أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - عدن حانة البحّار الأزلية














المزيد.....

عدن حانة البحّار الأزلية


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 06:43
المحور: الادب والفن
    


هي المدينةُ المرميةُ بأمانٍ على حافّةِ البِحارِ ، المسترخيةُ بحنانٍ في أحضانِ السواحلَ العذراء . هي عدنُ عروسُ البحرِ الزاهيةُ ليل نهار رغم حرِّها الشديدِ اللاهبِ .. تداهمني لوعةُ الشوقِ إليها كلّما تذكرتُها وكلّما صَهلَتْ في أنفي رائحةُ عطرٍ أو بَسَقتْ في سماءِ برلين زرقةٌ نقيّةٌ . لا أعرف أحداً مِن غيرِ اليمنيين يَحِنُّ إلى عدنَ كحنيني إليها ، ولا أَظنُّ غريباً أَحَبّها كما أحببتُها وعشقَها كما عشقتُها ، عدنُ المدينةُ التي عوّضَتْني عن البصرة لتسعِ سنين متواصلة .. مدينةٌ مَنَحَتْني الأمانَ الذي افتقدْته في بلدي.
في عدنَ يستهويْنا الليلُ فيأخذنا النجمُ البعيدُ نحو سلطةِ الحكايا ، نقصُّ عليه ميراثَنا الذائب في الذاكرةِ أو ما تبقّى مِن ملامحِه .. نَحْكي خواءَنا على أرصفةِ المنافي أو في جحيمِ الأحزابِ المعقمةِ لعقولِنا وأرواحِنا . في عدنَ نَنْسِجُ اللامعنى في خطواتِنا التي تزدهرُ بها أنَْفاسُ المسافةِ . كم مرّةٍ مرّت بنا الريحُ دون أنْ تسألَنا عن وجهتِنا القادمةِ ؟ كم مرّةٍ لفحتْنا الشمسُ دون أنْ تميزَ أجسادَنا المُندهشةَ مِن قَسْوتِها ؟ كم مرّةٍ غَمَرَنا البحرُ دون أنْ يستغربَ زغباً حائراً .. هي عدنُ تفتحُ لنا أبوابَ الندى وتُدْخلْنا في شهدِها الجميل . أحياناً نلوذُ بالساحلِ المُمتدّ نحو كلِّ نقاءِ المعمورةِ .. الساحل المسالم كالمدينةِ ، كأهلِ المدينةِ ، يأخذُنا إلى الليلِ ، دائماً في الليلِ نحطّ مثلَ دمى متعبةٍ عبثت بها العيونُ خلف زجاجِ الإباحةِ .. في عدنَ نَهْربُ من لوعةِ الغريبِ إلى الأهلِ فنعبّ في جوفِنا خمرةً قاتلةً حتى تقفزَ شهقةُ الإصرارِ على الرجوعِ . إلى أين ؟ هكذا نحن مُغالون في العاطفةِ .. بكّاؤون .. مُتطرفون في شدّةِ حنينِنا .. مُتطرفون في كلِّ شيءٍ حتى في الخيانةِ .
عدنُ المدينةُ الوحيدةُ التي أستعيدُها في ذاكرتي في كلِّ وقتٍ .. أمشي في شوارعِها أَلِجُ أَسْواقَها وحاناتِها الفقيرةَ ( هل بقيت فيها حانةٌ ؟ ) .. أُسامرُها في ليلةٍ مُقمرةٍ .. أَتلذذُ في مُتابعةِ حركةِ مينائها "التواهي" الجميل بكلِّ المقاييس . وعدن صار لي فيها أصدقاءُ ومعارفُ وأناسُ طيبون أَحَبّوني وأَحْبَبتُهم وكنتُ أشعرُ بالأمانِ في صحبتِهم أكثر مما أشعرُ به وأنا مع أبناءِ جلدتي الذين أدمنوا الكراهةَ .. في عدنَ لم أرَ حالةَ شجارٍ واحدةً في أيِّ مكانٍ ـ بغضّ النّظرِ عن الخلافاتِ السياسيةِ ـ أنا العراقيّ المُجبل على الغضبِ السريعِ وإنْ شئتم فعلى الحمقِ ، ربما حالة الشجارِ الوحيدة التي رأيتُها كانت بيني وبين مديرِ دائرتي التي أعملُ فيها وكنتُ أنا المُتسبب في الخصومةِ . بعدنَ مرّت وأقامت أسماءُ مهمة من المثقفين العربِ والعالميين . مرّ الشعراءُ والروائيون والفنانون ومرَّ المجانينُ والنسوةُ الجميلاتُ وفي عدنَ أنُشئت أولُ حكومةٍ اشتراكية في تاريخِ العربِ الحديثِ . في عدنَ تعرّفتُ على شعرائها وكتّابِها المهمين : الشاعر شوقي شفيق ، الشاعر محمد حسين هيثم ، الشاعر عبدالله علوان ، القاص ميفع عبدالرحمن ، الروائي والقاص حسين باصديق ، القاص كمال الدين محمد ، الصحفي شكيب عوض ، مع الاعتذارِ لمَن لم يحضرْني اسمُهُ هذه اللحظة ، وعن بعد تعرّفتُ على آخرين مِن الكتّابِ والصحفيين الذين كانوا على درجةٍ عاليةٍ من المهنيةِ .. أسماءُ كثيرةٌ أخرى أرجو أنْ ألتقيَ بالأحياءِ منهم مرّةً ثانيةً . في عدنَ كتّابُ وشعراءُ وروائيون وقاصون من النساءِ والرّجالِ لم يصلْنا نتاجُهم الإبداعيُّ بسببِ غفلةِ الأمةِ التي انحدرت في الغالبِ مِن أصولٍ يمنيةٍٍ . في عدنَ المدينة التي لن أنساها نفضتُ الغبارَ عن بعضِ الكتاباتِ التي أُنجزت في سنواتٍ خلت ونشرتُها تباعاً . في عدنَ ولدتُ إبداعياً .
* فندق البحّارة
لرجالٍ عصفوا في الحانةِ
تأتي المراكبُ ويأتي بالبشائر موجٌ
تأتي فتياتٌ في الليل يحملن قلائدَ فلٍّ
ومن ثيابِهنّ يتضوع عطرُ
لرجال أدمنوا البحرَ
تفتحُ الحانةُ أبوابَ الريحِ وتُطلقُ خيولَ النسيمِ
ستأتي الحورياتُ على ظهور الحيتانِ
يأتي صيادو اللؤلؤ والمرجان
ويأتي باعةُ أثمار البحرِ
يأتي الغرباءُ
لرجال تنفسوا التواهي كالهواء
تأتي النسوةُ
المخضبات بالشهد والحنّاء
في فندق البحّارة
يقفُ البحرُ متوسلاً لرجال غادروا البحار
بعد خصومةٍ
واكتنفوا الحانة
في فندق البحّارة ينام التواهي
وينام الغرباء
وعلى راحتهم تسهر الحانة
في فندق البحّارة
يمرّ البحر أمام عشّاقه مختالاً

