أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 09:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أعتقد إنه لا إختلاف على أهمية الذكاء ، سواء في حياة الفرد أو المجتمع . فالذكاء هو الذي يجعل الصبي يجلس ليدرس عالماً أن مصلحته تقبع في التضحية بمتعة آنية ، مثل مشاهدة مباراة لكرة القدم ، من أجل المستقبل ، و هو الذي يجعل الشاب يعلم بأن ما يدخره ، بإجتهاده و تضحياته ، أيام الشعر الأسود هو الذي سينفعه أيام الشعر الأبيض ، و يجعل الأب يعلم بأن خير ما يقدمه و يتركه لذريته هو التعليم الجيد . و الذكاء هو أحد العوامل التي تقرر حرية المرء ، فالذكي لا ينقاد بسهولة ، لأنه يملك ملكة إكتساب الخبرات ، و التحليل ، و إستخلاص رأي حر ، يأتي من دماغه ، لا دماغ غيره . إنه شخص يكره التلقين ، و لا تخدعه نشرة أخبار ، و لا صحيفة مشبوهة ، لأن له رأيه الخاص ، النابع من داخله .
و مثلما للذكاء تأثير على حياة المرء الشخصية ، فإنه بلا شك ذا تأثير على حياة المجتمع . و أنا شخصياً مع رأي العلماء الذين يقولون بأن المجتمعات الأكثر ذكاء هي أكثر رفاهية و حرية . لأن ذلك ، في رأيي ، شيء بديهي ، فحين يتمتع مجتمع ما ، كبر أو صغر ، بعدد وافر من الأذكياء ، و نسبة مئوية عالية منذ ذوي العقول الحادة المرهفة ، فإن هذا المجتمع بلا شك سيكون أكثر رفاهية ، و كذلك حرية ، دون أن تعني تلك الحرية الفوضى ، كالتي رأيناها في روسيا في عهد يلتسين ، و كالتي يريدها المحافظون الأمريكيون الجدد لبلاد مثل الصين . و دون أن يعني ذلك تحطيم تقاليد المسئولية و الإحترام ، كالتي يتمتع بها المجتمع الياباني ، و مجتمعات شرق أسيا على وجه العموم . تلك التقاليد العريقة و المفيدة ، و التي يريد البعض في الغرب تحطيمها ليحلوا محلها تقاليدهم .
و لكن إذا كان لا يوجد إختلاف كبير على أهمية الذكاء في حياة الأفراد و المجتمعات ، فإن هناك إختلاف حول عوامله ، فقد حدد العلماء عاملين للذكاء ، إتفقوا جميعهم على إحداهما ، و هو البيئة ، و إختلفوا ، بل و رفض بعضهم ، العامل الأخر ، و هو الوراثة ، و أنا مع الرافضين لعامل الوراثة .
البيئة كعامل في التأثير على الذكاء ، أهم عواملها التغذية و التعليم ، و التغذية تبدأ أهميتها منذ فترة الحمل ثم الرضاعة ، و طوال فترة نمو الطفل . و تشمل أيضا البيئة ، الجو التعليمي الذي يكبر فيها الطفل ، بنوعية الألعاب التي تقدم له ، و البرامج الإعلامية التي يشاهدها ، و نوعية التعليم الذي يتلقاه ، و المبادئ و الأفكار التي يتلقاها في بيته و مدرسته و مجتمعه . فعلى سبيل المثال : فسر العالم البريطاني ريتشارد لاين إرتفاع نسبة الذكاء بين شعوب شمال أوروبا عن جنوبها ، بإختلاف نوعية التغذية التي يتلقها المرء منذ كان جنيناً . فشمال أوروبا أكثر تناولاً للبروتينات الحيوانية ، المرتفعة في قيمتها الغذائية عن البروتينات النباتية التي يكثر تناولها في دول جنوب أوروبا ، الأكثر إعتدالاً في حرارتها ، بما يسهم في كبر حجم كتلة المخ في شعوب شمال أوروبا .
