أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - مسئولية المجتمع (1)















المزيد.....



مسئولية المجتمع (1)


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2259 - 2008 / 4 / 22 - 11:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"مسئولية المجتمع المصري تجاه محدودي الدخل " هي موضوع الساعة ، في ظل تفاقم أزمة الغلاء و الارتفاع الجنوني المتواصل لأسعار جميع السلع والخدمات التي تكتوي بنيرانها معظم الأسر المصرية.
وبطبيعة الحال فإن محدودي الدخل هم اكثر الناس تضررا من هذه الأزمة التى يجب أن نضع في حساباتنا ضرورة التعايش معها لمدة طويلة لأنها للأسف الشديد ليست مجرد أزمة عابرة بل إنها أزمة ستستمر سنوات لأن لها أسبابا
عالمية أسأنا الاستعداد محليا لمضاعفاتها ..وهذه الأسباب العالمية تعود بدورها إلى إساءة استخدام الطبيعة وما نتج عن هذه المعاملة غير المسئولة من تغيرات مناخية آثرت ضمن ما أثرت على إنتاج الحبوب، فضلا عن مسئولية الحرب الأمريكية على العراق وما استنزفته من موارد فى تأجيج هذه الأزمة .
أضف الى ذلك تأثير ارتفاع مستوى معيشة ملايين من الصينيين والهنود ، مما أدى الى زيادة الضغط على طلب اللحوم و الحبوب ، أما المصيبة فهى لجوء العديد من الدول " المتقدمة" إلى استخراج الوقود الحيوى من الحبوب ، وكل هذا أدي الى هذه الأزمة العالمية التى يجب بالتالي أن نعد انفسنا للتعايش معها لسنوات قادمة .
وليس معنى هذا تحميل مسئولية مشاكلنا الداخلية على شماعة العوامل الخارجية و الاسعار العالمية ، فهناك مسئولية كبيرة نتحملها داخليا. فالحكومة قد أخفقت فى الاستعداد لمواجهة هذه الازمة العالمية التى لم تكن مفاجئة بأى حال من الاحوال، بل كانت معروفة سلفا للجميع.. وثم إن سياساتها الزراعية تجاهلت تحقيق درجة معقولة من الاكتفاء الذاتى من القمح تحسبا لهذا "التسونامى" العالمي، فضلا عن أنها أخفقت إخفاقا كبيرا فى الرقابة على الاسواق مما ادى الى استفحال أزمة رغيف الخبز والطوابير التى راح ضحيتها عشرة مواطنين لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث.
وليس المهم الاكتفاء بتوجيه اللوم للحكومة، وإنما الأكثر أهمية هو التفكير فى حلول عملية لتخفيف معاناة الملايين من محدودى الدخل مادامت هذه الازمة لن تنتهى بين عشية وضحاها.. وهذا التفكير مسئوليتنا جميعا.
ومن هنا كان جيدا عقد مؤتمر عن "مسئولية المجتمع المصري تجاه محدودى الدخل" بمبادرة من مجلس الأعمال الكندي- المصري والصندوق الاجتماعي للتنمية بمشاركة برنامج الأمم المتحدة للتنمية والوكالة الكندية للتنمية الدولية والبنك الدولي والمنطقة الروتارية 2450.
وعن هذه المبادرة قال معتز رسلان رئيس مجلس إدراة مجلس الاعمال الكندى - المصري إن "محدودى الدخل يمثلون الطبقة العظمى فى المجتمع المصري،
وفى ظل تسارع العولمة وآثارها المختلفة مع تحول الاقتصاد المصري بخطوات اسرع لسياسات السوق الحرة ، من المؤكد تأثر محدودو الدخل سلبا، خاصة وأن الفترة الاخيرة شهدت ارتفاع اسعار العديد من السلع الاساسية فى الاسواق العالمية".
