أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عوده - عندما يكون من الموت فلسفة














المزيد.....

عندما يكون من الموت فلسفة


سامح عوده

الحوار المتمدن-العدد: 1779 - 2006 / 12 / 29 - 11:53
المحور: القضية الفلسطينية
    


قبل أيام قليلة كنا قد ودعنا احد أقاربي الذي ارتقى شهيداً إلى العلى ، ومنذ تلك اللحظة لم تفارقني الهتافات التي كانت تزغرد للموت كما يزغرد للعروس ليلة الزفاف ، هتافات من كل حدب وصوب ( زغردي يا أم الشهيد زغردي )، حناجر تردد مرحى بالموت ، وعيون تبكي الم على الفراق وفرحة بالاستشهاد ، وأفواه تصرخ ، وأيدي ترتفع عاليا تطالب بالأخذ بالثأر ، إنها تراجيدية غريبة من نوعها حينما تجد أناس يتشوقون للموت !!! يرحبون به وكأنهم على موعد معه .
عبر امتداد تاريخ فلسطين ، وخلال سنوات طويلة مضت ، حملت بين ثناياها الم ومعاناة ، يتم وتشرد ، ومنذ بداية القرن الماضي ، دخلت القضية الفلسطينية فصلاً جديداً من فصول التاريخ ، حينما وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني ومنه إلى الاحتلال الصهيوني الذي مازال جاثما على صدورنا حتى يومنا هذا ، لذلك لم يغب منظر الموت من حياة الفلسطينيين ، سنوات طويلة لا تحمل إلا مشاهد الموت : دمار ... تشرد ... لجوء ... قتل .. اغتيالات .. نكسات ونكبات... كلمات اعتاد الفلسطينيون على أن يرددوها دونما خوف منها .
وعلى ما يبدو ومع هذه الذكريات الحزينة والمؤلمة مع الموت ، التي لم تجد لها مكانا للملل في قلوب الفلسطينيين ، بقي الموت الحاضر في حياتهم عله يحمل لهم وللأجيال من بعدهم غدا مشرقا ، يخلصهم من حالتهم المزرية تحت الاحتلال الذي استولى على كل ما يملكون من ارض وتاريخ ، فحتى أحلامهم استولى عليها وحوّلها إلى كوابيس مرعبة اكتست بلون الدم ، والتي تعج بمشاهد الموت والدمار .
ليس من سبيل الصدفة أن ترى بأم عينك أطفالاً في سنواتهم الأولى يرسمون الموت أحلاماً بريئة على دفاترهم وكراساتهم ، فتراهم يرسمون الشهيد والبندقية والمحتل والجنازة ، وفي الوضع الطبيعي للطفل وكما تشير النظريات الاجتماعية إلى أن الأطفال يميلون إلى رسم صورة مشرقة لمستقبلهم ، ماذا سيكونون بعد سنوات عندما يكبرون ، يرسمون صورة مشرقة لآمالهم وتطلعاتهم ، وكان هذا الموت سيلازمهم منذ طفولتهم وحتى الشباب ، وكأنه رفيق الدرب الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، لم تكن الرسومات وحدها التي توحي بالموت في حياة الطفل الفلسطيني فلعبة ( العسكر والمقاومين ) هي اللعبة الشائعة لدى الأطفال الفلسطينيين .
عبر مسيرة طويلة من الثورات والنكبات والنكسات والانتفاضات ، وخلال أكثر من قرن قدم الفلسطينيون آلاف الشهداء وآلاف الجرحى ، امتدت إلى بداية القرن الحالي حتى انتفاضة الأقصى التي تجلى فيها الموت كالأسطورة ، فكانت قوافل الدم الزكي من الشهداء تمر مسرعه في كل يوم وليلة ، لذلك قد يقول المتابعون للأحداث اليومية أن الفلسطينيين قد فقدوا صوابهم لغزارة شلال الموت المتدفق ، لكنهم لن يقتنعوا بأي حال من الأحول أن في هذا الموت فلسفة حياة لأجيال ستأتي من بعدهم ، فيه الأمن والأمان والحرية والاستقلال .
وقد يفسر البعض مشهد الموت الداهم في حياة الفلسطينيين على انه حالة عبثية اعتادوا عليها ، ارتبطت بحياتهم وبتاريخهم دون هدف يذكر لأنهم افتقدوا معنى الحياة فكان الموت بديلا لهم ، لكنهم لن يدركوا أن الموت قد ارتبط بقيم ايجابية تقلل من شان الموت الذي أصبح رخيصا أمام الهدف الأسمى.. الوصول لفلسطين المستقلة ، أو قد يكون الموت أضحى خيارا إلهيا ملزما لرحلة تتجاوز حدود الأرض لتحط في فضاء آخر وعالم آخر .
إن حالة اليأس لم تكن في يوم من الأيام ثقافة الفلسطينيين الذين قدموا قوافل من الشهداء تسابق إليها المناضلون على اختلاف انتماءاتهم السياسية ، لذلك لم تكن صدفة أن تخوض غمار انتفاضة الأقصى مجموعة من الاستشهاديات اللواتي زين أجسادهن الطاهرة بأحزمتهن الناسفة بدلا من القلائد والمجوهرات فكتبن فصلا جديدا من فصول البطولة سجلها التاريخ عبر صفحاته المشرقة ، فإنطلقن بأجسادهن الطاهرة يحملن الإيمان بعدالة القضية في كفه ، والروح الرخيصة فداءً للوطن الغالي في كفة أخرى ، كي يهزمن ذلك الواقع المرير ، ويمسحن عتمة الظلام الحالكة التي تشنق الوطن بسلاسل من نار ، فعبرن الحدود التي غيرت معالم وطنهن ليواجهن المحتل الذي يرزح على كامل ترابِ الوطن , فضمت الكوكبة الخالدة احد عشر استشهادية ، كتبن بدمهن الطاهر دروساً في المقاومة .
إن حركة التحرر لن تستطع الوصول لأهدافها العليا في التحرر والاستقلال إلا بقوافل من الشهداء ، وبتضحيات ِجسام ، يكون فيها الوطن أسمى الأشياء ، لذلك كان لدى الفلسطينيين من الموت فلسفة
....................................
رحم الله شهداء امتنا واسكنهم فسيح جناته



#سامح_عوده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب المهزومين


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عوده - عندما يكون من الموت فلسفة