أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الجبهة الوطنية عملية طبقية (اخيرة)















المزيد.....


الجبهة الوطنية عملية طبقية (اخيرة)


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الجبهات بعد ثورة تموز
منذ ثورة تموز اصبح هدف الطبقة العاملة الحقيقي انهاء الحكم الجديد، حكم الطبقة الراسمالية. وهذا يعني في العرف الماركسي بداية مرحلة الثورة الاشتراكية. واساس ذلك ان التركيب الطبقي بعد ثورة تموز تغير عما كان عليه قبل ثورة تموز. فقد فقدت الطبقة البرجوازية هدفها المشترك مع الطبقة العاملة واصبحت هي الطبقة المستغلة الاساسية للطبقة العاملة وسائر الكادحين، ولم يعد لدى البرجوازية وجود لمصلحة في تغيير النظام السياسي بل بالعكس كان اهم واجباتها قمع كل حركة تهدف الى اي تغيير في النظام السياسي. بينما اصبح هدف الطبقة العاملة الاساسي هو الاطاحة بنظام الحكم البرجوازي وتحقيق دكتاتورية الطبقة العاملة. وهذا يعني انتفاء امكانية التحالف على هدف مشترك بعيد المدى لان هدف الطبقة العاملة الاساسي هو نقيض مباشر لهدف البرجوازية الاساسي. واذا كان بالامكان قيام جبهة في الظروف الجديدة كان عليها ان تكون جبهة العناصر الطبقية القائمة المناضلة ضد الطبقة الراسمالية الحاكمة. كأن تكون مثلا جبهة بين الحزب العمالي واحزاب الفلاحين اذا وجدت واحزاب المراتب البينية المتوسطة اذا توفرت والنقابات العمالية والنقابات المهنية كنقابة المهندسين ونقابة المحامين ونقابة الاطباء ونقابة الصيادلة وغيرها. فرغم التناقض بين مصالح هذه الفئات توجد مصلحة مشتركة هي مصلحة التخلص من استغلال الطبقة الحاكمة البرجوازية. وهنا ايضا يصدق الشعار الحقيقي لنفترق لكي نتحد، اي شعار استمرار النضال من اجل المصالح الاساسية والاتفاق من اجل الهدف المشترك كأساس لاية جبهة يمكن قيامها.
ان تاريخ الجبهات في المجتمع العراقي منذ ثورة تموز والى اليوم يختلف عن هذا المبدأ الاساسي. فاذا اخذنا جبهة ۱٩٧۳ مع حزب البعث الحاكم مثلا لا نجد اثرا للشعار الحقيقي للطبقة العاملة فيما يتعلق بالجبهة. فهدف الطبقة العاملة الاساسي هو اسقاط الحكومة البرجواية وتحقيق حكم الطبقة العاملة. ولكن الحزب الذي من المفروض انه يمثل الطبقة العاملة عقد جبهة مع السلطة التي تهدف الطبقة العاملة الى اسقاطها. كان هذا تخليا تاما عن مصالح واهداف الطبقة العاملة والكادحين من اجل عقد الجبهة. ان التحالف مع السلطة الراسمالية القائمة يعني جعل الطبقة العاملة ذيلا للطبقة البرجوازية.
كانت الشعارات المعلنة حول اسباب تحقيق مثل هذه الجبهة هي النضال ضد الاستعمار او السير قدما نحو الاشتراكية. وهذان الشعاران كانا ضحكا على الذقون. فما معنى النضال ضد الاستعمار؟ يعني ان الطبقات الرازحة تحت نير الاستعمار تناضل من اجل الحصول على السلطة التي تتيح لها فرصة التحرر من الاستعمار. فحكومة عبد الكريم قاسم مثلا لم تجد حاجة الى النضال ضد الاستعمار او عقد جبهة للنضال ضد الاستعمار. انها انهت الجبهة يوم الثورة ولكنها حققت التحرر من الاستعمار عن طريق الغاء المعاهدات الاستعمارية وحلف بغداد والاتحاد الهاشمي وحررت الحبانية من الجيش البريطاني وغير ذلك من الاجراءات. وكذلك لم تعقد الحكومة السوفييتية الاولى جبهة في سبيل النضال من اجل الاشتراكية وانما قامت باتخاذ الاجراءات الفورية في طريق تحقيق الاشتراكية كتأميم الارض والاستيلاء على المشاريع الراسمالية الاجنبية والمحلية فور نجاح الثورة.
