أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - الاسطبل والباشا !















المزيد.....

الاسطبل والباشا !


نايف أبو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10 - 08:00
المحور: الادب والفن
    


في مطلع الانتفاضة الاولى , جاءت الحافلة المحصنة النوافذ بشبك قوي من الحجارة, لنقل دفعة المعتقلين من خيمة الاعتقال في نابلس الى سجن الفارعة . كانوا جميعا شبانا صغار السن منهم من تجاوز العشرين بقليل ومنهم من لم يصل بعد . كان الوحيد بينهم قد اقترب من الاربعين . قيد الجندي اياديهم بالكلبشات وصعدوا للحافلة تباعا بينما ضابط كبير ينادي اسماءهم,من ملفات كان يحملها بيده, وما ان اقتربت الحافلة من مخيم عسكر شرقي المدينة حتى بدات مجموعة من الشبان يرشقونها بالحجارة من كلا الجانبين .وعندما ان ابتعدت قليلا عن المخيم اعتدى احد الجنديين الحارسين عليهم يالضرب المبرح ,اما زميله الواقف عند باب الحافلة فكان يتابعه من بعيد دون تدخل حيث بدت عليه امارات الامتعاض والدهشة . وعندما اقتربت الحافلة من مخيم الفارعة , كان الشبان هناك قد وضعوا بعض الحجارة والمتاريس لاعاقة السيارات العسكرية ورشقها بالحجارة . وما ان اقتربت الحافلة التي تنقل المعتقلين حتى انهالت الحجارة على مقدمتها كالمطر من كل جانب , وعبثا حاول السائق تجاوز المتاريس لكنه فشل واستمر الشبان يضربون الحجارة نحوها دون توقف . وعندما نزل الجندي لاطلاق النار عليهم قذفه احدهم بحجر اصاب ساقه , وصاح من الالم , وبدا يطلق النار تجاه الشبان بجنون وهو يصيح مناديا زميله ليساعده الا ان الاخير رفض ذلك لانه يحرس السجناء , وعندما اصيب بحجر اخر في راسه قفز للحافلة وصرخ بالسائق ليخرجهم من المكان بسرعة والدم يغطي جبينه , وبدت على وجه زميله الاخر شبح ابتسامة خفية لكنها اختفت عندما شتمه زميله لعدم مساعدته .لم تتوقف الحجارة المنهمرة تجاه الحافلة الا عندما تجاوزت المتاريس وابتعدت مسرعة تجاه السجن القريب . في باحة السجن قفز الجندي المصاب راكضا تجاه المدخل الرئيسي , وظل الاخر يحرس المعتقلين دون ان يتدخل في احاديثهم وتعليقاتهم وهم يمزحون مع احدهم وكان يشبه لحد كبير الممثل المصري يونس شلبي . وعندما طلب احد الشبان من الجندي ان يخفف شد الكلبشات عن يديه تقدم نحوه واخرج مفتاحا صغيرا من جيبه وبدا يخفف ضغطها عن ايدي الجميع دون ان يطلب منه الباقون ذلك. وحين طلب منه احدهم ان يسقيه من زمزميته فكها على الفور وناوله اياها وهو يقول " اشرب بسرعة قبل ان ياتي زميلي الاخر " .وبعد ان شرب مررها على زملائه وفي لمح البصراعادوها اليه فارغة . سال الرجل الذي كان يجلس قريبا من الباب بالعبرية ولا يشارك الشبان حديثهم ومزاحهم :" هل انت متزوج ؟" رد الرجل باقتضاب " نعم وعندي خمسة اولاد " تعجب الجندي وساله ثانية " لماذا اذن اعتقلوك مع الشبان الصغار ؟" رد عليه " اعتقلوني من البيت الليلة الماضية وهؤلاء كانوا بالخيمة ". عندما بدا الشبان يتحدثون بصوت عال قال الجندي وهو يراقب مدخل ادارة السجن " من فضلكم لا تحدثوا صوت حتى لا يسمعكم الجنود الاخرين وضباط السجن " بدا الجندي وديا في تعامله مع الشبان , ومع ارتفاع حرارة الشمس التي اطلت من بين الغيوم في الطقس الماطر انتشر الدفء داخل الحافلة , وعندما راى راى احد الضباط ناداه على الفور وساله كم من الوقت سيبقى مع الشبان؟ عندها صاح به الضابط " انت عليك حراسة السجناء والحافلة , وعندما تنتهي الاجراءات ندخلهم السجن " سال الجندي ثانية " ولكنهم منذ ساعات هنا , لم يشربوا او ياكلوا , ولم يذهبوا لقضاء الحاجة " صاح به الضابط " هذا سجن وليس روضة اطفال . انتظر معهم حتى نتمم الاجراءات . بسيدر ؟" هز الجندي راسه بالايجاب مستسلما ويردد "بسيدر .. بسيدر " صعد ثانية للحافلة وهو يتافف بصوت مسموع " ما هذا , هكذا الحال ليس كما يجب " اما الرجل فكاد يقول له" اذا كنت صادقا مشاعرك التي تخدعنا بها فلماذا لا ترفض الخدمة العسكرية هنا ؟" . عاد الشبان لتبادل الحديث والقاء النكت والتعليقات رغم انهم يعرفون ما ينتظرهم داخل هذا السجن الذي تحول الى مركز رئيسي للتحقيق ومحطة ترحيل المعتقلين الى سجن النقب مع بدء الانتفاضة. تجرأ احدهم وساله عن اصله فاخبره انه هاجر من روسيا حديثا وساله الشاب