سُلاف رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2 - 11:04
المحور:
الادب والفن
وردة ُ بنفسج ٍ لمعلمتي الأولى
رعشة ٌ من حنين وشوق تسري في كل كياني ، وأنا أستعيد ُ ذكرى أول َ يوم ذهبتُ به إلى المدرسة ، لم تكن الطريق إلى المدرسة طويلة ، قادتني أ ُمي من يدي ، وأنا احمل ُ على ظهري حقيبة ً ، جاءني بها والدي قبل أيام ،مرسوم عليها صورة ميكي ماوس ، وضعت أمي بها دفترا ً وأقلاما ملونة ، أتذكرُ جيدا ً صدريتي الزرقاء وتحتها قميص أبيض ، وحذائي الأبيض وشرائط شعري البيضاء، دخلت ُ إلى بيت يملئه الضجيج ُ، وهذا كان أول َ صدمة لي ، أنا الغارقة في الهدوء ، ويبدو أن أمي أرادت أن تـُريني ، هذا الجمع من البنات ، فألتصقت ُ بها خوفا وأستغراباً من عالم الضجيج هذا ، مما أضطرها أن تذهب بي إلى أدارة المدرسة ، وبحكم الخجل القابع في روحي ، ألتصقتُ أكثر بأمي واضعة ُسبابتي في فمي ،تقربت مني امرأة ، سألتني والابتسامة تطفح من عينيها ووجهها ، ( الـلـــــــه هاي الحلوه شسمهه ) فأزداد رعب الخجل في روحي ، وأردت أن ادخل بين ساقيِّ والدتي ،جذبتني إليها ، وطبعت قبلة على وجنتي ، فشعرت بأنها أصبحت أما ً أخرى لي ، وتبخر كل صخب موج الخجل ،الذي تلاطم قبل قليل في روحي ،وإذ أعادت سؤالها عن أسمي ، نطقت الأحرف الثلاثة منه والرابع تأخر عند الشفتين ، ولكنها أجابت ( الله اشكَد حلو إسم سلاف ) . حررتني برفق من إلتصاقي بأمي ، وقادتني حيث الصف الأول ، ثم أجلستني في الرحلة الأولى .
ورويدأ رويدا ً بدأ العد التصاعدي للتألف مع الموجود ، ويوما بعد يوم أحببت حروف القراءة الخلدونية ، مثلما أحببت قدري الذي قاد بقرنا ، وحزنت على بقاء البعير على التل إلى المساء ، مثلما لعبت مع قطتي الصغيرة واسمها نميرة ، وسرحت مع ألوان قماش قدوري ، مثلما همت حبا بـ ( ماسير سابينا ) معلمتي الأولى التي علمتني كيف أحب هؤلاء جميعا .
اليوم وأنا في ضياع الغربة ، والمسافات التي تفصلني عن وطني ، تذكرت (ماسير سابينا) ، فأنهمر الدمع ،
تذكرت كل تفاصيل ذلك العام ، حيث الطفولة ُ ، وحيث البراءة ُ ، وحيث ذلك الدفء ، الذي أفتقدته منذ وطأة قدماي أرض الغربة ، وليس لديَّ من شئ أقدمه لمعلمتي الأولى غير وردة بنفسج وفاءا لها.
#سُلاف_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