أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماري تيريز كرياكي - عبيد القرن الواحد والعشرين















المزيد.....

عبيد القرن الواحد والعشرين


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 02:34
المحور: حقوق الانسان
    


عمد رب الأسرة إلى بيع كل ممتلكاته لدفع المبلغ المطلوب لتهريب كامل أفراد الأسرة المؤلفة من ثمانية أشخاص من العراق إلى أوروبا. أصغر طفل في هذه الأسرة كان في الشهر السادس، وآخر فرحة كما يقولون، جاء إلى هذا العالم بعد أن ظن الأب والأم أنه لن يكون بإمكانهم إنجاب أطفال آخرين، وأصبح هذا الطفل الدافع الرئيس للأب للبحث عن حياة أفضل لعائلته. ودفع المبلغ المطلوب للمهربين، وبدأت رحلة العذاب سيراً على الأقدام بين الجبال ليلاً مستنيرين بضوء القمر، وفيما هم على إحدى القمم، بدأ الرضيع بالبكاء، فحاولت الأم إسكاته بإعطائه صدرها وهدهدته، ولم تفلح محاولاتها، وتعاظم خوفهم من افتضاح أمر وجودهم لدى حراس الحدود فلو افتضح أمرهم فسيقتلون. وتوترت أعصاب المهربين، وطلبوا من الأب إسكات الطفل، وكيف السبيل. وبعد وهلة حسبوها دهراً، انتزع الأب الرضيع من بين ذراعي الأم ورماه من أعالي الجبال، وفدى به بقية الأسرة.
والآن يقبع الأب في أحد المصحات النفسية في النمسا بعد أن عانى الكثير من الهلوسات والكوابيس، لهول ما أقدم عليه، حتى ولو كان الثمن إنقاذ سبعة أشخاص مقابل هذا الرضيع.

قصة مأساة أخرى: قامت عائلة بجمع كل ما ادخرته وما أمكن استدانته لترحيل صبيتين لتتمكنا من اللحاق بأمهما التي سبقتهما إلى أمريكا. وانضمت الفتاتان إلى مجموعات أخرى غالبيتها نساء، ومن ثم ألحق بهن مجموعة كبيرة من الشبان الأفغان. وبدأوا المسير، وكان عليهم أن يقطعوا غابات وأحراشا في أماكن موحشة لا يعرفونها، ودائماً في الليل، وعرفوا منذ البداية أن من يتعب أو يتخلف عن الركب يصفى جسدياً من قبل عصابات التهريب، إذ ليس لديهم وقت للانتظار أو حتى الأدوات لحمل من يتعب، ما يعني برأيهم أن التخلص من عبء هذا الإنسان لا يكلف سوى رصاصة واحدة.

كانت إحدى الفتاتين ممتلئة الجسد يزيد وزنها عن المائة كيلوغرام، وصادف أن زلقت رجليها وسقطت بكل ثقلها على ركبتيها، فحاولت متابعة المسير، لكن ألم ركبتيها تزايد وورمتا. وعرفت الفتاة أنه لم يعد بإمكانها متابعة الطريق، فودعت أختها التي أصرت على مساعدتها.

غضب رجل المافيا تصاعد، وحثهما على الإسراع... تركها يعني تصفيتها، وأيقنت أنها هالكة لا محالة. فجأة، تقدم أحد الشباب الأفغان ورفض السير دونها، وأصر على حملها على كتفيه. وأحست هي بالفرح وبالخجل في آن واحد... فهي تعلم أن وزنها قد يهلكها ويهلكه معه ... لكنه أصر، وتقدم منها وحملها على ظهره... ووعدها بأن لا ينزلها إلا بعد وصولهم إلى بر الأمان.

استمر هذا المسير تسع ساعات، عبر الأحراش والغابات، حتى وصلوا إلى الحدود النمساوية، هناك أنزلها الشاب من على ظهره، لم تعد قادرة على قول كلمة توفي هذا الإنسان حقه، ولكن الكلمة الوحيدة التي تمكنت من قولها كانت: "لن أنساك مدى الحياة". ودعها الشاب وتابع طريقه لأنه كان متوجهاً إلى بلد آخر.

وقال فارس هذا الزمان الأفغاني أنه متوجه إلى إنكلترا وتابع السير، انكلترا الآن على بعد 34 كلم، قريبة ونتمكن من رؤيتها في النهار. يفصلنا عنها مسافة نصف ساعة بالقطار أو بالمركب. ولكنها بعيدة جداً حين لا نملك أوراق تخولنا دخولها. وإن سألتني لماذا انكلترا؟ لأنها البلد الأوروبي الوحيد حيث العيش فيها كلاجئ دون أوراق أقل خطورة من بقية البلدان، فلا رقابة على الأوراق المتعلقة بالجنسية أو بأذونات العمل، إضافة إلى كونها مكان لجوء مفضل لشعوب العالم الثالث التي تتكلم الإنكليزية.