وأضاف معتز رسلان قائلا انه "رغبة في الإسهام في تفعيل كفاءة شبكة الضمان الاجتماعي لتصبح قادرة على امتصاص هذه الاثار السلبية رأى مجلس الاعمال الكندى المصري والصندوق الاجتماعى للتنمية بمشاركة بعض الاطراف الاخرى ضرورة عقد مؤتمر لبحث آليات و سبل الارتقاء بمستوى محدودى الدخل ، وتحديد مسئولية أطراف المجتمع المختلفة تجاه هذه الفئة. ومناقشة الآليات الموجودة وتقييم مدى فعاليتها وسبل الارتقاء بها. وكذلك طرح افكار جديدة فى هذا الشأن على الاطراف المختلفة للمجتمع المصري بغية فعالية الوصول الى محدودى الدخل وحمايتهم من الاثار السلبية للعولمة وآليات السوق الحرة".
فإلى أى مدى نجح المؤتمر فى تحقيق هذا الهدف ؟!
للحديث بقيه..

*********************************

مسئولية المجتمع (2)
فى مؤتمر "مسئولية المجتمع المصرى تجاه محدودى الدخل" الذى عقد يوم الأثنين الماضى بمبادرة من مجلس الأعمال المصرى الكندى والصندوق الاجتماعى للتنمية، تم تخصيص الجلسة الأولى لمناقشة "آليات تمويل محدودى الدخل" المتوفرة حالياً، وأدارت الحوار – باقتدار – الزميلة نجلاء ذكرى نائب رئيس تحرير "الأهرام" ورئيسة القسم الاقتصادى التى استهلت المناقشة بملحوظة ذكية، هى انه عندما تحتدم أزمة المرور وتتعقد حركة انسياب السيارات ويرفع عساكر المرور الراية البيضاء معلنين عجزهم عن التصرف فى هذا الانسداد المروع ويأسهم من إيجاد حل للشلل الذى أصاب الشارع.. يظهر فجأة مواطن عادى ويتطوع بارشاد السائقين إلى كيفية التصرف فى هذا الموقف الميئوس منه، ويظل يحرك هذا ويوقف ذاك حتى يفك العقدة ويعيد السيولة إلى الطريق.
عسكرى المرور "الأهلى" هذا مطلوب فى كل المجالات، وهذا هو الدور المنوط بالمجتمع المدنى والقطاع الخاص فى مواجهة الأزمات التى تمسك بخناق المجتمع.
فهل يقوم هذا القطاع الأهلى بدوره المنشود؟
الاجابات تعددت وتنوعت
فتحى السباعى رئيس مجلس إدارة بنك الاسكان والتعمير قدم عرضا مفصلاً لأشكال الدعم المختلفة المتاحة حالياً لمحدودى الدخل فى مشاريع الاسكان.
ومحمود عبداللطيف رئيس مجلس إدارة بنك الاسكندرية استعرض دور بنكه – منذ كان قطاع عام ثم بعد خصخصته – فى مساعدة محدودى الدخل وكيف تطور هذا الدور من التنسيق مع الصندوق الاجتماعى إلى برامج الاقراض متناهى الصغر.
ومحمد أوزالب نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر تحدث عن دور البنوك فى تمويل المشروعات الصغيرة والتعاون مع بنك الاسكان والتعمير لدعم إسكان محدودى الدخل من خلال برامج التمويل العقارى.
الدكتورة عالية المهدى مديرة مركز الدراسات الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة وضعت يدها على الجرح. فالفقراء ومحدودى الدخل فى مصر قد تزايد عددهم، حتى أصبح لدينا فى العام الماضى 14 مليون مصرى تحت خط الفقر و2.5 مليون يعيشون فى فقر مدقع. والجديد فى هذه الفترة هو أننا نمر بفترة فيها تضخم أكثر من "الطبيعى"، وصل الآن إلى 18%. والمشكلة هى أن عبء التضخم على الفقراء أكبر من العبء على الأغنياء لأن الغذاء بشكل النسبة الأكبر من استهلاك الفقراء، وبالتالى فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يصيبهم أكثر من غيرهم. ورغم وصول فاتورة الدعم إلى 80 مليار جنيه فى ميزانية هذا العام فإن هذا المبلغ لا يمثل كله دعما للفقراء لأن 20 مليار جنيه من هذا المبلغ مخصصة لدعم الخبز والمواد التموينية والستين مليار الأخرى مخصصة للوقود. وعموماً فإن 35% من الدعم تذهب إلى القطاع الأسرى بينما تذهب 65% للصناعة والقطاع التجارى أى أنه لا يمس القطاع الأسرى بصورة مباشرة.
