أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - مادية وجدلية العلاقة بين -الكتلة- و-الفضاء-















المزيد.....



مادية وجدلية العلاقة بين -الكتلة- و-الفضاء-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 10:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


معرفة "ماهيَّة الفضاء"، أي "ما هو الفضاء"، ما زالت في طورها "الطفولي"، وإنْ كنَّا نَظُن أنَّ لدينا الآن من معرفته الفيزيائية، أو الفيزيائية ـ الفلسفية، ما يكفي لِفَهْم وتفسير وتعليل كثيرٍ من ظواهره، فآينشتاين، في نظريته "النسبية العامَّة"، أرسى لنا الدعائم الفيزيائية والكوزمولوجية لِفَهْم ماهيَّة هذا الشيء الذي يسمَّى "الفضاء".



لقد حقَّق آينشتاين ذلك، فحوَّل جَهْلنا في هذا الأمر إلى معرفة؛ ولكنَّ هذه المعرفة (التي هي "معرفة"؛ لأنَّها أجابت، إجابة ثَبُتَ صوابها، على وجه العموم، في غير تجربة واختبار، عن كثير من أسئلتنا وتساؤلاتنا في أمْر الفضاء لجهة ماهيَّته وخواصِّه..) ولَّدت وأثارت من الأسئلة والتساؤلات (التي لم يعرفها، أو يألفها، العقل البشري الفيزيائي ـ الفلسفي من قبل) ما نَقَلَنا إلى طور جديد من الجهل، الأكثر عُمْقاً واتِّساعاً من طوره القديم، والأكثر رُقِيَّاً، في الوقت نفسه، لجهة محتواه المعرفي.



والإحساس بهذا "الجهل الجديد" اشتدَّ وقوي مع إنشاء وتطوير نظرية "الانفجار العظيم" Big Bang. وأحسبُ أنَّ إجابات هذه النظرية عن "سؤال الفضاء" قد جاءت بما جَعَل الفضاء، ماهيَّةً وخواصَّاً، لُغْزاً محيِّراً للألباب، ذلك لأنَّها تحدَّثت عن "الفضاء (الكوني)" بوصفه مخلوقاً من مخلوقات هذا "الإله الجديد"، الفيزيائي الشكل والهوية، والمسمَّى "الانفجار العظيم".



وعندما فسَّرت ظاهرة (لا شكَّ في الحقائق والوقائع الفيزيائية والكونية التي تشتمل عليها) هي ظاهرة "تمدُّد (واتِّساع) الكون"، نَبَذَت نظرية "الانفجار العظيم" كل تصوُّرٍ لهذا التمدد على أنَّه "تمدُّد (للكون) ضِمْن فضاء (أو ضِمْن حيِّز فضائي)"، فـ "الكون"، بحسب التعريف الذي يأخُذ به القائلون بهذه النظرية الكوزمولوجية، إنَّما هو "كل شيء".. هو (في مُكوِّناته وعناصره) المجرَّات، والنجوم، والكواكب، والأجسام، والجسيمات؛ هو الكتلة، والطاقة، والقوى الفيزيائية، والجاذبية؛ هو الزمان والمكان؛ وهو، أخيراً وليس آخراً، الفضاء.



وهذا الكون كله، والذي لا داخل له ولا خارج، إنَّما يَقَع، أو يُوْجَد، على "السطح" من "البالون الكوني الضخم (المتضخِّم في استمرار)"، أي الذي تمدَّد، ويتمدَّد، والذي "يتسارَع" تمدُّداً الآن، على ما توصَّلت إليه أحْدَثُ الأبحاث الكوزمولوجية.



وبحسب هذا التصوُّر الكوزمولوجي (نظرية "الانفجار العظيم") ليس من وجود للفضاء في داخل، أو في خارج، هذا "البالون الكوني"؛ لأنَّ كل الكون (والفضاء جزء من هذا الكل الكوني) يَقَعُ على "السطح" من "البالون الكوني"؛ ولأنَّ الكون، أو "البالون الكوني"، ليس له من "داخِل"، أو "خارِج"، فإذا "تمدَّد"، وهو "يتمدَّد" فِعْلاً، فليس من وجود لـ "فضاء آخر" يتمدَّد فيه، أو ضِمْنه؛ كما ليس من وجود لأيِّ شيء، ولا حتى لفضاء، في داخل (باطِن، جوف) هذا "البالون".



وفي تفسيرها لظاهرة "تمدُّد الكون"، نَسَبَت نظرية "الانفجار العظيم" تلك الظاهرة إلى "الفضاء"، الذي بتمدُّده هو يتمدَّد الكون، فالكون إنَّما يشبه "جُزُراً" في "بحرٍ واسع (هو الفضاء الكوني)"؛ وكل "جزيرة" تبتعد عن سائر "الجُزُر"؛ لأنَّ "مياه البحر (أي الفضاء)" بينها هي من نوع يسمح لها بـ "التمدُّد".



وهذا إنَّما يعني أنَّ "الجُزُر الكونية" لا تتحرَّك "في" الفضاء كما تتحرَّك مجرَّة أو نجم أو كوكب، وإنَّما "بـ" الفضاء.



تلك "الجُزُر" تبدو لنا في حالٍ من الحركة، أو الانتقال في المكان؛ ولكنَّ الفضاء (بينها) هو الذي بتمدُّده يَدْفَع كل "جزيرة" بعيداً عن سائر "الجُزُر".



وبحسب بعض النظريات المتفرِّعة من نظرية "الانفجار العظيم"، عَرَفَ الفضاء الكوني، عندما كان الكون في طور الطفولة، تمدُّداً تفوق سرعته سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية) فترتَّب على ذلك انقطاع كل اتِّصال (أو تفاعل) فيزيائي بيننا وبين أجزاء من كوننا، أي أنَّ الكون الواحد (عند نشأته) قد تعدَّد، في هذا المعنى.



وإذا كانت نظرية "النسبية الخاصَّة" لآينشتاين تَرْفُضُ رفضاً (موضوعياً) قاطعاً القول بوجود مادة (جسم أو جسيم) يُمْكِنها السير بسرعة تفوق سرعة الضوء (التي هي السرعة القصوى أو العظمى في الكون) فإنَّ القائلين بتلك النظريات (تمدُّد الفضاء، في طوره الطفولي، بسرعة تفوق سرعة الضوء) لم يجدوا في قولهم هذا ما يُعَدُّ خَرْقاً لقانون "استحالة السير بسرعة تفوق سرعة الضوء"؛ لأنَّ "الفضاء" ليس شيئاً كالجسم، أو الجسيم، حتى نقول باستحالة أن يتمدَّد بسرعة تفوق سرعة الضوء. وعليه، ليس من شيء يُمْكِنه السير بسرعة تفوق سرعة الضوء إلاَّ "الفضاء"، أي "تمدُّد الفضاء".



الفضاء بين "طرفين من المادة" قد نراه يتمدَّد بسرعة 1000 كيلومتر في الثانية، فتتَّسِع المسافة الفضائية بينهما (من غير أن ينتقلا، أو يتحرَّكا، في الفضاء) 1000 كيلومتر كل ثانية. وقد نراه يتمدَّد بسرعة 100000 كيلومتر في الثانية، أو 200000 كيلومتر في الثانية، أو 299000 كيلومتر في الثانية. ولسوف نظل نرى "اتِّصالاً فيزيائياً" بين "الطرفين" ما دام الفضاء يتمدَّد بسرعة دون سرعة الضوء، التي هي 300000 كيلومتر في الثانية، فإذا تمدَّد بسرعة تزيد ولو بمتر واحدٍ عن سرعة الضوء فإنَّ كل "اتِّصال فيزيائي" بين "طرفيه من المادة" ينقطع إلى الأبد، وكأنَّهما أصبحا ينتميان إلى كَوْنين، وليس إلى كَوْن واحد.



وها نحن الآن نصل إلى سؤالٍ من أكبر وأهم الأسئلة الكوزمولوجية والفيزيائية والفلسفية، وهو الآتي: هل الكون "ضِمْن" الفضاء أم الفضاء "ضِمْن" الكون؟ إنَّنا نرى المجرَّات والنجوم.. تنتقل في الفضاء، فنتخيَّل الفضاء على أنَّه "الظَرْف"، أو "الوعاء"، الذي فيه، أي ضِمْنه، يَقَع الكون، فلو "أفْرَغْنا" الفضاء الكوني من "المادة"، أي من كل ما فيه من مجرَّات ونجوم..، لبقي لدينا هذا "الوعاء الكبير"، أي "الفضاء الكوني".



قديماً، أي حتى ولادة نظرية "النسبية العامَّة" لآينشتاين، كان كثيرون من العلماء والفلاسفة، ومن العامَّة من الناس، يتصوَّر العلاقة بين "المادة الكونية" و"الفضاء الكوني" على هذا النحو (الميكانيكي).



ولعلَّ هذا هو ما حَمَل آينشتاين على أن يفرط في تبسيط نظريته قائلاً: إذا زالت "مادة الكون"، أي كل ما فيه من مجرَّات ونجوم وكواكب..، من الوجود، فلن يبقى من وجود للفضاء ذاته.



الفضاء، في حقيقته الموضوعية، إنَّما هو جزء (لا يتجزأ) من الكون، ولو كان حجم هذا الجزء (أي الفضاء) أكبر كثيراً من حجم مكوِّنه المادي الآخر (المجرَّات والنجوم..).



والفضاء لن نفهمه على خير وجه، لجهة ماهيَّته وخواصِّه..، إذا ما تصوَّرْناه على أنَّه صِنْو "الفراغ المُطْلَق" Empty Space. وهذا "الفراغ"، الذي حان لنا نَبْذ الاعتقاد به، إنَّما هو "شيء" ليس من شبيه له (في "الفكرة" وليس في "الوجود") سوى "العدم" Nothingness.



وإنِّي لأُفَضِّل، تسهيلاً للتصوُّر والتَفَكُّر والتأمُّل، أن يُنْظَر إلى الفضاء على أنَّه "شيء" يشبه "مادة من المطَّاط"، يُمْكِن أن "تتمدَّد"، أو "تتقلَّص"، حجماً، إلى "اللاَّنهاية"؛ كما أُفَضِّل تشبيه "المادة الكونية"، من مجرَّات ونجوم وذرَّات وجسيمات..، بـ "الخيوطٍ"، التي هي و"خيوط الفضاء" في اندماج، أو تداخُل، أو تشابُك، لا يسمح أبداً بالفصل بين "خيط المادة" و"خيط الفضاء" فصلاً تامَّاً ومُطْلَقاً، فنحن لن نحصل أبداً، مهما حاولنا، بالتخيُّل أو التجربة، على "خيط مستقل من المادة الخالصة"، أو على "خيط مستقل من الفضاء الخالص"، فهذا "الفصل" إنَّما هو المستحيل بعينه. وفي لغة فلسفية أقول إنَّ "الفضاء" صورة من صور "المادة" Matter في تعريفها "الفلسفي المادي"، الذي أسَّس له لينين، على وجه الخصوص، في مؤلَّفه "المادية ومذهب النقد التجريبي"، والذي يتأكَّد، في استمرار، عُمْقه الفيزيائي، مهما حاوَل "المثاليون"، في الفلسفة والفيزياء والكوزمولوجيا، التقليل من شأنه وأهميته، والسخرية منه.



ديموقريطيس، وفي حَدْسِه العبقري، تصوَّر العالَم (أو الوجود، أو المادة) على أنَّه شيء يتألَّف من عناصر "أوَّلية"، أي غير قابلة للتجزئة؛ وقد تصوَّر هذه العناصر أو الأبجدية المادية (الذرَّات) على أنَّها مواد تتحرَّك (دائماً) في الفراغ (= الفضاء). وهذا إنَّما يعني أنَّ العالَم الذي تصوَّره ديموقريطيس (هذا الفيلسوف القديم الذي ما زال جديداً، والذي ما زلنا نعيش في عصره، في هذه الناحية) يشبه، لجهة تكوينه، "مُثَلَّثَاً"، ضِلْعه الأوَّل هو "المادة"، والثاني هو "الحركة (= الانتقال في المكان)"، والثالث هو "الفضاء".



وإنِّي لأسْتَنْتٍِجُ من هذا التصوُّر العبقري لديموقريطيس مبدأً كونياً في منتهى الأهمية هو أنَّ "الفضاء" يمكن ويجب النظر إليه وفهمه على أنَّه "مُكَوِّن داخلي أساسي وجوهري للشيء (الجسم والجسيم)"، أي لكل شيء، ولأيِّ شيء. و"المكوِّن الأساسي" للشيء إنَّما هو العنصر الذي إذا انتزعته من الشيء كفَّ الشيء عن الوجود، كعنصر الأوكسجين لجهة علاقته بجزيء الماء.



وتبسيطاً للتصوُّر ليس إلاَّ، أدْعو إلى فَهْم "المادة"، كل مادة، أو كل شيء، بما يُوافِق (من حيث المبدأ والأساس) نموذج الذرَّة.



إنَّ "الذرَّة" Atom هي شيء تَتَّحِد فيه، أي في داخله، "المادة" و"الفضاء" اتِّحاداً لا انفصام فيه. في نواتها (التي يقلُّ حجمها كثيراً، وكثيراً جدَّاً، عن حجم الفراغ، أو الفضاء، في داخل الذرَّة) يتركَّز الجزء الأعظم من "مادة"، أو من "كتلة"، الذرَّة. وفي "مداراتها"، يُوْجَد ما بقي من "مادتها"، أو "كتلتها"، على هيئة إلكترونات تدور حَوْل النواة (التي تتألَّف من بروتونات ونيوترونات).



