أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - صبرا وشاتيلا,جرح نازف !















المزيد.....

صبرا وشاتيلا,جرح نازف !


نايف أبو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 09:06
المحور: الادب والفن
    


مع غروب الشمس , قفل الاهالي راجعين من زيارتهم لمقبرة الشهداء القريبة , بعد ان فرغوا احزانهم ودموعهم فوق اضرحة ابنائهم المزينة باكاليل الورد المتيبس العروق والاوراق . كانوا يسيرون بطريق عودتهم الى بيوتهم, في مجموعات صغيرة متفرقة ومتباعدة نسبيا , يجرون الخطى ببطء شديد , وصمت ثقيل يخيم عليهم لا يقطعه سوى زفرات الحزن العميقة , والادعية الخافتة الى الله ان يفرج الكرب عنهم , والا تطول غيبة المقاتلين الذين خرجوا من بيروت قبل ايام قليلة على متن السفن التي عبلرت بهم البحر غربا وجنوبا , تجاه اليمن وتونس والجزائر.كان البعض منهم قد وصل مشارف المخيم عندما انطلق صوت المؤذن ينادي لصلاة المغرب, بينما ظهر من بعيد شبح عجوزين يسند كل منهما الاخر , الزوج يتفحص الطريق بعكازه والزوجة تمسكه من ذراعه وتحاول جاهدة ان تحث الخطى لتلحق بالاخرين.سالها بحشرجة ضعيفة بعد نوبة سعال قوية: " ايش هذا الصوت يا خظرا "؟ ردت وهي تمسح اثار الدموع من عينيها :"مش عارفه يا حج قاسم , لكن فيه سيارات جيش كثير رايحة جاية فوق المخيم"تممتم بنبرة مرتجفة:" الله يستر. الله يستر". سالته وهي تحاول السيطرة على الخوف الذي اعتراها من عبارته الاخيرة:" بالك يا حج قاسم بيعملوها اليهود م ويهجموا علينا ويقتلونا مثل ما صاربدير ياسين"؟رد على الفور:" ومين بقدر يمنعهم, ولك اذا حاصروا بيروت ثلاث اشهر ودمروها من كثر القصف, وما حدا من العرب تحرك , وطلعوا الفدائية منها , والقوات الدولية اللي كانت حماية علينا انسحبت وهم استلموا بدالها , شو يمنعهم يقتلونا "؟ سالت وهي تراقب حركة السيارات العسكرية المسرعة جيئة وذهابا عند اطراف المخيم:"بعيدة تونس يا حج قاسم"؟ رد وهو يطرق الارض بعكازه ويحاول جر قدميه بصعوبة:" مثل هون والحجاز. لكن ليش بتسالي يا خظرا"؟ ردت :" والله ما كان لي خاطر يطلعوا ويتركونا الله يسلمهم ". سالها وهو يسعل ثانية :" تقصدي اولادك والا جميع الفدائية "؟ردت معاتبة:" الله يسامحك يا حج, ليش تفكرني افرق بينهم , والله عز علي خروجهم مثل طلوع روحي" , هز راسه وهو يتوقف لالتقاط انفاسه :" تصدقي لولا طلعوا , كان ما ظل حجر على اخوه في كل بيروت , ويقتلوا كل اهلها , ويلحقوا علينا " تابع قبل ان يسمع رايها " لا هيك احسن , بعدين غمضي عين وفتحي عين ما بتلاقيهم الا رجعوا , بعد ما تنسحب اسرائيل "رددت بنبرة حزينة " الله يسمع منك , ويرجعوا في اقرب وقت " . بعد ان استراحا من عناء المشوار, وروى كل منهما عطشه , وادى صلاة المغرب منفردا عن الاخر, جلسا في باحة البيت الصغيرة المحاطة باسلاك شائكة .وغرق كل منهما بافكاره , وساد بينهما صمت ثقيا لا يقطعه الا صوت حبات المسبحة في يد العجوز , الذي فقد بصره منذ سنوات. قالت " الكهرباء مقطوعة عن جميع المخيم" علق بعد لحظات " الله يقطع رقابهم . الحرب وخلصت , والشباب خرجوا من لبنان, واحنا ليش يعاقبونا عاد"؟