وفى تعقيبها على ما قاله المصرفيون عن تمويل المشروعات متناهية الصغر قالت الدكتورة عالية المهدى أنه يوجد فى مصر 3.5 مليون مشروع صغير (فى القطاعين الرسمى وغير الرسمى) 80% منها موجودة فى القطاع غير الرسمى (أى أنها ليست مسجلة)، وأن الوصول إلى هذه الفئات لا يتجاوز حتى الآن 15% رغم كل محاولات بنك ناصر والصندوق الاجتماعى. فضلاً عن أن سعر الفائدة على القروض التى تقدم للمشروعات الصغيرة ليس قليلاً، بل إنه يكون فى بعض الأحيان أعلى من أسعار الفائدة على القروض "العادية"!
وهذا يعنى أن الآليات الحالية لتمويل محدودى الدخل – رغم أهميتها – مازالت أدنى بكثير من المطلوب. فإذا أضفنا إلى ذلك ملحوظة نجلاء ذكرى بأن نصيب الزراعة من التسهيلات الائتمانية التى يقدمها الجهاز المصرفى لا يزيد عن 6 مليار جنيه، وهو رقم بالغ التفاهة، لأدركنا أننا بحاجة إلى معايير وتوجهات جديدة تماماً بهذا الصدد من أجل زيادة فعالية الآليات المختلفة المتاحة حالياً لتمويل محدودى الدخل وزيادة قدرتها على الوصول إليهم وتعظيم استفادتهم منها لأن كل ما هو قائم ومتاح حتى الآن محدود جداً، والأهم أنه لا يصل إلى أكثر من 15% من المستهدفين.
وبهذا الصدد أيضاً يجدر تسجيل ملحوظتين مهمتين: الأولى هى مداخلة غادة والى التى أكدت فيها أن الفقر المدقع لا يعالج بالإقراض، والملحوظة الثانية للنائب السابق ممدوح عبدالرازق وخلاصتها أن الأمور وصلت إلى مراحل تتجاوز قدرة أى بنك على حل المشكلة وحده لأن الفئات المستهدفة معدمة وغير متعلمة، والأخطر أنها "يائسة" ولذلك فأن الموضوع يحتاج إلى آليات جديدة منها ضرورة إنشاء بنك متخصص للتعامل مع الفقر.
وهو ما ذهبت إليه إيناس سيد مكاوى بجامعة الدول العربية التى اقترحت إنشاء هيئة قومية للقضاء على الفقر تتبع رئيس الجمهورية مباشرة.
وللحديث بقية.

********************************************
مسئولية المجتمع (3)
فى مؤتمر "مسئولية المجتمع المصرى تجاه محدودى الدخل" الذى عقد يوم الأثنين الماضى بمبادرة من مجلس الأعمال المصرى الكندى والصندوق الاجتماعى للتنمية تم تخصيص الجلسة الثانية لـ "المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص تجاه محدودى الدخل". وأدار الحوار فى هذه الجلسة الزميل مصباح قطب رئيس القسم الاقتصادى بجريدة "المصرى اليوم"ن الذى حرص على تأكيد أن خلفيته "اليسارية" لا تحول بينه وبين تثمين الجهود المحترمة لـ "الطيبين" من رجال الأعمال الذين يدركون مسئوليتهم الاجتماعية.
وكان هناك كثير من "الطيبين" فى الجلسة.