فالشرط الذي ينبغي على اية طبقة ان تحققه من اجل التحرر من الاستعمار اذن هو الحصول على السلطة. واذا حازت طبقة معادية للاستعمار على السلطة فبامكانها التحرر من الاستعمار وانهاء نفوذه بوقوف سلطتها ضد الاستعمار ولا يتطلب ذلك قيام جبهة للنضال من اجل تحقيق ذلك. وما هي شروط اية طبقة تريد تحقيق الاشتراكية؟ هي ان تحوز على السلطة وتحقق الاشتراكية وهذا لا يتطلب قيام جبهة من اجل تحقيق ذلك. فالطبقة الحائزة على السلطة بامكانها ان تحقق خطوات تحويل المجتمع البرجوازي الى مجتمع اشتراكي لعدم وجود سلطة تقف ضدها في هذا المجال. ويتحول النضال انذاك الى نضال ضد بقايا الطبقات المطاح بها التي تعمل كل ما في وسعها لاستعادة سلطتها المفقودة. ان شعارات الجبهة مع السلطة ضد الاستعمار ومن اجل تحقيق الاشتراكية هي شعارات وهمية لا اساس لها من الصحة. ان اي تحالف لحزب يمثل الطبقة العاملة مع السلطة القائمة على اساس استغلالها هو تخل تام عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين. وقد اثبت التاريخ بطلان هذه الشعارات وتحول الجبهة الى وسيلة تدمير وابادة للحزب الحليف، الحزب الشيوعي، وللطبقات الكادحة من قبل السلطة السائدة.
هنا لابد من الاشارة الى ما تطرق اليه الاخ ابو سارة في مقاله عن الاتجاه الملحوظ نحو توجه اعضاء وكوادر الحزب نحو حزب البعث في فترة الجبهة. فجبهة الحزب الشيوعي مع حزب البعث هي جبهة بين حزب يمتلك كامل السلطة بجميع مؤسساتها القمعية وكامل الثروات الاجتماعية وبين حزب لا حول له ولا قوة الا بما يتصدق به الحزب الحليف عليه. فالعضو في حزب البعث يحوز على كل الامكانيات من الوظائف الحكومية والدراسة في الجامعات والبعثات الدراسية وليس امامه ما يعرقل حياته ومستقبله. بينما يتعرض عضو الحزب الشيوعي الى كافة انواع الاضطهاد والمضايقات سواء في الحصول على وسيلة للعيش او الثقافة او في التعرض للسجون والتعذيب وقصر النهاية. كان الحزب الشيوعي منذ تأسيسه وخصوصا في عهد الرفيق فهد حزبا معارضا يتبنى اهدافا معادية للسلطة القائمة وللاستعمار. وكان الشخص الذي يقرر الانتماء الى الحزب الشيوعي يؤمن بمبادئ الحزب هذه ويعرف سلفا انه سيتعرض الى المضايقات والاضطهاد لهذا السبب ويكون على اتم استعداد لتحمل ذلك. اما في الجبهة مع حزب البعث فكان الوضع مختلفا تمام الاختلاف. فقيادة الحزب الشيوعي تعلن ان الجبهة ليست جبهة مرحلية ولا جبهة مؤقتة وانما هي جبهة دائمة حتى تحقيق الاشتراكية. ومعنى هذا ان الحزبين الحليفين يعملان في نفس الاتجاه ومن اجل تحقيق نفس الهدف. فكلا الحزبين يهدفان الى تحقيق الاشتراكية. ولكن اعضاء الحزب الشيوعي يعانون من اضطهاد السلطة القائمة ومن المضايقات في الحصول على وسائل العيش والثقافة ويتعرضون الى السجون والتعذيب وحتى القتل والاعدام بينما يتمتع اعضاء حزب البعث بكامل الشروط التي تحقق لهم اهدافهم. فاذا كان الحزبان يعملان على تحقيق نفس الاهداف اليس من المنطق ان يتجه الشخص الى حزب البعث وليس الى الحزب الشيوعي؟
