سامح عوده
الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 04:14
المحور:
الادب والفن
مــــــــــــدخل:
تعريف بالشاعر: دكتور متوكل طه من أعلام الشعر الفلسطيني والعربي الحديث، من مواليد مدينة قلقيلية في فلسطين، حاصل على درجة الدكتوراة في الأدب العربي، مناضل ٌ منذ نعومة أظفره.. حيث اعتقل لعدة سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، له في الشعر والأدب الكثير .. ما يعجز المقام عن وصفه، فالمكتبة الفلسطينية تعج بآثاره المطبوعة والتي يعزف فيها ترانيم الوطن، عمل وشغل الكثير من المناصب العلمية والأكاديمية منها على سبيل الذكر لا الحصر.. رئيسا ً لبيت الشعر الفلسطيني وهو منصب رفيع، كما شغل وما زال منصب وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية، أرجو أن يسامحني الشاعر إن هفوت فحياته حافلة بالعطاء الوطني والثقافي وانجازاته يعجز القلم عن تدوينها.. ربما تحتاج إلى إسهاب أكثر.
فـــــــــــــضاء..
لستُ ناقداً أدبيا ًحتى أتناول هذا الإبداع الشعري من وجهة نظر نقدية ملتزمة بمعايير النقد، فالنقد له مدارسه وله رجالاته، والناقد عندما يقدم على نقد شعر المتوكل طه عليه العودة سنوات طويلة حتى يقرأ الكثير مما نشر في المكتبات والمراكز الثقافية، وبالتالي سأقدم وجهة نظر قارئ عبر المجال فوجد على صحائف الأثير لآلئ منثورة فراح مستغرقا بين سطورها مستمتعا بهذا البريق الذي يخطف الأبصار، ربما لأن فلسفة الشاعر وعمق تجربته النضالية، وتجربته الأدبية الثقافية جعلته ذا خبرة ودراية بما يشغل شغف القارئ، فالوطن وهمومه، وجراحه المترامية تحتاج نزفا متواصلا من المحابر حتى تُرسم معالم الحكاية وتروي تفاصيل الرواية، رواية شعب وقصة ناس عاشوا واستبسلوا على هذه الأرض، أرض كنعان الجميلة، أرض الزيتون .. والبرتقال الحزين كما قال عنها المتوكل طه في عرش البرتقال يوما ما.. !! ولهذا قد يكون بدأ القصيدة كراو ٍ.. يسرد ُ رواية .
لم أختر عبثا ً سطوري السابقة ولا الكلمات، فقد أردت منها أن تتواتر والإيقاع الشعري الذي استهل به الشاعر قصيدته، فقد بدا واضحاً فيهً تمرسه الشعري البعيد عن السردية التقليدية، إنما آثر أن يخاطب الشعرُ بشاعرية ويسرد حكاية.. وطن.. وشعب.. وثوار.. مازالوا ينتظرون خيط الأمل الذي سيكسر قيد السجان وينذر الغاصبين " لكل ما هو حق لنا" بأن الطوفان قادم، وأن شعب بهذا العنفوان قدم.. ما قدم من شهداء على مقاصل الحرية لا بد له وأن يركع الظلم والظالمين، ويهدم سجونهم ويكسر سلاسلهم.. وهذا ما ظهر في الجزء الأخير منها:
إذاً، سوف يهدمُ طوفانُ شعبكَ
سجنَ العبيد وَقَبْوَ الجَهول.
ويبدأ فجركَ، بعد قليلٍ،
وتبقى المناراتُ
تبقى المناراتُ،
ساحاتُ كنعان،
أتقن الشاعر جيدا الابتعاد عن النظرة التشاؤمية، التي تولد الإحباط لدى جمهور القراء ومن كتبت لهم هذه القصيدة وهم مروان ورفاقه. من غيبوا قسرا ً خلف ستائر العتمة، إن بث روح الأمل لدى جمهور القراء، من شأنها أن تجعل القارئ يشعر بالراحة النفسية وهو يتنقل بين أبيات القصيدة، فيغادرها وخيط الأمل بجلاء الغم ظاهراً في سمائه..
