والتقدم الفلمينكي..
6- حزب الحرية البروكسلي..
7- الجبهة الديمقراطية الفرانكفوية..
8- الجبهة الديمقراطية الفرانكفونية..
9- حزب التجمع الوالوني..
10- حزب الوحدة الشعبية الفلمينكية..
11- الحزب الشيوعي البلجيكي..
12- حزب الكتلة الفلمينكية..
13- الاتحاد الديمقراطي لاحترام العمل..
14- حزب الخضر..
واهم ما يتميز به الدستور الفيدرالي البلجيكي هو:-
*بنيت الفيدرالية البلجيكية على الأساسين ألاثني والجغرافي بعد إن جربت لمدة ثلاثة عشر سنة اللامركزية الجغرافية لتتطور الى الفيدرالية..
*يمكن إجمال السلطتين التشريعية والتنفيذية على النحو الأتي:-
1- مجلسان مركزيان، هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ..
2- حكومة فيدرالية..
3- ثلاثة مجالس برلمانية، كل مجلس لمنطقة من المناطق الثلاث..
4- ثلاث حكومات للمناطق..
5- عشرة مجالس للمحافظات تتبعها عشرة إدارات..
6- مجموعتان، داخل المجلسين المركزيين، ومن أعضائها، تمثلان الناطقين باللغتين الرسميتين وتسمى المجموعة اللغوية. ولايسن إي قانون يتعلق بالمناطق ما لم يحصل على ثلثي أصوات كل مجموعة لغوية في المجلسين المركزيين..
7- يبلغ عدد الوزراء في الحكومة المركزية والحكومات المحلية الثلاث، أكثر من مئة وخمسة وخمسين وزيراً. وهناك العديد من المجالس البلدية وكل مجلس له حكومته او إدارته الخاصة. ولكل من هذه الحكومات والمؤسسات صلاحيات كاملة، كل في مجاله، نص عليه الدستور، وتتخذ كلها وفق القانون..
8- حددت المادة الأولى من الدستور إن بلجيكا دولة فيدرالية مكونة من جماعات أثنية ومناطق جغرافية. فيما حددت المادة الثانية الى إن بلجيكا تضم ثلاث جماعات أثنية، هي:- الجماعة الفرنسية والجماعة الفلامانية والجماعة الجرمانية. فيما تنص المادة الثالثة على إن بلجيكا تضم ثلاث مناطق هي منطقة الوالون ومنطقة الفلامان ومنطقة بروكسل. إما المادة الرابعة فنصت على إن بلجيكا تضم أربع مناطق لغوية، هي:- منطقة اللغة الفرنسية، ومنطقة اللغة الهولندية ومنطقة بروكسل ثنائية اللغة ومنطقة اللغة الألمانية..
مما يتقدم تبين إن بلجيكا لم تتحول من دولة مركزية الى دولة فيدرالية بمجرد صدور دستور فيدرالي، بل مرت بفترة أربعين سنة تطور نظامها المركزي الى نظام لامركزي ثم تطور وتحول الى نظام فيدرالي..

اعظم الديمقراطيات الان هي فيدرالية

من أبرز التعليقات الرافضة للفيدرالية العراقية أنها ترفض أن تكون الفيدرالية على أساس مذهبي، وهو لا شك يمثل جهلاً بما تعنيه وتهدف له الفيدرالية، إذ أن ضمان التعايش مع المذاهب أو الديانات لكافة الطوائف المنضوية تحت راية النظام الفيدرالي تعد من أبرز خصائص ومقومات الفيدرالية، ولنا أن نتخيل فقط دولة مثل سويسرا التي يتوزع سكانها بشكل متساوٍ تقريباً بين المذهبين الرئيسيين في الديانة المسيحية وهما( المذهب الكاثوليكي والمذهب البروتستانتي) وبينهما - كما يقول الباحث في شؤون الأصولية المسيحية( هاشم صالح) خصومة لاهوتية لا تقل عمقاً عما هو حاصل بين سنة العراق وشيعته، ومع ذلك فقد استطاع سكانها بفضل التطبيق الدستوري السليم للفيدرالية أن يتعايشوا مع بعضهم بشكل رائع وبدون أية معوقات أو استدعاءات لمفردات مذهب فئة معينة على حساب الأخرى، إذ كما هو معروف، فإن الاتحاد السويسري يمثل واحداً من أكثر الدول في العالم استقراراً وأماناً ورفاهية، وبالمثل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتوافر على نظام فيدرالي يعطي لكل ولاية فيه حرية تنظيم إداراتها المحلية بشكل ربما يبدو متمايزاً تماماً عما يجاورها من ولايات أخرى، كما ويعطي كافة الطوائف الدينية الحرية الكاملة للتماهي مع معتقداتها ومذاهبها ودياناتها بشكل متساوي المسؤولية أمام القانون، أما بلجيكا فقد طبقت نظاماً فيدرالياً فريداً من نوعه، بحيث قسمها إلى ولايات متمايزة تماماً على أساس اللغة التي تتكلم بها كل ولاية من تلك الولايات، فهناك ولايات ناطقة باللغة الفرنسية وأخرى ناطقة باللغة الهولندية وأخرى ناطقة باللغة الألمانية، ولم تتفتت تلك الدولة ولم يتمايز كافة قاطنيها عن كونهم في النهاية مواطنين بلجيكيين يدينون بالولاء للاتحاد الفيدرالي البلجيكي، ولنتخيل الوضع كيف سيكون عندما تمثل مثل هذا البلد فرق رياضية في خارج حدودها، إذ سنجد أن أفراد الفريق الواحد يتكلمون لغات مختلفة تماماً مما سيعطي إحساساً لأول وهلة بأنهم يمثلون عدة بلدان مختلفة، ولكن مثل هذا الوضع الطريف والنادر في نفس الوقت لم يمنعهم من ارتداء شعار دولة واحدة هي بلجيكا، و من الوقوف عند عزف سلامها الوطني وترديد كلمات نشيده كل بلغته الخاصة.
سلمان محمد شناوة







#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص من بغداد البعيدة
- رئاسة جمهورية لبنان
- الشعب مصدر السلطات
- حول الدستور العراقي
- اليوم اكتملت انوثة حبيبتي
- الأردن المستفادة دوماً
- سارة خاتون والتراث العراقي
- سمك لبن تمر هندي
- ثقافتنا المتحجرة
- الجريمة في الشخصية العراقية
- اموال الخمس والزكاة .......... اين هي ؟
- نحن والسلطة المستبدة
- دين بلا رجال دين
- المتنبي ينعى نفسه
- جند السماء
- شيعة .... وسنة
- ابن جبرين ..يجب ان تعتذر
- وحدها ...ماجدة الرومي بقيت
- الوزير ربما ... ربما يجد حلا !!!!!
- الا تستحق لبنان انعقاد قمة عربية


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلمان محمد شناوة - العراق والفيدرالية