منهم محمد دلاور أحد قادة الروتارى الذى استشهد بشبكة تليفزيون CNN التى بثت تقريراً إخبارياً عن مصر يؤكد أن 50% من الشعب المصرى يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم. وهذا معناه أن 37 مليون مصرى يعيشون تحت خط الفقر. وهذا معناه أيضاً أن الفقر قد زاد رغم الملايين التى يتم إنفاقها سواء من جانب الحكومة أو من جانب المجتمع المدنى والقطاع الخاص. وأحد أسباب ذلك من وجهة نظره ما أسماه "بـ "عشوائيات الخير" التى أصبحت تحتاج إلى تخطيط وتنسيق حتى تؤتى ثمارها. وأحد صور هذا التخطيط المنشود – فى رأيه – هو التركيز على مشكلة معينة لحين حلها حلاً ناجزا، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مشكلة أخرى. وضرب مثالاً على ذلك بحملة القضاء على شلل الأطفال التى بدأتها أندية الروتارى بالتعاون مع هيئات دولية واقليمية منذ عام 1987 وكانت نتيجتها أن مصر أصبحت خالية من هذا المرض منذ عام 2006 ولم تعد بالعالم كله سوى أربع دول بها شلل الأطفال، وهذا إنجاز لا يستهان به.
أما نيازى سلام رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للصناعة وصاحب مبادرة بنك الطعام فقد أكد أن المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال ليست اختياراً وإنما هى "فرض" على كل فرد قادر فى هذا البلد. وفى إطار هذه المسئولية الاجتماعية جاءت فكرة بنك الطعام وتطوراتها يوما بعد يوم. وأعرب نيازى سلام عن أمله أن تؤدى مثل هذه المبادرات إلى القضاء على الجوع عام 2025.
مبادرة من نوع آخر تعرضت خطوطها العريضة ليلى اسكندر العضو المنتدب للشركة المصرية للدراسات والتدريب، والتى حصلت على جائزة الناشط الاجتماعى لعام 2006 من منتدى دافوس العالمى.
هذه المبادرة هى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمناطق التى يقطنها جامعو القمامة، فحتى "الزبالة" ليست عبئاً بل إن كل طن من المخلفات الصلبة يمكن أن يولد 7 وظائف، كما أن إحياء الحرف اليدوية والحفاظ عليها من الانقراض يفتح الباب أمام كنز آخر.
أما خالد حجازى من شركة بروكتل آند جامبل فقد تحدث عن الدور الذى يمكن أن تلعبه الشركات الكبرى فيما يتعلق بالمسئولية الاجتماعية سواء فى مجال بناء فصول دراسية أو غير ذلك من مجالات.
وبالإجمالى فإن هذه الجلسة شهدت استعراضاً للتجارب الناجحة للقطاع الخاص فى الارتقاء بمستوى محدودى الدخل من خلال الجمعيات الخيرية.
علماً بأنه يوجد فى مصر – كما أوضح الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس وزراء مصر الأسبق والرئيس الحالى للاتحاد العام للجمعيات الأهلية – 22 ألف جمعية أهلية وهو عدد ليس هينا لكن تفعيل دورها وتعظيم عائد هذا الدور يتطلب عدداً من الأمور أهمها – كما قال الدكتور حجازى – وضع خريطة للأموال التى تتدفق على مصر من أجل التنسيق وتحديد القيمة المضافة لهذه الأموال، وتفعيل المشاركة الشعبية فى توفير المال ومنها أيضاً أن يلعب المحافظون دوراً فى التنمية والتعاون مع الجمعيات الأهلية. ومنها أيضاً إنشاء آليات لمكافحة الفقر مثل بنك الفقراء الذى أنشأه محمد يونس فى بنجلاديش بدولارات ضئيلة وصلت الآن إلى مليارات.
واختتم الدكتور عبدالعزيز حجازى اقتراحاته بالمطالبة بمزيد من الوضوح فى المشروعات المطلوبة وتعديل قانون الجمعيات الأهلية بما يكفل تحفيزها على المزيد من العطاء.
هذه الاقتراحات كانت موضع ترحيب الدكتور على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى الذى أبدى اتفاقه على ضرورة تقوية الكيانات الأهلية، وضرورة وضع خريطة لتدفق الأموال واحتياجات الأسر والمناطق المحرومة، وضرورة وضع قاعدة بيانات بالتعاون بين وزارته وبين اتحاد الجمعيات الأهلية.