العنوان..
مروان .. إنسانُ/ رُمان /عنوان/
ديوان/ميدان/عينان...
كان واضحا بما لا يدع مجالا ً للشك أن الشاعر متوكل طه قصد بالعنوان "مروان"، الأخ مروان البرغوثي.. أمين سر حركة "فتح" وعضو المجلس التشريعي.. المناضل والثائر.. القابع في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فجمهور الشارع العربي يعرف مروان البرغوثي جيداً، ثائر من نوع خاص، وعنيد تمام العند حينما يكون العناد من اجل الوطن، من المؤكد أنه لا يمكن للكلمات أو السطور، أن تعطي ذلك الفارس القابع في زنزانته حقه، لكن الوفاء لتاريخه، وما قدمه من أجل شعبه وقضيته، يحتم علينا أن نشحذ الأقلام جيدا ً ونوجهها لخدمة قضية عادلة، هي قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، نوجهها باتجاه أولئك الذين سكبوا من عمرهم زيت التضحية الذي يسرج في قناديل الحرية، وعندما نصوب اليراع تجاه مروان، فإننا لا نتحدث عن شخص .. !! نحن نتحدث عن شخص فاق المعجزة، فتراءت فلسطين في عينيه قطعة بلور نقية،عانقها فجر نقي فبقي بريقها يخطف الإبصار، من منا لا يذكر صورة مروان البرغوثي وهو يرفع علامة النصر والقيد يدمي معصميه، في تلك الصورة التي تحولت إلى (بوستر) وطني، ظهر معنيان لم يُكتبا تحتها، إلا أنك تقرؤها في عيني "مروان":
أولهما: طيف النصر المؤكد الذي ظهر في ابتسامته وتساميه على الألم والجرح..
الثاني: الإيحاء الآخر صورة فلسطين التي ظهرت جلية في عينيه..
لقد أفرد الشاعر جزءاً من قصيدته للأسرى الذين مازالوا ينتظرون فجر َ الحرية، إن عمق التجربة الاعتقالية التي عاشها الشاعر، جعلته يتخيل المدى صورةً، فيجد نفسه وسط تلك الصورة وهو ينتظر الإفراج.
آمن الشاعر بقوة الشعب، فهو وحده من يستطيع قلب الموازين وتوجيه البوصلة في اتجاهها الصحيح، وجعل كل القيود والسجون تتحطم بين يديه :
هل زَبَدُ الإنكسار
يحد الرياحَ ورَعْدَ السيول؟
إذاً، سوف يهدمُ طوفانُ شعبكَ
خاتمة..
كان للشاعر دور كبير في أدب المعتقلات بشقيه "الشعر" و "النثر"، فهو من الأوائل الذين أشعلوا شموعه، فعند العودة لقراءة أدب المعتقلات الذي في السبعينيات من القرن الماضي ستجد أن المتوكل طه، من الأعلام الذين أبدعوا في إظهار معالم معاناة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وقصيدته جاءت استكمالاً لدرب نضالي طويل، فالقلم إذا وجه نحو ألم الوطن، فأنه لا يقل شأنا ًعن البندقية في الحرب.
@@@@
تابع القصيدة .. ( هنا .. ) ..
عَلى زَهْرَةٍ في الصخورِ
تَرى شَفقاً من فَراش الحقول!
وثوبُ الحليبِ يجففُ صيفَ الشبابيكِ..
لكن بَرْدَ القرى قد يطول !
فجاءت بخيطٍ طويلٍٍ،
لكي تُطعم الطيرَ والضرعَ والضيفَ،
حتى تظل المواقدُ
في أمسياتِ العشاء،
ويبرقُ ليلُ العيونِ على فرسٍ للرسول.