ردت وهي تنهض لتجهز ابريق الشاي :"تعرف يا حج , قلبي بيحدثني انه في شيء بده يصير , ايش هو الله اعلم" اشار بيده نحو السماء وقال بنبرة مطمئنة :" وكليها لواحد احد يا خظرا , واللي كاتبه علينا لازم يصير . قلنا آ او لا" . هتفت من اعماقها :" والنعم بالله ".سالها بعد لحظات " صار الحكي اولاد عامر وابن عمهم صالح, يجوا عندنا المغرب وهاي قرب العشا وما اجوا "؟ ردت من بعيد وهي تجهز الشاي :" كيف بدهم يجوا والسماعة تنادي منع التجول على المخيم "؟ تساءل بدهشة" متى نادوا على المنع ما سمعتهم " ردت:" بعد اذان المغرب ".قال معاتبا:"الله يسامحك وليش ما قلتي لي "؟سالت من بعيد :" وايش بدك تعمل لو عرفت "؟ رد هو بغيظ " كل شيء بصير حوالينا خبريني عنه وانتي عارفه سمعي ثقيل, مش الاقي حالي مثل الاطرش بالزفة"؟ ردت وهي تعود بابريق الشاي :" كل شيء ولا زعلك ياحج , خلص حقك علي" . بدات الاضواء الكاشفة تنطلق من البناية العالية التي تشرف على المخيم ,والتي كان فيها قوات كبيرة من الجيش الاسرائيلي , فتضيء مداخل المخيم والازقة القريبة ومنطقة الحرج , وتدور حول المخيم وابنيته المتلاصقة.فجاة بدات تسمع زخات من الرصاص , وصرخات استغاثة ونداءات وتكبير بين الحين والاخر في اطراف المخيم .ثم يسود الصمت فجاة , وتعود الاصوات تختلط مع زخات الرصاص من جديد, ويسود الصمت المخيف ثانية للحظات قصيرة . سال العجوز بنبرة مرتجفة :" سامعه يا خظرا الصوت جاي من جهة الحرج ". قالت بدهشة:" وقت اللي اجينا من هناك ما كان يهود " علق بنبرة خائفة:" يمكن كانوا متخبيين بين الشجر ومن العتمة ما شفناهم" . قبل ان ترد عليه انطلقت صرخات استغاثة من جديد تمزق سكون الليل , ميزت فيها اصوات نساء ورجال , تبعها زخات اخرى من الرصاص , وفجاة ساد الصمت , وظهرت اسراب الحمام تحلق مذعورة هاربة من بيوتها, مصفقة باجنحتها بقوة ,ودارت في سماء المخيم دورات سريعة , تلاحقها الاضواء الكاشفة فتحط من جديد على اسطح المنازل , لتاخذ قسطا من الراحة , ثم تتابع طيرانها المذعور كلما انطلقت رشقات جديدة من الرصاص تمزق سكون الليل المظلم . سالت المراة احدى جاراتها عما يحدث , فعرفت منها ان" الكتائب اللبناينة "هجموا على المخيم , وبداوا يقتلون كل من يجدوه في طريقهم , صغيرا او كبيرا. قال العجوز بنبرة مقهورة خائفة " ولك يا خظرا , شو صار باولاد عامر واولاد صالح"؟ ردت وهي تبكي من الخوف وتضرب كف بالاخرى :" بدي اروح اجيبهم عندنا " سالها صائحا :" كيف بدك تطلعي بالليل هسه وتتركيني ؟ وبيوتهم باخر ما عمر الله , يمكن تروحي من هون وهم يجوا من هون". انطلقت زخات الرصاص في بصورة متقطعة , ولكن صراخ النسوة يعلو ويمزق السكون , ويثير القشعريرة في النفوس. صاح العجوز فجاة :" ولك يا خظرا هاتي لي هالبارودة , ومخزن الرصاص ". سالته بانفعال :" كيف بدك تطخ بيها وانت هيك "؟ صاح ثانية :" ولك انتي هاتيها بسرعة , ووقت يصلونا , انتي ما عليكي الا تقولي يمين شمال وانا اطخ عليهم" دخلت البيت مسرعة واحضرت له بندقية الكلاشنكوف التي لازمته منذ انضمامه للثورة , فور مجيئها للبنان, وخاض بها معارك الحرب الاهلية كلها , واجتياح الليطاني مع ابنائه الثلاثة الذين استشهدوا فيها . عبر فجاة فتى يافع من فتحة السياج ,الى باحة البيت لاهثا مناديا المراة بنبرة انفعال خائفة . وهو يعلق بندقيته بكتفه , بينما