وهذا كله يعنى أن العمل الأهلى ومساهمات رجال الأعمال فى تحسين أوضاع محدودى الدخل يحتاج إلى عمل كثير من أجل تجاوز "عشوائيات الخير" الموجودة حالياً، فى اتجاه مزيد من التخطيط والعمل المؤسسى المدروس.
وللحديث بقية.

*************************************
مسئولية المجتمع (4)
بعد جلسة افتتاحية تحدث فيها الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الاجتماعي، وهاني سيف النصر أمين عام الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومنير ثابت المدير الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية والمهندس معتز رسلان رئيس مجلس إدارة مجلس الأعمال المصري الكندي.
وبعد جلستين ساخنتين تركزت مداولات الأولي علي آليات تمويل محدودي الدخل وأدارتها الزميلة نجلاء ذكري وتناولت الثانية المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص تجاه محدودي الدخل وأدارها الزميل مصباح قطب.
وصلنا إلي الجلسة الختامية التي تناولت خطة الحكومة للنهوض بمستوي محدودي الدخل وشارك فيها الدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية والدكتور مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب ووزير الاقتصاد السابق والاستاذ منير فخري عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد وكان لكاتب هذه السطور شرف إدارتها.
وفي كلمته حاول الدكتور أحمد درويش تقديم تفسير للمفارقة الصارخة التي تتمثل في حديث الحكومة عن تحسن غير مسبوق في مؤشرات الاقتصاد الكلي بينما يشكو معظم المصريين من تدهور أحوالهم المعيشية بصورة غير مسبوقة أيضا وصلت إلي حد الشكوي من أزمة في رغيف الخبز واستشهاد عشرة مواطنين علي الأقل في طوابير »العيش«، ناهيك عن الارتفاع الجنوني في أسعار جميع السلع الضرورية.
وتفسير الدكتور درويش لهذه المفارقة هو أن سببها بسيط: فعندما يبدأ الاقتصاد في التحرك يكون أول المستفيدين من هذا التحرك هم أولئك الذين تتوافر لديهم المهارة للاستفادة من تحرك عجلة الاقتصاد وعلي سبيل المثال فإن نسبة البطالة بين مهندسي الحاسبات حاليا »صفر«، ومرتباتهم في تزايد مستمر ونبحث عن مهندسين جدد لشغل وظائف شاغرة ولا نجد!
أما الفئة التي تعاني فهي الطبقة الدنيا التي لا تمتلك المهارات وليس معها »السنارة« التي تصطاد بها »السمكة«.
والتحدي المطروح علينا ليس هو أن توفر الطعام لأبناء هذه الطبقة وإنما أن نسلحها بشكل من أشكال المهارات المطلوبة في سوق العمل.
والمشكلة أيضا ـ في رأي الدكتور درويش ـ أن الزيادة السكانية الصافية ـ التي تصل إلي 3.1 مليون نسمة سنويا ـ تعقد الأمور.
وفي ظل هذا التحدي وتلك المشكلة فإننا كلما استطعنا تنمية الاستثمارات كان ذلك في رأي الوزير انحيازا للفقراء لأن دوران الاستثمار معناه خلق فرص عمل جديدة.
وبالطبع لم يكن مفاجئا أن يتحين وزير التنمية الادارية وفرصة المؤتمر للحديث عن سياسة الحكومة فيما يتعلق بالدعم مؤكدا أن الانفاق علي الصحة والتعليم معا لا يتجاوز نصف دعم الطاقة.
كما لم يفوت الفرصة ليكرر التصريحات السابقة لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف التي تؤكد ارتفاع نسبة المصريين الذين يمتلكون سلعا معمرة مثل الثلاجات وأجهزة التليفزيون بما يعني أن مستويات المعيشة تتحسن ولا تتدهور.
