أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الزمن الجميل














المزيد.....

الزمن الجميل


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


تفاجئك دمشق.. الجميلة.. الغافية على كتف بردى.. بحميميتها.. مدينة لا يمكن لك أن تحس فيها بالغربة.. فهي قادرة على استيعاب كل عابر بها وساكن فيها.. تذيبه في حناياها وفي نسيجها الاجتماعي.. دفئها يجعلك تشعر وكأنك قد عدت إلى حضن عائلتك.. ورائحة ياسمينها وليمونها وبنفسجها ووردها وتوابلها تعشش في ذاكرتك.. كل ذلك بالرغم من تقسيم حاراتها الغريب والذي قد يتناقض مع عدم إحساسك بالغربة، فهناك حارة لكل قومية، فمثلاً، فيها حارات للأرمن، والمغاربة، والشركس، والأكراد، وكذلك حارات لكل طائفة فالعمارة للسنة، والأمين للشيعة، والقشلة لليهود، وباب توما للمسيحيين.

سكنت وعائلتي في حارة العمارة تمامًا على حدود حارة باب توما. وكما كان لكل حيٍّ مرشد روحي، كان الشيخ محمد المرشد الروحي لحي العمارة، وكان هو صاحب الكلمة العليا مع عقيدها المشهود له بالاستقامة والأمانة.

وكان في حارتنا أربعة بيوت مسيحية فقط، وكان حكم شيخها في القضايا الحياتية يسري أيضًا على هذه البيوت. وشيخنا كان رجلاً ورعًا ومستقيمًا، أمَّا من ناحية الشكل فكان قصير القامة ونحيفها. وكذلك كان أبونا حنا كاهن حارة باب توما مشهودًا له أيضًا بالورع والاستقامة. أما من ناحية الشكل فكان عكس شيخنا محمد فهو طويل وسمين، وكل منهما كان له وجه مورد كله سلام.

وقد جمع حب طاولة الزهر ما بين الشيخ والكاهن فكانا يلتقيان مساء كل خميس للعبها، حيث تبدأ بحماس يتزايد مع كل ضربة حجر. وكان جمهور كبير يشهد اللعبة وينقسم إلى فريقين، يشجع كل واحد منهما واحدًا من اللاعبين. ومع مرور الأيام، اتفقا على لعب المحبوسة مع حق الخاسر الأول بدورة أخرى، وفي حال التعادل لعب دورة ثالثة تكون الفاصلة، وتحدد الفائز لتلك الليلة.

وتحولت ليالي الخميس إلى ليالٍٍ ساخنة ما بين الشيخ والكاهن من جهة وبين جمهور الحارتين من جهة أخرى، فالكل مترقب، فقد تحولت هذه المباراة بين الإثنين إلى حرب طاحنة، لا تنتهي في ليلتها بل تنسحب آثارها على مدى الأيام الثلاثة التي تليها. فإن خسر الشيخ خصص ثلاثة أرباع خطبته في اليوم التالي، الجمعة، للحديث عن هؤلاء الكفار واحتفالاتهم الغريبة بأعيادهم وأنهاها بـ "اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا". أما إذا خسر الكاهن فتتحول ثلاثة أرباع خطبة قداس يوم الأحد إلى انتقاد المسلمين وأعمالهم لتنتهي بحثِّ أبناء الحارة على عدم الاختلاط بجيرانهم المسلمين.

ويأتي يوم الإثنين، وتبدأ النفوس بالهدوء، ويحاول ناس الاصطياد في الماء العكر، ويقومون بأخذ الشيخ على حدة وينتقدون الكاهن الذي لم يعد يستحي، فتثور ثائرة الشيخ قائلاً لهؤلاء: كيف تتجرءون على التفوه بما لا يجوز عن صديقي، وحين يجيبه الشخص قائلاً: "ولكنك أنت يا شيخي من تكلم عنه بالسوء بداية"، فيرد الشيخ قائلاً: "أنا الوحيد المسموح له بانتقاد الكاهن، وليكن في علمك وعلم الآخرين أن من سيتجرأ على فعل ذلك منكم سينال مني الجزاء الذي يستحقه".

أما في يوم الثلاثاء فقد كان الشيخ والكاهن يخصصانه للتباحث في شؤون الرعية، ولتبادل الآراء وللمساعدة في حل الأزمات والخلافات. وأما الأربعاء فكان يوم النُّزهة في الغوطة، حيث يقوم الشيخ والكاهن مع بعض الأصدقاء بإعداد لوازم السيران *، من تبولة ولحمة مشوية للجميع، وكاس عرق للكاهن فقط.

مضى أكثر من عشرون عامًا على صداقة الاثنين التي كانت حديث القاصي والداني، إلى أن كان يوم لم يظهر الكاهن في الحارة، وكان ذلك يوم الثلاثاء وهو يوم المباحثات. وحين حلَّ ظُهر ذلك اليوم ولم يظهر الكاهن، أرسل الشيخ محمد شابًّا من الحارة إلى باب توما للسؤال عن أبونا حنا، وجاء الخبر المشئوم إلى الشيخ فقد نام أبونا حنا ولم يستيقظ، ولما حاولوا إيقاظه تبين أنه قد توفي أثناء نومه.

عمَّ الحزن الحارتين، وأصيب الشيخ محمد بكآبة كبيرة، وعزف عن لعب الطاولة والذهاب إلى الغوطة، وغرق في حزن شديد. ثم لم يلبث أن توفي الشيخ محمد بعد شهر واحد على وفاة صديقه الكاهن حنا.



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شروق
- سوريالية
- المضحك المبكي
- الجنود الأطفال.. أدوات للقتل!
- قراءة في كتاب -طوق الحمامة- لابن حزم الاندلسي
- ناظم حكمت شاعر عظيم لأمة تنكرت له
- الاتجار بالبشر - أكبر مظاهر العبودية في العالم
- معذرة .. سيدتي هدى الشعراوي ..!
- ورقة عمل لمؤتمر الأقليات في العالم العربي، زوريخ، 24 إلى 26 ...
- خالتي أم بشار
- صوت العقل
- الاستبداد وثقافة القطيع
- المنطقة الرماديّة
- الضيف الجديد
- الصورة
- نساء لبنانيات
- لماذا لبنان؟
- كلنا في الهم نساء
- عبيد القرن الواحد والعشرين
- الإرهاب الفكري


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الزمن الجميل