الأن ماذا نقول عن الذكاء المصري في الوقت الراهن ؟ الواقع للأسف مؤلم بشدة ، لأي شخص يتمتع بحس وطني ، فبينما يأتي شعب ألمانيا على قمة شعوب أوروبا بنسبة ذكاء تصل إلى مائة و سبعة نقطة ، و معهم أيضا الشعب الهولندي ، و يليهم الشعب البولندي بنسبة مائة و ستة نقطة ، و يأتي الإيطاليين بنسبة 102 ، و البريطانيون بنسبة مائة نقطة ، بينما الفرنسيون و الرومانيين و البلغار و الإسرائيليين بحاصل ذكاء نسبته 94 ، و الأتراك ب 90 نقطة ، و الصرب 89 .
يأتي الشعب المصري بنسبة 83 درجة فقط ، نعم و فقط ، بعد الشعب العراقي الذين يتمتع بحاصل ذكاء نسبته 87 ، و الشعب المغربي الذي حاصل ذكاءه 85 . و إن كنا نتفوق على الشعب القطري الذي متوسط ذكاءه 78 .
إنها فضيحة ، بل و جريمة بحق مصر ، كما سنرى ، فلكي نعرف ماذا تعني بضعة درجات أقل ، تعالوا لنرى رأي نفس العالم البريطاني ريتشارد لاين ، في تفسيره للخسارة التي مني بها الفرنسيين في صراعهم مع البريطانيين ، رغم أن الفارق في حاصل الذكاء هو ستة نقاط فقط.
لقد رأي أن لحاصل الذكاء تأثير في فرص كسب أي صراع ، و منها الصراعات العسكرية ، فالحرب ، بالفعل هي صراع عقول ، و تجري في عقول القادة قبل أن تبدأ على أرض الواقع ، كما ذكر مرجع أخر ، و هو سير ليدل هارت ، الإستراتيجي البريطاني المعروف . فقط يُهزم الأكثر ذكاء عندما تكون أعداد أعدائهم أكبر بكثير ، و تحت أيديهم موارد أكبر من موارد الأذكياء ، كما حدث في الحربين العالميتين .
أنا لا أتحدث عن الذكاء من أجل الحروب ، فقط أعطي أمثلة ، و الأمثلة من الممكن أن تكون من واقع الحياة الإقتصادية و العلمية ، فبعد إقتصاد الولايات المتحدة ، و التي يتمتع شعبها بمتوسط ذكاء يبلغ فقط مائة نقطة ، إلا أن حجم الموارد الطبيعية المتاحة للولايات المتحدة ، تعوض نسبة الذكاء الأقل من شعوب أخرى تسبق الولايات المتحدة في حاصل الذكاء . فعلى سبيل المثال تأتي اليابان و ألمانيا ، على التوالي ، في ترتيب الدول من حيث حجم إقتصادها بعد الولايات المتحدة ، رغم أن حجم الشعبين مجتمعين ، أصغر من شعب الولايات المتحدة ، و الموارد الطبيعية المتاحة في البلدين أقل بكثير مما هو متوافر في الولايات المتحدة . إنه الذكاء الذي يجعل الشعوب تعرف مصلحتها ، و تجتهد لتنهض من كبواتها ، و تجري لتسبق الأخرين ، و تستمر في الجري بعد الوصول للقمة .
متوسط الذكاء المصري الحقيقي ، يجب أن يكون أعلى من ذلك الذي أفصحت عنه الدراسات ، فالتاريخ المصري يكفل لنا الرد على العنصريين الذين قد يدعون بأنه عامل الوراثة ، فليست الحضارة المصرية القديمة فقط دليلنا ، ففي العصور الوسطى ، حين رحل بعض المصريين من أصحاب الحرف ، خاص في مجال المعمار ، إلى الأندلس ، ذكر الأندلسيون عنهم ، أي عن المصريين بالأندلس ، إنهم يفعلون العجائب .
