أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر دوري - البطاطا و الفكر و أشياء أخرى















المزيد.....

البطاطا و الفكر و أشياء أخرى


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 697 - 2003 / 12 / 29 - 04:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


احترت كثيراً بالمصطلح الذي سأطلقه على هذه الظاهرة الفكرية النفسية ، لا سيما أني لست ضليعا باللغة العربية لأشتق أو أنحت ، لذلك لا بد لأحد ما أن يساعدني .
 فكرت أن أسميها التبئير ، مشتقة من بؤرة ، و تعني التركيز على مكان واحد . لكن البؤرة تعني الشيء المركزي و إنه لأمر حسن أن يركز الإنسان على الشيء المركزي و يهمل الأشياء الثانوية إلى حد ما . لكن هذا الأمر غير موجود في الظاهرة التي سأناقشها إذ أنها لا تعني بالضرورة أن الشخص يركز على المسائل المركزية و يهمل التفاصيل . بل أحياناً نجده يركز على شيء ثانوي عابر و يجعله مركز الظاهرة .
أرى من الأفضل لي أن أصف الظاهرة و بعدها نتناقش حول تسميتها .
في مذكرات بابلو نيرودا ( أعترف أني قد عشت ) يرد وصف لشخصية مهندس زراعي إسباني يعيش زمن احتدام الحرب الأهلية الإسبانية ، حيث انقسم المجتمع إلى جمهوريين و ملكيين و الجميع منخرطون بالقتال إلا هذا المهندس فقد كان أسير فكرته الخاصة عن البطاطا . فبحكم عمله كمهندس زراعي عرف أن البطاطا سريعة النمو و ذات إنتاج غزير جداً إذ يكفي أن تقطع حبة بطاطا واحدة إلى عدة شرائح ثم تزرع كل شريحة منها في قليل من التراب حتى تحصل على عدة كيلوغرامات من البطاطا . و عرف أن البطاطا يمكن زراعتها في كل الأماكن ، على شرفات البيوت ، في الأوعية المعدنية المستعملة بعد أن تملأ بالتراب ، في الحدائق العامة ، في المزارع ، على جانبي الطرقات ..... الخ
ثم خرج هذا المهندس الزراعي بنظريته عن حل مشاكل الكون بواسطة البطاطا . بما أن سبب الحروب بين الشعوب هو الاقتصاد و البحث عن الموارد فإن زراعة البطاطا ستحل كل مشاكل البشرية ، ستقضي على الجوع ، و ستعيش المجتمعات برخاء . إذاً يكفي أن تزرع البطاطا حتى تنتهي الحروب و الصراعات و المجاعات و وفيات الأطفال . و سيطرت على هذا المهندس هذه الفكرة إلى حد أنه صار لا يأبه بالحرب الطاحنة التي تدور حوله و صار يدعو إلى وقف القتال و التفرغ  لزراعة البطاطا . و يشير بابلو نيرودا إلى النهاية المأساوية لهذه الشخصية بعد انهيار الجمهورية إذ أن فرانكو أودعه المعتقل ليموت هناك و لم يجده نفعاً تبشيره بعصر البطاطا ، و لربما حاول أن يزرع الطاطا داخل السجن فلم يفلح ...
في بداية تسعينيات القرن الماضي نشأت صداقة بيني و بين أسرة من المنفيين العراقيين كانت تقيم في أحزمة البؤس حول دمشق في ظروف بالغة السوء إذ أضاعوا مدخراتهم في إفلاس أحد البنوك و بقوا بلا معين لهم ، لا سيما أن رب البيت مثقف لا يستطيع أن يعمل أي عمل ، كما أن علاقاتهم بأحزاب المعارضة العراقية لم تكن على ما يرام لذلك لم يمد يد العون لهم أحد ، فعاشوا على الكفاف حياة أقرب إلى الموت .
