أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد حسنين الحسنية - يعقوب صنوع أديب الحرية















المزيد.....

يعقوب صنوع أديب الحرية


أحمد حسنين الحسنية

الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 05:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لأقر بأنني أكتب هذا المقال لعدة دوافع تختلط بالنفس ، فأنا حين أقرأ عن يعقوب صنوع ، أقف أمام شخصية مصرية ، إمتزجت فيها عدة ثقافات معا ، إختلطت و ذابت في بعضها البعض ، ثم سكب عليها من إبداع شخصيته و خلاصة نتاج عقله ، فكان إبداع يعقوب صنوع ، إلا أن الإبداع الأدبي و التواصل الثقافي بين عدة ثقافات الذي تمثل في شخصيته و إبداعه ليس بالسبب الأوحد ، فهناك أيضا الوطنية المتأججة التي كانت تشتعل في نفسه و ظلت متأججة بداخلة إلى الرمق الأخير . تلك الوطنية التي جعلت منه مثالا على الإصرار كما سنرى في إستعراض وجيز لسيرة حياته الحافلة بالوطنية و الإبداع و الأحداث ، و قد دفع ثمن تلك الوطنية غاليا, بينما كان بإمكانه أن يجني الكثير من المنافع الدنيوية الزائلة لو إنه إختار طريق أخر ، طريق سلكه الكثير ، فأثروا و تملكوا و نعموا بالرفاهية و الجاه ، إن ما يكبر في العين من تضحياته ، إنها كانت بمحض الإرادة ، فقد كان من المقربين من الأسرة الحاكمة ، و كان يملك من المؤهلات الشخصية ما يجعل من نجاحة المادي أمر مؤكد ، لكنه آثر طريق الأشواك ، طريق المصاعب و المخاطر ، طريق يدفع فيه صاحبه و يضحي ، و لا يجني منه إلا المتاعب و المشاق . لقد آثر طريق النضال الوطني ، و محاربة الفساد و الإستغلال ، و سوء إستخدام السلطة ، فوظف كل طاقاته البدنية و مواهبه الأدبية ، و ذكاءه المتأجج ، من أجل تلك القضايا. تلك القضايا التي هي قضايانا نحن أيضا حتى بعد أكثر من مائة و ثلاثين عاما ، و للأسف الشديد . فمازلنا ننادي بالرقابة البرلمانية الحقيقية ، و حرية إختيار ممثلي الشعب دون تدخل رأس المال و التزوير ، و لازلنا ننادي بمحاربة فساد الحاكم ، و الفصل الفعلي بين المال العام و الخاص ، و نحارب سوء إدارة موارد الدولة ، و نصرخ ضد توريط مصر في ديون طائلة ، و نهتف ضد إحتكار فئة قليلة مقربة للحاكم للإقتصاد المصري ، بينما الأغلبية تعاني و تعتصر من أجل إثراء قلة . نعم مائة و ثلاثين عاما و القضايا هي ذات القضايا ، فقد عدنا القهقرى ، لنحارب نفس الحرب التي خاضها يعقوب صنوع و غيره من احرار عصره و متنوريه مثل الشيخ الأفغاني و الإمام محمد عبده ، أستاذ سعد زغلول ، و غيرهم من الأحرار المتنورين . إن هذا حقا ما يثير الألم ، حين نجد تاريخنا بدلا أن يمتد سائرا في خط طولي يتقدم للأفضل ، نجده يسير في خط دائري ثم يقف عند فترة حالكة من تاريخ مصر ، فيستنسخ أهم معالمها السيئة .