الجريمة التي ترتكب بحق الذكاء المصري بيئية .
الشعب المصري أرتكبت في حقه جريمة ، و لازالت ترتكب إلى اليوم . فحاصل الذكاء الذي تشير له الدراسات ، لا يمكن أن يعبر عن الواقع الذي يجب أن تكون عليه مصر . لأن هناك جريمة ترتكب منذ أكثر من ربع قرن ، بحق الشعب المصري ، جعلت من أغلبية المصريين ، تعيش تحت خط الفقر ، و لا يتمتع أفرادها بحق الحصول على تغذية مناسبة ، فلا تغذية صحية ، من حيث النوعية ، و لا من حيث الكم .
أغلبية أسرنا لا تستطيع أن توفر لأطفالها واجبة واحدة صحية في اليوم ، و لا أقول ثلاث وجبات صحية .
أغلبية الأمهات المصريات يعانين من أمراض سوء التغذية ، قبل و أثناء الحمل . فكيف تنجب أم تعاني من سوء تغذية مزمن ، منذ طفولتها ، أطفال أصحاء ، يتمتعون بكتلة مخ كبيرة ؟؟؟
فإذا ولد الطفل و فطم ، فإنه يستمر في الدوران في دوامة تحطيم مستقبله ، و التي تأخذه لأسفل ، فأغلبية أسرنا المصرية لا تستطيع أن توفر ألعاب تنمي ذكاء الأطفال ، و أغلبية أسرنا المصرية أصبحت تعتمد على أطفالها في المساهمة في سد حاجات الأسر الإقتصادية ، فوداعاً للتعليم .
و حتى من يستمر في التعليم ، لا يتمتع بتعليم يسهم في تنمية التفكير الحر و الإبداع .
أغلبية أسرنا المصرية لا يتمتع أطفالها بحق مشاهدة برامج إعلامية تهتم بتثقيف الأطفال ، و زيادة الوعي ، فأكثر برامج التلفزيون المصري العام ، لا تزيد إلا من البله و التخلف .
هناك مخطط محكم من الأسرة الحاكمة لإبقائنا فقراء ، أغبياء ، عبيد لهم .
هناك مخطط لتقسيم المجتمع المصري إلى طبقتين .
قلة في القمة تتمتع بتغذية صحية سليمة من كافة الوجوه ، و تعليم راقي بكافة المقاييس العالمية ، و تنجب أطفال أذكياء ، سيتربعون على قمة المجتمع ، ليخلفوا أبائهم في قيادة بلدنا .
و أغلبية ننتمي لها ، مسحوقة في القاع ، و تزداد إنسحاقاً كل يوم ، و مع زيادة الإنسحاق تزداد كل يوم فرصتها في إنجاب و تنشئة أطفال محدودي الذكاء ، يكونوا في خدمة طبقة الأسياد ، عائلة أبو جيمي ، و بقية أصهارها و حلفائها .
أنهم يريدون مزيد من الأجيال ، التي تدعو لأبو جيمي بطول العمر ، و لجيمي بالتوفيق ، كالفتاة اليافعة التي قرأت تعليقها في أحد المدونات ، أثناء النكسة الصحية التي ألمت بأبو جيمي الصيف الماضي ، تدعو له بالبقاء و طول العمر ، و تتمنى الشر لأعداءه ، و مثل أولئك الذين يبيعون وطنهم بمائة أو مائتي جنيه ، أثناء الإنتخابات ، أو حتى بأقل من ذلك ، بوجبة طعام جاهزة ، و الذين يصفقون لمجرد تفضل جيمي عليهم بالزيارة ، رغم إن قدمه على رؤوسهم .
آل أبو جيمي يريدون لنا أن نظل عبيد ، و أن ننجب لهم عبيد .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