أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (3)















المزيد.....

بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (3)


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2199 - 2008 / 2 / 22 - 10:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


حال سوهاج هو حال مصر المحروسة بأسرها. فهذه المحافظة الجنوبية تعد واحدة من أفقر محافظات مصر بأسرها، وكل تقارير التنمية البشرية، الوطنية والأجنبية على حد سواء، تضعها فى الذيل دائماً باعتبارها الأفقر والأكثر بؤساً وحرماناً.
فهل هى حقاً محافظة فقيرة؟!
أرقام الاقتصاد الصماء تقول ذلك، وأحوال الناس العاديين تؤكد هذا القول، وأعداد النازحين من سوهاج إلى خارجها تبرهن على أننا إزاء محافظة "طاردة"، بحيث لا يجد أبناؤها بديلاً عن الهجرة إلى "الشمال"، أو إلى دول الخليج – بأى ثمن وأى شروط مهما تكن مجحفة وغير آدمية – من أجل إعانة الأهل و"النضال" من أجل البقاء.
بينما واقع الحال على أرض المحافظة ذاتها يروى قصة أخرى.
ففى هذه المحافظة التى يقترن اسمها بكل أسماء الفقر "الدكر" توجد كنوز أثرية لا تقدر بمال الدنيا، ويكفى عشر معشارها لتحويل أى دولة من دول العالم إلى مزار سياحى عالمى يتدفق عليه السياح من كل حدب وصوب، وتنفتح مع أفواجهم أبواب الرزق، بل والثراء، للبلاد والعباد.
فهنا، وعلى أرض سوهاج، توجد معابد فرعونية بديعة، يكفى أن نتذكر منها معبد "أبيدوس"، أقدم أرشيف فى تاريخ البشرية، والذى نجد على جدرانه أعرق نصوص نورانية تمثل "فجر الضمير" للإنسانية بأسرها.
وهنا، وعلى أرض سوهاج، يوجد واحد من أجمل التماثيل التى يمكن أن تشاهدها فى أى عصر من العصور وفى أى قارة من قارات العالم، ألا وهو تمثال "ميريت آمون"، الذى يقف شامخاً فى معبد بائس تحيط به العشوائيات والنفايات وشتى مظاهر القبح والدمامة والإهمال. ولو أنه موجود فى مكان آخر يحترم التاريخ والفن والجمال لأصبح مقصداً لملايين الزوار من الداخل والخارج ومنجم ذهب لا ينضب للأبناء والأحفاد الذين يحترمون تراث أجدادهم ولا يعرضونه لمثل هذه "البهدلة" وذاك الإذلال!
وهنا، على أرض سوهاج، توجد كنوز قبطية تاريخية كفيلة – فى حالة الاهتمام بها – بجذب اهتمام ملايين المسيحيين وغير المسيحيين الذين تفتح أمامهم أعاجيب العصر القبطى أبواب تبصرات مدهشة.
وهنا، على أرض سوهاج، وعلى بعد بضعة أمتار من العاصمة، توجد مدينة أخميم، التى يكون إقلالاً من شأنها أن نصفها بأنها "مانشستر المصرية" باعتبارها مهد صناعة الحرير وشتى منتجات النسيج الراقى، وهى الصناعة التى مازال تراثها ممتداً حتى يومنا الراهن.
وهنا، على أرض سوهاج، يكتسب نهر النيل عنفوانه وبهاءه وجماله.
وهنا، على أرض سوهاج، مسقط رأس عدد غفير من الكتاب والأدباء والعلماء والمبدعين المعاصرين الذين تتألق بهم سماء الثقافة والعلم والإدارة فى مصر بأسرها.
وهنا، على أرض سوهاج، والعهدة على زميلنا وصديقنا أحمد طه النقر، منبت رأس أكثر من ثمانمائة من أعضاء نقابة الصحفيين التى لا يزيد إجمالى الأعضاء المقيدين بجدول المشتغلين بها من خمسة آلاف صحفى فى عموم مصر المحروسة بأسرها.
فكيف يمكن لمحافظة بها كل هذه الثروات والكنوز أن تكون فى ذيل قوائم تقارير التنمية البشرية وأن تحمل لقب "أفقر محافظة"؟!
ربما تنطبق أوصاف هذه المفارقة على مصر عموماً، التى تمتلك مقومات القوة والثراء بحكم التاريخ والجغرافيا والرصيد الحضارى والعطاء الإنسانى فى الماضى والحاضر، لكنها أصبحت واحدة من الدول المتخلفة التى نسميها تأدباً بالدول "النامية".
لكن تبقى مفارقة محافظة سوهاج صارخة ومكثفة، وتنطوى – ضمن ما تنطوى – على فساد الإدارة المركزية وضيق أفقها وسمك جلدها وانعدام حساسيتها إزاء الأقاليم المحرومة من أبسط الحقوق الطبيعية فى التنمية والدعم والاهتمام.