وعلي عكس هذا التناول جاءت وجهة نظر منير فخري عبدالنور مختلفة تماما فقد انطلق من التأكيد علي أننا نعيش أزمة ومظاهر هذه الأزمة متعددة: أسعار ملتهبة ـ خدمات عامة متدنية ـ بطالة منتشرة رغم كل الأرقام التي ترددها الحكومة ـ وما يزيد الطين بلة خطاب حكومي يصر علي أنه ليس في الامكان أبدع مما كان، بينما الفوارق الطبقية أصبحت غير محتملة، ووصلت الأزمة إلي أن أصبحت أزمة تهميش: تهميش اقتصادي وتهميش اجتماعي وتهميش سياسي.
وأضاف منير فخري عبدالنور أن الأزمة الحالية ـ بالاضافة إلي الأسعار العالمية ـ من فعل سياسات الحكومة التي تفتقر إلي البعد الاجتماعي رغم وجود وزارة اسمها »التضامن الاجتماعي«.
فالسياسة المالية متخبطة والموازنة العامة بها عجز متفاقم وتراكم منذ أكثر من عشرين عاما يتراوح بين 7 و10% من الناتج المحلي الاجمالي وهذا العجز له آثار تضخمية لاشك فيها.
والسياسة النقدية مسئولة هي الأخري ـ في رأي منير فخري عبدالنور ـ لأن سياسة الدولة في هذا الصدد سياسة توسعية وسعر الفائدة في البنوك بالسالب في حقيقة الأمر إذا وضعنا نسبة التضخم في الاعتبار.
ثم هناك سياسة الخصخصة التي لا تشارك ولا تدعو إلي مشاركة أطراف المجتمع في جني ثمار النمو الذي يحدث. وبدلا من دعوة أفراد الشعب للاكتتاب العام في هذه الوحدات الاقتصادية التي يتم خصخصتها تبيع الحكومة هذه الوحدات لافراد بيعنهم.
ثم هناك أيضا فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية دون قيد أو شرط، مما أدي إلي ايجاد احتكارات في صناعات بعينها وما ترتب علي ذلك من رفع الاسعار بصورة غير مبررة.
ويجب أن نعترف بأن القطاع الخاص مازال ناشئا وضعيفا، ففي كل قطاع من قطاعات الاقتصاد يوجد خمسة أو ستة يسيطرون علي القطاع، وهذا غير كاف للوصول إلي منافسة رشيدة بسبب انسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي. وكانت نتيجة هذا الانسحاب أننا أصبحنا أمام أسواق تفتقر إلي المنافسة الحقيقية وتحكمها الممارسات الاحتكارية.
أضف إلي ذلك فشل السياسة الزراعية المعتمدة منذ أكثر من 30 سنة، علما بأن من لا يملك قوته لا يملك كرامته. وقوتنا هو القمح والحبوب الأخري. وقد فشلت السياسة الزراعية الحكومية في توفير الاكتفاء الذاتي ـ أو قدر معقول منه ـ من هذه الحبوب.
وفي الوقت ذاته تدهورت الخدمات العامة بسبب الفساد وانعدام الرقابة وضعف الموارد بسبب عجز الموازنة.
وبعد هذه الصورة القاتمة تساءل منير فخري عبدالنور: ما العمل؟ وأجاب: أن نعمل الذي لا تعمله الحكومة الآن. وفيما يتعلق بموضوع المؤتمر، ألا وهو المسئولية الاجتماعية تجاه محدودي الدخل، فإن المسئولية الاجتماعية ليست »منح« بل توجه سياسات وقوانين ولوائح نحو التنمية المستدامة.
وقال منير فخري عبدالنور بصراحة أطالب بتغيير السياسات وأولها السياسة المالية من أجل زيادة موارد الدولة، فمن غير المعقول أن نجد وزيرا في الحكومة يعترض فرض ضريبة عقارية بينما أصحاب العقارات يحققون أرباحا خيالية.
ليس معقولا عدم فرض رسوم علي اليخوت والطائرات الخاصة والسيارات الفارهة!
أطالب الحكومة بالكف عن الأمور المظهرية غير المبررة بينما نحن دولة فقيرة.
أطالب الحكومة بزيادة الانفاق علي التعليم والصحة والتدريب والتنمية البشرية.