عن الحياة هناك , فهز الجندي راسه اكثر من مرة ورفض ان يجاريه في الحديث. جاء الضابط اخيرا يحمل الملفات بيده كان الوقت تجاوز الظهيرة بقليل تنفس السجناء والجندي الصعداء بعد طول انتظار في الحافلة المغلقة عليهم , ونزلوا اخيرا من الحافلة تباعا واصطفوا بصفين متجاورين وسار الجندي وراءهم والضابط يسبقهم الى باحة خلفية لمبنى السجن , وبعد اجراءات التفتيش والفحص الطبي الروتيني اقتادهم الجنود المنتشرين في المكان نحو باحة واسعة اخرى , لكن هذه المرة عصبوا اعينهم وطلبوا منهم ان يصطفوا ووجوههم نحو الجدار . جاء احد الجنود من خلفهم وبدا يضربهم وهو يطلق شتائم قذرة وتهديدات بالسجن .وعندما جاء دور الرجل وضربه الجندي على راسه وظهره بكل قوته صاح به " لماذا تضربنا وتشتمنا ؟" لم يرد الجندي وانما واصل ضربه للاخرين .وعندما رجع في الجولة الثانية صاح به مرة اخرى محذرا اياه من الضرب, وازداد الجندي شراسة وشتائم دون توقف الا ان الرجل لم يصمت ولم يستجب لاوامر السكوت والتهديد وظل يجادله بصوت مسموع حتى جاء ضابط المخابرات وتوقف الضرب بعد ان ساله عن اسمه وسمعه يتكلم مع الجندي بنبرة معاتبة حتى لا يعيق عملهم في التحقيق. اخيرا ادخلوهم الى الاسطبل , الذي كانت تربط به خيول الجيش الاردني قبل الاحتلال , ومكثوا فيه عدة ايام قبل ان يتم توزيعهم على غرف السجن وزنازين التحقيق والخيم .معظم الشبان تم استدعاؤهم للتحقيق في حين هو واخرين اخرجوهم للخيم تمهيدا لنقلهم الى سجن النقب الصحراوي. عندما جاء الضابط في اليوم التالي لينادي اسماء الدفعة الاولى للنقل , وكان الرجل من بينهم , سمع الشبان يقولون " اجا الباشا .. اجا الباشا يا شباب " , فسال احد الشبان عن الباشا من يكون فاخبره انه لقب مدير السجن .وتعجب اكثر عندما علم ان المدير نفسه اختار اللقب ويصر على ان يناديه الجميع بذلك . عندما اقترب موكب الباشا تجمهر الشبان قريبا من السياج الشائك حول الباحة التي نصبت فيها الخيم للسجناء , واثاره الفضول ايضا ليرى شخصية الباشا , ومن بعيد ظهر ضابط كبير تزين صدره العديد من الاوسمة محاطا بعدد من الضباط والجنود وكان جنديا صغير السن , بدا غير ثابت الخطى مثلهم , فيتنقل من مكان لاخر وراء الباشا احيانا ويسبقه احيانا اخرى, وسمع احد السجناء يقول " هذا ابن الباشا", تعجب في قرارة نفسه وتذكر المثل "حسبنا الباشا باشا اتاري الباشا زلمة " فقد كان الباشا لا يميزه عن الاخرين الا الاوسمة على صدره . في مساء اليوم التالي تم نقلهم الى سجن النقب بعد ان ابلغهم احد الضباط بقرار " الاداري " ومدته لكل منهم .في الطريق الصحراوي البعيد عندما اختفت معالم البناء والحياة , وظهرت الارض الجرداء الرمادية القاحلة من صحراء النقب بدا الجندي يغني بالعبرية من اعماقه بلحن حزين " تعالي الي . فانا ما زلت وحيدا بعد رحيلك . تعالي الي " , اما السجناء فقد خيم عليهم الصمت وظل كل منهم مشغول بافكاره ويستعيد ذكرياته مع زجته واطفاله وكيف انتزعوه من بينهم بوحشية, دون الافصاح عنها للاخرين. توقف الجندي عن الغناء فجاة عندما بدات نشرة الاخبار العبرية في مذياع الحافلة تتحدث عن مواصلة اعمال الشغب والمواجهات العنيفة مع قوات الجيش في مختلف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بالضفة وغزة مع ان عدد السجناء في "كتسعوت" تجاوز اربعة الاف معظمهم كان امضى عدة سنوات بتهم امنية في السجون الاسرائيلية. تبادل مع زميله الحارس نظرة مطولة ذات معنى ,قبل ان يعلن للجميع وصولهم اخيرا لسجن النقب الصحراوي , لتبدا تجربة اعتقال جديدة في حياتهم هناك ,مع اجراءات امنية مشددة , قبل ان يصلوا زملاءهم في اقسام السجن الكبير !
بقلم : نايف أبو عيشه
6/10/2007



#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - حكاية شعبية- الراعي والقطروز !
- عند حاجز الارتباط !
- عند الحاجز !
- وانهزم ابو النبوت !
- الحق على الحمار !
- من طين بلادك ...!
- العدس ولحم الفقراء !
- زوجة الاستاذ !
- الاختيار !
- - خربطيطة مروكية-!
- تحليق في سماء الحرية !
- صبرا وشاتيلا,جرح نازف !
- لماذا تاخر هنية في دعوته !
- السيارة والسياسة وما بينهما !
- تهنئة للتفوق ، واخرى للطموح !!


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - الاسطبل والباشا !