وقد تضافر هذا الإهمال الحكومى المركزى التاريخى لتلك المحافظة المسكينة مع ظلم الطبيعة، حيث يضيق الوادى هنا أكثر من أى مكان آخر ويزحف الجبل حتى يكاد يجثم على أنفاس النهر ولا يترك بين سفحه الموحش وبين مياه النيل سوى شريط ضيق، كلما ازداد ضيقا ضاقت معه أرزاق الناس. فما بالك وأن التعديات على هذا الشريط الضيق من الأرض الزراعية تتزايد وتتسع عاماً بعد آخر تحت سمع وبصر الجميع دون رقيب أو حسيب؟!
وبين فكى هذه الكماشة الجهنمية، فك البيروقراطية الحكومية المفترس وفك الطبيعة الخشنة، وقع أهالى سوهاج منذ قرون وعقود، حتى لم يجد كثير منهم مفراً من الهجرة شمالاً وجنوباً.
صحيح أن سوهاج ليست المحافظة الوحيدة التى تعانى من الإهمال والحرمان، وإنما يشاركها فى ذلك معظم محافظات الصعيد بصورة أو أخرى، وبالذات محافظات الصعيد "الجوانى"، لكنها تظل واحدة من المحافظات التى تتحمل النصيب الأوفر من المعاناة والحرمان.
فإلى متى؟!
وما ا لعمل؟!
المحافظ محسن النعمانى واحد من تلك الفصيلة النادرة والمنقرضة من المسئولين فى الإدارة المحلية رغم أنه من القادمين إليها أو ربما لأنه من الأعضاء الجدد فى نادى قيادات المحافظات فإنه لا يلف ولا يدور، كما أن التبرير ليس من بين هواياته. ولذلك فإنه – فى لقائه الحميم معنا – بدأ من النهاية كما يقال، منطلقاً فى حديثه من الاعتراف بأنه يجلس على رأس محافظة فقيرة ومحرومة ومهملة (بفتح الميم الثانية) ومظلومة.. ولأنه عقلية استراتيجية – بحكم الخبرة السابقة – فإنه يفكر فى معضلة التنمية فى هذه المحافظة الفقيرة تفكيراً استراتيجياً. فإذا كانت الطبيعة قد فرضت قيوداً قسرية على هذا الإقليم فإنه من غير المجدى، أو غير الكافى، القيام بتحسينات جزئية داخل هذه الدور الضيقة والمقيدة، وإنما لابد من تغيير قواعد المعادلة ذاتها ولن يتحقق ذلك دون رفع "الحصار" المضروب حول سوهاج. وقد بدأ كسر الحصار فعلا بنسف الجبل الذى يجثم على أنفاس البلاد والعباد وفتح ثغرة فيه من أجل شق طريق نحو الشرق، يربط المحافظة بالبحر الأحمر، ويفتح معه آفاقاً غير مسبوقة للتنمية والسياحة.
أما السبيل الثانى لكسر هذا الحصار، فقد اتجه من الأرض نحو السماء، حيث يتم إنشاء "مطار" فى سوهاج، لعل السماوات المفتوحة تكون إحدى وسائل إنهاء هذه العزلة التاريخية وتسهيل حركة الاستثمار والمستثمرين وتعزيز الصلات بين سوهاج وباقى النسيج الوطنى.
وهذه بداية مبشرة ومشجعة لكنها لا تكفى .. ولا أدرى كيف تكون هذه المحافظة وقد أنجبت أكثر من ثمانمائة صحفى مقيدين فى جدول المشتغلين بنقابة الصحفيين – والعهدة على أحمد طه النقر – ومع ذلك لا يكاد معظم المصريين يعرفون شيئاً يعتد به عن محافظتهم، لا عن مشاكلها ولا عن كنوزها المدفونة وإمكانياتها الهائلة المهدرة؟!
عيب عليكم أيها الزملاء.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعمير سيناء .. مشروع مصر القومى
- نصف أمريكا الآخر (2)
- السعى بين -المهندسين- و-صلاح سالم-
- بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (1)
- بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (2)
- الإنفاق الحكومى.. بين العقلاء والمجانين
- فى مجتمع غارق فى الحنين إلى الماضى ..رؤية مستقبلية لمصر
- .. إنها الفوضى -الخلاقة-
- حتى لا تضيع دماء شهدائنا .. هدراً
- الكونجرس الأمريكى أمس .. والبرلمان الأوروبى اليوم .. وماذا ب ...
- هدايا -بوش- من بنوك الخليج
- حدود -دريد لحام- .. وحواجز -شنجن-!
- الاقتصاد السياسى للعسكريتاريا الباكستانية
- ميزانية حرب
- سلام آخر زمن : إسرائيل ترفع قضية على مصر!
- -بطة- هناك .. و-أسد- هنا!
- يحدث فى مصر .. فقط
- قنبلة الأفكار المسمومة .. التى قتلت بينظير بوتو
- رغم أى شيء.. كل سنة وأنتم طيبون!
- -تشريع- الكونجرس و-أنفاق- ليفنى!


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (3)