وما يَعْنينا في هذا النموذج ليس حجم الفراغ، أو الفضاء، في داخل الذرَّة، وإنَّما "وجوده"، أي "مبدأ وجوده"، فهذا "الفضاء" إنَّما هو "مُكوِّن داخلي أساسي وجوهري" للذرَّة؛ ويستحيل، بالتالي، أن تقوم للذرَّة قائمة إذا ما جُرِّدت من مُكوِّنها هذا، أي من "فضائها الداخلي"؛ كما يستحيل، أن نحصل على هذا الفضاء من خلال الفَصْل (الميكانيكي) بينه وبين "مادة الذرَّة"، فأنتَ لا تستطيع أبداً أن تَنْتَزِع من الذرَّة نواتها وإلكتروناتها، وأن تظلَّ، مع ذلك، محتفظاً بشيء يُسمَّى "الفضاء الذرِّي الداخلي".



إنَّنا لا نستطيع أبداً، ومهما حاولنا، أن نَحْصَل على "ذرَّة" تَخْلو خُلُوَّاً تامَّاً ومُطْلَقاً من هذا الفضاء، أو الفراغ، أو أن نحصل على هذا "الفضاء (أو الفراغ) الذرِّي"، الذي لا يُخالِطه شيء من "مادة" الذرَّة، أو من مكوِّناتها الأخرى كالنواة والإلكترونات التي تدور حَوْلها، فـ "خيوط المادة" و"خيوط الفضاء" في الذرَّة متَّحِدة (متداخلة، متشابكة، ممتزِجة) اتِّحاداً لا انفصام فيه، فأنتَ لا يُمْكِنُكَ أبداً أن تَفْصِل "خيط المادة" من "خيط الفضاء"، أو أن تَحْصَل (في أي شيء) على خيط من "المادة الخالصة"، أي التي لا أثر فيها للفضاء، أو على خيط من "الفضاء الخالص"، أي الذي لا أثر فيه للمادة.



وتعميماً نقول إنَّ أي فضاء، وكل فضاء، صغيراً في حجمه كان أم كبيراً، يجب أن يكون مُكوِّناً داخلياً أساسياً وجوهرياً للشيء، فليس من جسم، أو جسيم، ينشأ، أو يظهر إلى حيِّز الوجود، إلاَّ وهو مُشْتَمِل على فضاء، كـ "الفضاء الداخلي للذرَّة (ليس من حيث حجمه، وتكوينه، وخواصِّه، وهيئته الهندسية، وإنَّما من حيث مبدأ وجوده)".



وتوسُّعاً في الشرح والتفصيل، نقول إنَّ "الفضاء" مُكوِّن داخلي أساسي وجوهري لـ "نواة الذرَّة"، ولـ "البروتون"، و"النيوترون"، والإلكترون"، و"الكوارك"، و"الفوتون".. ولـ "الجزيء"، و"الخلية"، ولـ "الجسم (على وجه العموم)"، كـ "المجرَّة"، و"النجم"، و"الكوكب"، و"النظام الشمسي"، و"النجم النيوتروني"؛ ولن يشذ عن ذلك لا "الثقب الأسود"، ولا حتى ذلك "الشيء"، الذي من رحمه خَرَج "الكون" بقوة "الانفجار العظيم".



و"الفضاء" بوصفه "جزءاً من كُلٍّ"، أي بوصفه مُكوِّن داخلي أساسي وجوهري للشيء على وجه العموم، لا بدَّ له من أن يتأثَّر، ماهيَّةً وخواصَّاً، بـ "مادة" الشيء، أو "محتواه المادي"، أو "مُكوِّناته الداخلية الأخرى".



وعليه، يمكن ويجب تمييز "الفضاء الداخلي للذرَّة"، ماهيَّةً وخواصَّاً، من "الفضاء الداخلي للجزيء (أو للنظام الشمسي، أو لمجرَّة درب التبانة، .. إلخ)"، فـ "الفضاء" إنَّما يشبه الجسم (أو الجسيم) الذي إليه ينتمي، أي الذي يَدْخُل في تكوينه. يجب أن يشبهه في هيئته وخواصِّه، فالفضاء الذي يشتمل عليه نظامنا الشمسي إنَّما هو لجهة هيئته وخواصه "فضاء شمسي"؛ والفضاء في داخل الذرَّة إنَّما هو "فضاء ذرِّي"؛ والفضاء في داخل ذرَّة الحديد، مثلاً، إنَّما هو "فضاء ذرَّة حديد".



أُنْظُرْ الآن إلى جزيء الماء مثلاً. إنَّه يتألَّف من ثلاث ذرَّات (ذرَّة أوكسجين وذرَّتي هيدروجين) ومن مًكوِّن داخلي أساسي آخر هو "الفضاء في داخل هذا الجزيء". وأُنْظُرْ إلى ذرَّة الأوكسجين تلك، تراها تتألَّف من بروتونات ونيوترونات (= نواة) وإلكترونات، ومن فضاء خاص بها (في داخلها).



إنَّ الفضاء في داخل جزيء الماء هو "الفضاء الخارجي" بالنسبة إلى ذرَّة الأوكسجين تلك. وهذه الذرَّة تتحرَّك على نحو معيَّن ضِمْن هذا "الفضاء الجزيئي"، الذي هو، نسبياً، أي نِسْبَةً إليها، "فضاء خارجي".



و"الفضاء الكوني"، ولو كان هائل الحجم، ويتمدَّد، ويزداد ويتسارع تمدُّداً، إنَّما هو جزء لا يتجزأ من التكوين الداخلي لهذا الجسم الذي يسمَّى "الكون". ولو زال "الكون"، أي لو زال "محتواه المادي (مجرَّات ونجوم..)" لزال "الفضاء"، على أن يُفْهَم "زوال الكون" على أنَّه "بقاءٌ للمادة في صورة أخرى من صُوَرِها (التي لا عدَّ لها ولا حَصْر)".



"الفضاء" إنَّما يشبه "المطَّاط (أو النسيج المطَّاطي)" لجهة قابليته للتمدُّد (المط) والتقلُّص (الانكماش). ولو جِئْتَ بجسيم "بروتون"، مثلاً، و"عَصَرْتَهُ"، توصُّلاً إلى اسْتِخْراج "الفضاء" منه كما تَسْتَخْرِج الماء، أو السائل، من برتقالةٍ قُمْتَ بعصرها، فإنَّكَ لن تَحْصَل أبداً على "بروتون"، أو "مادة"، يَخْلو، أو تَخْلو، من "الفضاء"، أو ما يسمَّى "الفراغ"، خُلُوَّاً تامَّاً مُطْلَقَاً، فالفضاء "في" الشيء لا يُمْكِن استنفاده أبداً (كما "تَسْتَنْفِدَ" السائل من برتقالة بعَصْرِها) لأنَّ الفضاء مُكَوِّن داخلي أساسي وجوهري من مكوِّنات الشيء، أي كل شيء.



و"العَصْرُ" ليس بالتشبيه الذي يُقرِّب الفكرة إلى الأذهان، فـ "ضَغْطُ" الفضاء، كما يُضْغَط "المطاط"، هو التصوير، أو التشبيه، الأفضل لجهة قدرته على تَفَهُّم وتَمَثُّل الفكرة.



وفَهْمُ "الفضاء" على أنَّه مكوِّن داخلي (أساسي وجوهري) للشيء، مهما صَغُر أو كَبُر، لا يتعارَض، كما أوضحنا ذلك من قبل، مع القول بوجود "الفضاء الخارجي" للشيء، فأوجه العلاقة بين "الفضاء الداخلي" و"الفضاء الخارجي" للشيء نراها في وضوح في مثال "جزيء الماء"، فالفضاء في داخل هذا الجزيء إنَّما هو "الفضاء الخارجي" لذرَّة الأوكسجين، مثلاً، والتي هي من العناصر التي يتألَّف منها "جزيء الماء". ووجود هذه الذرَّة لا يُمْكِن تصوُّره إذا لم يكن "الفضاء" مُكوِّناً داخلياً (أسياسياً وجوهرياً) لها.



ومع هذا التوضيح، أو تكراره، نعود إلى تأكيد أن لا وجود لأيِّ شيء يَخْلو في داخله من "الفضاء"، فـ "الفضاء" هو مُكوِّن داخلي (أساسي وجوهري) لأيِّ شيء. وهذا "الفضاء" يُمْكِن ويجب تصوُّره على أنَّه شيء يشبه "المطَّاط" لجهة قابليته للتمدُّد والتقلُّص. و"المكوِّنات المادية" للذرَّة (أو لأيِّ شيء) كـ "النواة (التي تتألَّف من بروتونات ونيوترونات)" و"الإلكترونات" تتبادل "المادة"، بهيئتيها "الكتلة" و"الطاقة"، عَبْر "الفضاء الداخلي (للذرَّة)". وهذا "الفضاء" إنَّما هو (لجهة محتواه، وخواصِّه، وهيئته الهندسية) فضاء "خاصٌّ بالذرَّة"، أي يختلف عن الفضاء بين الأرض والشمس مثلاً، فـ "الفضاء العام" إنَّما يشبه النجم العام"، أو "البرتقالة العامَّة"، فهل من وجود لـ "النجم العام"، أو "البرتقالة العامَّة"، حتى يصحُّ القول بوجود "الفضاء العام"؟!



ولنسأل الآن: هل "الفضاء" هو ذاته "المكان"؟ لِنَنْظُر، أوَّلاً، في المعاني اللغوية لكلمة "Space". إنَّ من معانيها: "مكان"، "فراغ"، "فضاء"، "حيِّز"، "مدى"، "مسافة".



و"المكان" هو "المعنى الأساسي"، على ما أرى، فـ "الفضاء"، مفهوماً، إنَّما هو جزء من مفهوم "المكان". وهذا إنَّما يعني أنَّ كل فضاء، مكان؛ ولكن ليس كل مكان، فضاء.



و"المكان"، الذي هو صورة من صور الوجود المادي، إنَّما هو كل شيء له ثلاثة أبعاد، هي "الطول"، و"العرض"، و"الارتفاع (أو السُمْك، أو العُمْق)". وكل فضاء يجب أن يتألَّف من الأبعاد الثلاثة ذاتها، فليس من فضاء له "طول"، و"عرض"؛ ولكن يخلو من البعد الثالث وهو "الارتفاع (أو السُمْك، أو العُمْق)". و"الأبعاد (المكانية) الثلاثة" للشيء إنَّما تعني أنَّ له "حجماً". ووجود "حجم" للشيء هو ما يُمَكِّننا من أن نسير (نتحرَّك) فيه إلى الأمام، وإلى الوراء، إلى اليمين، وإلى اليسار، إلى أسفل، وإلى أعلى؛ ومن أن "نتحرَّك"، أو "ننتقل فيه"، في غير شكل هندسي، كأن نتحرَّك فيه في خطٍّ مستقيم، أو في خطٍّ منحنٍ، أو في خطٍّ دائري، أو في خطٍّ إهليلجي، أو على شكل تحرُّك "موضعي"، كما يتحرَّك الجزيء في داخل مُكَّعَب جليد.



وليس من "حجم" ليس له "محتوى" من "المادة"، بهيئتيها "الكتلة" و"الطاقة". وكلَّما تقلَّص "حجم" الشيء، مع بقاء "كتلته" بلا زيادة ولا نقصان، زادت "كثافته".



"الشيء"، جسماً كان أم جسيماً، إنَّما هو "المكان" في معنى من معانيه؛ ذلك لأنْ لا وجود لأيِّ شيء لا يشتمل على الأبعاد الثلاثة لـ "المكان"، الذي يعود إلى آينشتاين فضل اكتشاف "انحنائه"، أو قابليته لـ "الانحناء". و"الشيء" بوصفه "مكاناً"، نراه في غير شكل هندسي، فهو يمكن أن يكون على هيئة "مُربَّع"، أو "مستطيل"، أو "مُثلَّث"، أو "مُكعَّب"؛ كما يمكن أن يكون على هيئة "دائرة"، أو "شبه دائرة".



و"الخطوط"، التي منها تُبْتنى وتُصْنَع الأشكال الهندسية لـ "الشيء"، أو "المكان"، على نوعين أو نمطين: "الخط المستقيم"، و"الخط المنحني".



من "الخطِّ المنحني"، نَصْنَع "الدائرة مثلاً؛ ومن "الخط المستقيم" نَصْنَع "المربَّع"، و"المستطيل"، و"المُثلَّث"، و"المُكعَّب"، .. إلخ.



إنْسَ الآن رسم الخطوط وسائر الأشكال الهندسية على الورق، وتذكَّر أنَّ لها "واقعاً موضوعياً"، فهذه القطعة من الأرض الزراعية "مربَّعة"، وهذا الجليد على هيئة "مُكعَّب"، وهذا الكوكب دائري الشكل، أي على هيئة جسم كروي.



الآن، تخيَّل أنَّ "الخط المستقيم"، الذي منه نبتني أشكالاً هندسية مختلفة، قد فَقَدَ "استقامته"، و"انحنى"، قليلاً، أو كثيراً، في "واقعه الموضوعي".. في مجرَّة ما، أو نجم ما، أو كوكب ما.



تخيَّل ذلك، مع أنَّ هذا ليس بالخيال الصرف؛ لأنَّه جزء من الحقيقة الموضوعية للوجود الكوني، فكيف يصبح الشكل الهندسي لـ "المربَّع"، أو "المستطيل"، أو المُثلَّث"، أو "المُكعَّب"؟ كل تلك الأشكال الهندسية ستَجْنَح لـ "تدوير زواياها"، أي أنَّ المَيْل لديها إلى "الشكل الدائري"، أو "الكروي"، سيقوى ويشتد، في "الواقع الموضوعي". إنَّ "المكان" بكل صوره سيميل، في هذه الحال، إلى "الانحناء"، وإلى "مزيدٍ من الانحناء"، فـ "الخط المنحني" فحسب إنَّما هو الذي تُبْتنى منه، وتُصْنَع، الأشكال الهندسية المختلفة، في "واقعها الموضوعي".