كانت لحزب البعث مصلحة في التحالف مع الحزب الشيوعي سواء اكانت مصلحة داخلية لرفع مكانة حزب البعث لدى عموم الشعب العراقي ام مصلحة خارجية هي التحالف والتعاون مع الدولة السوفييتية التي كانت تزود حكومة البعث بالسلاح وبالمساعدات الاقتصادية. وحين توصل حزب البعث الى اهدافه من الجبهة ركل الجبهة بقدميه وشن حملته المعروفة ضد اعضاء وكوادر الحزب الشيوعي الذين لم يستطعوا الهروب من العراق واللجوء الى دول العالم اجمع. وفي هذه الفترة كما هو معروف اصبح الحزب الشيوعي بكامل قيادته حزبا بعيدا عن العراق وبعيدا عن الطبقة العاملة التي من المفروض انه يمثلها ويقودها الى تحقيق اهدافها. اصبح حزبا مبعثرا في ارجاء العالم يقتصر في اعماله على نشر جريدة ومجلة خارج العراق ويتلقى المساعدات والعون من كل من له مصلحة في بقاء الحزب الشيوعي كالاتحاد السوفييتي الخروشوفي والعاهل السعودي والرئيس الاسد ومعمر القذافي ومن شابههم. وتقتصر نشاطاته على عقد الاجتماعات والندوات وجمع التبرعات من الاعضاء والاصدقاء في هذه الاجتماعات. اصبح الحزب قائدا بلا جيش منعزلا كل الانعزال عن الطبقة التي من المفروض انه يقودها ويوجهها وينظمها ويقود نضالاتها.
في هذه الفترة تحول الحزب الشيوعي من خندق الجبهة الى خندق المعارضة وظهر شعار الجبهة العريضة. فكان تثقيف الحزب يشير الى ان تحقق الجبهة العريضة سيؤدي الى تحقيق اهداف الشعب العراقي كلها. ولكن عرض الجبهة لا يقاس بالسنتمترات او الامتار. فلا مقياس لعرض الجبهة. هل تتكون الجبهة من عشرة احزاب ام عشرين حزبا ام مائة حزب؟ ليس لهذا جواب في شعار الجبهة العريضة. وتكونت العديد من الجبهات ولكنها حسب رأي الحزب الشيوعي لم تبلغ العرض المطلوب. وكان المثل الاعلى للجبهة يعتبر جبهة جود التي كانت احدى نتائجها مجزرة بشت اشان. فما هو الاساس في انضمام الاحزاب لهذه الجبهات؟ ليس هناك اية اشارة الى التمثيل الطبقي للحزب المنضم الى الجبهة ولا الى نفوذه الجماهيري ولا الى مبادئه السياسية والاجتماعية والدينية. يكفي ان يجد خمسة او ستة اشخاص ممولا لهم ليشكلوا حزبا وينضموا كاحد احزاب الجبهة العريضة المنتظرة. فتالفت الجبهات من احزاب متناقضة كل التناقض مبدئيا وسياسيا ودينيا وطبقيا. وكثيرا ما كانت الجبهات تنحل قبل جفاف الحبر الذي وقع فيه تشكيلها. وكانت تضم العديد من احزاب عميلة للاستعمار الاميركي والبريطاني ومرتبطة علنيا بالاستخبارات الاميركية والبريطانية وغيرها واحزاب دينية متطرفة وطائفية وغيرها من الاحزاب التي لا نفوذ لها لدى جماهير الشعب الكادحة. وكان ما يسمى قيادة الطبقة العاملة من قبل الحزب الشيوعي قيادة بالمراسلة بالتحكم من بعيد (الريموت كونترول). كل ما كان يعلن عن اهداف