خلال هذه الفترة تركز اهتمام رب الأسرة ، المثقف ، على فكرة العبودية . فصار يذهب إلى المكتبة الوطنية من الثامنة صباحاً و يبدأ بقراءة المراجع عن تاريخ العبودية في مختلف الأمم منذ فجر التاريخ ، و يسجل ملاحظاته و يلخص بعض الأفكار  حتى صار موسوعة بهذا الأمر . و بالتدريج لم يعد  يشاهد سوى هذا الأمر . فإذا قلت له إن مناخ الهند استوائي . أجابك على الفور : بدأت العبودية في الهند بالعام الفلاني و أخذت الأشكال الفلانية . و إذا كنت تشاهد مباراة بين فريقي البرازيل و انكلترة تدّخل بالتعليق على الحدث سارداً تاريخ العبودية في كلا المجتمعين و مطلقا حكم قيمة على كلا البلدين بالاستناد إلى  تاريخ العبودية فيهما . فالبلد الأفضل برأيه هو من ألغى العبودية باكراً بغض النظر عن أي شيء آخر . لقد سيطرت فكرة العبودية على ذهنه و صارت محور تفسيره للكون و صار حلم حياته أن يؤلف موسوعة عن تاريخ العبودية و أشكالها في مختلف الثقافات و عند كل الشعوب .  و لا أدري حتى اليوم إن كان قد فعل ذلك ، حيث انقطعت أخباره عني بعد أن حصل و عائلته على  اللجوء في السويد بعد منتصف التسعينيات .
إن هذه الظاهرة شائعة في مجتمعنا أكثر مما تتخيلون . و أصارحكم أن ما دعاني للكتابة عنها الجواب الذي سمعته من قائد إسلامي معارض ، مشهور بآرائه السديدة و معارضته للعنف و يعيش في المنفى . كانت الندوة تدور حول تخلي القذافي عن أسلحة الدمار الشامل ، فإذ بي أسمع منه رأياً غريباً اعتبر فيه أن هذه الأسلحة تبديد للموارد و  أن الشكل الأجدى للمقاومة هو المقاومة بالبشر ، أي بسلاح الاستشهاد كما يحدث في فلسطين .و قال إن مراكمة السلاح لا تجدي .  و لم يترك شكلاً للمقاومة سوى الاستشهاد .
أدرك نبل الفكرة الإنسانية التي ينطلق منها هذا السياسي المنفي عن بلده ، و هي أن الشعب عندما يكون حراً يدافع عن قضيته بكل الوسائل و لا توجد وسيلة تقدر على قهره ، أما مراكمة السلاح من قبل أنظمة قمعية فهذا لا فائدة منه لأن الشعب لن يقاتل في النهاية ما لم يكن حراً . أتفق معه تماماً في هذا الطرح لكن ما اختلف به معه هو إعطاء الأمر صفة المطلق ، التي يفهم منها أن علينا أن لا نفكر أبداً بامتلاك سلاح نووي أو غيره لأنه لا جدوى منه . طيب لنفترض إن باكستان تعرضت لعدوان خارجي . هل تقوم بتسريح جيشها و التخلي عن قنبلتها النووية و صواريخها بعيدة المدى ، ثم تقول : أريد أن أحارب بالبشر الأحرار فقط . و كذلك هل تفعل إيران ذلك ؟
 إن كثيراً من المحللين و في سياق تمجيد الفعل الاستشهادي البطولي الهائل يريدون إيقاف التاريخ عند هذا الشكل النضالي، و قد فعلوا ذلك أثناء الإنتفاضة الأولى عندما كانوا ينجدون الحجر و يعطونه صفة الشكل النضالي المطلق .  إنهم  يتجاهلون أن ما يحدث هو  دفاع عن الذات بشروط  الوجود الأولية و يجب تطويره عبر امتلاك التكنلوجية الحربية الفعالة ، إن لم يكن للاستخدام فليكن للردع . و هذا ما أعلنه قادة المقاومة في الداخل ففي كل مرة  كان يطلب منهم إيقاف العمليات الإستشهادية . يردون :
- أعطونا دبابة أو طائرة موازية لقوة السلاح الصهيوني و نحن سنوقف العمليات الإستشهادية .
لكنه العقل الأحادي ، هل تصلح هذه التسمية ؟ لا أدري !! الذي لا يرى سوى جانبا من ظاهرة لها شروطها المعقدة . فيعطي هذا الجانب صفة الإطلاق عبر الزمان و المكان .
و نسأل شيخنا الجليل لو كان لدى العراق سلاح نووي قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة . هل كانت ستجرؤ على مهاجمته ؟
أحيلك إلى كوريا الديمقراطية لتأخذ الجواب . 