هذه قصة بعض هؤلاء اللاجئين، الذين تمكنوا من الوصول إلى بلد آمن بعد كل المشقات التي تعرضوا لها. ولكن كم هو عدد المهاجرين الذين فُقدوا في البحار بعد أن رماهم المهربون، وكم من هؤلاء الذين ضاعوا أو قتلوا أو اغتصبوا في منتصف الطريق... أيمكن لنا أن نقف موقف اللا مبالي من قضية هؤلاء الأشخاص؟ أيمكن أن نتنصل من واجبنا الإنساني تجاههم؟ هذا كله دفعني لتسليط الضوء على مافيات التهريب وعصابات الجريمة المنظمة في العالم.

اعتبرت السنوات الست الأخيرة، وفقاً للإحصاءات الأوروبية، سنوات سوداء، فازدياد بيع المخدرات، وتهريب السجائر والأدوية والسيارات المسروقة والمتاجرة بالآلاف من النساء وإجبارهن على ممارسة البغاء وتهريب الأيدي العاملة، كل هذه الأعمال تظهر مدى قوة هذه العصابات (المنظمة للجريمة)، والتي تحقق ثروات هائلة من الأموال الملوثة التي تتجاوز ميزانيات بعض الدول، مستخدمة كل الطرق الحديثة، مثل الإنترنيت وما إلى ذلك لتبييضها.

ومثال على تهريب البشر، فقد استجوبت فرنسا في العام 2000 ما يقارب 90000 شخصاً دون أوراق. نصفهم تقريباً اعتقلوا داخل فرنسا، و 25% منهم يحملون أوراق مزيفة، أما النصف الباقي فقد حقق معهم على النقاط الحدودية. بينهم 30950 تم دخولهم براً، 12540 جواً و889 بحراً. أما جنسياتهم فهي: 4798 من الموقوفين من العراق (أي بزيادة 40% بالنسبة لعام 1999)، يليهم أكراد تركيا 3438 شخصاً، والمغاربة 3083 واليوغسلاف 2871 والإيرانيون 2427 والصينيون 1939.

إحصاءات وبيانات التهريب في أوروبا

حالات التلبس المكتشفة على النقاط الحدودية في أوروبا تعطي فكرة واضحة عن مدى تعاظم هذه التجارة، إذ يقدر عدد المهربين إلى أوروبا في الشرق ما 30000 ألف إلى 500000 ألف سنوياً.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك لاعبين جددا من منظمات الجريمة ألا وهم الصينيون والألبان، وقد قاموا باحتكار تجارة البشر في دول البلقان، ومن أكراد تركيا والعراق. وطرق التهريب الخاصة بهم غير معقدة إذ تبدأ الرحلة بشكل نظامي حتى مراكز تجميع هؤلاء المهاجرين، وذلك على حدود دول أوروبا الموقعة على معاهدة شنغن (Schengen). وهناك تقدم العروض للمهاجرين. وكما سبق وذكرنا، فإن أكثر الوجهات المرغوبة هي إنكلترا، وهذا ما يفسر تواجد الكثيرين من المهاجرين في معبر (كاليه) الميناء الفرنسي الأول باتجاه إنكلترا.

غسيل الأموال

تقدر عائدات مافيات الجريمة المنظمة في العالم ما بين 600 إلى 1500 مليار دولار سنوياً وذلك من تجارة الأسلحة والممنوعات والرقيق الأبيض والمخدرات، وهذه العائدات بحاجة إلى غسل.

وتقول منظمة التجارة العالمية أنه يجري حالياً غسل ما يقارب 2% إلى 5% من هذه العائدات.

وتغسل هذه الأموال في مرابع القمار أو في مراكز الصرافة، وفرصتهم الذهبية هي لدى تغيير العملات الأوروبية إلى اليورو، حيث لن يسأل أحد عن مصدر العملة المدفوعة نقداً.

ويستفيد رجال العصابات من خبرة رجال القانون والمحامين المهاجرين الذين ينتمون في الغالب إلى العرق الأنكلو/ساكسوني، حيث يعمل هؤلاء على تبييض هذه الأموال عبر دوائر الدولة ويجري حقنها في السوق المالي لدول قوية مالياً كفرنسا أو إنكلترا. والطرق التقليدية في غسل الأموال كشراء العقارات والأسهم والقطع الفنية لم تعد تكفي، ولذلك عمدت هذه العصابات إلى طرق جديدة منها شراء المواد الأولية المستخدمة في التصنيع.

