أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ميثم الجنابي - الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي















المزيد.....

الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2111 - 2007 / 11 / 26 - 05:23
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لقد صدر للدكتور علي ثويني احد الكتب العلمية والفكرية المهمة وهو كتاب (معجم عمارة الشعوب الإسلامية)، بغداد- بيت الحكمة، عدد الصفحات 830 من القطع الكبير). وبقي هذا العمل الموسوعي شأن الكثير من الأعمال العلمية الكبيرة خارج دائرة الضوء، على عكس المبتذل من "المؤلفات" التي لا تأليف فيها لغير الجهل والتسطيح! وهي حالة متناقضة، على الأقل في أوضاع العراق الحالية، بوصفها الوريث النموذجي لمرحلة الانحطاط الشامل الذي لازم استحكام الدكتاتورية وإيديولوجيتها الأصولية. غير أن قيمة الفكر ورجال العلم تكمن في مواجهة تناقض الحالات الشاذة. وبالتالي يمكن النظر الى كتاب الدكتور علي ثويني على انه الصيغة النقدية العميقة لحالة الانحطاط المادي والمعنوي المميزة لواقع العراق في العقود الأخيرة.
فالعمارة هي هندسة الروح والجسد. وتنظيمها في موسوعة هو توليف لتجارب الأمم العقلية والخيالية، أي تصنيع السبيكة التي تبدع على مثال نسبها المتجانسة جمال الحياة والآفاق. إذ ليس من السهل انجاز موسوعة في ظل الخراب، بينما يشكل ظهورها تحديا جريئا للتجزئة والتمزق والتحلل. كما أن الموسوعة، بغض النظر عن اختصاصها المباشر، هي على الدوام القوة الخازنة لتجارب الأمم. ومن ثم تحتوي بالضرورة على توليف إبداعها بالشكل الذي يجعله جزء من وعيها الذاتي. وهي الصفة التي يمكن رؤيتها في موسوعة الدكتور علي ثويني من أول موادها حتى آخرها. بمعنى احتواءها على تجميع وتنظيم وتدقيق تجارب المعمار الإسلامي من خلال رؤية علمية وثقافية متجانسة. وهي مهمة غاية في التعقيد، إلا أننا نلمح أغلب عناصرها المنسجمة في نوعية المواقف والتحليل العلمي والثقافي للإبداع التاريخي المعماري الإسلامي (والعالمي أيضا).
إن موسوعة الدكتور علي ثويني في العمارة الإسلامية تؤكد الحقيقة القائلة، بان تاريخ الأمم العريقة ينفر من التشبيهات السهلة والتبجح الفارغ ومقارنات الأطفال البريئة. ومن ثم فإننا لا نعثر فيها على تهويل أو تأويل خارج إطار صيرورتها التاريخية ومقدماتها العريقة في تاريخ العالم الإسلامي ووادي الرافدين بشكل خاص. وهو تاريخ يصعب حده بالصورة الأكثر شيوعا وتفشيا عما يسمى بالعصور الذهبية والفضية والبرونزية والحديدية وما شابه ذلك من صورة تعادل تاريخ المعاناة الإنسانية بثمن المعادن والأحجار!
طبعا أن العمارة لا يمكن تجسديها دون الحجارة والحديد والبرونز والفضة والذهب. لكنها تبقى مجرد مكونات وعناصر تلتئم في خيال المعماريين وتتجسد بوصفها صروحا مادية ومعنوية عندما تصبح جزء من معاناة الأمم في مجرى بناء كينونتها الخاصة. وهي الفكرة التي نعثر عليها في جميع ما يكتبه الدكتور علي ثويني، ليس فقط في ميدان المعمار بل وفي ميدان الكتابة الاجتماعية والسياسية. وإذا كانت كتاباته عادة ما تبرز من خلال ثناياها عبارة الهندسة ومعمار العقل العراقي العربي الإسلامي، فلأنه يريد البرهنة على أن زمن الصدأ الحالي يكمن في اغتراب الهامشية السياسية عن حقيقة العراق التاريخية وإبداعه الذاتي. وليس مصادفة ألا نعثر في جميع ما يكتبه الدكتور علي ثويني، وبالأخص في موسوعته العلمية الكبيرة، عن شيء يمكنه أن يشير الى يأس الروح أو تقاعس العقل تجاه البرهنة على أن العراق هو اكبر من أن يدرج ضمن معايير ومقاييس التشبيهات والمقارنات الحجرية والمعدنية. وهو أمر محكوم في اغلبه بطبيعة إدراكه الفكري والثقافي لحقيقة العراق بوصفه تاريخا ثقافيا كونيا.