أطالب بمراجعة السياسة النقدية، حيث إن سعر الفائدة الآن سلبي بأكثر من 10%، بينما يجب استخدام سعر الفائدة كإحدي الأدوات لمواجهة التضحم.
أطالب باستبدال أسلوب الخصخصة الحالي بسياسة تشجيع الاكتتاب العام.
أطالب بعدم انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي وأدعوها إلي استثمار جزء من عوائد الخصخصة.
>>>
بعد هذه القائمة الطويلة من مطالبات منير فخري عبدالنور جاء الدور علي الدكتور مصطفي السعيد الذي بدأ بالتساؤل: هل هناك فقر أم لا؟
وأجاب: لا خلاف علي أن هناك نسبة مرتفعة والأخطر هو زيادة إحساس الناس بهذا الفقر، وهذا الإحساس يتزايد كلما وجدت ممارسات احتكارية، وكلما اتسعت الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وكلما اختلت الأنماط الاستهلاكية.
وقال الدكتور مصطفي السعيد إن الحكومة حققت معدل نمو 7،1% وهذا معدل عظيم. لكن فارقا كبيرا بين أن يكون هذا النمو في القطاع المالي وقطاع الاتصالات وبين أن يكون ناتجا عن نمو في القطاع الصناعي كثيف العمالة فالنمو في قطاعات لا تستفيد منها إلا فئات قليلة مختلف عن النمو في القطاعات التي تستوعب عمالة كثيفة، والنمو عندنا منحاز إلي النوعية الأولي.
واستطرد الدكتور مصطفي السعيد قائلا: اتساءل دائما داخل اجتماعات الحزب الوطني: من المسئول عن تدهور قطاع الغزل والنسيج في مصر؟ ولا أجد إجابة، علما بأن تركيا تصدر غزلا ونسيجا بـ 81 مليار دولار سنويا. فلماذا لان تهتم بهذه الصناعة وتركناها 15 سنة بدون تحديث.
وانتقل الدكتور مصطفي السعيد إلي نقطة أخري قائلا: فلنفترض إننا اتفقنا جميعا علي أن اقتصاد السوق أفضل من الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة. لكن ما هو الفهم الصحيح لاقتصاديات السوق؟.
المفكر الاقتصادي الألماني الأشهر ايرهارد يقول في كتابه المرجع »الرفاهية والتنافسية«: أنا ضد اقتصاد السوق ولكنني مع اقتصاد السوق الاجتماعي وهذا معناه أن البعد الاجتماعي لاقتصاد السوق بالغ الأهمية، ليس لسبب ايديولوجي وإنما لضرورة اقتصادية.
كذلك حذر رئيس تحرير مجلة ايكونومست، الذي لا يمكن اتهامه بمعاداة
اقتصاد السوق، انه لا يمكن انتهاج طبعة واحدة من الرأسمالية صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان.
كما أن الدولتين اللتاين نجحتا في محاربة الفقر، وهما الصين والهند، قد حققنا هذا النجاح لأنهما رفضتا وصفة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتعاليم ما يسمي »اجماع واشنطن«.
وهذه المسألة لم تحظ بالاهتمام في مصر ومازلنا نحتاج إلي الاتفاق علي النموذج المناسب لمصر والحكومة لم تعط هذه القضية ما تستحقه من اهتمام بالعكس جرت وراء شعارات.
واختتم كلمته بالاعراب مع اتفاقه علي منير فخري عبدالنور فيما يتعلق بدور الدولة.
* * *
واللافت للنظر في هذا الحوار عدة أمور:
الأول هو ان هذا المؤتمر قد أثبت أن كل أمورنا يمكن مناقشتها بصراحة وجدية وشفافية، وبصورة متحضرة وبتفاعل حقيقي بين الرأي والرأي الآخر.. وقد رأينا -علي سبيل المثال- الدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية وممثل الحكومة في هذه الجلسة يجلس إلي جوار منير فخري عبدالنور قطب حزب الوفد ويتناقشان بحرية وبصورة راقية ويحددان الخلافات بينهما ويبحثان في نفس الوقت عن أرضية مشتركة في بعض الأمور لدرجة أن الوزير قال في تعقيبه علي كلمة منير فخري عبدالنور إنه يتفق معه في أربع من القضايا الست التي طرحها.