على أنَّ "الخط المنحني"، ولجهة "انحنائه، أو "تقوُّسه"، ليس بـ "النوع (أو الكيف)" فحسب، فهو "النوع" و"الكم" معاً، وفي اتِّحادهما الذي لا انفصام فيه. وهذا إنَّما يعني أن "الخطوط المنحنية"، في "واقعها الموضوعي"، تتفاوت وتختلف لجهة شدَّة (أو مقدار) انحنائها، فهذا "الخط المنحني" أكثر انحناءً من ذاك، وأقل انحناءً من ذلك، فما المعنى الهندسي لهذا الذي نقول؟ معناه هو أنَّ هذه "الخطوط المنحنية الثلاثة"، والمتفاوتة الانحناء، يمكن أن يُصْنَع منها "دوائر ثلاث" متفاوتة الحجم، فالخط الأكثر انحناءً يمكن أن نصنع منها "الدائرة الصغرى"، أي الدائرة الأصغر في طول محيطها، وفي طول نصف قطرها. والخط الأقل انحناءً يمكن أن نصنع منه "الدائرة الكبرى"، والخط الذي في مقدار انحنائه يقع في منزلة بين هاتين المنزلتين يمكن أن نصنع منه "الدائرة (أو الدوائر) المتوسطة الحجم".



أُنْظُر الآن إلى "دائرة" على أنَّها "جسم كروي"، ككوكب الأرض مثلاً. في هذه الحال، يمكننا وينبغي لنا أن نفهم اشتداد انحناء هذا المكان (أي كوكب الأرض) على أنَّه تضاؤل لحجمها الكروي. إنَّه تضاؤل في طول محيطها، وفي طول نصف قطرها. وهذا التضاؤل يُنْتِج، مع ثبات مقدار كتلة الأرض، تعاظُماً في كثافتها.



"المسافة (الفضائية)" هي أيضاً جزء من مفهوم "المكان"؛ ولا بدَّ للجزء من أن يماثِل أو يشابه الكل، فانحناء المكان، أو الفضاء، لا بدَّ من أن يشمل أيضاً "المسافة"، فإذا كان "الطول" خطَّاً مستقيماً، وإذا كان "الخط المستقيم" قد انحنى، وزاد انحناءً، فإنَّ "المسافة (الفضائية)" لا يمكنها أن تشذ عن هذه القاعدة (الانحناء).



ارْسُمْ الآن "خطَّاً مستقيماً" بين الشمس وكوكب الأرض؛ ثمَّ اتَّخِذْ من هذا الخط المستقيم "قُطْراً" لدائرة تتوسَّط المسافة بين الشمس والأرض. المركبة الفضائية، في سيرها من الأرض إلى الشمس، لن تتَّخِذ من "القُطْر" مساراً لها. إنَّها ستتَّخِذ من "نصف المحيط" هذا، أو ذاك، مساراً لها. لسبب ما، تخيَّل أنَّ انحناء هذه المسافة قد اشتدَّ وعَظُم. إنَّ هذا يعني أنَّ تلك الدائرة التي تتوسط المسافة بين الشمس والأرض قد تضاءلت حجماً، فطول محيطها تقلَّص، وكذلك نصف قطرها، أو قطرها. وكلَّما اشتد انحناء هذه المسافة تقلَّص طولها، وانكمش، واخْتُصِر، بالنسبة إلى المسافرين على متن المركبة. هذه المركبة الفضائية يكفي أن تتسارع، وأن تصل سرعتها، في آخر المطاف، إلى ما يقارِب سرعة الضوء، حتى تُخْتَصَر كثيراً، وكثيراً جدَّاً، المسافة التي تسعى في قَطْعِها واجتيازها، وصولاً إلى الشمس، وكأنَّها كلَّما أسرعت اشتدَّ انحناء المسار الذي تسير فيه، متَّجِهَةً إلى الشمس. ولو أنَّ قوَّة سحرية ضاعَفَت كتلة كوكب الأرض (من غير أن تزيده حجماً) لاشتدَّ انحناء المسافة بينه وبين الشمس، ولتقلَّص، بالتالي، طول هذه المسافة.



انحناء المكان في الشمس أكبر منه في كوكب الأرض؛ لأنَّ كتلة الشمس أكبر من كتلة كوكب الأرض. وانحناء المكان في باطِن الشمس أكبر منه على سطحها، أو حَوْلها. إنَّ المكان ينحني في الجسم الأعظم كتلة أكثر من انحنائه في الجسم الأصغر كتلة؛ وينحني في مركز كلا الجسمين أكثر من انحنائه على سطحه، أو حوله.



"الفضاء الداخلي" للشيء لا يُمْكِن استنفاده، فلو كان في مقدوركَ أن "تَضْغَط" كل ما في الكون من مادة، أي من كتلة وطاقة، لَمَا تفاجأنا إذا ما رأيْنا كل المادة الكونية تَشْغُل حيِّزاً يَعْدِل الحيِّز الذي يشغله "البروتون"، أو يقل عنه. إنَّ حيِّزاً متناهياً في الصِغَر والضآلة كالحيِّز الذي يشغله "البروتون" يُمْكِن (من الوجهة النظرية، ومن الوجهة العملية بحسب ما تقول به نظرية "الانفجار العظيم") أن يشتمل على كل مادة الكون.



وأنتَ لو فَعَلْتَ ذلك، أو كان في مقدروكَ أن تفعله، لَمَا تَمَكَّنْتَ من أن تأتينا، في نهاية عملكَ، بشيء يخلو خُلُوَّاً مُطْلقاً من الفضاء؛ لأنَّ الفضاء غير قابل للنفاد.



و"الفضاء"، الذي يمكن ويجب فَهْمُه على أنَّه "شيء"، أو صورة من صور المادة، إنَّما هو، أيضاً، "المجرى" الذي فيه تجري "مادة" تسمَّى "الجسيمات الحاملة (أو الناقلة) للقوة Force"، فالأشياء (الأجسام والجسيمات) تتبادل التأثير الفيزيائي، أي تتفاعل، بفضل "جسيمات" تسير في الفضاء، حامِلةً هذا التأثير.



إنَّ الشيء A يؤثِّر فيزيائياً (ويتأثَّر) في الشيء B بفضل "جسيمات (تشبه عربات)"، تنطلق منه إلى B (أي تسير في الفضاء الفاصِل ـ الواصِل بينهما) حامِلةً إليه تأثيراً فيزيائياً معيَّناً، فيتغيَّر الشيء B على نحوٍّ معيَّن. ولولا هذا "الفضاء الفاصِل ـ الواصِل" بين A و B لَمَا استطاع أحدهما أن يؤثِّر، أو يتأثَّر، بالآخر. والشيء B لا يمكنه أن يتأثَّر بتلك "المادة" التي استقبلها، أو امتصَّها، من الشيء A إلاَّ بما يتَّفِق مع طبيعته هو.



وهذا "التأثير الفيزيائي" المحمول في جسيمات معيَّنة عَبْر الفضاء (كما تَحْمِل العربة أشياء) هو ما يسمَّى "القوَّة" Force.



ولهذا التأثير سرعة معيَّنة (في الفضاء) لا يُمْكنها أبداً أن تفوق سرعة الضوء. وعليه، مثلاً، لو أصابت الشمس كارثة فإنَّ كوكب الأرض لن يتأثَّر بها إلاَّ بعد 8 دقائق من وقوعها. ولو أنَّ جزءاً كبيراً من كتلة الشمس قد انفصل عنها، وذهب بعيداً في الفضاء الكوني، فإنَّ كوكب الأرض لن يتأثَّر بما سيعتري الفضاء المحيط بالشمس (الجديدة) من تغيير حتمي إلاَّ بعد 8 دقائق من وقوعه.



وانتقال التأثير الفيزيائي (= "القوَّة") عَبْر الفضاء إنَّما يعني أنْ ليس من شيئين لا يَفْصِل (ويَصِل) بينهما فضاء.



"الفضاء (الكوني)" هو الشيء الوحيد، على ما نَعْلَم حتى الآن، الذي في مقدوره أن يتمدَّد بسرعة تفوق (وقد تفوق كثيراً) سرعة الضوء؛ أمَّا "المادة"، جسماً كانت أم جسيماً، على هيئة كتلة كانت أم على هيئة طاقة، فليس في مقدورها أبداً أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء.



وإنِّي لأرى أنَّ "سرعة الضوء" تَصْلُح لاتِّخاذها "عامِل فَرْزٍ"، به نَفْرِز "المادة التي على هيئة كتلة" من "المادة التي على هيئة طاقة".



إنَّ "المادة"، ولجهة علاقتها بـ "السرعة التي مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية (= سرعة الضوء)"، على نوعين: نوع، مهما تسارع، أو تزايدت سرعته، لن يتمكَّن أبداً من الانتقال (في الفضاء) بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. ومن هذه الاستحالة الفيزيائية تتفرَّع، منطقياً، استحالة فيزيائية أُخرى، هي أن يتمكَّن هذا النوع من المادة من السير بسرعة تفوق سرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"الكتلة" بوصفها الخاصية الجوهرية لهذا النوع هي التي تمنعه منعاً مطلقاً من السير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، فكلَّما تسارَع، أو زادت سرعته، اشتدت وتعاظمت صعوبة تسريعه، أو تسارعه، فإذا أصبحت سرعته قاب قوسين أو أدنى من السرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية غدا ضَرْباً من المستحيل أن يتسارَع أكثر، فهنا ينتصب حاجز فيزيائي لا يمكنه أبداً تخطيه. وهذا النوع من المادة يسمى "المادة ذات الكتلة"، التي بعضها على هيئة جسيمات كجسيم الإلكترون.



والنوع الثاني، أو الآخر، من "المادة" هو كل مادة تسير، أو يمكنها السير، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ ولكن لا يمكنها أبداً أن تسير بسرعة تتجاوز هذه السرعة الكونية القصوى أو العظمى. والخاصية الجوهرية لهذا النوع من المادة هي أنَّه "عديم الكتلة". و"المادة عديمة الكتلة" إنَّما هي "الطاقة (كالضوء)".



واستكمالاً لهذا التصوُّر لا بد من القول إنَّ "المادة ذات الكتلة" هي "طاقة مُحْتَجَزة (مُركَّزة، مكثَّفة، مجمَّدة، متخثِّرة، متحجِّرة)"، يكفي أن تتحرَّر حتى تغدو مادة تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"المادة عديمة الكتلة"، والتي تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، يكفي أن تتركَّز وتتجمَّد وتتخثَّر حتى يصبح سيرها بهذه السرعة ضَرْباً من المستحيل.



الفضاء، ولجهة قوامه الهندسي، ينطوي دائماً على تَناقُض بين "الاستقامة (الاستواء)" و"الانحناء (التقوُّس)". إنَّه، أي الفضاء، كـ "سَطْح" جسمٍ؛ وهذا "السَطْح" يُمْكِن أن يكون مستقيماً، أو مستوياً، كما يُمْكِن أن يكون منحنياً، أو مُقَعَّراً.



واحسبُ أنَّ الدياليكتيك يفيدنا كثيراً في فَهْم أوجه العلاقة بين هذا النمط الهندسي من الفضاء وذاك، أي بين المستقيم منه والمنحني. ولعلَّ أوَّل وأهم ما يفيدنا فيه الدياليكتيك في هذا الشأن هو نَبْذ "الخالص"، أو "المُطْلَق"، من هذا النمط الفضائي أو ذاك، فليس من وجود للفضاء المستقيم استقامة مُطْلَقَة، أو المستوي استواءً مُطْلَقَاً؛ كما ليس من وجود للفضاء المنحني انحناءً مُطْلَقَاً؛ ففي كل فضاء تَتَّحِد "الاستقامة" و"الانحناء" اتِّحاداً لا انفصام فيه، فليس من فضاء مستوٍ لا ينطوي ويشتمل على "الانحناء"، وليس من فضاء منحنٍ لا ينطوي ويشتمل على "الاستقامة".



و"الاستقامة" و"الانحناء"، في الفضاء، هما، ككل ضدَّين، في صراعٍ دائم ومستمر، ينتهي تارةً إلى ترجيح كفَّة "الاستقامة" على "الانحناء"، وطوراً إلى ترجيح كفَّة "الانحناء" على "الاستقامة".



وينبغي لنا أن نَفْهَم التضاد بين "الاستقامة" و"الانحناء"، في الفضاء، كما نَفْهَم كل تضاد، أي فَهْماً "نسبياً"، فهذا الفضاء هو منحنٍ نِسْبَةَ إلى ذاك، أو مقارنةً به؛ وذاك الفضاء هو مستوٍ نِسْبَةً إلى هذا، أو مقارنةً به. وهذا إنَّما يعني، من الوجهة الدياليكتيكية، أنَّ "الفضاء الأكثر انحناءً" هو ذاته "الفضاء الأقل استقامةً"، و"الفضاء الأكثر استقامةً" هو ذاته "الفضاء الأقل انحناءً".



إنَّ هذا الفضاء منحنٍ، ويزداد انحناءً؛ لأنَّه ينطوي على "الاستقامة"؛ وإنَّ ذاك الفضاء مستوٍ، ويزداد استواءً؛ لأنَّه ينطوي على "الانحناء". وهذا الفضاء قد استوفي شروط تحوُّله من "الاستواء" إلى "الانحناء"، فتحوَّل؛ وذاك قد استوفى شروط تحوُّله من "الانحناء" إلى "الاستقامة"، فتحوَّل.