هذه الجبهات المتعددة هو انها احزاب معارضة لنظام صدام حسين والتعاون مع الامبريالية الاميركية والبريطانية التي خصصت الملايين من الدولارات تمنحها للاحزاب المؤلفة لهذه الجبهات تحت شعار تحرير العراق وهو ما ادى الى احتلال العراق وتدمير دولته ومؤسساته ونهب ثرواته واثاره وتحطيم جامعاته ومكتباته وقتل علمائه ومثقفيه وهجرة الملايين من ابنائه توخيا للبقاء على قيد الحياة في افظع الظروف وتهجير الملايين من العراقيين داخل العراق وسكناهم في مخيمات لاجئين داخل بلادهم على اساس طائفي والعمل على تقسيم العراق الى دويلات طائفية وقومية متناحرة ومتحاربة فيما بينها وانهاء الهوية العراقية وفي منح امتيازات النفط للشركات بدون حدود ولعدة عقود بدون ان يكسب الشعب العراقي حتى الضئيل من ثرواته كأن يتوفر لديه الوقود الكافي للطبخ والتدفئة والنقليات كما هو الحال في عراق اليوم الغني بالثروات والمحروم حتى من الغاز المستخدم في الطبخ والتدفئة.
وهنا تنبغي الاشارة الى ما تضمن مقال الاخ ابو سارة من الاغراءات التي تمارسها قيادة الحزب الشيوعي لجذب الاشخاص نحو تأييد العملية السياسية الامبريالية وتأييد الاهداف القومية والطائفية كقضية كركوك وقضية الفدرالية التي تعني تقسيم العراق الى هذه الدويلات الثلاث كمقدمة لتقسيم سائر بلدان الشرق الاوسط تحقيقا للاهداف الاميركية الصهيونية لشعار الشرق الاوسط الكبير او الشرق الاوسط الجديد.
ان اية جبهة يمكن التفكير في انشائها اليوم في العراق يجب ان تكون جبهة طبقية تهدف الى تحقيق الاهداف الاساسية للطبقات التي تشكل الشعب العراقي اليوم. يجب ان تكون جبهة تعمل اولا وقبل كل شيء على هدف مشترك هو تحرير العراق من الاستعمار الاميركي البريطاني المباشر. يجب ان تهدف الى تحرير العراق من عملاء الاستعمار الاميركي البريطاني ومن الاستعمار الايراني الذي استفحل نتيجة للاحتلال. يجب ان تهدف الى المقاومة بجميع اشكالها بما فيها المقاومة المسلحة ضد المحتلين واذنابهم. يتحدث الكثيرون عن المصالحة ولكن المصالحة الحقيقية الوحيدة الممكنة في هذه الظروف هي المصالحة بين فئات الشعب الكادح المعارض للاحتلال. فالمصالحة الحقيقية هي الجبهة التي يمكن تأليفها بين فئات الشعب الطبقية المختلفة من اجل تحقيق الهدف الاساسي، هدف تحرير العراق من الاحتلال. وحتى في هذه المصالحة توجد اتجاهات مختلفة ومتعارضة وينبغي ان تعمل كل طبقة او فئة على تحقيق مصالحها واهدافها الخاصة كنتيجة للتحرر من الاحتلال. وهدف الطبقة العاملة الذي ينبغي ان تعمل على تحقيقه هو القضاء على كل انواع الاستغلال المحلي والاجنبي. على الطبقة العاملة ان تعمل في اتجاه هدفها الاساسي في القضاء على جميع انواع الاستغلال وان لا تتخلى عنه او تنساه ولو لحظة واحدة، الاتجاه نحو الثورة الاشتراكية التي وحدها يمكن ان تحقق هدف الرفيق فهد "وطن حر وشعب سعيد".
