جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 11:03
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
مضى عام كامل على سكني في بيتي الجديد بيت الحوار المتمدن, فقد هجرت بيتي القديم الذي كنت أسكنه لوحدي بين خرابيش الثقافة والشللية والإنتهازية في قلب الصحف الأردنية .
وتعرفت في الحوار المتمدن خلال عام كامل على جنادر من نساء ورجال أوفياء للثقافة وغيورين عليها كما يغار الرجل الشرقي على حبيبته , وكما يغار المسافر على حقيبة سفره وكما تغار الطيور على أعشاشها , وكما يغار الحشاشون على ضحكاتهم البيضاء وأصواتهم العالية .
مضى عام أشعلت به أول شمعة لي في الحوار المتمدن , وكنت أداريها كما يقول المثل المصري (داري على شمعتك تئيد).
فعلا كنت أداريها من الريح العاتية , وكنت حين تشتد أشعة الشمس فوق رأسي , ألوذ بجسمي تحت صحيفة الحوار المتندر لأتخذ من صور وأقلام كتابها مظلة تحميني من الشمس الحارقة .
وجادلت الكتاب والكاتبات وإستمتعت بوقتي معهم جميعا وإختلفت مع غالبيتهم في الرأي , فكان خلافنا عبارة عن غربلة الماء بالغربال , وكان أحيانا يضيف لي مزيدا من الأفكار والآراء وإستفدت من النقاش مع بنات الحوار وشباب الحوار وكانت أمنا جميعا هي :صحيفة الحوار المتندر أو إن صح التعبير الحوار المتمدن .
وكانت أمنا وما زالت أما عظيمة في إبتسامتها لم تقسو بقلبها على أي واحد منا , كانت ترعانا وتتحمل خلافاتنا وأقول لكم الحق :
كان الأقباط في بيتي كما أخبرتكم وهو بيت الحوار المتمدن جميلون وحساسون للغاية وكان خوفهم من الآخر قد دفعهم للتقليل من حجم الأصدقاء غير أنهم إعتبروني صديقا وصاحبا ورومنسيا في بعض الأحيان , وكنت أجد معهم في مطبخ بيت الحوار المتمدن طرائق جديدة لطبخ الأفكار , أما خوفهم من الآخر فلا ألومهم به لأنهم تدربوا على ذلك من كثرة الإساءة لهم من الأغلبية القاهرة , وأتمنى لهم مزيدا من الصبر والسلوان وأتمنى أن يشفيهم ربهم من عقدة الإدمان على الخوف والقلق .
وفي الحقيقة تعود الأقباط المصريون على الخوف نتيجة نظرة الآخر لهم فهم ممنوعون من تجديد وترميم كنائسهم وممنوعون من التفكير بصوت عال أو هادىء وتكاد نظرات الغيظ لهم أن تفلجهم فلجا وتربوا وهم صغار على تجنب الآخرين لكثرة ما لقوا من متاعب معهم , وأنا لا ألومهم وإنما ألوم المجتمع وغالبيته الذي جعلهم يخافون من الآخر .
وسمعت في الحوار كثيرا وإقتربت منه كثيرا وعاشرت كافة الكتاب والمبدعين وليس كلهم بالتحديد بل غالبيتهم فكان كتاب المشرق العربي وشمال أفريقيا أكثر منا نحن الآسيويين تقبلا للآخر ويميلون للعلمانية أكثر منا نحن الآسيويون , ولم أجد كتابا يعتزون بهويتهم القديمة كما لمست ذلك في الأقباط المصريين فهم يتطلعون إلى : أمنحوتب , ونفرتيتي وإيزيس وحورص وإيزريس أكثر من تطلعهم لهويتهم المعاصرة وهذا ردة فعل لما يجري بحقهم من محاولة لطمسهم وإبادتهم فكريا .
فالهوية الأصلية للمصريين هي قبطية فمصر كانت فرعونية ثم دمجت بين وثنيتها ومسيحيتها وأصبجت قبطية ومن ثم عربها العرب بسبب دخول النظام الإسلامي السياسي والجغرافي لمصر وأصبجت عربية وأخذ عنها العرب بناء المساجد بمآذن نقلا عن منارة الإسكندرية .