إن تاريخ العراق هو تاريخ إبداع الفكرة الثقافية، إي الكونية. والقضية هنا ليست فقط فيما هو معروف ومشهور عن إبداعه التاريخي العالمي في ميدان البناء وعمارة المدينة والحقوق والكتابة والعلم والنظام السياسي والدولة والأمة الإمبراطورية، بل وفي تغلغل هذا الإبداع في الوعي الثقافي العالمي. وهو الأمر الذي جعل ويجعل من تاريخ العراق صيرورة لها مذاقها الخاص وأثرها فيما يمكن دعوته بالاكتفاء الذاتي. وهو اكتفاء حدده في الأغلب نوعية المرجعيات الثقافية التي حكمت تاريخه الواقعي والوهمي. وليس مصادفة إن يبدو بمعايير وذهنية "السلفيات" القديمة والحديثة رديفا لأهل الأهواء والفتن! وهو تقييم تتبين معالمه الفعلية حالما نضعه ضمن سياق التاريخ العقلي والإنساني للروح المبدع.
فالروح المبدع وجد ووجدان، أي معاناة وبحث وعثور. وإذا كان العراق لا يخلو من غلو وتصنيع لبعض اتجاهاته في مختلف الميادين، فلأنه النتاج الضروري الملازم لمسيرة الفكر العقلي والعقلاني. بعبارة أخرى، إن الغلو هو الصيغة المتطرفة، أي الواقعة على أطراف انهار الإبداع الكبرى. وهي الصورة الحسية التي تتمثل وحدة التاريخ والجغرافيا في العراق. كما أنها الوحدة الأكثر قريبا وتحببا الى تفكير ومواقف الدكتور علي ثويني في تناوله لإشكاليات وتاريخ المعمار الإسلامي وحياة العراق القديمة والمعاصرة. فقد كانت الأهواء في العراق على الدوام قوية وفاعلة ولكن على ضفاف المشاريع العقلية الكبرى. وهي الفكرة التي يمكن استقراء اغلب عناصرها الحية في موسوعة الدكتور علي ثويني وكتاباته الاجتماعية. بمعنى البرهنة على إن تاريخ العراقي المعماري والروحي لا يعاني من ثقل الأحجار والمعادن لأنه كان دوما يفعل بمعايير الوجد والوجدان، والعقل والإيمان، والروح الجسد. وهو سر ديمومته إمام أعاصير الزمن والغزاة والطغاة. وهو الأمل العميق والرؤية المتفائلة التي عادة ما تميز العقول العلمية حالما تستند في مواقفها على أرضية التاريخ الفعلي ووجدان المعاناة الحية والمستقبلية للأمة. وهو أمل وتفاؤل ليس معزولا عن تاريخ الجيل الذي ينتمي إليه الدكتور علي ثويني.
ينتمي الدكتور علي ثويني الى جيل المعاناة الحية والمأساة الكبرى للتاريخ العراقي الحديث. واقصد بذلك أساسا الجيل الذي ولد في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. انه نتاج المدرسة العراقية الناضجة، وزمن الراديكاليات العنيفة، وتاريخ البحث عن البدائل الوطنية والثقافية الحرة. ذلك يعني انه الجيل الذي تمثل أكثر من غيره حقائق التاريخ العراقي في مجرى نضجه الذاتي ومواجهاته لطبيعة ومستوى الانحراف العنيف للدولة والسلطة في مجرى النصف الثاني للقرن العشرين. من هنا محاولات شخصياته المبدعة التعبير عن فقدان التاريخ ومحاولة ترميمه، كل بطريقته الخاصة وبالأخص بعد إفلاس الأحزاب السياسية بشكل عام واليسارية منها بصورة أخص، مع ما ترتب عليه من صعود الأصوليات المتخلفة والأقليات المهمشة ومختلف أنماط ومستويات البنية التقليدية. وضمن هذا السياق يمكن النظر الى موسوعة الدكتور علي ثويني (معجم عمارة الشعوب الإسلامية) على انه محاولة علمية وفكرية وثقافية للمساهمة في تأسيس فكرة البديل العراقي من خلال رسم معالمها الهندسية في تاريخ العمارة. بمعنى البحث عن هندسة الروح والعقل والجسد العراقي من خلال تاريخ الإبداع الإسلامي العام في ميدان العمارة.