حمل بين ذراعيه طفلة صغيرة لا تتجاوز ثلاثة اعوام من عمرها. وهتف قائلا بسرعة :" هاي حفيدتك عايدة يا حجة خضرا , الكتائب قتلوا امها واخوها محمود, وانا قدرت اهرب منهم وجبتها معي, تابع لاهثا بنبرة مخنوقة بالدموع " وكمان قتلوا عائلتي كلهم " ضمت المراة حفيدتها الى صدرها وانهارت على الارض باكية بصوت مسموع صاح العجوز من بعيد" الله اكبر يا عالم ايش اللي بصير , وينك يا عامر ,وينك يا صالح ايش صار باولادك , وينكم يا شباب تعالوا شوفوا حالنا ؟" علق الشاب " عم يقتلوا بالناس عن ابو جنب" قالت العجوز باكية " كنا خايفين اليهود اللي يعملوها فينا , مش الكتائب" صاح العجوز" تلاقي اليهود ساعدوهم وسمحوا لهم يعملوا هيك معنا ويمكن مشاركينهم كمان" سالت المراة وهي ترتعد من الخوف :"واللي مثلنا عجايز بقتلوهم كمان؟" رد الشاب بعصبية وهو يراقب الزقاق بحذر:"عم بقولك يمشطوا المخيم بيت بيت واللي بطريقهم يقتلوه بدون سؤال ولا جواب" صاح العجوز بنبرة مقهورة يائسة:" آخ ,باطل عليك يا حج قاسم, والله اني حسبت هالشيء يصير , وقلت للاولاد راح ينتقموا اليهود منا , قالوا في حماية دولية. وينها الحماية الدولية وينهم العرب وين الجامعة العربية ,وين روسيا وين مجلس الامن وين العالم يجي يسمع ويشوف اللي بصير لنا ؟" رد الشاب وهو اثر الدموع من عينيه :" جدي. لا حماية دولية ولا بطيخ الشام , العالم كله ضدنا ومتآمرين علينا " صاح العجوز " وين العرب , وين سوريا وين مصر وين العراق , ليش ساكتين ؟" رد الشاب بنبرة مقهورة :" طول الحرب والحصار والقصف علينا والدمار لبيروت ما سمعنا صوتهم بدك هلا يتحركوا ؟" صاحت المراة بعصبية :" هسه مش وقت سياسة وجدل فاضي , خبروني وين نروح , شو نعمل ؟" . انطلقت زخة رصاص مفاجئة تجاه البيت وظهرت مجوعة مقنعين في الزقاق القريب . رد الشاب بطلقات متقطعة محاولا اعاقتهم , الا ان غزارة نيرانهم جعلته يتراجع للناحية الاخرى من باحة البيت , في حين اسرعت المراة لتخبيء حفيدتها في مكان آمن . وعندما حاولوا اقتحام البيت اطلق العجوز رشقات عشوائية من بندقيته وهو يصيح عليهم :" ولكم جايين تتمرجلوا علينا بعد ما خرجوا الشباب "؟ لكنهم اقتحموا المكان وهم يمطرونه بوابل من الرصاص فتهاوى على الارض جثة هامدة وهو يحاول النطق بالشهادتين , في حين قفز الشاب الى الزقاق المعتم خلف بيت العجوزين , وسمع شتائمهم قبل ان يقتلوا المراة وهي تبكي مستجدية ليتركوها على قيد الحياة ,ثم غادروا المكان ليبحثوا عن ضحايا جدد في البيوت المجاورة , في حين رجع الشاب ثانية ليفتش عن الطفلة المختبئة في مكان ما , بينما ظلت اصوات الاستغاثة والرصاص الغزير يسمع في كل مكان والاضواء الكاشفة لا تتوقف عن دورانها فوق ابنية المخيم , وطيور الحمام المذعورة تصفق باجنحتها وتدور في السماء , وترتاح للحظات على الاشجار واسطح المنازل لكنها سرعان ما تطير من جديد مع زخة رصاص مفاجئة , فهي لا تعرف ماذا يحصل لاصحابها على الارض !!!

نايف أبو عيشه
16/9/200



#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تاخر هنية في دعوته !
- السيارة والسياسة وما بينهما !
- تهنئة للتفوق ، واخرى للطموح !!


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - صبرا وشاتيلا,جرح نازف !