أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الضيف الجديد














المزيد.....

الضيف الجديد


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 1679 - 2006 / 9 / 20 - 09:54
المحور: الادب والفن
    


وصل ... وانتشر الخبر بسرعة البرق. تراكض الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً في محاولة يائسة لرؤيته، وتزاحمت الاسئلة: كم حجمه، مربع أم مستطيل، كبير أم صغير، بني أم أسود اللون، أله أرجل أم عجلات، أله قاعدة ليوضع عليها أم خزانة ليوضع فيها، عجيب أمر هذا الجهاز، هل يشبه صندوق الدنيا أو أنه يقوم بمهام الحكواتي... والسؤال الأهم كيف يدخل الناس فيه عبر سلكه الموصول بالكهرباء .. الخ.

لقد تمكن جارنا أبو بشار من شرائه، طبعاً فهو تاجر وغني وإن لم يشتره هو فمن يستطع شراءه. أبو بشار دمشقي أصيل، متزوج وله خمس بنات وصبيان، طيب القلب ولكنه متزمت، ويصفونه بالشامي الـ "سربست"، ولذلك لم يسمح لبناته بإكمال تعليمهن، وكان رأيه "يكفيهن الابتدائية لفك الخط"، فالذهاب إلى المدرسة يومياً برأية قد يجلب المشاكل، حيث من الممكن أن يتعرفن على أحد الشبان، ونظرة فابتسامة فحب، لا، "لحد هون وبس!"، الأفضل له ولهن البقاء في المنزل "ويادار ما دخلك شر". وكان من الطبيعي أن لا يسمح لأي من الأصدقاء بزيارته، فقط السيدات وحدهن يمكن أن يدخلن حرمه. وبعد مجيء التلفزيون، كان كرم أبو بشار كبيراً بحيث سمح للسيدات بحضور الفيلم العربي الذي يعرض مساء كل يوم جمعة.

تجتمع سيدات الحارة ما بين عشرين إلى ثلاثين سيدة، ويصل عدد الأطفال أحياناً إلى خمسين ويفترشون كل الفراغات، المقاعد والكراسي والأرض. ولحضور الفيلم طقوس، إذ تقوم السيدات بإحضار بعض الأطباق من طيبات الطعام، إضافة إلى خمسة كيلو بزر، وشاي وسكر وقهوة. ولكي يكون الفيلم مقبولا من الجميع يجب أن يكون البطل وسيماً وأن يقوم بالغناء وأن ينتهي الفيلم نهاية سعيدة.

كان لأبي بشار كنبة خاصة به لا يجرؤ أي منا على الاقتراب منها أو الجلوس عليها، كما كان هو الوحيد المسموح له بتدخين الأركيلة.

وحدها خالتي أم بشار لم تصدق أن المذيع أو الممثل لا يمكن له رؤيتها، وبقيت إلى آخر أيام حياتها تضع غطاء رأسها لكي لا يراها أي من الرجال الذين يظهرون على الشاشة. وعبثاً ذهبت جهود الجميع إقناعها بعكس ذلك.

يبدأ الفيلم في الساعة الثامنة والنصف، ولا يلبث أن يقطع في التاسعة لتقديم نشرة الأخبار، التي تطول لتضمنها عرض إعادة لخطاب الرئيس فيتمكن بعض السيدات من حفظ مقاطع كاملة منه لكثرة ما عرض. أما نحن الأطفال فكنا ننام ونصحو سائلين إن كانت نشرة الأخبار قد انتهت. وبعد ساعة أو ساعة ونصف تنتهي النشرة ونعود لمتابعة عرض الفيلم الذي ينتهي بدوره حوالي منتصل الليل.

جارنا أبو محمود انسان فقير، متزوج، وليس لديه أطفال، لكنه على موعد يومي لعَركَةٍ مع زوجته. وزادت الأمور سوءاً بعد أن جاء التلفزيون إلى حارتنا، إذ دبت الغيرة في قلب أم محمود، وحلفت بعد عركة كبيرة أن لا تعود لأبي محمود إلا بعد أن يشتري لها تلفزيون، وهذا ما زاد جنونه وحقده على كل من باستطاعته شراءه. وكان ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر، ليصب جام غضبه على من اخترع هذا الجهاز وعلى الأفلام العربية وعلى الممثلين، إنه الموشح الذي لا أول ولا آخر.

بقي أبو محمود على هذا الحال ما يقارب السنة، وازداد غضبه بعد أن اشترى آل المارديني تلفزيون. وانقسم الجمهور بين بيت أبي بشار وبين بيت المارديني، وأبو محمود مثابر كل يوم جمعة على نشر غسيل الجميع من على سطح منزله.

ضاق صدر رجال الحارة، واجتمع هؤلاء مع شيخها شاكين له أبا محمود: "شرشحنا، وما عاد استحى"، وتمنى الرجال على الشيخ أن يرشدهم إلى طريقة التعامل مع الرجل. قال الشيخ: " ياأبنائي، الحل الوحيد هو أن تجمعوا ثمن جهاز تلفزيون وتشتروه وتقدموه له ليكف بلاه عنا وعنكم".

وهذا هو ما حصل فعلاً، اشترى الرجال الجهاز وقدموه هدية لأبي محمود. وبعدها، صالحته زوجته وعادت إلى المنزل. وأنتظر أهل الحارة يوم الجمعة، ليذيقوا أبا محمود ما أذاقهم. وعندما قام برفع صوت التلفزيون عند مشاهدته للفيلم العربي، علت أصوات رجال الحارة من على الأسطحة: يلعن التلفزيون، واللي اخترعه، والأفلام العربي، والممثلين، ورددوا الموشح المعهود...



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة
- نساء لبنانيات
- لماذا لبنان؟
- كلنا في الهم نساء
- عبيد القرن الواحد والعشرين
- الإرهاب الفكري
- نظرة على واقع المرأة العربية المهاجرة في النمسا
- كسر حاجز الصمت


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الضيف الجديد