أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - -كل عام وانتم بخير - ...من واقع العيد !















المزيد.....

-كل عام وانتم بخير - ...من واقع العيد !


نايف أبو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


ابوه في الجنة !
سال الطفل ابن الخمسة اعوام , والدته صباح يوم العيد :" ليش ما اجا بابا يوخذني لمراجيح العيد والالعاب مثل اصحابي اولاد الحارة ؟"ردت امه المتشحة بالسواد بنبرة حزينة " ابوك ما يقدر يرجع لعندنا ماما , لانه بعيد في الجنة " سال على القور " وين هاي الجنة يا ماما ؟" ردت وهي تشير بيدها لاعلى , بنبرة مختنقة بالدمع " فوق بالسماء يا ماما " , سالها بعد لحظة صمت " ليش ما يجي عندنا يوم العيد ويشتري العاب ويوخذني للمراجيح ؟" ردت وهي تحاول التملص من اسئلته المتلاحقة "هاي ارادة الله لا هو بقدر ينزل عنا ولا نطلع عنده " سال ثانية " ليش الله ما بده اياه يرجع عنا ويعيد معنا ويعطيني اشتري بارودة ؟" هتفت الام وقد نفذ صبرها " استغفر الله العظيم . حرام يا ماما تحكي هيك, بعدين بابا يزعل منك " سال بعد لحظات من الصمت " ماما , ليش ما نطلع عنده على الجنة اذا هو ما بقدر ييجي ؟" ردت وهي تشعر بطعم المرارة في حلقها " ان شالله يما عن قريب " .خرج الطفل من البيت يلعب مع اصحابه ويخبرهم ان ابوه في الجنة وانه سيذهب عنده مع امه في اقرب وقت ممكن !
مصيبة واحدة تكفي
عندما البسته بذلة جديدة صباح يوم العيد , واعطته بعض الشواقل ليشتري ما يحلو له من البقالة , خرج مسرعا وعاد يحمل بندقية مصنوعة من البلاستيك ومعها حبات كثيرة من الخرز الاصفر , سالته امه معاتبة " ليش يما اشتريت هاي اللعبة , بلاش تصيب حدا من الاولاد بعينه وتعمل لنا مصيبة "قال بنبرة جدية لا تناسب عمره " لا يا ماما بدي اتعلم عليها كيف اطخ عن صيب , ويوم اكبر اشتري واحدة برصاص واطخ بيها على اليهود ". قالت معاتبة وهي تضمه لصدرها بحنان وتقبل وجنتيه " ما بدي اخسرك يا حبيبي مثل ما خسرت ابوك . الله يرضى عنك . بكفيني مصيبة واحدة وما بقي لي حدا غير بالدنيا " سكت الطفل وبدا عليه امارات اغضب والتفكير وقال " خلص بدي اطلع العب وحدي على السطح " ربتت على كتفه وهي تتذكر والده الشاب الذي استشهد قبل عامين على ايدي القوات الخاصة مع زملاءه خلال اشتباك عسكري عند اطراف البلدة , وبدات تتفقد اغراضه وملابسه في يوم العيد وهي تبكي بحرقة , ولم تسمع صوت الرصاصة التي اصابت طفلها اصابة مميتة عندما مرت مروحية عسكرية في السماء , ولكنها احست بالجزع والخوف في قلبها حين لم تعد تسمع صوته وحركته على سطح البيت !