ولو سَعَيْنا في معرفة سبب هذا التحوُّل، أو ذاك، لاكْتَشَفْنا أنَّ اشتداد "الانحناء الفضائي" هو ما يؤسِّس لـ "فضاء مستوٍ"، وأنَّ تعاظُم "الاستواء الفضائي" هو ما يؤسِّس لـ "فضاء منحنٍ". ولو أمْعَنَّا النظر في "التحوُّل الهندسي للفضاء"، أي في تحوُّل استوائه إلى انحناء، وانحنائه إلى استواء، لاكْتَشَفْنا أنَّ كل انحناء هو ثمرة التغلُّب على "قوى وعوامل مضادة"، وأنَّ كل استواء هو ثمرة التغلُّب على "قوى وعوامل مضادة".



الآن، وانطلاقاً من هذا الفهم الدياليكتيكي لأوجه العلاقة بين "الاستواء" و"الانحناء" في الفضاء، دعونا نتصوَّر الشكل الهندسي للفضاء.



تصوَّر الفضاء على أنَّه "سَطْح" لجسم كروي كبير (= الكون). وتصوَّر هذا "السَطْح" على أنَّه سَطْحٌ تَنْتَشِر فيه "حُفَر"، تتفاوَت عُمْقاً وحجماً واتِّساعاً.



إنَّ الجزء الأكبر من هذا "السطح" يخلو من "الحُفَر". وهذا الجزء (الأكبر) هو ما يُمْكِن أن ننظر إليه على أنَّه "الفضاء المستوي"، الذي فيه يُمْكِن أن تسير الأجسام (والجسيمات) في خطوط مستقيمة.



على أنَّ استقامة هذه الخطوط ليست بالاستقامة الخالصة المُطْلَقَة، فكل خطٍّ من هذه الخطوط المستقيمة هو جزء، أو مقطع، من "محيط دائرة". والسير في خطٍّ مستقيم هنا إنَّما يشبه أن تسير في خطٍّ مستقيم في موازاة خطِّ الاستواء (الأرضي) فأنتَ متأكِّد تماماً أنَّكَ تسير في خطًّ مستقيم؛ ولكنَّ هذا الذي يراقب سَيْرك من على سطح القمر متأكِّد تماماً هو أيضاً أنَّكَ تسير في خطٍّ دائري.



في "الفضاء المستوي (استواءً نسبياً)"، نرى، أو يمكن أن نرى، الجسم في "النمط الآخر من السكون"، أي السير بسرعة ثابتةً منتظَمة (مهما كان مقدارها) وفي خطٍّ مستقيم. وفي هذا الفضاء يتوازن "الانحناء" و"الاستقامة" توازناً يسمح للجسم المتحرِّك فيه بأن يحافِظ على هذا النمط من السكون.



لقد تصوَّرنا الفضاء على أنَّه سَطْحٌ لجسم كروي ضخم، تنتشر فيه، أي في هذا السطح، "حُفَر"، تتفاوت عُمْقاً وحجماً واتِّساعاً. وفي قَعْر كل حُفْرة فضائية (أو تجويف، أو خندق، فضائي) يستقر (يَقَع، أو يتموضع، أو يتموقع) جسم عظيم الكتلة (كالمجرَّة أو النجم).



وتعميماً نقول إنَّ كل شيء له كتلة، كبيرة كانت أم صغيرة، لا بدَّ له من أن يَحْفِر حُفْرة في الفضاء، أو في النسيج الفضائي، فـ "الحُفْرة الفضائية" إنَّما هي جزء لا يتجزأ من وجود الشيء الذي له كتلة، أي الشيء الذي ليس في مقدوره أبداً أن يسير بسرعة الضوء. حتى جسيم الإلكترون (الذي له كتلة) له حُفْرته الفضائية، التي تتناسب، عُمْقاً وحجماً واتِّساعاً، مع كتلته. وكلَّما ارتفع منسوب "الطاقة" في الإلكترون، أو في أي شيء له كتلة، كَبُرَت حفرته الفضائية؛ ذلك لأنَّ كل زيادة في طاقة الشيء الذي له كتلة تُتَرْجَم بزيادة (مساوية) في كتلته، فالحُفْرة الفضائية الشمسية، مثلاً، تقلُّ حجماً واتِّساعاً وعُمْقاً عمَّا هي عليه الآن لو أنَّ الشمس (على استحالة ذلك) توقَّفت عن الدوران حَوْل محورها، وحَوْل مركز مجرَّتنا.



"الحُفْرة الفضائية" إنَّما هي، على ما قُلْنا من قبل، جزء لا يتجزأ من وجود الجسم الكوني، كالمجرَّة أو النجم. وهذا إنَّما يعني أنَّها تنتقل دائماً معه، فالشمس مع حُفْرتها الفضائية تدور حَوْل مَرْكَز مجرَّتنا (مجرَّة "درب التبانة").



وفي "الحُفْرة الفضائية" نَقِفُ على معاني "انحناء (أو تقوُّس) الفضاء"، الذي يعود إلى آينشتاين فضل اكتشافه. ولعلَّ خير تشبيه لها، وتوضيح، هو "الشرشف" الذي نُفَضِّل أن يكون مصنوعاً من مادة المطَّاط. لو جئنا بهذا الشرشف، وشددناه من أطرافه حتى أصبح مستوياً استواء سطح طاولة؛ ثمَّ دَفَعْنا فيه كرة صغيرة من الخشب، فإننا نرى أنَّ تلك الكرة تسير في هذا الشرشف، أو على سطحه، في خطٍّ مستقيم. ولو وضَعْنا في وسطه كرة كبيرة من الرصاص فإنَّ هذه الكرة تُحْدِثُ تجويفاً (حُفْرةً) في الشرشف. ولو قُمْنا، بعد ذلك، بدفع كرة الخشب الصغيرة تلك على سطح الشرشف فسوف نراها تسير في خطٍِّ منحنٍ، وكأنَّها تسير في منحدَرٍ، أي تهبط من أعلى إلى أسفل. ولسوف نرى، أيضاً، أنَّها تتسارَع في سقوطها، أو هبوطها، وأنَّها ما أن تصل إلى أسفل، أو إلى قعر الحُفْرة، حيث تستقر كتلة كرة الرصاص، حتى تشرع تدور (إلى حين) حَوْل تلك الكرة الرصاصية. ولولا "الاحتكاك" بين سطح الكرة الخشبية وسطح الشرشف، ومقاومة الهواء لحركتها، لظلت تلك الكرة تدور "إلى الأبد" حَوْل الكرة الرصاصية.



وعلى هذا النحو يمكننا فَهْم أوجه العلاقة بين "الكتلة" و"الفضاء"، فـ "الشرشف" هو "الفضاء"، و"كرة الرصاص الضخمة" التي تتوسطه، والتي حَفَرَت فيه حُفْرة، هي كتلة الشمس، و"الكرة الخشبية الصغيرة (الدائرة حَوْل كرة الرصاص)" هي كوكب الأرض.



وللمضي قُدُماً في فهم أوجه العلاقة بين كتلة جسم كوني ما والفضاء (المحيط به) لا بدَّ لنا، أوَّلاً، من نَبْذ "التصوُّر الميكانيكي"، فالكتلة والفضاء (المحيط بها) إنَّما هما شيء واحد غير قابل للاجتزاء. إنَّهما في اتِّحادٍ لا انفصام فيه، فليس من كتلة بلا حُفْرة فضائية، وليس من حُفْرة فضائية بلا كتلة. إنَّكَ لا تستطيع الحصول على كتلة ليس لها حُفْرة فضائية، كما لا تستطيع الحصول على حُفْرة فضائية لا تتوسطها كتلة.



كل كتلة تَحْفُر في الفضاء، أي في محيطها الفضائي؛ وحجم الحُفْرة يتناسب مع حجم الكتلة، على ألاَّ نَضْرِب صفحاً عن حقيقة أنَّ ضَغْط الكتلة ذاتها في حيِّز أصغر يتسبَّب في تعميق حُفْرتها الفضائية، فلو تحوَّل هذا النجم بكتلته ذاتها إلى نجم نيوتروني لَحَفَر له في الفضاء حُفْرةً أعمق. و"الحُفْرة الفضائية الأعمق" إنَّما هي ذاتها "الفضاء الأشد انحناءً" حَوْل الكتلة.



هذا هو "التأثير العام" لـ "الكتلة" في "محيطها الفضائي". على أنَّ الكتلة هي كتلة لجسم معيَّن؛ ولا بدَّ للاختلاف في خواص هذا الجسم، وتكوينه، من أن يؤثِّر في محيطه الفضائي لجهة بنيته، ومحتواه، ومكوِّناته، وخواصِّه الفيزيائية، فـ "الحُفْرة الفضائية" إنَّما هي الاتِّحاد الذي لا انفصام فيه بين جانبيها "الكمِّي" و"النوعي (الكيفي)"، فهي ليست حجماً، أو عُمْقاً، فحسب، وإنَّما خواص وبنية ومكوِّنات فيزيائية، فالفضاء الداخلي للذرَّة، مثلاً، يختلف لجهة بنيته، ومحتواه، ومكوِّناته، وخواصِّه الفيزيائية، عن الفضاء الداخلي للنظام الشمسي، أو عن الفضاء بين الشمس والأرض. وليس من محيط فضائي (لجسم كوني) إلاَّ ويختلف في خاصية ما، أو في ناحية ما، عن سائر المحيطات الفضائية.



إذا تماثَل جسمان كونيان في "الكتلة" فإنَّهما، ومن حيث المبدأ والأساس، يتماثلان في الخواص الكمية لـ "الحُفْرة الفضائية"؛ ولكنَّهما يختلفان (كثيراً أو قليلاً) في خواصِّها النوعية، وفي محتواها من "المادة".



في الفضاء المستوي، أي الذي في منأى عن تأثير الكُتَل الكونية الكبيرة، كالمجرَّات والنجوم، والذي هو، في حقيقته الهندسية، ليس بمستوٍ استواءً تامَّاً؛ لأنَّه كسطح جسم كروي ضخم، هو الكون، يُمْكِن أن يسير جسم ما بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم (استقامةً نسبية). وهذا الفضاء هو الوسط الفيزيائي الذي فيه نرى على خير وجه فِعْل وتأثير "القصور الذاتي" Inertia. وأعني بهذا الفعل أو التأثير ما يُظْهِره الجسم، في سيره في هذا الفضاء، من عجز (ذاتي) عن التسارُع، أو التباطؤ، وعن الخروج عن "الاستقامة" في خطِّ سيره.



لو كنتَ في ذلك الوسط الفضائي، وقُمْتَ بدفع كرة بيدكَ في اتِّجاه أُفُقي، فإنَّ هذه الكرة تستمر "إلى الأبد" في السير (ضِمْن هذا الوسط الفضائي) بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم. إنَّها، ومن تلقاء نفسها، لا تَقْدِر أبداً أن تزيد، أو تقلِّل، سرعتها، أو أن تحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيرها الفضائي. والجسم الأكبر كتلة هو الأكبر في "قصوره الذاتي"، وهو الذي يحتاج، بالتالي، إلى "قوَّة خارجية" أكبر للتغلُّب على ما يبديه، حتماً، من مقاومة، لتغيير حركته الثابتة المنتظَمة المستقيمة.



حتى تتغيَّر سرعة هذه الكرة، زيادةً، أو نقصاناً، أو حتى تحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيرها، لا بدَّ من أن تؤثِّر فيها "قوَّة خارجية"، بما يؤدِّي إلى هذا التغيير أو ذاك في حركتها، فكيف نَفْهَم هذه "القوَّة الخارجية"؟ إذا قُمْتَ أنتَ، أو غيركَ، بدفع هذه الكرة (دفعة واحدة) في الاتِّجاه ذاته، وهي تسير في هذا الوسط الفضائي بسرعتها الثابتة المنتظَمة، فإنَّ سرعتها، عندئذٍ، تزيد، وتظلُّ تسير بهذه السرعة الجديدة، بلا زيادة ولا نقصان، إلى الأبد. وقد تَدْفعها في اتِّجاه معاكِس فتقل سرعتها، وتظل تسير بسرعتها الأقل الجديدة إلى الأبد. وقد تؤثِّر أنتَ في هذه الكرة المتحرِّكة بما يؤدِّي إلى إخراجها عن "الاستقامة" في خطِّ سيرها.



ما الذي حَدَث عندما أحْدَثْتَ أنتَ هذا التغيير، أو ذاك، في حركة هذه الكرة؟ بدفعكِ للكرة، توصُّلاً إلى زيادة سرعتها مثلاً، انْطَلَقَت منكَ، أي من يدكَ الدافعة، جسيمات حاملة لـ "القوَّة"، أي لهذا التأثير الفيزيائي (= زيادة مقدار حركة الكرة). هذه الجسيمات وصلت إلى الكرة، ودَخَلَت فيها، بعد قَطْعِها مسافة فضائية معيَّنة، ولو ظَنَنْتَ أن لا مسافة فضائية تُذْكَر بين يدكَ التي لامسَت الكرة إذ دفعتها وبين سطح الكرة. على هذا النحو فحسب يُمْكننا، وينبغي لنا، أن نفهم عمل وتأثير "القوَّة الخارجية".



ولكن، مَهْلاً، فهذا التصوُّر يشوبه كثيرٌ من "الميكانيكية"، أي أنَّه منافٍ للمنهج الدياليكتيكي في الفهم والنظر، فالتغيُّر الذي طرأ على حركة الجسم يبدو، بحسب هذا التصوُّر، تغيُّراً ميكانيكياً صرفاً.