ولد أديب الحرية ، يعقوب صنوع ، في التاسع من فبراير من عام 1839 ، بحارة اليهود بالقاهرة ، أباه من أسرة يهودية إيطالية مهاجرة أما السيدة والدته فمن أسرة يهودية مصرية . و قد حرصت أسرته على أن يحصل على تعليم متنوع فدرس العربية و العبرية و الإنجليزية ، حتى كان يستطيع قراءة القرآن بالعربية و التوراة بالعبرية و الإنجيل بالإنجليزية و هو بعد في الثانية عشرة من عمره ، كما أجاد الإيطالية ، لغة أسرة أبيه ، و الفرنسية لغة العلم و الأدب في ذلك العصر ، و التركية لغة الأرستقراطية الحاكمة آنذاك. نصف دزينة من اللغات أتاحت له أن يكون عالمي الثقافة ، قادر على أن يرد موارد العلم و الأدب و الفن على إختلاف مصادرها و تنوعاتها .

لكن أديبنا لم يكن بالناقل ، أو محصل كالنمل ، بل كان مبدعا كالنحل ، الذي يرتشف رحيق مختلف الورود و الأزهار ، ثم يبدع إبدعا شهيا كشهد ، فأبدع إثنتان و ثلاثين مسرحية ، و قد أخرج بنفسه معظم تلك المسرحيات من خلال فرقة مسرحية أنشأها . و من تلك المسرحيات ، السلاسل المحطمة و البورصة و الحشاش والضرتان و زبيدة و الوطن و الحرية . و قد كان في معظم مسرحياته إما ناقد لعيوب المجتمع المصري ، أو لفساد الحاكم و النخبة المسيطرة ، حتى لقب بموليير مصر ، في إشارة إلى تشابه أهدافه مع الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير ، الذي إنتقد المجتمع في عصر حاكم متسلط هو لويس الرابع عشر ، الذي كان يعشق أيضا الأبهة و الفخامة و لو كلفت الشعب الكثير ، كما كان الخديو إسماعيل .

إلا أن موليير مصر ، يعقوب صنوع ، لم يكتف بالمسرح كوسيلة للنقد و للتنوير و التغيير ، فأسس أيضا أحد أشهر الصحف المصرية في تاريخ الصحافة المصرية ، أبو نضارة زرقا ، التي صدر العدد الأول منها في الحادي و العشرين من مارس من عام 1877 ، و ذلك بتشجيع من قائدي التنوير الشرقي ، السيد جمال الدين الأفغاني و الإمام محمد عبده ، فكانت شوكة لم يستطع الخديو إسماعيل تحملها طويلا فكان النفي من مصر في الثاني و العشرين من يونيو من عام1878.

لكن لم يكن يعقوب صنوع بالرجل الذي يفت النفي في عضده ، أو يجعله يفتر في حماسته ، فأصدر من منفاه جريدة رحلة أبو نضارة زرقا ، في السابع من أغسطس من عام 1878 ، التي إستمرت حتى سبتمبر من عام 1879 ، و قد عاد فأصدر في نفس العام الذي توقفت فيه جريدة ، رحلة أبو نضارة زرقا ، جريدة أبو نضارة زرقا ، و ذلك للمرة ثانية ، في الحادي و العشرين من مارس من عام 1879 و ذلك لبضعة أشهر . و قد تعددت الصحف التي أصدرها في منفاه ، فبالإضافة للصحيفتين السابقتين ، أصدر صحيفة النظارات المصرية ، و أبو زمارة ، و أبو صفارة ، و الحاوي ، و أبو نضارة لسان حال الأمة المصرية الحرة ، و التودد ، و المنصف ، و أخيرا جريدة الأمة الإسلامية و التي صدرت بالفرنسية حيث كانت موجهة للقراء داخل فرنسا ، بعكس الصحف السابقة التي كانت أساسا للقراء داخل مصر ، فكانت صحفه تهرب إلى مصر حتى أن الزعيم الوطني المصري ، أحمد عرابي ، و الذي حافظ يعقوب صنوع على إتصالاته به رغم المنفى ، و إستمر التراسل بينهما بعد نفي أحمد عرابي و رفاقه إلى سيلان ، كتب إلى يعقوب صنوع في عام 1884 ، رسالة قال فيها : أعترف أنك كنت أول من تعاطف مع الأمة العربية ، لأنك كافحت من أجل قضية الحرية ثماني سنوات ، و قد كان صحيفتاك الحاوي و أبو نضارة زرقا أهم عون لي في نداء الأمة و نشر أفكار الحرية بين القاصي و الداني ، أكرمك الله باسم الأمة .