بسبب افتقار سوريا إلى خطة زراعية دقيقة تقوم على دراسة احتياجات السكان من كل منتج زراعي و بالتالي تحديد مساحات الأراضي التي يجب أن تزرع . نشاهد كل عام ظاهرة تذبذب الأسعار . مرة يباع كيلو البصل بعشرات الليرات و بالتالي يصبح مزارعو البصل أغنياء ، و في العام التالي ينزل السعر إلى الحضيض حتى أن المحصول يترك في الأرض لتلتهمه الحيوانات و تحل كارثة على المزارعين و تفسير هذه الظاهرة بسيط ، و هو أن أعداداً هائلة من المزارعين تتجه إلى زراعة البصل بعد أن شاهدت ارتفاع أسعاره فتكون النتيجة انهيار أسعاره في العام التالي بسبب وفرة المعروض .
و هكذا يفعل  كثير من المفكرين ((أحاديي النظر)) . يشاهدون تجربة نجحت في العالم فيقولون هذه هي و ليس غيرها  .  و عدّد من نسخ النموذج السوفييتي إلى النموذج الفيتنامي إلى الصيني إلى نموذج جنوب شرق آسيا . أما الموجة التي نعيش بظلها اليوم فهي موجة الديمقراطية و حقوق الإنسان . و أغلب العاملين بها هم من كانوا يعملون في الموجة السوفيتية ، ظلوا يقولون بدكتاتورية البروليتارية و يعتبرون من يعارضهم عميل للغرب و لقوى الثورة المضادة حتى جاء غورباتشوف فصاروا من أنصار البيروستريكا و الغلاسنوسيت ، و عقدوا ندوات و مؤتمرات عن تطبيقهما في العالم العربي ، و صار من يعارضهم ستاليني  قمعي . و ما إن أفل نجم غورباتشوف حتى صاروا بسرعة عجيبة من أنصار المجتمع المدني و حقوق الإنسان و بدأوا يشكلون الجمعيات و المنظمات و يستقون التجربة الغربية و من يعارضهم فهو مؤيد للحكومات القمعية و الدكتاتورية . و إذا أتيح لك أن تحصل على مقال من مقالاتهم السابقة أو اللاحقة ، ستجد أن نفس المقالة التي كتبت لتمجيد البروليتاريا ك كُتبت لتمجيد البيروستريكا ثم لتمجيد المجتمع المدني و حقوق الإنسان . كل ما فعلوه هو إبدال الكلمات فبدل دكتاتورية البروليتاريا حلت كلمة المجتمع المدني أو البيروستريكا  . 
و يا ليت هذه الانتقالات كانت عن  دراسة ، أو عن تفكير و نقد عميق للذات . لا بل إنها أشبه بزراعة الفلاحين عندنا . يشاهدون الموسم الرائج فيقولون هذا هو . و إذا فشل يغيرون من جديد و هكذا إلى ما لا نهاية . و يدافعون بحماسة و قوة عن مواقفهم الجديدة مثلما كانوا يفعلون مع مواقفهم القديمة المتعارضة مع مواقفهم الحالية .
أعتقد أن لينين هو القائل إن من يغير مبادئه بسرعة إما أنه بلا مباديء  أو أنه سطحي .
و هكذا نرى أن لهذه الظاهرة ، أحادية التفكير ، أشكال كثيرة أرجو أن يساعدني أحدهم على إطلاق اسم لها . 



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران إلى أين ؟
- خيار البشرية اليوم : إما الهمجية أو مقاومة الإمبريالية
- عام جديد و طريق جديد
- وثيقة جنيف : كلما يأس العدو من كسرنا أعادوا له الأمل........
- ديمقراطية الفكر الإبادي التلمودي
- ثورة في جورجيا أم مجرد تغيير شكلي ؟
- ثقافة الجوع و ثقافة الشبع
- وحدة أطراف النظام الدولي
- أمريكا من انتظار القيامة إلى صنعها بالسلاح الذري
- حريق في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة
- نعم هناك إمكانية لعالم آخر بديل لعالم الربح
- تحية إلى كوبا


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر دوري - البطاطا و الفكر و أشياء أخرى