إنَّ هذا الجسم ما كان له أن يشهد أي تغيير في حركته لو لم يكن منطوياً على ميْلين متضادين متلازمين: الميْل إلى أن يظل على ما هو عليه من حالٍ حركية (= السير في سرعة ثابتة منتظَمة وفي خطِّ مستقيم) والميْل إلى أن يتخطَّى حاله هذه، كأن يزيد، أو يقلِّل، سرعته، أو أن يحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيره. ولو لم يكن منطوياً على هذا الميْل المضاد لفشِلَت كل "القوى الخارجية" في الكون في إحداث أيِّ تغيير في حال الحركة التي هو عليها. إنَّه يقاوِم كل تغيير في حركته؛ ولكنَّه، في الوقت نفسه، يميل إلى هذا التغيير، أو ذاك، في حركته. و"الوسط الفضائي المستوي" إنَّما هو البيئة التي ليس فيها من القوى والعوامل والمؤثِّرات الخارجية ما يسمح للميل المضاد الذي ينطوي عليه الجسم (أي الميْل إلى أن يتخطَّى حال سيره بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم) بأن يقوى ويشتد، ويُحْرِز الغلبة.



انعطاف حركة السيَّارة إلى اليمين، مثلاً، يؤدِّي إلى تحريك جسم ساكِن في داخلها (الراكب مثلاً) في اتِّجاه معاكِس، أي إلى اليسار، فهذه الحال (انعطاف السيَّارة إلى اليمين) لا يُمْكِنها أن تَظْهَر وحدها، فهي تنشأ مع "نقيضها"، أي مع "حال مضادة لها"، رأيْناها في وضوح إذ تحرَّك الجسم إلى اليسار. "الحال" و"الحال المضادة" إنَّما تظهران متَّحِدتين في "المكان" و"الزمان". والسيَّارة ذاتها، ولو لم نرَ هذا في الوضوح ذاته، تأثَّرت بـ "القوَّة المضادة (المعاكِسة)" كما تأثَّر الجسم. وغني عن البيان أنَّ هذه القوَّة قد أدَّت عملاً يمكن وصفه بأنَّه "عمل كَبْح". و"الكبح" إنَّما هو مظهر من مظاهر "الصراع"، فهذه القوَّة ظَهَرَت في حالٍ من الصراع مع القوَّة التي تسبَّبت في انعطاف السيَّارة إلى اليمين. ولقد تمكَّنت "القوَّة الأولى"، في نهاية هذا الصراع، من التغلُّب على "القوَّة الثانية"، محقِّقة، بالتالي، انعطاف السيَّارة إلى اليمين.



"الوسط الفضائي المستوي" إنَّما هو، أيضاً، الوسط الذي لا يأخذ من الجسم (الذي يسير فيه بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم) شيئاً من مخزونه من الطاقة الحركية، ولا يعطيه، في الوقت نفسه، شيئاً من هذه الطاقة. إنَّه "وسط فضائي حيادي" بالنسبة إلى حركة الجسم الذي يسير فيه، فهو لا يتفاعل مع هذا الجسم بما يمكن أن يؤدِّي إلى زيادة، أو تقليل، مقدار حركته، أو إلى تغيير اتِّجاهها، أو إخراجها عن "الخطِّ المستقيم".



لِنَفْتَرِض، الآن، أن لا وجود لـ "قوَّة خارجية" تؤثِّر في الحركة الثابتة المنتظَمة المستقيمة للكرة تلك، وأنَّ نَجْماً (هو الكتلة الأقرب إلى هذه الكرة) يَبْعُد عنها 100 مليون سنة ضوئية مثلاً. هل في مقدور هذا النجم أن يؤثِّر في تلك الكرة المتحرِّكة بما يؤدِّي إلى تغيير مقدار حركتها، زيادةً أو نقصاناً، أو بما يُخْرِجها عن "الاستقامة" في خطِّ سيرها الفضائي، وهو بعيد عنها هذا البُعْد؟ عن هذا السؤال أجاب آينشتاين بالنفي، مؤكِّداً أن لا وجود لـ "قوَّة خارجية" تمارِس تأثيرها عن بُعْد، وعلى هذا النحو السحري والغامِض.



ولو كان هذا النجم يستطيع أن يؤثِّر هذا التأثير (عن بُعْد) فكيف يمكننا تخيُّل أو تصوُّر تأثيره هذا؟ على هذا النجم أن يُطْلِق جسيمات ما، فتنتقل في الفضاء الذي بينه وبين تلك الكرة، ثمَّ تَقْتَحم تلك الجسيمات الكرة، "مُفْرِغةً" فيها "التأثير الفيزيائي" الذي تَحْمِل، فتتأثَّر حركة الكرة، بالتالي، على هذا النحو، أو ذاك. التأثير عن بُعْد في هذه الطريقة التي تخيَّلْناها أو تصوَّرناها لم يَجِد له سنداً في الفيزياء التي عَرَفَها وتمثَّلها آينشتاين.



آينشتاين لم يَنْفِ وجود "الجاذبية"؛ ولكنَّه رَفَضَ فهم وتفسير "الجاذبية" على أنَّها "قوَّة" مَصْدرها هذا النجم البعيد، بحسب المثال الذي أوْرَدْنا.



أنْ تُفَسَّر "الجاذبية"، بمظاهرها كافَّة، على أنَّها نتيجة وجود "قوَّة (فيزيائية) ما" كـ "القوَّة النووية الشديدة"، أو "القوَّة الكهرومغناطيسية"، فهذا إنَّما يعني أنَّ وجودها من وجود "جسيمات معيَّنة (حامِلة أو ناقلة لهذا التأثير المسمَّى "الجاذبية"). و"الجسيم"، أي جسيم، إنَّما هو مادة كان لها لحظة نشوء، ولسوف تكون لها لحظة زوال، فليس من جسيم "أزلي ـ أبدي". إذا أخَذْنا بهذا التفسير فلا بدَّ لنا من أن نفهم الجاذبية، بمظاهرها التي نَعْرِف، على أنَّها شيء لم يُوْجَد قبل وجود "الجسيم الحامل أو الناقل لها"، ولن يظلَّ موجوداً بَعْدَ الزوال الحتمي لهذا الجسيم، أو لهذا النوع من الجسيمات الحاملة للقوَّة. وعلى سبيل المثال نقول، بحسب هذا التفسير، إنَّ الشمس تنطلق منها نحو الأرض جسيمات معيَّنة، تَحْمِل تأثيراً فيزيائياً، هو الذي نسميه "الجاذبية الشمسية"، فتَصِلُ هذه الجسيمات إلى كوكب الأرض، بَعْد قَطْعِها مسافة فضائية مقدارها 150 مليون كيلومتر، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، فيترتَّب على وصولها أن يبقى كوكب الأرض يدور حَوْل الشمس في المدار ذاته، فهذه الجسيمات، وبما تحمله من تأثير، أو قوَّة، هي المسؤولة عن دوران الأرض حَوْل الشمس.



وهذا التفسير إنَّما يعني، أيضاً، أنَّ المادة التي كانت موجودة قبل نشوء تلك الجسيمات كانت "مادة بلا جاذبية"، وأنَّ المادة الموجودة بعد زوالها (زوال تلك الجسيمات) هي، أيضاً، "مادة بلا جاذبية". إذا صحَّ هذا فكيف لنا أن نُفَسِّر حركة تلك المادة (أي "المادة بلا جاذبية") في المكان؟!



الآن، تأمَّلوا ظاهرة حركة كوكب الأرض حَوْل الشمس، ففيها يكمن كثيرٌ من معالِم وأركان النظرية التي بها فسَّر آينشتاين ظاهرة الجاذبية.



هذا الكوكب يدور حَوْل الشمس في مدار إهليلجي (بيضي الشكل). وبسبب "إهليلجية" مداره يقترِب كوكب الأرض من كتلة الشمس تارةً، ويبتعد عنها طوراً. في قربه منها يزداد سرعةً؛ وفي بُعْده عنها يقل سرعةً. عندما يزداد سرعةً، يَعْظُم "كتلةً"؛ وعندما يقل سرعةً، يتضاءل "كتلة".



وكوكب الأرض إنَّما هو جسم كوني له كتلة، يسير في الفضاء في خطٍّ "غير مستقيم"، أي في خطٍّ شبه دائري، وبسرعة "غير ثابتة"، و"غير منتظَمة"، فهو تارةً يزداد سرعةً، وطوراً يقل؛ فأين يكمن السبب؟ من تلقاء نفسه، لا يستطيع كوكب الأرض أبداً تغيير مقدار حركته، زيادةً، أو نقصاناً، ولا يستطيع، أيضاً، أن يحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيره؛ لأنَّه يعاني "قصوراً ذاتياً" ككل مادة لها كتلة. نقول "لا يستطيع أن يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره" على افتراض أنَّه كان يسير في خطٍّ مستقيم، ثمَّ حاد عنه، وأصبح يدور حَوْل الشمس.



والشمس لا يُمْكنها أن تؤثِّر عن بُعْد في حركة كوكب الأرض، بما يؤدِّي إلى زيادة، أو إنقاص، مقدارها، أو بما يؤدِّي إلى جَعْلِه يسير في خطٍّ "غير مستقيم"، فـ "الجاذبية الشمسية" ليست بالشيء الذي يمكنه أن يمارِس تأثيره في حركة كوكب الأرض عن بُعْد، وفي طريقة سحرية.



لقد نَفَيْنا هذا السبب وذاك، فلم يبقَ لدينا إلاَّ "السبب الفضائي"، فـ "الفضاء الشمسي"، أي الفضاء الذي حَوْل كتلة الشمس، والذي فيه يتحرَّك كوكب الأرض حَوْل هذا النجم، هو وحده المسؤول عن كل تلك الظواهر في حركة كوكب الأرض. وعليه، يمكن تشبيه هذا الفضاء بالسائق الذي يقود "عربة" الأرض، فيجعلها تتسارع تارةً، وتتباطأ طوراً، يقترِب بها من كتلة الشمس تارةً، ويبتعد عنها طوراً.



كوكب الأرض "بريء" تماماً من "تهمة" تغييره لحركته مهما كان هذا التغيير في حجمه أو نوعه. وكتلة الشمس "بريئة" مثله. وليس من كتلة قريبة من كوكب الأرض، أو بعيدة عنه، يمكن أن "نتَّهمها" بهذه "التهمة". الفضاء الذي فيه يدور كوكب الأرض حَوْل الشمس هو وحده المتحكِّم في حركة الأرض حَوْل الشمس، بكل أوجهها الكمِّيَّة والنوعية.



هذا الفضاء الذي يسير فيه كوكب الأرض هو الذي فَرَضَ عليه أن يدور حَوْل الكتلة الشمسية في مدار إهليلجي، يَقَعُ على مسافة معيَّنة من الشمس. وهو الذي فَرَضَ عليه أن يزداد سرعةً عندما يقترِب من الشمس، وأن يقل سرعةً عندما يبتعد عنها.



كتلة الشمس هي التي غيَّرت هندسة الفضاء المحيط بها، فأثَّر هذا التغيير الهندسي على هذا النحو الذي ذَكَرْنا في حركة الأرض، مقداراً، واتِّجاهاً، وشكلاً هندسياً. لقد حَفَرَت كتلة الشمس في محيطها الفضائي حُفْرةً بحجم معيَّن، وبعُمْق معيَّن، وبخواص هندسية معيَّنة، فأثَّرت على هذا النحو في حركة كوكب الأرض حَوْلها.



الشمس هي جسم كوني يعاني "قصوراً ذاتياً" ككل مادة له كتلة. وقصورها الذاتي إنَّما يعني، أوَّلاً، أنَّها ليست هي المسؤولة عن حركتها هي بأوجهها كافة. ليست بالمسؤولة عن حركتها حَوْل محورها، أو عن حركتها في فضاء مجرَّتنا، أو حَوْل مركز مجرَّتنا. وليست بالمسؤولة عن سرعتها إذا ما أسرعت، أو عن تباطؤها إذا ما تباطأت. ويعني، أو يجب أن يعني، أيضاً، أنَّها ليست بالمسؤولة مباشَرةً، وعلى سبيل المثال، عن حركة الأرض بأوجهها كافة، فالفضاء الذي تضافرت على تغيير خواصه وهندسته كُتَلُ أجسام كونية ثلاث، في المقام الأول، هي "مجرتنا" و"الشمس" و"الأرض"، هو الذي فيه يكمن تفسير وتعليل كل ما يخصُّ حركتي الشمس والأرض.



"القصور الذاتي" إنَّما يعني أنَّ الجسم لا يملك في ذاته من القوى ما يسمح له بإحداث أي تغيير في حركته، أو في حركة غيره من الأجسام، إذا ما كانت بعيدة عنه. إنَّه يملك فحسب القدرة على تغيير خواص وهندسة مجاله الفضائي، فتتأثَّر، بالتالي، حركته، وحركة الأجسام التي في جواره. وعليه، يمكن ويجب فَهْم "الفضاء (المنحني)" على أنَّه "القوَّة الكونية" التي تَفْرِض على الجسم أن يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره، أو أن يتسارع أو يتباطأ.



إنَّكَ ترى الجسم A يدور (في الفضاء) حَوْلَ الجسم B. إنَّكَ تسأل الآن عن "سبب" هذه الظاهرة. في الإجابة قد تقول إنَّ الجسم A هو الذي جَعَلَ نفسه يدور حَوْل الجسم B. هذه إجابة تدحضها حقيقة أنَّ الجسم A لا يستطيع من تلقاء نفسه أن يَخْرُج عن "الاستقامة" في خطِّ سيره الفضائي، وأن "يدور" بالتالي.