وين هاي امريكا ؟
كل اطفال الحارة لبسوا بذلاتهم واحذيتهم الجديدة يوم العيد واشتروا الالعاب وذهبوا للمراجيح وتصايحوا بفرح وهو يتبارزون باسلحتهم المصنوعة من البلاستيك , وعندما اطل عليهم من نافذة بيتهم سال امه التي كانت تبكي بصمت " ماما ليش كل الاولاد معهم العاب وبواريد ولابسين اواعي وكنادر جديدة وانا لا ؟" ردت وهي تضمه برفق لصدرها وتربت على ظهره " وقت يرجع ابوك من اميركا يشتري لك كل شيء بذلة وكندرة والعاب " سالها وهو يحاول التملص منها " وين هاي اميركا يا ماما ؟"ردت وهي تحاول ان تقرب المسافة لذهن الصغير " بعيدة كثير عنا , بهدا يومين بالطيارة " سال " مثل طيارات اليهود اللي تطخ علينا ؟" ردت وهي تمسد على شعره الناعم " لا يا ماما , مش مثل اللي بتطخ علينا , هاي طيارات تحمل ركاب بس " سالها " ماما ايمتى بده يرجع بابا من هناك ؟" ردت وهي تمسح دموعها " يمكن العيد الجاي " . عاد الطفل الى النافذةيراقب الاولاد يلعبون في الحارة وهو يتصور نفسه معهم بالعيد القادم , ولكنه لا يعرف ان والده تزوج هناك ولم يعد يفكر بالرجوع مرة اخرى !
...وتتركني لوحدي ؟
سال الطفل امه بعد ان لعب مع زملائه في الساعات الاولى ليوم العيد " ايش يعني شهيد يا ماما ؟"ردت " هو الذي لا يبلى جسده بعد الموت ولا يتحلل الى تراب ويطلع من جسمه رائحة طيبة كالمسك حتىيوم القيامة " سال وهو يحاول فهم ما تقوله" متى تقوم القيامة ؟" ردت بسرعة " الله وحده يعلم " . سال ثانية " ليش بابا استشهد يا ماما ؟" ردت بحسرة " دفاع عن الوطن " سال " ايش يعني الوطن ؟"ردت على الفور " بلادنا فلسطين هي الوطن , وكل الشهدا مثل ابوك كان بدهم يحرروه من اليهود " تمتم بنبرة خافتة " ماما , مش فاهم , شو يعني ؟" تابعت تقول " اليهود زمان احتلوا بلادنا وطردونا منها عشان هيك ,حبسوا الشباب , وقتلوهم وطردوا الناس من بيوتهم واخذوا ارضهم بالقوة " قال بعد لحظات من الصمت " ماما وقت اكبر واصير زلمة بدي اقاتل اليهود واستشهد مثل بابا " , ضمته اليه وقالت بنبرة خائفة " وتتركني لحالي هيك وحدانية ؟ مين يدافع عني ويحميني وقت تستشهد مثل ابوك ؟" سال " وليش ما ظل بابا معنا يحمينا ويدافع عنا ؟" ردت وهي تربت على كتفه بحنان " لانه اركن عليك , وقال هاي تركت زلمة بالدار يحميها ويدافع عنها " سالها بدهشة " وليش ما يعملوا كل الزلام مثله هيك ويستشهدوا ؟" ردت مقهورة " وقت تشوف عمك تساله كل شيء وهو يحكي لك " !
مش راح يطول ؟!
مع صباح يوم العيد رفض الطفل ان يلبس بذلت وحذاءه الجديدين , وعبثا حاولت امه اقناعه ليذهب مع ابناء عمه واصدقائه للمراجيح والالعاب لكنه اصر على رفضه وقال لها " وقت يطلع بابا من السجن البس واروح معه على المراجيح " ردت بنبرة حزينة " يمكن يطول بابا بالسجن يا حبيبي " سالها " لكن قلتي لي مش راح يطول بالسجن ؟" ردت وهي تحبس الدمع في عينيها " ابوك هيك قال لي يما , لكن شو نعمل , هذول يهود, ومت بنقدر نعمل اشي معهم ؟"سالها بنبرة جادة لا تناسب عمره " صحيح بابا طخ اليهود وقتلهم ؟" ردت وهي تربت على كتفه مشجعة " صحيح يما " قال " وقت اصير كبير مثل بابا بدي اشتري بارودة واطخ اليهود " علقت مشجعة " طيب يما , بس ما تحكي لحدا من اصحابك لا يحبسوك اليهود " سال بعد لحظة صمت " ما تزعلي مني لاني حكيت لهم بدي اشتري بارودة " ردت مازحة " لا مش زعلانة , بس راح احكي لبابا واشوف رايه " سال باستغراب " ليش بده يزعل مني يعني ؟"ردت " معلوم لانه بده اياك تتعلم وتصير شاطر بالمدرسة وتكمل بالجامعة وتصير محامي كبير , وهسه روح البس البدلة والكندرة واطلع العب مع اصحابك ". لكن الطفل اصر على موقفه ورفض مشاركة اصحابه فرحة العيد الا بخروج والده من السجن وهو لا يعلم انه ينتظر حكما بالسجن المؤبد !
لم يعيد على احد !
مع صباح يوم العيد ذهب الطفل مع والده لصلاة العيد في المسجد وبعد رجوعهما للبيت لم يقل لاحد كل عام وانت بخير ولم ياكل الحلوى ولم يلبس ثيابه الجديدة التي اشتراها له والده قبل ايام بل حبس نفسه في الغرفة التي كان يشاركه بها شقيقه الاصغر , وظل يحدق بصورته على الطاولة امامه ويتفقد ملابسه والعابهما المشتركة ولم تنفع كل كل محاولات والديه لاقناعه بالخروج من حزنه وذهوله وعدم تصديقه انه لن يرى شقيقه الوحيد الى الابد ولن يذهب معه لمراجيح العيد ولن يشاركه اية العاب اخرى ولن يشاركه الغرفة التي اعتادا النوم فيها لانه توفي قبل شهر واحد من العيد بسبب حادث سير مروع بين سيارتين الاولى يقودها سائق عمومي متهور ومستهتر بحياة البشر يسير بسرعة جنونية في مداخل المدينة الماهولة بالسكان , وشاب قليل الخبرة لا يمتلك رخصة قيادة ويسوق سيارة مسروقة !
بقلم: نايف أبو عيشه
13/10/2007



#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حكاية شعبية- عائلة الطرشان !
- مكافأة عيد العمال !
- ضبع النقارة !
- الاسطبل والباشا !
- - حكاية شعبية- الراعي والقطروز !
- عند حاجز الارتباط !
- عند الحاجز !
- وانهزم ابو النبوت !
- الحق على الحمار !
- من طين بلادك ...!
- العدس ولحم الفقراء !
- زوجة الاستاذ !
- الاختيار !
- - خربطيطة مروكية-!
- تحليق في سماء الحرية !
- صبرا وشاتيلا,جرح نازف !
- لماذا تاخر هنية في دعوته !
- السيارة والسياسة وما بينهما !
- تهنئة للتفوق ، واخرى للطموح !!


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - -كل عام وانتم بخير - ...من واقع العيد !