قد لا تفلح الطبقة العاملة في تحقيق هدفها خلال النضال القائم من اجل تحرير البلاد من الاحتلال ومن اجل صيانة وحدة العراق والقضاء على التمايز الطائفي والقومي ولكن هذا لا يعني ان تتخلى الطبقة العاملة ولو لحظة واحدة عن هدفها الاساسي. عليها ان تكون مستعدة منذ اليوم لمواصلة النضال من اجل تحقيق هدفها حتى بعد التحرر من الاحتلال اذا لم تستطع تحقيقه من خلال عملية التخلص من الاحتلال وتحرير العراق. فحتى في مثل هذه الجبهة ضد الاحتلال يصدق الشعار الحقيقي لنفترق لكي نتحد.

الجبهة الصينية
اشرت الى ان مبدأ الجبهات الوطنية يقضي بان لا يجوز ان تتفق الطبقة العاملة عن طريق حزبها مع السلطة التي تهدف الى اسقاطها. وهذا مبدأ عام وصحيح بصورة دائمة. ولكن التاريخ يعرف جبهة عقدها الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ مع سلطة جان كاي جك التي كان يحاربها وكانت تلاحق جيشه يوميا من اجل القضاء عليه. كانت هذه الجبهة فريدة في طبيعتها تختلف عن سائر الجبهات المعروفة وقد يبدو انها تشذ عن المبدأ الماركسي لقيام الجبهات.
وكثيرا ما يستشهد التحريفيون والانتهازيون بهذه الجبهة لتبرير مواقفهم المناقضة لمصالح الطبقة العاملة التي يدعون تمثيلها. فها ان الحزب الشيوعي الصيني عقد جبهة مع اكثر الحكومات رجعية ودموية ومحاربة للشيوعية فلماذا لا يصح ان يتحالفوا هم ايضا مع سلطة وطنية ضد الاستعمار ومن اجل الاشتراكية؟ وقد ظهر هذا واضحا على سبيل المثال لا الحصر حين توصل بعض المنظرين الشيوعيين العراقيين الى ان الحرب العراقية الايرانية التي كانت طوال سنواتها حربا عدوانية اصبحت في اواخر عهدها بالنسبة للعراق حربا عادلة للدفاع عن الوطن وتأسفوا لان البرجوازية وحدها هي التي تقوم بالدفاع عن الوطن واوعزوا للشيوعيين ان ينضموا الى الجيش العراقي في حربه الوطنية ضد ايران واستشهدوا بالجبهة الصينية كأحد الامثلة على جواز عقد الجبهات مع الحكومات القائمة.
ليس هنا نقاش مصير الشيوعيين لو قبلوا نصيحة قادتهم وانضموا الى الجيش العراقي بعد انتهاء الحرب وكيف سيطبق قانون اعدام الشيوعيين الذي اعدم بموجبه الكثير من الضباط الشيوعيين حتى اثناء قيام الجبهة مع حزب البعث.
ان نقاشنا هنا هو هل كانت الجبهة الصينية تخليا عن المبدأ الاساسي الماركسي لعقد الجبهات ام كانت تمسكا تاما بهذا المبدأ؟
كان الجيش الشيوعي قد خرج لتوه من المسيرة الكبرى يعيش في المغاور والكهوف يحتاج الى السلاح والى الطعام والى الشراب والى الملابس والى السجاير والى الشاي. ولكنه جيش بقي يحارب جيوش جان كاي شك ويعمل على توسيع المساحة التي يسيطر عليها بكل ما اوتي من قوة. كان ماوتسي تونغ في تلك الفترة محكوما عليه بالاعدام غيابيا من قبل الحكومة.