وفي إجابة ثانية قد تقول إنَّ الجسم B هو الذي أثَّرَ "مباشَرَةً"، و"عن بُعْد"، في الجسم A، جاعِلاً إيَّاه، بالتالي، يدور حَوْلَه. وهذه إجابة تدحضها حقيقة أن ليس من "شيء يؤثِّر عن بُعْد".



لَمْ يبقَ سوى "الفضاء" الذي فيه يسير، أو يدور، الجسم A. هذا الفضاء إنَّما هو "السبب". إنَّه هو، وحده، المسؤول عمَّا حلَّ بحركة الجسم A لجهة "شكلها الهندسي (= الدوران)".



إذا طرأ أي تغيير على حركة الجسم A في مقدارها، أو في شكلها الهندسي، فينبغي لنا أن نَفْهَم هذا التغيير، ونُفَسِّره، على أنَّه ثمرة تغيُّر طرأ على خواص وهندسة الفضاء الذي يقع فيه ويسير هذا الجسم، الذي هو منقادٌ، مستسلمٌ، لهذا التغيير الفضائي، وكأنَّه النهر لجهة عجزه عن تغيير مجراه.



إنَّه، أي الجسم A، يُسْرِع إذا ما حَمَلَه "التغيير الفضائي" على أن يُسْرِع، ويبطؤ إذا ما حَمَله على أن يبطؤ، وينحني في سيره (كثيراً أو قليلاً) إذا ما حَمَله على أن ينحني، ويستقيم في سيره إذا ما حَمَله على أن يستقيم، ويبتعد عن الجسم B إذا ما حَمَله على أن يبتعد، ويقترب منه إذا ما حَمَله على أن يقترب، وينفصل عنه نهائياً إذا ما حَمَله على الانفصال.



التغيير في الفضاء الذي يقع فيه ويسير الجسم A هو وحده مَكْمَن التفسير والتعليل لكل تغيير يطرأ على حركته. وهذا التغيير الفضائي قد تشارِك في إحداثه مع كتلة الجسم B كُتَل أجسام أُخرى، بعضها قريب، وبعضها بعيد.



"الطريق (أو المسافة) الأقصر" بين نقطتين، في فضاء بعيد عن الأجسام الكونية ذات الكُتَل الكبيرة، إنَّما هي "الخط المستقيم". أمَّا في الفضاء المحيط بجسم كوني عظيم الكتلة فإنَّ "الطريق الأقصر" تنحني وتتقوَّس؛ والطريق الأقصر إنَّما هي الطريق الأكثر انحناءً وتقوُّساً. وكلَّما ابتعدتَ عن جسم كوني عظيم الكتلة تضاءل الانحناء الفضائي حَوْله. و"انحناء الفضاء" بسبب كتلة جسم معيَّن لا يَكْتَمِل فَهْماً إلاَّ إذا نَسَبْنا إليه أيضاً ظاهرة دوران هذا الجسم حَوْل نفسه، أو حَوْل محوره.



إنَّ كتلة الشمس، مثلاً، هي التي غيَّرت البناء الهندسي للفضاء المحيط بها بما أدَّى إلى إجبارها على الدوران حَوْل نفسها، أو حَوْل محورها، فالتغيير الذي أحْدَثَتْه الكتلة الشمسية في الخواص الهندسية لمحيطها الفضائي هو الذي يُفسِّر ويعلِّل دوران الشمس حَوْل نفسها، في اتِّجاه معيَّن، وفي سرعة معيَّنة.



و"الانحناء" الذي يصيب الفضاء في داخل الشمس (= الفضاء الداخلي للشمس) هو المسؤول عن ظاهرة الشكل الكروي للشمس، وعن ظاهرة "تركيز الكتلة" في باطن ومركز هذا النجم.



وبحسب تركيز "الكتلة" و"الطاقة" في داخل الشيء، ينحني الفضاء الداخلي للشيء، كثيراً أو قليلاً. وكلَّما زاد تركُّز "الكتلة"، أو "الطاقة"، اشتد انحناء الفضاء حَوْلها (في داخل الشيء). إنَّ الانحناء الشديد للمكان في باطن النجم هو ما يُنْتِج ظاهرة انكماش وتقلُّص كتلة النجم، فـ "انحناء المكان" هو "القوَّة" التي بفضلها يحامي النجم عن "كتلته"، ويُنمِّيها.



كتلة الشمس تتضاءل مع كل اندماج نووي في مركزها. هذا التضاؤل يؤدِّي إلى جَعْل الفضاء المحيط بها يقلُّ انحناءً في استمرار. يترتَّب على ذلك، تضاؤل سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس، وتزايد ابتعادها بمدارها عن الكتلة الشمسية، أو عن مركز هذه الكتلة، فبُعْدُ كوكب الأرض عن الشمس سيزيد، مستقبلاً، عن 150 مليون كيلومتر. وهذا البُعْد إنَّما هو الوجه الآخر لتضاؤل انحناء مدار الأرض حَوْل الشمس، أي لاتِّساع محيط "الدائرة (التي ليست بدائرة لأنَّ مدار الأرض حَوْل الشمس إهليلجي)" الذي تدور فيه الأرض حَوْل الشمس. ويكفي أن يتَّسِع هذا المحيط، أو المدار، حتى تقل سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس، وحتى يزداد الكوكب الأرضي بُعْداً عن نجمه، فالجسم الذي يدور حَوْل جسم آخر أكبر منه كتلة، ضِمْن فضاء أقل انحناءً، يجب أن تتضاءل سرعة دورانه، وأن يبتعد بمداره عن هذا الجسم المركزي. ويكفي أن تقل سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس حتى تتضاءل كتلتها. ويكفي أن تتضاءل كتلة الأرض حتى يقل انحناء الفضاء حَوْل الكوكب الأرضي. ويكفي أن يقل هذا الانحناء حتى يدور القمر حَوْل الأرض في مدار أبعد، أي في مدار أقل انحناءً. إنَّ الأرض تبتعد عن الشمس، وإنَّ القمر يبتعد عن الأرض.



أمَّا لو تخيَّلنا أنَّ الفضاء حَوْل الشمس قد اشتدَّ انحناءً، فلا بدَّ، عندئذٍ، من أن يتسارع دوران كوكب الأرض حَوْل الشمس، ويتضاءل بُعْد مدارها عن الكتلة الشمسية؛ ولسوف يترتَّب على هذا التسارع تزايد كتلة الأرض، وتقلًّص حجمها الكروي، وتباطؤ سير الزمن فيها.



الجاذبية، بظواهرها كافة، إنَّما هي جزء من الواقع الكوني الموضوعي، فنيوتن وآينشتاين لا يختلفان في أمْر وجودها. لقد خالف الثاني الأوَّل في أمْر "تفسير" الجاذبية وظواهرها، التي نَعْرِف بعضاً منها، فالجاذبية، مع ظواهرها، إنَّما هي "خاصِّية" لـ "المكان"، في مفهومه الواسع، فحيث ينحني المكان (والفضاء) نرى الجاذبية بكل مظاهرها التي نَعْرِف. ما نسمِّيه "جاذبية (أو "قوَّة الجاذبية")" إنَّما هو "نتيجة" لـ "انحناء (تقوُّس) الفضاء". "الجاذبية الأشد" إنَّما هي "الفضاء الأشد انحناءً" حَوْلَ (على مقربة من) جسم (كوني) عظيم الكتلة. والمسار المنحني لجسم ما إنَّما يَعْكِس انحناء الفضاء الذي يسير فيه.



آينشتاين لم يَجِدَ شيئاً من المنطق في تفسير ظواهر الجاذبية على أنَّها "قوَّة" صادِرة عن جسم (أو مادة لها كتلة) يَقَع بعيداً (في الفضاء) عن "الجسم المتأثِّر"، فممارَسة التأثير "عن بُعْد"، لا يُمْكِن قبوله على أنَّه جزء من مفهوم "القوَّة" Force.



وهذا إنَّما يعني أنَّ "المادة ذات الكتلة" عاجزة، أو قاصرة، ذاتياً عن ممارَسة تأثير عن بُعْد، كعجزها، أو قصورها، الذاتي عن تغيير حركتها (في المكان) بأوجهها كافة.



إنَّ تركُّز "المادة ذات الكتلة" في حيِّزٍ ما (في الكون) يُنْتِج، حتماً، تغييراً في هيئة وخواص "المكان"، "فيها"، و"حَوْلَها". وجوهر هذا التغيير إنَّما هو "الانحناء".. "انحناء المكان". وهذا الانحناء يقوى ويشتد مع كل ارتفاع لمنسوب الطاقة (= المادة عديمة الكتلة) في داخل "المادة ذات الكتلة"، فزيادة طاقة الجسم تُتَرْجَم بزيادة كتلته.



الجسم الكوني (النجم مثلاً) إنَّما هو "المكان في أبعاده الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع). و"انحناء المكان" في هذا الجسم إنَّما يعني أن يتغيَّر (الجسم) في شكله (الهندسي) وحجمه، فاشتداد انحنائه يُنْتِج ظاهرة "الشكل الكروي (للجسم) وتقلُّص حجمه (مع زيادة كثافته)". وينبغي لنا أن نتذكَّر أنَّ "المستقيم" من تلك الأبعاد المكانية الثلاثة هو الضحية الأولى لانحناء المكان. "الجاذبية (في داخل الجسم)"، وبوصفها "انحناء للمكان"، وليس بوصفها "قوَّة"، هي التي تتسبَّب في "كروية" الجسم، وفي انكماشه وتقلُّصه. و"الانحناء" يشمل "المكان"، أو "الفضاء"، حَوْل هذا الجسم الكوني.



إذا سار جسم في فضاء منحنٍ، أي ضِمْن المحيط الفضائي لجسم أعظم منه كتلة، وإذا لم يكن هذا الجسم عرضة لتأثير "قوَّة خارجية ما"، فإنَّ كل تغيير يطرأ على حركته يُمْكِن ويجب تفسيره على أنَّه مُنْتَج لـ "انحناء" هذا الفضاء، ولِتَغيُّر خواصه الهندسية وِفْق هذا الانحناء، فمساره إنَّما يَعْكِس الهيئة والخواص الهندسية للفضاء الذي يسير فيه.



والضوء الذي يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره (في جوار الشمس مثلاً) ثمَّ يستأنف سيره في مسار فضائي مستقيم ليس هو الذي يُنْتِج هذا التغيير في مساره. مساره كان مستقيما فسار بالتالي في خطٍّ مستقيم، ثمَّ انحنى مساره، فسار بالتالي في خطٍّ منحنٍ، ثمَّ استقام مساره، فعاوَد بالتالي سيره في خطٍّ مستقيم.



وأنتَ يكفي أن ترى جسماً يسير في الفضاء في خطٍّ دائري، أي يدور، حتى تتأكَّد أنَّ في مَركز هذه الدائرة يقع جسم كوني عظيم الكتلة، فليس من دوران إذا لم يكن من وجود لهذا الجسم الكوني.



إنَّ الفضاء المنحني هو الذي يتسبَّب في ظواهر من قبيل: تسارُع أو تباطؤ جسم يسير فيه، انتفاء "الاستقامة" في خطِّ سيره، تفاوت الانحناء في خطِّ سيره، دورانه قريباً من جسم كوني عظيم الكتلة، أو بعيداً عنه، سقوطه إلى سطح هذا الجسم، عجزه عن الإفلات من المحيط الفضائي لهذا الجسم، .. إلخ.



نظرية "النسبية العامَّة" ركَّبها آينشتاين من "قانون القصور الذاتي" و"استحالة وجود جسمٍ يمارِس تأثيراً (يسمَّى عند نيوتن "قوَّة" الجاذبية) عن بُعْد". نَظَرَ آينشتاين إلى حركة الأجرام، فحار في تفسير الظواهر الحركية الآتية: هذا جرم يتسارع، أي يزداد سرعة، وذاك جرم يتباطأ، أي يقل سرعة، وذلك جرم خرج عن "الاستقامة" في خطِّ سيره، فدار مثلاً حَوْل جسم أعظم من كتلة.



بحسب "قانون القصور الذاتي"، ليس ممكناً أنْ نَنْسِب تلك الظواهر إلى قوى في ذات الجرم. وإذا كان "التأثير (الذي يمارِسه جسم ما) عن بُعْد" مستحيل الوجود، وإذا كان لا بدَّ من وجود "قوَّة خارجية" تُحرِّر هذا الجرم من قصوره الذاتي كما تُحَرِّر يدكَ كرةً تقف على سطح طاولة من قصورها الذاتي فتجعلها تسير، فأين تكمن هذه القوَّة (التي ليست بـ "قوَّة")؟ إنَّها تكمن في الفضاء ذاته الذي يسير فيه الجرم، والذي "شكِّلته" كتلة كبيرة.



"الفضاء"، في موضع ما، هو كـ "العجين" الذي "تُشَكِّله" كتلة جسم ما تتوسَّطه، فـ "الكتلة" هي "سبب" خواصُّه وهيئته الهندسية؛ أمَّا هو فهو "سبب" الخواص الحركية للأجسام. والفضاء ليس "مسطَّحاً" حتى تسير فيه الأجسام (والضوء) في "خطوط مستقيمة"، كتلك التي نرسمها على ورقة. إنَّ توزيع الكتلة والطاقة في الكون يمنع الفضاء من أن يكون مسطَّحاً.