* أَبْيَن

هي أبين المنحوسة ، المنسية
هي المدينة التي لا تعرفها التواريخ
المُتعطرة ليل نهار
المفتوحة على البحر والمدى
تُلوّح لقراصنة أخذتهم النشوة بعيداً
تلوّح لغزاة تبدو في الأفق طلائعهم
لراياتٍ تقصدُ عاداً أو ثمود
لعاشقي الغرائب
هل جاء من وراء البحار العاشقون ؟
أبين في غربة العصر
أبين سيدة الماضي
أبين ما دخلت حاضراً إنما شهقت في صمت الوسادة
هل ظلّت عذبة الروح
كما تركناها ؟
ها نحن نطوي نحو حضرموت المسافة
وعن أبين رحلنا
ها نحن في رابعة النهار
خلّفْنا أبينَ وصيّادي السمك السماوي
وفسطاط التُّبّع الأخير
خلفنا صارت أبوابُ حِمْيّر
خلفنا أبين وحسرة الحضرمي :
" أبين أرطب وألين
بلاد الحاس والحسحاس والظلم الشديد
لا حيّها يسلم
ولا ميتها شهيد
دخلتها بشلنغ
وخرجت منّها بشلنغ "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[email protected]



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دهشة الكوثر
- على مياهك أصبُّ هديلي
- ابن الرؤيا
- أغنيتان ليوسف الصائغ
- عطرٌ لجسدِ البلادِ
- عشقتنا أميركا
- حَيْرَةٌ على الكسندر بلاتس
- صاحب الهمس .. يحيى علوان حين يكون نديماً
- ورق الظلّ .. ورق الهمس
- سراباد .. المكان واتساع مساحة الحلم
- حيرة النادل في ليل الحانة
- ذاكرة الماء .. ذاكرة الصحراء
- برق في حانة .. من عناوين حانة القصب
- وطن القسوة .. الوجوه البيضاء عن أدب الداخل والخارج
- مرثية عوني .. حين تكون الريح صبا


المزيد.....




- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - عدن حانة البحّار الأزلية