وفي هذا الوضع جاء اجتياح الجيوش اليابانية للاراضي الصينية وتوغلها بدون ان تستطيع حكومة جان كاي شك الصمود امامها. وحصل وضع تقوم به جيوش السلطة بالمحاربة على جبهتين، جبهة المحتلين اليابانيين وجبهة الشيوعيين المتمردين الثائرين. وكان على الحزب الشيوعي هو الاخر ان يحارب في جبهتين، جبهة الحكومة وجبهة المجتاحين اليابانيين. فلا يمكن للحزب الشيوعي ان يقف مكتوف الايدي تجاه الهجوم الياباني كناية بجيوش الحكومة الرجعية.
في هذا الوضع كان للشيوعيين وللحكومة هدف مشترك هو مقاومة الجيوش اليابانية وكان اتفاقهما ينقذ جيوش الحكومة من احدى الجبهتين وينقذ الشيوعيين ايضا من احدى الجبهتين. وفي هذه الظروف اصبح من الممكن عقد جبهة بين الطبقة العاملة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وبين حكومة جان كاي جك. وجرت المفاوضات وتم الاتفاق على عقد الجبهة.
في هذه الجبهة طبق المبدأ الماركسي لنفترق لكي نتحد تطبيقا مبدئيا رائعا. فكان من شروط الجبهة ان يصبح جيش الشيوعيين جزءا من الجيش الصيني رسميا فتقوم الحكومة بتجهيزه بالسلاح والعتاد والملابس والرواتب العسكرية شأنه في ذلك شأن الجيش الحكومي. ولكن الحزب الشيوعي لم يتنازل عن مبدأ تمثيله للطبقة العاملة الصينية وتمسكه باهدافها حتى في فترة قيام الجبهة. كانت اهم شروط الجبهة ان يكون الجيش الشيوعي من الناحية الرسمية جزءا من الجيش الصيني ولكن من الناحية العملية كان الجيش الشيوعي منفصلا انفصالا تاما وقاطعا عن الجيش الحكومي. فهو جيش شيوعي مستقل بقيادته وبضباطه وفي خططه وفي طريقة محاربته للغزاة اليابانيين. ولم يكن يحق للجيش الحكومي او للحكومة الصينية ان تتدخل في امور الجيش الشيوعي. واذا حصل اي تحرش من قبل الجيش الحكومي بالجيش الشيوعي فان الجيش الشيوعي يرد عليه بمنتهى الشدة. فمبدا لنختلف ثم نتحد طبق باروع اشكاله في هذا الشرط الذي منح الشيوعيين فرصة تحرير الاراضي التي يحتلها اليابانيون على ان يكون الشيوعيون هم الحاكمون في المناطق المحررة. وكان الشيوعيون يطبقون في الاراضي المحررة شروط الثورة البرجوازية بما فيها القضاء على الاقطاع وتوزيع الاراضي على الفلاحين. وقد بلغ سكان الاراضي التي حررها الشيوعيون وسيطروا على الحكم فيها مائتا مليون في نهاية الحرب ضد اليابان.