وتجولت في بيتي الجديد فوجدت به سكان جدد وشعوب جديدة فعرفت الأكراد عن قرب كما عرفت الشيعة عن قرب أيضا وتحدثت مع لاجئين سياسيين في شرق أوروبا وغربها , ولأول مرة أحس كأنني مع أبناء جلجامش وأنكيدو وأشوربانيبال , وشالمنصر ...وحمورابي , وأحسست بصدري وهو يبرد ويثلج حين أتحدث مع أحد يعرف اصدقائي أمثال جلجامش وعشتار وإنانا .
عام كامل مضى على وجودي في الحوار المتندر وما زالت رائحة زهوره تبعث العبق في كل مكان أجلس به , ففي كل مكان جلست به صار لي به ذكريات وصار بيتي بيت الذكريات .
وبنات الحوار من ألطف الكائنات وأجملهن صورا , من الداخل والخارج , غالبيتهن ظلمتهن الأيديولوجيات وبعضهن مسحتهن الذكريات وأنا رجل جندر أكل الدهر على جسدي وشرب .
وكانت مسيرتي في عام كامل عبارة عن شحنات ممتلأة وأحيانا كنت أفرغ طاقتي كلها في كلمة واحدة وأحيانا كانت عشر مقالات لا تكفي جروحي , فكل الذين ضمدت جراهم ما إستطاعوا يوما أن يبردوا جرحا واحدا في جسدي وكنت أقول بيني وبين نفسي: غدا يأتي غودو.
تعلمت أشياء كثيرة في الحوار المتمدن وأحببت الجميع ولربما أنني أسأت بجرأتي لبعض الناس , غير أنني مازلت أعانق أخيلتهم وطيوفهم في الأحلام وفي شوارع إربد مدينتي , كما يعانق المسافر في الصحراء جدول الماء .
لم تغرن في الحوار تصدير إسمي أولا أو آخرا فهذا موضوع لم أعره ولن أعره إنتباهي فقط كان يكفيني أنني في كل يوم أجاور في بيتي شخصا جديدا , فمرة كنت مع هذا ومرة كنت بجانب هذا ومرة كنت تحت هذا الإسم ...إلخ فهؤلاء كانوا ضيوفي في منزلي منزل الحوار المتمدن وهؤلاء كانوا صحابتي , وسأجد يوما لهم تابعين وتابعين التابعين .
قصتي جميلة في الحوار المتندر , قصة فيها حرارة الصيف على خط الإستواء وبرودة الليل في سيبيريا وإعتدال المناخ بجانب زيتونة لا غربية ولا شرقية .
أحسست وأنا في الحوار حين أجد إسما يعلو إسمي أقول أنه قنديل يضيء فوق رأسي وهامتي .
وركبت الأمواج في الحوار وتزلجت على الثلج بين تركيا والعراق . وتنقلت في كل البيآت ونقلت من هنا وهناك أفكارا وتعلمت أفكارا جديدة .
دعوني هذا اليوم أبوح للكل بمعانتي الجميلة مع بعضكم البعض وبفرحي بكم كما يفرح الفلاحون يوم تسقط الأمطار على منازلهم الوفية وفدادينهم وأراضيهم الزراعية .
هذا اليوم أشعلت شمعة جديدة في حياتي وهذا اليوم ملأت كأسي الفارغة وشربت حتى ثملت وأكلت حتى شبعت ونمت حتى إسترحت , وإسترخيت بأعصابي لصوركم الجميلة والهادئة .
هذا اليوم ركضت حتى تعبت , وها هي قدمايا قد تعبت من طول السفر فمشيت على يدايا حتى وصلت إليكم , تعبت أقدامي ومشيت على يدي , ولمست قمصانكم وأثوابكم وفرحت بأقلامكم جميعا .
عام مضى وما زلت أسكن بيتي الجديد : حتى الرسائل التي كانت تأتيني كنت أفتحها فإذا وجدت مسبة بحقي سكت عنها ولم أجبها ولم أبعث برد فليس من عاداتي سب الناس وشتمهم , هكذا علمني أبي وربتني أمي , لا أسب من يسبني ولا ألعن دين من يلعن ديني , ولا أقطع لأحد لسانه ولم أقطع يد من يسرقني , كل الرسائل كانت تأتيني عبر بريدي كما يأتي ( الأضى المستعجل )وإني سامحتهم هذا اليوم لأنه يوم عيد ميلادي , فلن أجادلهم وهنا حفروا لي وهنا دفنت ما حفروه.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