"المادة التي لها كتلة" تُفْهَم، فيزيائياً، على أنَّها جسم، أو جسيم، في حالٍ من "القصور الذاتي"، أي لا يَمْلِكُ في ذاته، أو في داخله، من القوى ما يسمح له بتغيير حركته (في المكان) بأوجهها وأبعادها كافَّة، فلو أنَّ جسماً يسير في الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم، فإنَّه لا يَمْلِكُ في ذاته من القوى ما يُمكِّنه من أن يزيد سرعته (مثلاً) أو أن يحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيره الفضائي، فلا بدَّ من "قوَّة" في خارجه تؤثِّر فيه على هذا النحو أو ذاك، أي تَجْعله يتسارع، أو يحيد عن "الاستقامة" في خطِّ سيره.



ولكنَّ هذا القول الفيزيائي لا يصحُّ إذا ما فَهِمْناه فَهْماً منافٍ لـ "الحقيقية الدياليكتيكية"، فـ "المادة التي لها كتلة"، كالنجم أو الإلكترون..، لا يُمْكنها أن تَظْهَر إلى حيِّز الوجود إلاَّ جنباً إلى جنب مع "فضاء" مُنْحَنٍ حَوْلها، مهما كان انحناؤه كبيراً أو صغيراً.



وهذا إنَّما يعني أنَّ "القصور الذاتي" للجسم يُنْتِج دائماً وحتماً (في الفضاء المحيط به) ما يضادُّهُ، فـ "انحناء الفضاء" حَوْل كل مادة ذات كتلة يمكن ويجب فهمه على أنَّه "قوَّة مضادة" لـ "القصور الذاتي" للجسم، والذي يبدي ويُظْهِر "مقاوَمة" ما أن يُكْرَه هذا الجسم على أن يحيد عن الحركة المستقيمة.



إنَّ الشمس، مثلاً، ومُذْ ظهرت إلى حيِّز الوجود، لا يُمْكِن تصوُّرها على أنَّها جسم (كوني) يسير (أو كان يسير، أو كان ممكناً أن يسير) بسرعة ثابتة منتظَمة وفي خطٍّ مستقيم.



والجسم، ولو سار في الفضاء (إلى الأبد) بسرعة ثابتة منتظَمة فإنَّه لن يكون في حالٍ يتأكَّد ويَظْهَر فيها "قصوره الذاتي" إذا ما دار حَوْل محوره، أو حَوْل جسم كوني آخر أعظم منه كتلةً.



إنَّ "المادة التي لها كتلة (صغيرة كانت أم كبيرة)" تشبه، لجهة علاقتها بـ "الفضاء المحيط بها" كرةً مستقرَّة في قاع حُفْرة فضائية (= حُفْرة حَفَرتها تلك الكرة في الفضاء المحيط بها) تنتقل معها كانتقال الظلِّ مع جسمه.



في الكون ليس من "مادة لها كتلة"، جسماً كانت أم جسيماً، لا يحيط بها فضاء، ولا ينحني، بالتالي، حَوْلها. الشمس حَوْلها فضاء، وينحني، بالتالي، حَوْلها، ونواة الذرَّة حَوْلها فضاء، وينحني، بالتالي، حَوْلها. وليس من جسم أو جسيم (من المادة التي لها كتلة) يُخالِف في وجوده مبدأ الوجود هذا.



ونحن يكفي أن نفهم أوجه العلاقة المتبادلة بين "المادة التي لها كتلة" و"الفضاء المحيط بها" على هذا النحو حتى يَظْهَر لنا، ويتأكَّد، أنَّ "القصور الذاتي" في اتِّحاد لا انفصام فيه بينه وبين نقيضه، وأنَّ هذا الاتِّحاد يخالطه صراعٌ دائم بين الطرفين، توصُّلاً إلى ترجيح كفَّة أحدهما على كفَّة الآخر.



الفضاء ينحني حَوْل كتلة نجم مثلاً؛ ولكنَّ هذا الانحناء لا يَظْهَر، ولا ينمو إذا ما نما، إلاَّ في صراع يخوضه ضد كل القوى والعوامل المضادة له، وعندما يُحْرِزُ الغَلَبَة في هذا الصراع.



والفضاء الذي يقلُّ انحناءً، أو يزداد استواءً، إنَّما يَظْهَر في صراع يخوضه ضد كل القوى والعوامل المضادة له، وبَعْدَ، وبفضل، إحرازه الغَلَبَة في هذا الصراع.



لو جاء مارِد، وانتزع الشمس من مكانها، وذهب بها إلى حيِّز فضائي مستوٍ، ثمَّ دفعها بيده في اتِّجاه أُفقي، فهل نرى الشمس، عندئذٍ، تسير في هذا الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم، إلى الأبد؟ كلاَّ، لن نرى ذلك، فكتلة الشمس لا بدَّ لها من أن تَحْفِر لها حُفْرة في هذا الفضاء (المستوي أو الذي كان مستوياً). ولا بَّد لحركتها، من ثمَّ، من أن تتأثَّر بما أحْدَثَتْه كتلتها من تغيير في الخواص الهندسية للفضاء المحيط بها. وعليه، لن تظلَّ الشمس في حالٍ من "القصور الذاتي".



الفضاء الأشد انحناءً وتقوُّساً إنَّما هو الفضاء الداخلي لجسم كوني يُدْعى "الثقب الأسود" Black Hole. ويُمْكِنكَ أن تتخيَّل هذا الفضاء مُمْتَدَّاً بين "مَركَز" هذا الجسم الكوني الكروي المُظْلِم وبين سطحه، أو محيطه.



و"الثقب الأسود" ينشأ، أو يظهر إلى حيِّز الوجود، عندما تُضْغَط "كتلة معيَّنة، ليتضاءل حجمها إلى حدٍّ معيَّن"، فكتلة الشمس، مثلاً، هي أقل من أن تكفي لتحوُّل هذا النجم إلى "ثقب أسود". ولكن، دعونا نفترض أنَّها تكفي. في هذه الحال، لن تتحوَّل الشمس إلى "ثقب أسود" إلاَّ إذا ضُغِطَت في حجم، على هيئة كرة، نصف قطرها يجب ألاَّ يزيد عن 3 كيلومتر.



مَرْكَز Singularity "الثقب الأسود" إنَّما هو الموضع الذي فيه تتركَّز كتلة الجسم الكوني الذي تحوَّل إلى "ثقب أسود". وسطح "الثقب الأسود"، أو محيطه، أو حده الخارجي، هو الذي يسمَّى "أُفْق الحَدَث" Event Horizon. والفضاء الذي بين "المركز" و"أُفْق الحَدَث" إنَّما هو الفضاء الأشد انحناءً أو تقوُّساً.



إذا مادة في خارج "الثقب الأسود"، لها كتلة، أو ليس لها كتلة، اجتازت "أُفْق الحَدَث" متَّجِهةً إلى مركز "الثقب الأسود" فإنَّها لن تتمكَّن أبداً من مغادرة هذا الجسم الكوني؛ وليس من مادة يُمْكِنها مغادرته إلى الفضاء الخارجي؛ لأنْ ليس من مادة يُمْكِنها السير بسرعة تفوق سرعة الضوء. إنَّ كل مادة تسير بأقل من سرعة الضوء، أو بسرعة الضوء، لن تتمكَّن أبداً من مغادرة "الثقب الأسود" إلى فضائه الخارجي، على ما يقول ويَعْتَقِد علماء "الثقب الأسود".



والفضاء ينحني أيضاً حَوْل "الثقب الأسود"، أي في جوار "أُفْق الحَدَث". وهذا الانحناء الفضائي، على شدَّته، يظل دون شدَّة انحناء الفضاء في داخل "الثقب الأسود"، أي الفضاء المُمْتَد بين مركزه ومحيطه.



تخيَّل الآن أن ضوءاً في داخِل "الثقب الأسود" يحاوِل الهروب منه إلى الفضاء الخارجي، أي إلى الكون. نحن نَعْلَم أنَّ الضوء يسير في الفضاء بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. وهذه السرعة إنَّما هي السرعة القصوى في الكون.



لو كان في مقدوركَ أن ترى هذا الضوء وهو يجاهِد في سبيل الهروب لرأيْته يسير صعوداً نحو "أُفْق الحَدَث" بسرعة تقلُّ عن 300 ألف كيلومتر في الثانية، فهذا الضوء (أو جسيماته المسمَّاة "فوتونات") يَسْتَنْفِد مخزونه من الطاقة في صراعه المرير (من أجل المغادَرة) ضدَّ جاذبية "الثقب الأسود"، أي ضدَّ هذا الانحناء الشديد لفضائه الداخلي. وهذا المفقود من طاقة "الفوتونات" إنَّما يذهب إلى هذا الفضاء شديد الانحناء.



ولسوف ترى هذا الضوء يسير صعوداً في مسارٍ (فضائي) شديد الانحناء، ثمَّ هبوطاً في مسارٍ فضائي شديد الانحناء. إنَّه، أي الضوء، سيُكْرَه على العودة إلى النقطة التي انطلق منها قبل أن يتمكَّن من اجتياز "أُفْق الحَدَث" إلى الفضاء الخارجي.



الضوء هذا، وعلى عِظَم سرعته، إنَّما يشبه (لجهة النتيجة النهائية لمحاولته الفرار) أن تمسكَ بيدكَ حجراً، وتَقْذِفه في الهواء إلى أعلى، فما أن يصعد قليلاً حتى يسقط إلى سطح الأرض، مُظْهِراً، بالتالي، عجزاً (سببه سرعته غير الكافية) عن مغادرة كوكب الأرض إلى "الفضاء الخارجي".



لو قارنَّا بين نجم وبين "ثقب أسود"، متساويان في "الكتلة"، لوَجَدْنا أنَّ جاذبية "الثقب الأسود" عند سطحه تفوق جاذبية النجم عند سطحه. وهذا الفَرْق في الجاذبية إنَّما هو ذاته الفَرْق في مقدار انحناء الفضاء حَوْل الجسمين، فالفضاء المحيط بـ "الثقب الأسود"، أي الأقرب إلى "الثقب الأسود"، أشد انحناءً من الفضاء المحيط بالنجم، على الرغم من تساويهما في "الكتلة". وتعليل ذلك هو أنَّ نصف قطر "الثقب الأسود" يقلُّ كثيراً عن نصف قطر النجم.



و"الثقب الأسود" يشبه "كأساً"، مهما سَكَبْتَ فيه من الماء لن يمتلأ أبداً؛ لأنَّكَ كلَّما سَكَبْتَ فيه مزيداً من الماء توسَّع حجمه، أي استطال نصف قطره. وهذا إنَّما يعني أنَّ "كتلته" و"حجمه" يمكن أن يزدادا إلى اللانهاية.



لو أُتيح لـ "ثقب أسود" صغير الحجم (أي ضئيل نصف القطر) أن يلتهم كل مادة الكون (عَبْر اجتيازها حده الخارجي نحو مركزه) لأصبح الكون كله على هيئة "ثقل أسود"، فـ "الثقب الأسود" يظل محتفظاً بماهيته وخواصه مهما أضَفْتَ إليه من مادة. إذا تغيَّر "الثقب الأسود" فإنَّما يتغيَّر في أحد اتِّجاهين: أن "يتبخَّر"، أو أن ينمو في "كتلته"، وفي "نصف قطره" بالتالي.



هل كوننا "ثقب أسود"؟ لإجابة هذا السؤال، بـ "نعم"، أو بـ "لا"، لا بدَّ، أوَّلاً، من حساب "كتلة الكون"؛ ولا بدَّ، من ثمَّ، من معرفة "نصف القطر الكوني" الذي ينبغي لـ "كتلة الكون هذه" أن تملكه حتى يغدو كوننا على هيئة "ثقب أسود".



حتى يكون كوننا كذلك يجب (على ما يقولون) أن يكون نصف قطره (Schwarzschild radius) لا يزيد عن 10000 مليون سنة ضوئية، أو عن 100000 مليون سنة ضوئية. وإنَّ حجم كوننا هو كذلك، على ما يقولون؛ وعليه نحن نعيش في داخل "ثقب أسود"، على ما يقولون.



في الفضاء الذي كُنَّا نَنْظُر إليه من قبل على أنَّه "فضاء فارِغ أو خالٍ" Empty Space يَظْهَر، في زمن متناهٍ في الضآلة، وتتعطَّل فيه عن العمل، بالتالي، "حاسَّة" قانون "حِفْظ المادة"، زوج من الجسيمات (جسيم وجسيم مضاد).



ما أنْ يَظْهر هذا الزوج من الجسيمات الشبحية (أو الظلالية) حتى ينفصل كلاهما عن الآخر؛ وما أنْ ينفصلا حتى يعود كلاهما إلى الاتِّحاد مع الآخر؛ وما أنْ يتَّحِدا حتى يختفيا.



وعليه، لا يتمكَّن قانون "حِفْظ المادة" من تسجيل أي "خَرْقٍ" له على شكل زيادة في مقدار مادة الكون. لقد حَدَث "خَرْق"، وحَدَثَت زيادة في طاقة ـ كتلة الكون، ولكن من أن غير أن يحس بذلك قانون "حِفْظ المادة".



أمَّا في الفضاء المجاوِر لـ "الثقب الأسود" فنرى الظاهرة الآتية: ما أنْ ينفصل كلا الجسيمين عن الآخر حتى يَسْقُط أحدهما في عُمْق "الثقب الأسود". وبسبب سقوطه في عُمْق هذا "الجسم" شديد الجاذبية (أي شديد الانحناء في فضائه الداخلي) يتحرَّر منه، أي من "الثقب الأسود"، مقدارٌ من الطاقة.