فالعمارة هي بحث عن الاعتدال والنسب المثلى. ومن ثم فإنها ترّتب وتنّظم الوعي بالشكل الذي يجعل من هندسة المعماري تنسيقا للرؤية الاجتماعية والسياسية من خلال توليف فكرة الجمال والمنفعة. وهي الفكرة التي تعرضت أكثر من غيرها للتخريب والتدمير في مجرى العقود الخمسة الأخيرة من تاريخ العراق الحديث، بأثر صعود واستفحال الراديكاليات السياسية، أي كل ما انتهى بالغزو الأمريكي للعراق وصعود الموجة الدينية المتخلفة وبنيتها التقليدية المتحجرة.
غير أن التاريخ يبرهن أيضا على أن الثبات والديمومة هي للنسب المثلى. وان أيادي القدر يمكن أن تخط خطوطا وحروفا لكنها لا تصنع هندسة العمارة الجميلة ولا تبدع مأثورات الحكمة الخالدة. أما منظومات الفكر وعمارة الروح الأبدية فإنها تبقى على الدوام جزء من معاناة الأمم في تأمل المستقبل والعمل بمعاييره. وهو تأمل لا يمكن تحقيقه دون تأسيس فكرة الانتماء الثقافي والروحي للأمة. وهو تأسيس يمكن رؤية الكثير من ملامحه في الأبحاث القيمة التي يكتبها الدكتور علي ثويني في مجال المعمار وتاريخه. ففيها نستطيع رؤية ما يمكن دعوته بهندسة الفكرة وتاريخها الثقافي. وهي هندسة تبرز ملامحها الواضحة في مواقفه من مختلف إشكاليات العراق السياسية والاجتماعية والثقافية الحالية. وهي مواقف تحكمها فكرة الانتماء الثقافي للعراق. بمعنى الخروج من إسار الرؤية الإيديولوجية والقومية الضيقة والعرقية وما شابه ذلك الى رحاب الفكرة الوطنية العراقية بوصفها فكرة ثقافية عليا، أي مرجعية تحتوي على تاريخ العراق العريق وتتمثل إبداعه في مختلف عصوره على انه كلا واحدا متميزا وخاصا. وليس مصادفة أن نرى فكرة العراق والعراقية تتغلغل مواقفه الفكرية تجاه مختلف القضايا الملتهبة.
إن الانتماء الثقافي للعراق على أسس علمية دقيقة هو ضمان الاعتدال الفكري والسياسي، ومن ثم ضمان تأسيس الرؤية العقلانية والإنسانية المميزة لإبداع العراق التاريخي الكبير. وبالتالي تحتوي بالضرورة على نفي لزمن الراديكالية والانحطاط. وضمن هذا السياق يمكن اعتبار كتاب (معجم عمارة الشعوب الإسلامية) للدكتور علي ثويني أيضا، مساهمة علمية فكرية ثقافية عميقة في تأسيس الفكرة الوطنية العراقية، من خلال إبراز قيمة العمارة، وشخصية المعمار وحقيقة البناء بوصفه عمران الروح والخيال. وفيه ومن خلاله يمكن للخيال المبدع أن يجسد ويحقق مشاريعه الكبرى. وعراق المستقبل مشروع لا يمكن تحقيقه دون تأسيس منظومة النسب المثلى في وجوده الحاضر والمستقبلي. ذلك يعني أن مشروع البديل العراقي المستقبلي بحاجة الى أساس متناسق ومتجانس ومتين. وشأن كل بناء كبير لا يمكن تحقيقه دون المساهمة في إرساء أسس وجوده ومقوماته الخاصة. وما وضعه الدكتور علي ثويني في موسوعته هو جزء مهم وحيوي وفعال من أجزاء ومكونات هذه المساهمة الكبرى.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
- (أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
- -الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
- الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
- الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح ...
- مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
- غجر الثقافة في العراق
- أهرامات الجسد العربي ودهاليز الروح العراقي
- المختار الثقفي - فروسية التوبة والثأر
- الحلم الأمريكي وديمقراطية العبيد


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ميثم الجنابي - الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي