أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - (حمالة الدلع) وفخاخ القصة القصيرة















المزيد.....

(حمالة الدلع) وفخاخ القصة القصيرة


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


بدافع من اهتمامي ومتابعتي لما ينشر من الأدب النسوي، كانت الكاتبة الفلسطينية (ميسون أسدي)، واحدة من الكاتبات اللواتي أقرأ كل ما ينشر لهن على الدوام، وكانت دائما تلفت انتباهي بأمرين؛ أحدهما يخص موضوعاتها وهو الجرأة المتناهية في تناول قضايا صغيرة تخص المرأة ، لكنها مما يحرم الكلام فيه، وثانيهما يتعلق بأسلوبها الفني الذي يتميز بإرخائها العنان لشخصياتها وتركها تتصرف بحرية بغير أن تفرض هي وصايتها عليها. وربما يكون المثال الواضح للأمرين معا قصتها (شاي وبسكوت وسكر).
(حمالة الدلع) آخر ما نشرت ميسون، وعندما قرأتها وجدت أنها تثير عددا من قضايا القصة الفنية التي وجدت أن من المفيد أن أكتب فيها. فالكاتبة بنتها بأسلوب يختلف عن أسلوبها المعتاد، غير أن هذا الأسلوب الجديد أوقعها في فخاخ فنية تثير قضايا مهمة في تكنيكات كتابة القصة القصيرة.
ليس جديدا القول أن القصة ليست فنا سهلا، إذ ربما تكون من أعقد الفنون، فللشعر مثلا أنظمة صارمة، لكنها تظهر بجلاء في جسد القصيدة، فلا تحتاج خبرات كبيرة من القارئ لرصدها، أما القصة فإن نظامها معقد خفي، لا يملك القارئ إلا التأثر به من غير أن يستدلّ عليه، ولا يستطيع رصد حركته إلا العارف بأصول الفن ودقائقه، تلك الأصول التي تجعل القصة مختلفة عن الحكاية والأحدوثة الشعبية. و(حمالة الدلع) تحيلنا إلى بعض تلك الأصول وما يحدث اختلالها من آثار في العمل القصصي.
تبدأ القصة بمقتبس استهلالي من (صلاح جاهين):
"النهد زيّ الفهد نط اندلع
قلبي إنهبش بين الضلوع وانخلع
يلـّي نهيت البنت عن فعلها
قول للطبيعة كمان تبطل دلع..
وعجبي"

إن فكرة وضع مقتبس لستهلالي فكرة جيدة لتحديد استجابة القارئ في حقل شعوري محدد، وقد أحسنت ميسون في تركيب وحدة نصية تتألف من العنوان والمقطع الاستهلالي، جعلتها تؤدي وظيفة شبيهه بتلك التي تؤديها علامة مرورية في بداية طريق ما، لتشير إلى نوع الطريق.
تبدأ القصة، بعد ذلك، بهذه العبارة:
" مر أسبوع كامل وهيفاء حائرة، لا تدري كيف تطلب من والدها هذا المبلغ دون التعرض للإحراج.. نسقت بعض الجمل وأعادت ترتيبها مرارا ثم ألغتها، ورتبت جملاً جديدة وألغتها، كانت تفكر كل الوقت في كيفية الطلب.."
من الواضح هنا أن القصة ستروى من خلال رؤية (هيفاء) بطلتها، إذ لا يمكن لأي شخصية أخرى أن تعرف ما كان يدور بخلدها من حيرة إلا هي نفسها. ولكن بعد أسطر قليلة يأتي هذا الحوار بينها وبين أبيها:

-أعطني بعض المال..
-لماذا؟
-أريد أن أشتري شيئا ما!
-ما هو؟
-لا استطيع أخبارك..
-لماذا؟!
-سأشتري شيئًا.. يخص الفتيات..
فهم الوالد ما ترمي إليه ولكنه أراد أن يسمعها تقول بنفسها ما تريد ويضحك معها ويستفزها قليلا:
-لن أعطيك، إلا إذا قلت لي ما هو هذا الشيء!

