جنون -الحجر-

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 08:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جميع الكائنات مسها الجنون .. فسمعنا عن جنون "البقر" بعد أن عانينا من جنون "البشر"، ثم رأينا نوعاً غريباً من الانفلونزا يصيب الطيور بأعراض غريبة تبدأ بـ "التوله" وتنتهى بالموت الذى ربما ينتقل إلى "الخنازير" .. وأيضاً "البشر".
والآن .. نشاهد الجنون قد أصاب الأسعار، كل الأسعار لجميع الأشياء من مأكل ومشرب وملبس ومسكن. أى أن الجنون وصل حتى إلى "الحجر"، حيث ارتفعت أسعار العقارات فى الأيام والأشهر الأخيرة إلى مستويات تفوق الخيال وتتجاوز أى منطق.
أما السبب الرئيسى الذى لجأت إليه الحكومة لتبرير عجزها عن السيطرة على هذا الارتفاع الجنونى فى أسعار العقارات فهو "الأسعار العالمية"، وهى تلك الشماعة التى أصبحنا نعلق عليها كل أزماتنا، بما فى ذلك أزمة الكشرى وسندوتشات الفول والطعمية التى ربما لا يعرفها أحد سوانا فى العالم بأسره كطعام آدمى.
ولا جدال فى أن الأسعار العالمية سبب، بل إنها سبب مهم جداً، حيث شهدت ارتفاعاً خطيراً فى الأونة الأخيرة. وبسبب الاندماج المتزايد للاقتصاد العالمى لم يعد هناك من يستطيع أن يكون بمنأى عن هذا "التسونامى" حتى لو كانت تفصله عن مركزه بحار ومحيطات.
لكن وضع كل أزماتنا المحلية فى رقبة الأسعار العالمية فقط مغالطة كبرى. صحيح أن أسعار الحديد وأسعار الأسمنت – مثلا – قد ارتفعت عالمياً، لكن هذه المصانع "العالمية" لم تتوافر لها الاراضى المقامة عليها بالأسعار التى توافرت للمصانع "المصرية"، كما أنها لا تتمتع بأسعار الطاقة "المدعمة" مثل المصانع المصرية، ولا تحظى بالعمالة الرخيصة مثل العمالة المصرية.
ولهذا فإن هذه المصانع المصرية تحقق أرباحاً خرافية يقدرها البعض – بالنسبة لحالة الحديد – بنحو ألف جنيه فى الطن، كما أن التكلفة الحقيقية لطن الأسمنت لا تزيد بأى حال من الأحوال عن 130 جنيهاً، والفارق بين هذا الرقم وبين الأرقام الفلكية التى يباع بها الأسمنت ربح باهظ.
وهذا ينقلنا إلى نقطة ثانية هى أن معظم أسعار هذه السلع الاستراتيجية أسعار احتكارية. وقد ساهمت الحكومة فى تعزيز هذه السمة الاحتكارية – المنافية لروح اقتصاد السوق القائم على المنافسة – بتسرعها فى برنامج الخصخصة بصورة أدت إلى التخلى الكامل عن صناعة مهمة مثل الأسمنت التى سقطت فى حجر الأجانب وأصبحوا يتحكمون فى أسعارها كما يحلو لهم.. بينما الحكومة عاجزة عن عمل أى شئ حقيقى رغم التهديد والوعيد اللفظى.
ولم يقتصر جنون الأسعار على الحديد والأسمنت وإنما شمل كل مواد البناء بلا استثناء. والحكومة ليست بريئة أيضاً بهذا الصدد لأنها هى التى بدأت هذا الحريق برفع سعر المازوت من 500 إلى ألف جنيه بين عشية وضحاها مما أدى إلى الارتفاع التلقائى لمواد البناء التى تعتمد على المازوت كوقود، مثل الطوب وغيره.
أضف إلى ذلك أن سياسات الحكومة أدت أيضاً إلى الارتفاع الجنونى لأسعار الأراضى، وذلك بفتح الباب لبيع أرض مصر للأجانب، وهو الأمر الذى ترفضه دول عربية وأجنبية كثيرة رفضاً قاطعاً. وهؤلاء المستثمرين العقاريين الأجانب أشعلوا حريقاً هائلاً للأسعار بمضاربتهم على الاراضى التى احتكروها هى الأخرى، فاكتملت الدائرة .. من أرض ومواد بناء .. وكانت نتيجتها "المنطقية" أن أصبحت الوحدات السكنية المتاحة فى سوق العرض والطلب فوق طاقة الطبقة الوسطى، التى هى العمود الفقرى لأى مجتمع حى.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل