فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 09:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نجح الاردن في تحقيق مسعاه لاجتذاب مستثمرين, واحتل موقعا متقدما بهذا المجال, هذا ما اكده الدكتور معن النسور المدير التنفيذي لمؤسسة تشجيع الاستثمار في دراسته المقدمة لندوة البيئة الاستثمارية المنعقدة بمبادرة من نادي السياسات, وذلك وفقا للتقارير الدولية المتصلة بالنشاط الاستثماري. ومن اهم هذه التقارير, تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) الذي صنف الاردن في المرتبة الثامنة من اصل 141 دولة في تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة لعام .2006 علما انه كان يحتل رقم 132 في الفترة ما بين 1993 - ,1995 واحتل رقم 46 خلال عامي 2002 - ,2004 لا شك ان هذه النتائج تثير الغبطة والدهشة والانبهار, وتطرح العديد من التساؤلات ومن اهمها:
اولا: هل هذه التدفقات الاستثمارية ناجمة عن تحسن ملموس في البيئة الاستثمارية في البلاد, فيجيب على هذه التساؤلات تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي, وتقرير البنك الدولي, حيث اكد هذان التقريران ان الاردن تميز باداء مؤسساته العامة والخاصة والبنية التحتية ومعايير الامن والاستقرار, والسياسات التجارية في مجال المنافسة. بالاضافة الى الاثر الايجابي لقوانين الاستثمار, فيما بينا ان الاردن يعاني من عدة مشاكل تحد من تنافسية بيئة الاعمال فيه. ناجمة عن عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن العجز المزمن في الموازنة والميزان التجاري وارتفاع معدلات التضخم والمديونية الخارجية اضافة الى تراجع المملكة في مجال البحث والتطوير والتدريب المهني والمتقدم.
اضافة الى زيادة العبء الضريبي وتعقيدات الاجراءات اللازمة للبدء في المشروع, عدا عن الشكوى من التعرفة الجمركية, ومشاكل سوق العمل فيما يتعلق بآلية تشغيل وتسريح العمالة. وقد احتل الاردن في هذا التقرير المرتبة 49 من اصل 131 دولة. وعربيا احتل المركز التاسع من اصل 14 دولة عربية ويتضح من الملاحظات الواردة انه تم تحسن في البيئة الاستثمارية, لكن هذا التحسن ليس في المستوى المطلوب, وان هذه التقارير تبدو كأنها تتعارض مع النتائج التي وصل اليها تقرير اونكتاد من حيث الجوهر, ولا تتناسب مع احتلال الاردن الموقع الثامن في التدفقات, الا اذا كانت هناك اسباب اخرى وراء هذه التدفقات, والتي سوف نحاول الاجابة عليها.
ثانيا: السؤال المطروح اين توجهت هذه الاستثمارات هل هي في مجالات انتاجية في الصناعة والزراعة المولدة للدخل والقيمة المضافة المناسبة, وهل اسهمت هذه التدفقات في بناء استثمارات جديدة للبلاد, ام احتلت مكان القطاع العام نتيجة سياسة الخصخصة التي نفذتها الحكومات المتعاقبة. تشير (اونكتاد) ان حجم الاستثمارات الاجنبية التي تدفقت على الاردن عام 2006 بلغت 3 مليارات دولار, وقد تضاعفت هذه التدفقات في عام ,2007 حيث وصلت الى 6 مليارات دولار, ووفقا للنتائج الملموسة ان الفضل يعود في هذه الزيادة الملحوظة في اجتذاب الاستثمارات الاجنبية الى سياسة الخصخصة واستبدال ملكية الشركات الاردنية في كل من الاتصالات والفوسفات والاسمنت والكهرباء والبوتاس والخطوط الجوية وغيرها من شركات اجنبية, وبالتالي لم تحدث معظم هذه التدفقات اي تأثير ايجابي على الاقتصاد الوطني, بل على العكس من ذلك تركت اثارا سلبية بالغة, لا يتسع المقال لذكرها, كما ان هذه التدفقات الضخمة التي دخلت البلاد خلال عامي 2006 و 2007 لم تحدث تحسنا في النمو الاقتصادي.
فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي للاعوام ,2006 ,2007 6%, 5.8% على التوالي, واللافت ان معدلات النمو الاقتصادي للاعوام ,2004 ,2005 تجاوزت نسبة 7%, اي اعلى من سنوات التدفق, كما لم يطرأ اي تطور ايجابي على معدلات البطالة او مستويات الفقر, اما تأثير وفعالية قوانين تشجيع الاستثمار فقد نجحت في اجتذاب 846 مليون دينار عام 2006 و 1050 مليون دينار عام ,2007 وفقا لمعلومات مؤسسة تشجيع الاستثمار, مع الانتباه انه ليس بالضرورة ان هذه القيم تم استثمارها فعليا, وحتى اذا افترضنا انه تم ذلك, يجب ملاحظة الهوة الواسعة بين التدفقات التي بلغت 6 مليارات دولار والاستثمارات التي تقدر 1.5 مليار دولار في عام ,2007 يتبين ان القسم الاعظم من التدفقات اتجه اما لشراء الشركات المملوكة للدولة, او للدخول في المضاربات العقارية وشراء الاراضي, مما ترك اثارا سلبية على الدولة والمجتمع, لذلك ينبغي عدم الانبهار بهذه الارقام والتدقيق بنتائجها.
ثالثا: كشفت هذه التقارير عن رؤية الجهات الدولية بضرورة احداث المزيد من التسهيلات للرأسمال الاجنبي والتي وصفتها بالمشاكل التي تحد من تنافسية بيئة الاعمال وخاصة ما يتعلق بموضوع مشاكل سوق العمل وآلية تشغيل وتسريح العمال, والشكوى من العبء الضريبي, وهنا يبرز تعارض بين مصالح المستثمر الرأسمالي والمصالح الوطنية. فعلى الرغم من كافة التسهيلات التي تقدم للمستثمرين, سواء من الاعفاءات الضريبية بموجب قانون تشجيع الاستثمار, او التسهيلات التي تمنح للمستثمرين الاجانب باستقدام العمالة الاجنبية, ومع ذلك يطالبون بحرية مطلقة مع تعيين واستقدام العمال الاجانب وتسريح العمال دون اية ضوابط.
كما انهم غير مكتفين بالاعفاءات الضريبية السخية, والتسهيلات الواسعة التي توفرها قوانين تشجيع الاستثمار. لذا ينبغي عدم المبالغة بالتسهيلات, وعدم اعطاء هذا الموضوع اهمية بالغة. على حساب تضحيات كبيرة يدفعها الوطن والمواطن الاردني, اما الجوانب التي تتحدث عن مواطن الضعف في النشاط الاستثماري, وخاصة حول قضايا عدم الاستقرار الاقتصادي والعجز المزمن في الموازنة.
بالاضافة الى الاهتمام في البحث والتطوير والتدريب المهني المتقدم فهي قضايا وطنية بامتياز بغض النظر عن الجهات التي تثيرها ينبغي العمل من اجل معالجتها ضمن توجهات محددة وملموسة النتائج بعيدا عن موضة صالونات الخلوات والمؤتمرات الشكلية, والتركيز على استثمارات محددة بهدف توليد الدخل وتحقيق القيمة المضافة, والاسهام في معالجة قضايا الفقر والبطالة, وبشكل خاص في استغلال الصخر الزيتي والفوسفات والبوتاس واليورانيوم وغيرها من الثروات الوطنية, فالاستثمار من وجهة نظر وطنية ينبغي ان تنعكس نتائجه على الاقتصاد الوطني وعلى الشعب الاردني.
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