أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الصورة














المزيد.....

الصورة


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 1678 - 2006 / 9 / 19 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


كان عرساً على الطريقة العربية بامتياز. على سطح أحد الأبنية أطفال، رضَّع، عجائز، نساء ورجال والكل يتكلم بصوت واحد . يتشابك المتحدثون، بحيث لا يمكنك أن تعرف من يتكلم مع من، بعضهم اعتراهم الطرب، وآخرون أخذهم الحماس وبدؤوا يرقصون الدبكة، والأطفال يركضون بين الأرجل كالعفاريت الصغيرة، والرضَّع يبكون إذ أن الضجيج حرمهم من الاستمتاع بالنوم ...

أما العروس فضائعة بين الجميع، فهذه ليلتها الأخيرة بين أفراد عائلتها، وهذه حفلة وداعها والمفروض أن تمضيها مع أصدقائها وعائلتها. لكن من جاؤوا إلى الحفل لا يمتّون للعروس بصلة، وهي لم تتذكر أياَ منهم. وأخوها الذي أعدَّ الحفل فوجئ بهذا الحضور الكثيف، لأنه قام بدعوة عدد معين من الناس، وأعَّد الطعام لهم، لكنه الآن في ورطة إذ من أين له أن يطعم هذا العدد الكبير. لقد كان واضحاً في نص الدعوة وصريحاً. لكن الناس تصرَّفوا كما تصرَّف آغوب حين دعي ذات مرة إلى العشاء في بيت أحد الأصدقاء، إذ قالت الدعوة "تعال وأحضر شيئاً بيدك"، فأتى آغوب ومعه صديقه عوضاً عن شيء من الطعام أو الشراب . وهذا هو ما فعله المدعوون إذا أن كلاً منهم أحضر كتيبة من الأهل والأصحاب، فالعرس ضمن العائلة، ويفترض أن يكون الأكل والشراب بالهبل ...

في هذه الفوضى، استرعى انتباهي شخص واحد جالس بعيداً عن الجمع ينظر إلى الأرض ويلوح بجسمه يمنةَ ويسرةَ، ويقول: "أنا ما مزقتُها ... الله أعلم من فعلها" ... "أنا ما شّقيتُها ... ويلي ... ويلي" واضعاً يديه على رأسه...

كان قد احتسى الكثير من الشراب الكحولي ومازال مستمراً . وشيئاً فشيئاً تحول إلى ما يشبه رجلاً مسَّه الجنون. وبدأ بالضحك ومن ثم بالبكاء. اعتراه الهدوء للحظات، ثم عاوده البكاء إلى أن أنهكه، والجميع يحاول تهدئته، ولم تفلح محاولاتهم. وعلى الدوام، ظلَّ هذا الشخص يكرر الجملة ذاتها: "أنا ما شقيتها ..." إلى أن وقع على الأرض...

جاء أخو العروس وساعدناه نحن على حمل الشخص أو بالأحرى على جرَّه إلى الشقة التي في الطابق الأسفل. وحاولت أن أفهم منه ما معنى هذه الكلمات التي يرددها ولم أنجح، إلى أن شرح لي أخو العروس ما حدث لهذا الشخص المسكين الذي هو أيضاً من العائلة .

كان هذا الشخص يعمل مديراً في المحافظة، وهو مستوف لكل شروط التي تؤهله للعمل، وأهمها انتماؤه للحزب الحاكم ... وحدث أن أتى يوماً كعادته إلى المكتب صباحاًـ هذا المكتب المفروش كما يليق بمدير، الطاولة من خشب الزان البني اللون، كبيرة وعليها أربع هواتف ولوازمها، أما المقاعد الوثيرة فكانت من الجلد البني الأنيق، وفي الوسط سجادة عجمية عملت على تجميل المكان برسوماتها الجميلة، ويغلب عليها اللون الأحمر ليتناسب مع لون المقاعد والطاولة، وكما هي العادة كان في صدر المكتب صورة للسيد الرئيس ...

في هذا اليوم كان موعد صاحبنا مع همِّ لا يمكن له أن يتخلص منه. كان فقد صُدم حين رأى صورة الرئيس ممزقة، وأين؟ في غرفته ... ومكتبه ... وحائطه ... وحياته ...

بداية، لم يصدق عيناه، بل ظنَّ أن ما رآه تهيؤات. فرك عينيه مرة ... وثانية ... لكن الصورة كانت بالفعل ممزقة. من يجرؤ على فعلةٍ كهذه؟ أحسَّ بهول الأمر وجلس بهدوء على كرسيه، محاولاً أن يستجمع أفكاره، وعمل على تصور ما هو قادم: سيستدعونني إلى التحقيق ... نعم ... لا بدَّ لهم أن يقوموا بذلك. وبالفعل دُعي للمثول أمام المحافظ، مديره المباشر، واستقبله المحافظ وعلى وجهه ملامح الجدية والاهتمام، وسأله إن كان لديه أيّ فكرة عن الفاعل. "عن الفاعل؟ .... يقصدني ربما"، هذا ما قاله لنفسه، "ولكنه تحايل". وأجاب على السؤال بالنفي ... إذ أن هذا العمل أكبر من أن يقوم به أي إنسان يعرفه ... وأذن له المحافظ بالانصراف بعد أن طلب منه نسيان ما حدث واستبدال الصورة بغيرها.

هكذا، بكل بساطة، دون أن يحيله إلى التحقيق: إذاً لا بد من أنهم يهيئون له الأعظم. وعاد إلى مكتبه. وحاول الاتصال بأصدقاء في مناصب أعلى من منصبه، وشرح لهم الموقف لعلهم يقومون بمساعدته ويشرحون بدورهم لسيادة المحافظ ما حصل. بعضهم سعى إلى طمأنته، وبعضهم الآخر ضحك لسخافة ما حدث ومخاوفه غير المعقولة ...

وبقي صاحبنا يومين غارقاً في الغم. لا يستطيع أي شيء أن ينتشله منه ولا حتى صاحب الصورة نفسه. وصادف أن كان اليوم الثالث هو يوم وداع عروستنا. وحاول صاحبنا أن يتمالك نفسه، وبدأ باحتساء العرق على أمل أن يخفف الشراب الشدَّة التي يعانيها وتمادى إلى أن وقع أرضاً ...

انتهى الحفل، وانفضَّ الجمع وعادوا إلى منازلهم، بعد أن ملئوا البطون وشربوا حتى الثمالة...

في اليوم التالي، ذهبت لأسأل عن حال ذلك الرجل ... وفوجئت بالجميع يلبسون الأسود ... والهدوء يخيم عليهم ... ولا يعكر صفو هذا الهدوء إلا بكاء بعض النساء ونهنهتهن ... ماذا حصل؟ لا شيء سوى أن صاحبنا نام ليلة البارحة ولم يصح ... وفي رواية أخرى ذهب ولم يعد ...



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء لبنانيات
- لماذا لبنان؟
- كلنا في الهم نساء
- عبيد القرن الواحد والعشرين
- الإرهاب الفكري
- نظرة على واقع المرأة العربية المهاجرة في النمسا
- كسر حاجز الصمت


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - الصورة