أهم العصابات العالمية

1) المافيا الإيطالية:
- عصابة كوستا نوسترا (سيسيليا)، تتألف من 120 عائلة وفيها 6000 عضو.
- عصابة لاكامورا (نابولي وريفها)، تتألف من 100 عائلة و 7000 عضو.
- عصابة لاندرغيتا (كالابر)، وتتألف من 150 وحدة إجرامية وفيها 6000 عضو.
- عصابة ساكرا كورونا (بويه) وتتألف من 32 عائلة.
مجالات نشاطات هذه العصابات هي المخدرات والدخان، وسرقة السيارات، وهذه المنظمات متواجدة في 42 دولة ومرتبطة بشكل كبير بالمافيا الكولومبية.
2) المافيا الألبانية:
رؤساؤها على صلة بأجهزة الأمن المحلي، ولديهم جيش مؤلف من 50000 رجل من ألبانيا، كما أن لديهم مجموعات صغيرة من 15 إلى 20 شخصاً موزعة في كل أنحاء أوروبا.
أما مجال نشاطها فهو الاتجار بالبشر والبغاء والمهاجرين والأيدي العاملة والمخدرات وخصوصاً الهيروين (70% من سوق الهيروين موجود في سويسرا، والنمسا، وألمانيا والبلدان الاسكندينافية).
3) المافيا التركية:
أعضاؤها من الأتراك والأكراد ولهم صلات برجال الأمن المحليين وفي كل النقاط الحدودية لتركيا. والبعض منهم قريبون من جماعة الذئاب الرمادية. أما مجال نشاطهم فهم الاتجار بالبشر وتهريب الهيروين بين أفغانستان وأوروبا.

4) العصابات الروسية:
عدد هذه العصابات يقارب 5000 عصابة ولديهم 100000 رجل. وهذه المنظمات لديها صلات برجال الاقتصاد ومؤسساتهم، وخصخصة المشاريع الاقتصادية أتاحت لهم فرصة ذهبية لغسل أموالهم. أما مجال نشاطهم فهو تجارة المخدرات والسلاح إضافة إلى الأتاوات التي يفرضونها على 85% من البنوك التجارية الروسية.

5) المافيات الصينية:
لا يعرف عدد أفراد هذه العصابات، وما يعرف عنها أن رؤساء هذه العصابات متواجدون في هونغ كونغ أو في الصين، وأهم هذه العصابات عصابة "الشمس الحمراء" أو "الدائرة الكبرى" ورؤساؤهم يدعون "برأس التنين".
مجال نشاط هذه المنظمات هو التجارة بالأيديد العاملة المسماة "النمل" والتي تستغل في أوروبا وأمريكا، حيث يجبرون على العمل لمدة سبعين ساعة أسبوعياً مقابل قوتهم اليومي فقط.

كلمة أخيرة:

ساد الانطباع دائماً بأن المهاجرين ينتمون إلى طائفة أو قومية معينة، وهذا اعتقاد خاطئ، فمثلاً الأكراد المهاجرون ينتمون إلى كل الطوائف الدينية، والعراقيون المهاجرون ينتمون إلى قوميات وطوائف متعددة كالآشوريين والسريان والأكراد والشيعة والسنة والصابئة والزرادشت. وهؤلاء الأشخاص، بغض النظر عن انتماءاتهم، يحملون نفس الهموم والمعاناة.

وأيضاً مشاكل الجريمة المنظمة ليست ببعيدة عن عالمنا العربي، فتهريب المخدرات وتداولها في أوساط الشباب في تزايد مستمر، والتهريب بكل أنواعه (الدخان، السيارات، إلخ ...) على أشده، وغسل الأموال منتشر أيضاً في بلادنا العربية.

ما أريد استخلاصه هو أن هذه المشاكل باتت مشاكل عالمية، ولا يمكن حلها إلا بتضافر كل الأمم والمجتمعات لمحاربتها.
________________
المراجع:
- نشرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
- مجلة ليبراسيون
- مجلة الاكسبرس.




#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب الفكري
- نظرة على واقع المرأة العربية المهاجرة في النمسا
- كسر حاجز الصمت


المزيد.....




- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...
- بايدن و17 من قادة العالم يناشدون حماس إطلاق سراح الأسرى الإس ...
- البيت الأبيض يدعو حماس لـ-خطوة- تحرز تقدما في المفاوضات حول ...
- شاهد.. شيف غزاوي يعد كريب التفاح للأطفال النازحين في رفح
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة ...
- بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد مقتل موظف إغاثة بغزة
- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماري تيريز كرياكي - عبيد القرن الواحد والعشرين