سامح عوده
الحوار المتمدن-العدد: 1832 - 2007 / 2 / 20 - 13:22
المحور:
حقوق الانسان
:
ترتبط قضية حقوق الإنسان بشكل جذري ومباشر بوجود هذا الإنسان نفسه ، وقد نشطت العلوم جميعا وسخرت نظرياتها ومناهجها لتبحث في ماهية الإنسان باعتباره كائن حي يختلف عن غيره من الكائنات الحية.
وقد اهتم علم النفس وعلم الإنسان (الانثروبولوجيا) أكثر من أي علم آخر بالبحث بهذه القضية ، لذلك فقد صرف الفلاسفة الإغريق وغيرهم من المصريين والصينيين والهنود والحضارات التي سبقت الحضارة اليونانية وقتا طويلا في البحث عن ماهية الإنسان ، وجوهر وجوده، فنظر أفلاطون وأرسطو الى النفس الإنسانية كعنصر أساسي في وجود الإنسان ، ونظرا إلى هذا العنصر كجوهر لوجوده.
وإذا كان أرسطو قد نظر إلى النفس الإنسانية باعتبارها ومصدر وجود الكائن الإنساني وسببه ، فان الفارابي يرى في النفس كمال الجسم ، وأما كمال النفس فهو العقل ، و يحذّر فلاسفة المسلمين من أمثال ابن رشد وابن سينا وغيرهم في كون النفس مصدر الجسم وأساس وجوده ، والنفس وما تعرفه الطريق الوحيد لمعرفتنا حقيقة ذواتنا من جهة وحقيقة عالم الطبيعة من جهة أخرى.
ولكنّ فلاسفة العصور الحديثة (منذ القرن 16) نظروا إلى دراسة الإنسان نظرة مختلفة عن نظرة الافلأطونية والأرسطية.
فإذا كان هدف العلم الأرسطي دراسة النفس الإنسانية بدلا عن الإنسان بصفتها علة وجوده ومصدره ، فكان اقتراح أن يكون علم الإنسان (الانتروبولوجيا) علما هدفه دراسة الإنسان من حيث هو نفس وجسم ، والإنسان في حد ذاته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش منفردا والأفكار القائلة بالفردية تبقى مجرد أفكار فلسفية لا تجد لها تطبيقات عملية فالتجارب أثبتت انتماء الإنسان إلى جماعة سواءً كانت جماعة صغيرة ام كبيرة ( وتنقسم الجماعات الى جماعات صغيرة samal groups والى جماعات كبيرة large groups ) (1) فالفرد والمجتمع مفهومان لا ينفصلان وحياة الفرد لا تستوي إلا ضمن مجتمع ينتمي إليه بالولاء أو بالاختيار.
كون الإنسان جزءاً من جماعة يعني بالضرورة خضوعه لبعض القيود والواجبات إذ لابد لكل مجتمع أياً كان نوعه وأياً كانت درجة تطوره من نظام يحكمه ومن سلطه تتولى قيادته ، فكيان الإنسان لا يتحقق كما يقول أرسطو إلا بمعيشته بدوله لان من لم يكن عضواً في دولة فهو إما إله وإما حيوان.
وهو ما فوق الدولة وما تحتها وبالتالي فإن التناقض الأساسي الذي واجهه ويواجهه الإنسان هو أن يكون في آن واحد فرداً مميزاً له الحق في التمتع بحقوق الإنسان ، وفي مقدمتها الحرية ككائنٍ اجتماعيٍ للجماعة أو الدولة أو سلطة عليا ، فالسلطة ضرورية للمجتمع من أجل تنظيمه والحد من النزاعات السلبية فيه والحرية ضرورية للطبيعة الإنسانية وتاريخ المجتمع الإنساني وحضارته ودولته.
الإطار الفلسفي لحقوق الإنسان:
هناك العديد من المدارس الفلسفية التي تناولت حقوق الإنسان ودور الفرد في المجتمع من حيث علاقته بأخيه الإنسان ، التي تنظم وتدير أمور حياته ، والنظريات الفلسفية التي ناقشت أحوال الإنسان ككائن حي له الحق في أن يتمتع بأوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحتاج الى تنظيم قانوني يوازيه ما يجب أن يتمتع به الشخص من حرية وسعادة من جهة ، وما يجب عليه أن يقدمه باعتباره جزءا من نظام اجتماعي وقانوني من جهة أخرى.
أبرز الأطر الفلسفية بدأت في عهد فلاسفة اليونان وتطورت لتشمل الفرد والمجتمع باعتبارها جزءا لا يتجزأ ، ولا يمكن الفصل بينهما كذلك تناول الفلاسفة المسلمون الموضوع ، والفلاسفة الإنجليز أمثال (هوبس) الذي دعا إلى الحكم المطلق على أساس أن حالة الطبيعة لا تولد إلا حالة الفوضى.