كما وجدنا الدكتور مصطفي السعيد لا يجد عضويته في الحزب الوطني حائلا دون توجيه انتقادات بالغة الأهمية لحكومة الحزب الوطني ومنهجها وسياساتها وأن يعلن هو الآخر اتفاقه مع القطب المعارض في بعض ما قال.
وهذه روح بناءة تبرهن علي أهمية الحوار بشرط أن يكون متحضرا ومتكافئا وبعيدا عن المهاترات والغوغائية.
فهذا وطن لا يستطيع فريق بعينه الادعاء بأنه يمتلك وحده الحقيقة المطلقة والحلول الشافية لكل مشكلاته وإنما تنبع هذه الحلول من الحوار بين جميع الفصائل المصرية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار، والحرص علي توصلها إلي قواسم مشتركة لا تنفي تمايزاتها واختلافاتها.
الأمر الثاني أن الأحداث قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة ليست علي كل شيء قديرة وأنه لم يعد هناك مفر من بناء شراكة حقيقية بين الحكومة من ناحية وبين المجتمع المدني والقطاع الخاص من ناحية أخري وهذا مشوار طويل يحتاج إلي تعبيد الطرق الوعرة وإزالة العراقيل الكثيرة التي تطيل أمد »الوصاية« البيرقراطية علي الجهود والطاقات الأهلية.
الأمر الثالث: أن قضية الفقر، ومشاكل محدودي الدخل، مسألة غير منفصلة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الكلية، ولا يمكن حلها بـ»عشوائيات الخير« وإنما هي تحتاج إلي سياسات وبرامج تدخل في صلب التنمية الشاملة والمستدامة.
الأمر الرابع: أن قائمة قضايا الإصلاح الاقتصادي -رغم كثرة الحديث عنها- مازالت طويلة جدا وتحتاج إلي معالجة شاملة ومتكاملة وعاجلة، كما أن هذا الإصلاح الاقتصادي مرتبط ارتباطا عضويا بمدي التقدم علي جبهة الإصلاح السياسي.
الأمر الخامس: أن مجالس الأعمال بدأت في وضع البعد الاجتماعي والمسئولية الاجتماعية في أجندتها، وهذا تطور جيد كانت مبادرة مجلس الأعمال المصري الكندي برئاسة المهندس معتز رسلان أحد تجلياته التي نرجو أن تتواصل وتتضافر جهودها لايجاد قوة دافعة لمشروع نهضة مصر وتحديثها فهذا هو الضمان الحقيقي لقطع الطريق علي مشروع الفوضي ودفع البلاد إلي المجهول.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقابات عثمانلية!
- إذا كانت أغلبية الصحفيين مع التمييز الدينى لا أريد عضوية هذه ...
- إضراب.. وحريق.. وبينهما خيط رفيع
- والله العظيم ...تحسين الأحوال المعيشية للناس..ممكن
- هل نرفع الراية البيضاء أمام مافيا أراضى الدولة؟ (1)
- حيرة الحكومة بين -التعطيش- و-التسقيع-
- نداء عاجل إلى من يهمه الأمر
- التدحرج من -القمة- إلى - القاع- (1)
- لمصلحة من : قتل المبادرات الأهلية ؟!
- أحب »كيث«.. لكني أحب الناخبين أكثر!
- أزمة الرغيف .. عار على جبين حضارة مصر
- الخبز الحاف!
- مجالس الأعمال تبحث رغيف الخبز!
- المصيلحى .. عدو الشعب رقم واحد!
- من الذى يحمى أراضى الدولة؟!
- سنة خامسة إصلاح: وماذا بعد؟! (1)
- حاجة تكسف: هكذا تحدث «مشرفة» منذ 83 عاما!
- جنون -الحجر-
- سنة خامسة إصلاح .. وماذا بعد ؟(2)
- قراءة هادئة في أوراق عصبية


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - مسئولية المجتمع (1)