إن العبارة (فهم الوالد.......) فخ أطبق على ميسون وهي تحاول وضعنا في أجواء قصتها، فما كانت تريد قوله أن الوالد مازال يرى ابنته طفلة، لكن كيف استطاع الراوي – إذا كان هيفاء نفسها – أن يعرف ما يفكر به الأب مع نفسه، وإذا لم يكن الراوي (هيفاء) فمن هذا الذي يسطيع الدخول في عقل كل من الشخصيتين واستبطانهما؟ إن زاوية النظر ركن مهم من أركان السرد وأحد أهم المظاهر الجمالية في القصة، فلا يجوز قص القصة إلا من خلال رؤية شخصية واحدة، وإذا كانت هناك ضرورة فنية فيجب الفصل بين الرؤى بفواصل طباعية لإرشاد القارئ إلى تغير زاوية النظر.
هناك أعمال سردية عالمية شذت عن هذه القاعدة لأغراض فكرية، مثل رواية ماركيز (خريف البطريرك) التي كان الراوي فيها يتغير من غير إشعار واضح، لأن ماركيز كان يريد تصوير شخصية الديكتاتور بشكل عملي للقارئ، من خلال ممارسته سلطة ديكتاتورية عليه تستفز فيه الحنق.
في (شاي وبسكوت وسكر) أجادت ميسون عرض شخصياتها بطريقة تصويرية، إذ أن على القاص أن يرينا شخصياته لا أن ينجر وراء الحدث ويمارس دور (الحكواتي) ليخبرنا عما فعلت تلك الشخصيات، لكنها في هذه القصة تبدو مستعجلة في نهايتها ، فتغادر طريقة تصوير الشخصيات وهي (تفعل)، لتأخذ هي نفسها زمام السرد وتبدأ بإخبارنا عن الأحداث التي جرت:
" ابتعدت عن رفاقها وخاصة الشباب وانزوت وحيدة، وأهملت مظهرها الخارجي وتحولت مشيتها إلى مشية عجوز منحنية الظهر ومطأطئة رأسها ورقبتها متدلية بوهن من فوق كتفيها، تسير وهي مكتفة يديها طوال الوقت. "
إنها هنا تقرر النهاية، فالفعل (ابتعدت) ليس عملا قامت به الشخصية في زمن محدد، إنما هو نتيجة ترتبت على الأحداث السابقة، لكنها نتيجة جاءتنا من خارج القصة، ولم نر من أفعال (هيفاء) ما يوحي لنا بالوصول إلى هذه النتيجة.
والحديث عن الفعل (ابتعدت) يجرنا إلى النظر في الأفعال التي استخدمتها الكاتبة في جسد قصتها. ولنأخذ مثلا هذه العبارة:
" كانت تعتقد وهي في طريقها إلى البيت أن الجميع ينظر إليها.."
إن التركيب (كانت تعتقد) يذكرنا بطريقة حكي الحكاية (كان ياما كان في قديم الزمان كان هناك ملك........)، فالفعل (كان) قبل الأفعال المضارعة يؤدي إلى بناء صيغة تدل على أن المتحدث يروي فعلا ماضيا وهو موجود خارجه الآن، وكان الأفضل أن تقول:
(اعتقدت وهي في طريقها إلى البيت أن الجميع ينظر إليها..)
في هذه الحالة ستكون الجملة نقلا تصويريا للشخصية لا إخبارا عن حدث ماض.
وتحاول الكاتبة عرض احتمالين للنهاية، الأول جاء متماسكا منسجما مع بنية السرد، فبعد صدمة (هيفاء) بحادث صديقتها، تصاب بالإحباط الذي يدفعها إلى الانزواء والابتعاد عن الاختلاط بالجنس الآخر.
أما الاحتمال الثاني فيأتي هكذا:
"أعذرني عزيزي القارئ على هذه النهاية الحزينة والمتوقعة، لكن الحقيقة لم يحدث شيء مما قررته هيفاء بعد ذلك الحادث مع صديقتها حسناء، فقد ذهبت بالاتجاه العكسي تماما وأصبحت تبرز نهديها في كل مناسبة متاحة أو غير متاحة وتترك نصفه الأعلى مكشوفا يترنح ويرقص كيفما تسير...."
ولا أدري ما الذي دفع ميسون إلى هذا، فهي تكشف عن نفسها بشكل يفسد بنية السرد تماما؛ (اعذرني عزيزي القارئ....) فهذه العبارة أدت إلى ظهور القاصة بهيئة الراوي، مما يجعل قصتها قريبة من الحكاية.
ومع كل هذا فللقصة قيمتها المتأتية من ملامسة الكاتبة لموضوع من الموضوعات المسكوت عنها والمحرم الخوض فيها، مشاعر الفتاة وهي تنتقل من الطفولة إلى البلوغ، تلك المشاعر التي تصيبها بالكآبة لعدم عثورها على من يوضح لها كنه هذه التغييرات الكبيرة التي تطرأ على جسدها.



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن قتيبة وإغفال التجربة الشعورية
- شعرية القصة القصيرة جدا
- تناقضات الغذامي في القصيدة والنص المضاد
- نمر سعدي .. الرومانسي الجديد
- جيكور أمي – قراءة ثانية في تجربة السياب العروضية
- الأخطل الصغير..شاعر الهوى والشباب
- نضال نجار .. الإيقاع والتصرف الصوتي
- الصورة اللغوية في نصوص آمنة عبد العزيز
- مقدمة نهج البردة الطللية بين البوصيري وشوقي
- المرأة الحلم في شعر المتنبي
- المرأة الاديبة والرجل (المثقف )
- (أنا) الجواهري
- القصيدة المؤنثة. . لميعة عباس عمارة
- قراءة جديدة في (غريب على الخليج)
- فانتازيا الحقيقة في شعر فاطمة ناعوت
- إيقاع النثر
- تأملات في الصورة الشعرية
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية(11) الشفاهية و ...
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية(9) الشفاهية وا ...
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية (10) الشفاهية ...


المزيد.....




- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - (حمالة الدلع) وفخاخ القصة القصيرة