هذا المقدار المتحرِّر من طاقة "الثقب الأسود" يذهب إلى الجسيم الآخر، فيتحوَّل إلى "جسيم حقيقي (فعلي)"، أي يبقى على قَيْد الحياة. لقد فَقَدَ "الثقب الأسود"، من خلال ذلك، جزءاً من طاقته (أو من كتلته). لقد تبخَّر جزء منه، أو من مادته.



الجسيم الذي سَقَطَ في عُمْقِه وامتصه لا يُضيف إليه شيئاً من الطاقة (أو الكتلة) لأنَّه لا يملك منها شيئاً. "الثقب الأسود" يَخْسَر فحسب. وهو يَخْسَر بسبب جاذبته القوية، فذاك الجسيم الساقِط فيه ما كان له أنْ يَسْقُط فيه، وأنْ يتسبَّب، من ثمَّ، بِفَقْد "الثقب الأسود" لمقدار من طاقته لو كان "الثقب الأسود" لا يملك هذه الجاذبية القوية. هذا المفقود من طاقة "الثقب الأسود" انتقل إلى الفضاء الخارجي.. إلى الجسيم الآخر، فتحوَّل بفضله إلى جسيم حقيقي. وعليه، لَمْ يَزِدْ مقدار مادة الكون.



إنَّ "الجسيم الشبحي الساقِط" هو الذي "أَرْغَم" هذا "الثقب الأسود" على أنْ يُطْلِق (إلى الفضاء الخارجي، أي إلى "الجسيم الشبحي الآخر") هذا المقدار من "طاقته"، والذي بفضله "تدب الحياة" في "الجسيم المُنْتَظِر" في خارج حدود "الثقب الأسود"، وكأنَّ الجسيم الأوَّل قد ذهب ليجيء إلى الجسيم الثاني بما يؤسِّس له وجوداً فعلياً حقيقياً؛ وكأنَّ الجسيم الأوَّل هو "لصٌّ" لجهة علاقته بـ "الثقب الأسود".



"النتيجة النهائية" التي تَظْهَر بَعْد زمن طويل جدَّاً (بَعْد مئات الملايين من السنين) هي "تَبَخُّر"، أو "زوال"، هذا الجسم الكوني المسمَّى "الثقب الأسود"، فما معنى هذه الظاهرة؟ لقد عَرَفْنا كيف تتلاشى كتلة "الثقب الأسود" وطاقته. إنَّ أحد "الجسيمين الشبحيين" اللذين ظهرا في الفضاء المجاوِر لـ "الثقب الأسود" قد سَقَطَ في عُمْق هذا الجسم الكوني؛ أمَّا العاقبة الحتمية" لسقوطه فهي أنَّ مقداراً من طاقته، أي من طاقة "الثقب الأسود"، "يتبخَّر" منه لـ "يتجمَّد" في داخِل الجسيم الشبحي الآخر الذي ظلَّ "منتظِراً" في خارج "الثقب الأسود".



بفضل هذا المقدار من الطاقة تحوَّل هذا الجسيم الشبحي ("المنتظِر" في الخارج) إلى جسيم حقيقي. إنَّ مقداراً من طاقة، أو كتلة، "الثقب الأسود" قد انتقل في هذه الطريقة إلى الكون.



ولكن، ما هو سبب سقوط أحد الجسيمين الشبحيين في عُمْق "الثقب الأسود"؟ هذا "السقوط" إنَّما هو ما يسبِّب نفاد وتلاشي كتلة "الثقب الأسود" وطاقته، أي زواله في آخر المطاف. على أنَّ هذا "السقوط" ما كان له أن يَحْدُث لولا الجاذبية الهائلة لـ "الثقب الأسود"، أي لولا هذا الانحناء الشديد لفضائه الداخلي، وللفضاء المحيط به.



هنا نرى الدياليكتيك مفتاحاً لفهم وتفسير هذه الظاهرة، فالفضاء لا ينحني، ويشتد وينمو انحناءً، إلاَّ ليؤسِّس للفضاء المستوي، فكلَّما انحنى الفضاء أكثر اشتدت صعوبة انحنائه، وتهيَّأت الأسباب المؤدِّية حتماً إلى زوال هذا الانحناء، أي تحوُّله إلى نقيضه، وهو "الفضاء المستوي".



كتلة "الثقب الأسود"، التي تشغل حيِّزاً متناهياً في الصِغَر والضآلة، هي التي أنْتَجَت هذا الفضاء الشديد الانحناء. وهذا الذي أنْتَجته، وزادت إنتاجه، لا يَنْزِل عليها برداً وسلاماً، فهو، بإسقاطه مزيداً من "الجسيمات الشبحية" في عُمْق "الثقب الأسود"، تسبَّب، أخيراً، في "تبخُّر" تلك الكتلة.



ويكفي أن "تتبخَّر" كتلة "الثقب الأسود" حتى يتحوَّل "الانحناء" في الفضاء المحيط بها إلى نقيضه وهو "الاستواء".



إنَّ الشيء، أي شيء، لا يُمْكنه أبداً أن ينمو ويتطوَّر في اتِّجاه معيَّن من غير أن يُهيِّئ ما يكفي من قوى وأسباب وعوامل زواله، أي تحوُّله إلى نقيضه.



إذا انحنى الفضاء فهذا إنَّما يعني أنَّ هذا الانحناء (مع قواه) قد صارع "قوى مضادة"، في داخل، وفي خارج، هذا الفضاء، حتى تغلَّب عليها. وإذا استوى الفضاء فهذا إنَّما يعني أنَّ هذا الاستواء (مع قواه) قد صارع "قوى مضادة"، في داخل، وفي خارج، هذا الفضاء، حتى تغلَّب عليها.



والتغلُّب على قوَّة ما لا يعني زوالها، وإنَّما اشتداد صعوبة التغلُّب عليها في الجولة التالية من الصراع. وتغلُّب قوَّة على قوَّة إنَّما يعني أنَّ "القوَّتين المتضادتين المتصارعتين دائماً" متَّحِدتان (في المكان والزمان) اتِّحاداً لا انفصام فيه، فوجود إحداهما في مكان ما، وفي زمان ما، يَسْتَلْزِم وجود الأخرى في المكان ذاته، وفي الزمان ذاته؛ وزوال إحداهما يَسْتَلْزِم زوال الأخرى.



الفضاء المنحني إنَّما هو الفضاء الذي ينطوي حتماً على قوى مضادة لانحنائه، أي على قوى تصارِع من أجل جَعْلِه مستوياً. وهذا الفضاء يكفي أن ينمو انحناءً حتى تنمو تلك القوى المضادة، وتتهيَّأ أكثر أسباب وعوامل تحوُّل هذا الانحناء إلى استواء. وهذا الذي قُلْنا في الفضاء المنحني يصحُّ أيضاً في الفضاء المستوي.



سيْر الجسم في فضاء منحنٍ هو ما يُنْتِج ظاهرة انحناء مساره، أو خطَّ سيره. ويكفي أن يسير الجسم في فضاء منحنٍ (أي في فضاء تسبَّبت في انحنائه كتلة كونية ضخمة ككتلة نجم) حتى يصبح هذا الفضاء هو المسؤول عن كل تغيير يطرأ على حركة هذا الجسم.



في مثال دوران الأرض حول الشمس، رأيْنا كيف تتأثَّر سرعة الأرض (وكتلتها بالتالي) بالخواص الهندسية لمدارها (البيضوي الشكل). رأيْنا كوكب الأرض يزداد سرعة (وكتلة بالتالي) عند اقترابه بمداره من كتلة الشمس، فما معنى هذه الظاهرة؟ معناها أنَّ كوكب الأرض ما أن يقترب بمداره من كتلة الشمس حتى تزداد طاقته الحركية، فمن أين جاءته هذه الزيادة؟ إنَّها ليست من إنتاجه الذاتي؛ كما أنَّها لم تأتِهِ من الشمس ذاتها. لقد استمدَّها من انحناء الفضاء الذي يسير فيه، وكأنَّ "الانحناء" في الفضاء يُحَوِّله، أي يُحَوِّل هذا الفضاء، إلى ما يشبه "بطارية"، تَشْحَنُ هذا الجسم، عند اقترابه بمداره من كتلة الشمس، بكمِّيَّة معيَّنة من "الطاقة الحركية"، فيزداد، بالتالي، سرعةً (في دورانه) وكتلةً. وهذا إنَّما يعني أنَّ "مَصْدَراً للطاقة الحركية" يكمن في "الفضاء المنحني".



أمَّا عندما يبتعد كوكب الأرض بمداره عن كتلة الشمس فإنَّ الفضاء المنحني الذي يسير فيه هذا الكوكب يَنْتَزِع منه كمِّيَّة معيَّنة من مخزونه من الطاقة الحركية، فيقلُّ سرعة وكتلةً بالتالي. وهذا إنَّما يعني أنَّ كوكب الأرض المبتعِد بمداره عن كتلة الشمس يتحوَّل إلى ما يشبه "بطارية" تَشْحَنُ الفضاء المنحني الذي تسير فيه الأرض بكمِّيَّة معيَّنة من الطاقة.



ظاهرة مشابهة نراها عندما ينطلق جسم من نجم مثلاً نحو الفضاء الخارجي. هذا الجسم المنطلق إنَّما يسير، صعوداً، في خطٍّ فضائي منحنٍ. ولكنَّ هذا الجسم لا يُمْكِنه أن يسير صعوداً في هذا الفضاء المنحني (حَوْل هذا النجم) وأن يستمر في صعوده من غير أن يَسْتَنْفِد (يَسْتَهْلِك) مقداراً معيَّناً من مخزونه من "الطاقة الحركية". وهذا المقدار إنَّما يكتسبه، حتماً، الفضاء المنحني الذي يسير فيه هذا الجسم صعوداً. إذا ما اسْتُنْفِد هذا المخزون قبل بلوغ الجسم نقطة الارتفاع التي بتخطِّيه لها يأمن شرَّ السقوط إلى سطح النجم فإنَّه، وبعد توقُّفٍ لحظي، يشرع يسقط (في خطٍّ فضائي منحنٍ) إلى سطح النجم الذي منه انطلق. هذا الجسم يسقط متسارِعاً في حركة سقوطه، وكأنَّه كرةً كانت تقف على سطح طاولة فظهرت، بغتةً، حيث تقف حُفرة، فشرعت تسقط فيها، أي تهبط من أعلى أسفل، بسرعة متزايدة. لقد استمدَّ الجسم الساقط كمِّيَّة معيَّنة من الطاقة الحركية من هذا "المنحَدَر الفضائي". في صعوده ضِمْن فضاء منحنٍ، يتضاءل الجسم كتلةً، وفي سقوطه، يزداد كتلةً. المنقوص من كتلته إنَّما يذهب إلى الفضاء المنحني، والزيادة في كتلته إنَّما تأتيه من هذا الفضاء.



كلَّما اشتد انحناء الفضاء الذي يسير فيه الجسم صعوداً زاد مقدار الطاقة الحركية التي يأخذها هذا الفضاء من الجسم؛ وكلَّما اشتد انحناء الفضاء الذي يسير فيه الجسم هبوطاً زاد مقدار الطاقة الحركية التي يعطيها هذا الفضاء للجسم. والدائرة ذات المحيط الأصغر (أو نصف القطر الأصغر) هي الخط الأكثر انحناءً. والفضاء الأقرب إلى كتلة النجم، مثلاً، هو الفضاء الأشد انحناء؛ وكلَّما ابتعدنا عن كتلة النجم قلَّ الفضاء المحيط بها انحناءً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعصُّب جديد قد ينفجر حروباً مدمِّرة!
- الموقع الإلكتروني للجريدة اليومية
- التلويح ب -كوسوفو-!
- مفاوضات أم جعجعة بلا طحين؟!
- مرض يدعى -المظهرية-!
- وَقْفَة تستحق الإشادة والتقدير!
- اغتيال مغنية.. ما ظَهَر منه وما استتر!
- -نار الغلاء- فاكهة الشتاء!
- -المواطَنة- في -الوطن العربي-!
- -حرية العقيدة- بين تركيا وبريطانيا ومصر!
- بوتين يرى العالم بعين لا يغشاها وهم!
- مع الحكيم
- إعادة فتح وتشغيل معبر رفح هي التحدِّي الأول!
- الحركة والسكون في الكون
- حتى لا يأتي هدم -الجدار- بما تشتهي إسرائيل!
- طريقان متوازيتان يجب أن تلتقيا
- بوش: للاجئ الفلسطيني الحق في التعويض عن حقِّه في العودة!
- رئيس بونابرتي أم لحود ثانٍ؟!
- -بقرة بوش- لن يَحْلبها غير إسرائيل!
- -الحُجَّاج- مشكلة تُحل بتعاون الفلسطينيين ومصر


المزيد.....




- الأردن يحذر من -مجزرة- في رفح وسط ترقب لهجوم إسرائيلي محتمل ...
- روسيا.. النيران تلتهم عشرات المنازل في ضواحي إيركوتسك (فيديو ...
- الرئيس الصيني في باريس لمناقشة -التجارة والأزمات في الشرق ال ...
- بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية رداً على تصريحات غربية وصفته ...
- المكسيك تحتفل بذكرى انتصارها على فرنسا عام 1862
- ماكرون يؤكد لشي أهمية وجود -قواعد عادلة للجميع- في التجارة
- المفوضية الأوروبية تسلم مشروع الحزمة الـ 14 من العقوبات ضد ر ...
- الإعلام العبري يتحدث عن -خطة مصرية- بشأن أراض فلسطينية وموقف ...
- المتحدث باسم القبائل العربية: مصر لن تتورط في -مهمة قذرة-
- أوكرانيا.. مهد النازية الجديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - مادية وجدلية العلاقة بين -الكتلة- و-الفضاء-