صلوا عليه!
وجاء الصغيرُ ليخبرَهُم
أن ثوبَ الحليب أتى بالجَنينِ،
فهاجتْ تباريكُ أخوالِه،
ثم راحت تُغني النساءُ،
فردت عليهن قُبرةٌ في السهول.
أُسميه مروان !
إني أحبُ مناداةَ هذا الغزالَ،
بإيقاعِ هذي الحروفِ،
لها وزن: إنسانُ/ رُمان /عنوان/
ديوان/ميدان/عينان..
ثم توقف !
قالوا له إكمل الوزنَ
قال: قضبان/جدران/سجان
.. ثم توقف!
قالوا اذكُر اللهَ،
واٌبعِدْ عن القلبِ شيطانَه يا حسيبُ!
فأردف: فرسان/فرسان/فرسان..
حتى تصادى صهيلُ الخيول.
وكانت غيومُ البيوتِ تُسابق أضواءَها،
ثم خَرَت صواِعقُنا في البلادِ،
وقامت عصافيرُ أبراجنا في السماءِ،
ومارت عواصفُنا في الأغاني،
وقاربَ ميناؤنا بالوصول.
وابتدا الإحتمالُ،
توالد وامتد حتى استطالَ
فسدوا على الوردِ حُمْرتَه بالذبول.
لقد سقطوا في مهب المقاصلِ،
باٌسم الضرورةِ، أو عانقَ الثائرون مشانقَهم،
فَارْتَكَسْنا على شَوكِ منْ سقطوا
في الوحول.
وقد هجسَ الجمرُ، ثانيةً، في الجناحين،
كانت منارةُ فينيقَ تُومض،
في عَتْمةِ الميتين،
وكانت قناديلُه كالصقور،
إذا جنَحَت لا ترى غيرَ شُُعْلَتها..
في الطلول.
هنا ابتدأ النصرُ ثانيةً،
والمراقصُ نامت على ذُلها،
غيرَ أن المحافلَ عادت،
وصبت على كُحْلِ مَنْ قيدوهُ الكُحول.
هناك، على عَقْرب الرملِ،
لم يصلبوا الروحَ،
لم يصلوا للجِنانِ،
ولم يخنقوا اللَحنَ!
كُنتَ مع الإخوةِ الصامدينَ تراها "فلسطين"
حريةً للنشيد، إذا كان، كُنا،
وإنْ غاب، عُدْنا،
لنرفَعه فوق بحرٍ ونهر،
فأرضُ فسطينَ مملكةٌ للضميرِ وللماءِ،
لأبنِ الإلهِ الذي لا ينام على الذُلَ والبُعْدِ،
بل يعتلي سَرْجَهُ فوق برقِ الوعول.
وما كذبوكَ!
رأوكَ على صِلَةٍ بالبراكينِ،
فاندفعوا نحو بوصلةِ النارِ..
أنتَ الذي إنْ أََشَارَ
يكون السحابُ وزَخُ الهطول.
وأنتَ، إذا كنتَ في القيد والعَزْلِ،
كنتَ، إذاً، في تَمام الرؤى،
حُلماً، للخيام، التي حمَلَتْ عِطْرهَا للدخول.
وما خانك القومُ!
هل زَبَدُ الإنكسار
يحد الرياحَ ورَعْدَ السيول؟
إذاً، سوف يهدمُ طوفانُ شعبكَ
سجنَ العبيد وَقَبْوَ الجَهول.
ويبدأ فجركَ، بعد قليلٍ،
وتبقى المناراتُ
تبقى المناراتُ،
ساحاتُ كنعان،
أرضُ الأيائِل،
أُمُ العماليق،
أحزمةُ النجم
دربُ المكحل
سر الذهول..
إلى أن يعوَد، هنا، الأرجوانُ،
وشمسُ المدينةِ في أوجها للفصول.
#سامح_عوده (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