أما الفيلسوف (جون لوك) الذي دعا الى أن حالة الطبيعة ليست جحيما وأن الإنسان كان سعيداً منها غير أن الحالة المدنية أفضل مع ذلك ويرى أيضا ( ضرورة تركيز البحث على كيفية تعلم المعرفة لا على تفسير ماهيتها كما كان سابقا ) (2) . كذلك الفيلسوف ( جان جاك روسو) في كتابه العقد الاجتماعي أن التوافق بين السلطة والحرية إنما يكون عن طريق العقد الاجتماعي الذي يتعهد فيه الإنسان بالتنازل للمجتمع أو للأمة وليس للحاكم عن حقوقه الطبيعية كاملة دون أن يحتفظ بشيئ.
التطور التاريخي لحقوق الإنسان:
واجه موضوع حقوق الإنسان تطورا تاريخيا طويلا في العصور القديمة ، فقد كان المجتمع مبنيا على قاعدة الحق بالقوة التي أجازت استباحة حقوق الأفراد، فكانت حقوق الإنسان غامضة بل مفقودة ولم تكن الحرية الشخصية ولا غيرها من الحريات معروفة ولا ثابتة ، وكان الرق منتشرا بشكل طبيعي ومألوف ، وحرية العمل مقيدة ، ونظام الطبقات شائعا ، والشعب مُستعبداً والمرأة مهانة ، ومعظم حقوق الإنسان سائبة ، غير أن هذا الأمر تبدل تدريجيا بصورة ضئيلة فابتدأ العرف والعادة بإقرار بعض الحقوق الأولية ، ومنها حق الحياة ، وحق التملك المحصور، وحق الاتجار المحدود ، وحق التزاوج بطريق شراء الزوجات ، مع جواز تعددهن، وحق التقاضي أمام رئيس القبيلة أو أحد حكامها وذلك كله بصورة بسيطة فطرية.
هكذا كان الأمر عند اليونان والرومان قبل أن يدونوا قوانينهم، بل إن أول تدوين روماني في الألواح ألاثني عشر لم يكن إلا تجميعا للعادات والتقاليد السائدة التي أقرت ما ذكر من حقوق إلى جانب ما بقي من ذيول قاسية ، حيث كان الفلاسفة اليونان يعتبرون الرق حالة ضرورية وطبيعية لتأمين العمل في اقتصاديات ذلك الزمان بالإضافة إلى سلطة رب العائلة على جميع أفرادها والحكم عليهم بالموت أو بيعهم في أسواق الرق.
وقد كان الفضل الكبير للديانات الثلاث في تعميق وترسيخ حقوق الإنسان لدى المجتمع الإنساني عبر مفاهيم المحبة والإخاء التي نادت بها ، لذلك فان الكتب السماوية الثلاثة فيها التعبير الحقيقي لمفهوم حقوق الإنسان لدى البشرية ، وهنا لا أريد الخوض في تفصيلات كل ديانه على حده ، حتى لا نقع في فخ التأويلات والتحيز ، لكن من المهم ان نعرج ولو بالشيء القليل على واقع المجتمع العربي قبل الإسلام .
فالمجتمع العربي في الجاهلية كان مفككا ، وتحكمه العصبية ، فكانت كل قبيلة تؤلف دويلة مستقلة ، ويرتبط أفراد القبيلة الواحدة بالولاء لعصبية القبيلة ، وكان الغزو مباحا والثأر مألوفا ، أما المرأة فكانت في ذلك المجتمع مهانة حيث كان الزوج يشتري المرأة شراءً ، لقاء ما يدفع إلى ولي الزوجة من مال. ولكن هذه القسوة القديمة قد خفت تدريجيا في عصر الجاهلية الثانية قبل بزوغ فجر الإسلام ، بالإضافة إلى ضرورة أخذ الوجه المشرق للمجتمع العربي قبل الإسلام الى ان نزلت الديانة الاسلاميه على محمد عليه السلام فألغت مظاهر الرق والعبودية وانتقاص حقوق المرأه وغيرها من أشكال العبودية للإنسان ، حيث أكدت على ذلك من قبل باقي الديانات السماوية كما ذكرنا سابقا .
وللإنصاف فقد سادت المجتمع العربي قبل الإسلام عادات وتقاليد كانت تراعي حقوق الإنسان بعض الشيء ، لذلك فقد اشتهر العرب بالشهامة والكرم وحماية الجار والمستجير ورعاية العهد
.......................................
قائمة المراجع
1- عقل عبد اللطيف ، علم النفس الاجتماعي ، دار الشروق – عمان ص 227
2- الوقفي راضي ، مقدمة في علم النفس ، دار الشروق للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1988 ص 9
#سامح_عوده (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