إن ذكرى هذا البطل المصري الوطني ، الذي أصبح شبه مجهول اليوم، لا يجب أن تغيب عن الذاكرة الشعبية المصرية . فكما إن ذكراه مثال لبطل وطني من أبطال القلم ، فإنها مثال رائع و عملي للتلاحم الوطني المصري ، و بيان إن شعار ثورة 1919 ، و التي لم يعاصرها بطلنا حيث توفي في أكتوبر 1912 ، كان شعار مطبق بالفعل في مصر من قبل إطلاقه .

أكرم الله يعقوب صنوع ، كما دعا له الزعيم المصري الوطني الخالد أحمد عرابي في إحدى رسائله ، و أكرم الله كل وطني مصري أيا كان معتقده أو أصله أو لونه أو عرقه أو جنسه أو ثقافته . على إن هذا المقال لا رابط بينه و بين أي أحداث معاصرة حدثت و تحدث أو ستحدث في منطقتنا ، فالمقال يتحدث فقط عن هذه الشخصية العظيمة ، و على دلالات تاريخ نضالها الوطني ، و تفاعلاتها مع بعض الشخصيات المعاصرة لها .



#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأغنياء و المساتير أيضاً يثورون
- هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام
- لا يا بلد شامبليون، الحضارة المصرية لم تبن بالسحر
- يا راكب القارب، تعال نصنع أوروبا في مصر
- حتى لا يساء للقرآن، إبحثوا عن بديل لكلمة إرهاب
- مبارك و بوتين، الفارق بين من فرط و من إسترد
- مبارك و بوتين، لا وجه في المقارنة بين من فرط و من إستعاد
- الجمهورية المصرية الثانية، هكذا ستقوم
- أحمدي نجاد، لا فارق بينك و بين آل سعود و آل مبارك
- لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنية؟
- الخطوة القادمة شريحة تحت الجلد
- ماذا لو ان عرفات في غير عرفات؟؟؟
- حالة الطوارئ الباكستانية هل تختلف عن المصرية؟؟؟
- لا تتوسلوا للبناويين أو لأحد
- إنه مخاض لعصر أكثر إظلاماً، يا أستاذ هيكل
- و حملها الإنسان، الرد على مفكر النازية المصرية
- مش دورك يا أبو جيمي
- قانون الخروف الأسود، هل سيطبق على جرائم الكراهية؟؟؟
- موافقة آل مبارك على الإجتياح التركي، قصة تكرار الخطأ
- من سيقود القطاع المصري المسيحي في الثورة القادمة؟؟؟


المزيد.....




- الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الان ...
- الولايات المتحدة غيّرت مسار المواجهة - كيف سترد إيران؟
- خاص يورونيوز: إسرائيل ترفض تقرير الاتحاد الأوروبي حول غزة وت ...
- خبير إسرائيلي: تل أبيب لا تريد التصعيد والكرة في الملعب الإي ...
- هل فشلت -أم القنابل- في تدمير -درة تاج- برنامج إيران النووي؟ ...
- أحداث تاريخية هزت العالم بالأسبوع الرابع من يونيو
- الرأسمالية نظام -غير ديمقراطي- يستنزف جنوب العالم ليرفّه عن ...
- هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
- كيف نُفذت الضربة الأميركية على إيران؟ وما الأسلحة المستخدمة؟ ...
- كيف يرد الحوثيون بعد هجمات واشنطن على إيران؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد حسنين الحسنية - يعقوب صنوع أديب الحرية