لو ان الجبهة كانت قد عقدت بنفس طريقة عقد الجبهات التحريفية الانتهازية بالتركيز على شعار فلنتفق على ما يوحدنا واندماج الشيوعيين اندماجا تاما بالجيش الحكومي بموجب الجبهة لكان من السهل على الحكومة الصينية في نهاية الحرب ضرب الحزب الشيوعي والقضاء عليه كما جرى للجبهات الاخرى. ولكن الحزب الشيوعي الصيني كان حزبا حقيقيا للطبقة العاملة وكانت له قيادة ماركسية بعيدة النظر ميزت منذ البداية بين ما يفرقها عن الحكومة قبل ان تتفق على ما يوحدها معها. فالجيش الشيوعي جيش شيوعي مستقل تمام الاستقلال عن الجيش الحكومي. والارض التي يحررها الجيش الشيوعي تبقى تحت سيطرة الحزب الشيوعي والحكم في المناطق التي يحررها الجيش الشيوعي حكم دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية بخلاف نظام الحكم شبه الاقطاعي في المناطق الحكومية. بعد هذا التركيز على الخلافات بين الحكومة وجيشها من جهة والحكومة الشيوعية والجيش الشيوعي من الجهة الاخرى يأتي دور الهدف المشترك. فعلى الحكومة ان توفر للجيش الشيوعي السلاح والمعدات وكل ما يحتاجه الجيش الشيوعي لمواصلة الحرب ضد الغزاة اليابانيين وعلى الجيش الشيوعي ان يحارب الغزاة اليابانيين لتحقيق الهدف المشترك المتفق عليه. وقد قام الحزب الشيوعي وجيشه بكل اخلاص وامانة في تحقيق الهدف المشترك طيلة ايام الحرب ضد الغزاة اليابانيين حتى انتهاء الاحتلال الياباني بانتهاء الحرب العالمية واستسلام اليابان.
وفور انتهاء الحرب ضد الغزاة اليابانيين انتهى الهدف المشترك بين الحكومة شبه الاقطاعية وبين الحزب الشيوعي. وكان من الطبيعي جدا ان تقوم الحكومة بطلب تسريح الجيش الشيوعي الذي كان من الناحية الرسمية فقط جزءا من الجيش الحكومي الصيني. ولكن تمسك الحزب الشيوعي الصيني منذ عقد الجبهة باستقلاله وبتركيزه على مصالح الطبقة العاملة واهدافها قبل الموافقة على الهدف المشترك جعل منه قوة هائلة ليس من السهل ضربها وتحطيمها. ولكن الحكومة الرجعية تساندها الامبريالية الاميركية ارادت مع ذلك تحطيم هذه القوة فامرت الحزب الشيوعي بحل جيشه وتسليم سلاحه والاراضي التي حررها للحكومة باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في الاراضي الصينية. ولكن الحزب الشيوعي اصر على احتفاظه بالاراضي التي حررها وبالحكم الذي انشأه في هذه الاراضي. وبدأت الحرب بين الحكومة والحزب الشيوعي وجيشه. ودامت الحرب عدة سنوات انتهت اخيرا بالانتصار العظيم الذي حققه الجيش الشيوعي وطرد الحكومة الرجعية من البر الصيني كله واعلان دولة الصين الشعبية.
هنا مثال لاعظم جبهة تعقد بين حزب شيوعي حقيقي يمثل الطبقة العاملة ويناضل من اجل تحقيق اهدافها وبين حكومة رجعية موالية للامبريالية الاميركية. وهنا اروع مثال على الالتزام بالشعار الماركسي الحقيقي لمثل هذه التحالفات والجبهات وهو شعار لنختلف لكي نتحد اي التأكيد على الاختلاف قبل الموافقة على الهدف المشترك.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجبهة الوطنية عملية طبقية (اولى)
- طبيعة ثورة اكتوبر 1917
- حق تقرير المصير بالمفهوم الماركسي (اخيرة)
- حق تقرير المصير بالمفهوم الماركسي (اولى)
- مشكلة الاقليات العرقية والدينية في منطقة الشرق الاوسط
- برلمان يخاف منتخبيه
- ملاحظة حول مشروع نظام مؤسسة الحوار المتمدن
- وداعا صديقي وعزيزي ابو شريف سلمان شكر
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (اخيرة)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (3)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (2)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (1)
- جواب على رسالة قارئ
- حول مقال -كفى خداعا للنفس وخداعا للاخرين-
- حوار مع الاخ هاشم الخالدي
- تعقيب على مقال الاخ باقر ابراهيم
- الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (2)
- الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (1)
- مع سعاد خيري في محنتها
- وأد ثورة تموز في مهدها


المزيد.....




- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الجبهة الوطنية عملية طبقية (اخيرة)