أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام بن الشاوي - النصف الآخر (10)















المزيد.....

النصف الآخر (10)


هشام بن الشاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


10
انشغلا بتقشير الملاط عموديا .. في موضعي الجدارين ، و"كبالا" يحفر في الأرضية الخرسانية ، حيث ستنتصب سارية فوق قاعدة سارية البيت الركنية .. وحتى لا يعزل الجدارالمزمع بناؤه الباحة الخلفية للفيلا عن الحديقة ،المشرعة على الواجهة الرئيسة للمسكن .. جعلاهما يلتقيان عند حافة الرصيف الجانبي المبلط الممتد حتى المدخل الرئيس المنحدر للمرآب .. فينعطف الداخل في اتجاه الباحة ذات الأرضية المزدانة بمربعات الموزاييك الأبيض ، تتخللها قطع رخامية صغرى ، شبه مهشمة الحوافي بألوان متباينة ، أو يخطو بضع خطوات ، فيصادفه باب الحجرة الملاصق للسور الخارجي للحديقة وإلى جانبه شباك يقابلان الباحة الطويلة ، واتفقا على أن يجعلا السارية - وحتى لا يتضاءل الممر- من جهة الواجهة الخلفية ، حيث يقبع تحتها سلم رخامي توصل درجاته إلى الطابق الأول ، و على مقربة منه باب موصول بمطبخ القبو ، واتفق مع "التباري" أن يشرع في بناء الجدار الغربي لوحده حتى ينتهي و"كبالا " من تسمير ألواح السارية ، شارحا له أن (الفوندو) الممتد حتى سارية الجدار الغربي سيكون أعمق من الثاني الذي سيتوكأ عليه، فوجب مراعاة هذا الفارق في بناء الجدار .



سمع صوت "بعية" التفت إليه، فوجده يلوح بيده ل"كبالا" وهو يصرخ ):وااااكبالااااا .. ) من فوق سطح الورش التي تفصلها بيننهم وبينها ثلاثة مساكن .. حين اختبئوا بعد أن انهمرت زخات من المطر ، فهش "التباري" لتساقطها كأي فلاح ..
كان قلبه ملبدا مثل سماء هذا الصباح ،علت شفتيه بسمة حزينة .. حين سمع صفعة قوية تدوي فوق قفا "بعية ". عمه وعبدالرحيم لسعا قفاه بصفعة واحدة : ( واشْ كا تــْسحابْ راسكْ سارحْ النعاج في الواد ؟).
سمعوا صوت سيدة البيت وهي تنادي باسم عبدالله ...
والتفت إليهم "كبالا" ..
- شْـكون اسْمِيــّْتوه عبدالله ..؟ (وضرب بيده على جبينه ) أخ خ خ خ . نسيت هذي اسميتي ...
ارتفع صوت "بعية " مرة أخرى وهو يرقص تحت المطر: (وااااكبالاااااا) .
بصوت منغم مرجع رد عليها ...
- عايزة إيه ؟ ماذا تريدين ؟
رجته أن يفتح الباب لأن البنت لم تحضر بعد وهي مشغولة بتجهيز الصغيرين للذهاب إلى مدرستهما ...

حين وقعت عيناه على نادية ، خفق قلبه بشدة ، امتقع لونه ، أحس بجفاف في حلقه .. فغر فاه ، واستدار بسرعة مبتعدا .. كالملذوغ .
تأمله في صمت غير معقب .. "التباري" لم ينتبه ، ولم يحاول أن ينبهه وتركه يسترسل في حكاياه المتدفقة من أرض أصهاره البيضاويين المجاورة لمحطة القطار التي يبحث لها عن مكترٍ يستغلها ، لأنها بعيدة عنه ،وأصهاره يحتاجون إلى المال .. وإحساسه بالمهانة بعد المال الذي نفقه في الوليمة بعد أن كان متأكدا من أن الرجل كان يريد الأرض، ولا يعرف ما الذي جعله يغير رأيه ، بعد انصرافه .. ربما أحدهم (عبأ رأسه) بكلام ما .. لينتقل إلى الحديث عن عدم مسامحته للعم الذي (ضحك عليه) وهو يجعله يعمل حتى بعد الساعة السادسة مساءً في دار عبدالمالك الحداد ، دون أن يصارحه أنه (شادْها عْطــــَشْ) . إنه غدار خان الملح والطعام وعشرة كل هذه السنين من أجل دراهم معدودات ... وها قد رأيت كم صرف حين مرض مؤخرا .. هذا عرق الدراويش ، و أشاد به حين أعطاهم أحدهم مبلغا معينا .. لم ترضَ أن توزع المبلغ إلا بالتساوي ، وعلى كل العاملين حتى الغائبين منهم . لو كان عمك مكانك .. لخبأ ه ، ورمى إلينا بالفتات ... (أنت لمن خرجتي ؟؟) أنت أفضل من عمك وأبيك .. !!
عقب بلا مبالاة :
- الناس طوب وحجر ..
تظاهر أنه لم يرَ نادية عند وصولها ، وأطرق برأسه وهو يضع اللمسات الأخيرة على قالب السارية ..



جاءتهم بعد لحظات بصينية الشاي ، تناولها منها ، أبعد "كبالا" حتى لا يضطرب في حضرتها ، ويوقع كل شيء .. انبته إلى شروده وصمته وهو يحدق فيها بعينين متعبدتين في قداسة .. هتف لنفسه " :لو لم تكن أرملة ل(...) . آه يا قلبي . متى تتوب عن الهوى ؟؟" .
افتر ثغرها عن ابتسامة لؤلؤية عذبة ، و"كبالا " يتميز غيظا ، مثل بركان يغلي في صمت ..
- شكرا .
ونهره :
- ابــْــرَك ، الله يبــّركْ عليك الحْجــر..
وعلق التباري ضاحكا ...
- نوض ، جيب ليك جوج خبزات اخرين .. هاذ الباريزيان ما يدير معاك والو ...
ولمح ....
للتو، مرت صاحبة البيت بهندام أنيق ورائحة عطرها تسبقها .. جاءت تطمئن على سير العمل قبل ذهابها إلى صيدليتها ..
- البيت بيتكم . كل ما تريدونه اطلبوه من نادية ...
وبصوت واحد شكروها ، وعلقت باسمة :
- تــْهـَــلاّوْ في عبدالله !




رفع بصره فجأة ..
اختلج قلبه وهو يلمحها تتلصص عليهم ، وعندما التقت عيونهما اختفت .. كان "كبالا" يدفع الناقلة واضعا فيها الآجر، في عينيه يزغرد فرح العشاق الطفولي بقربهم من المحبوب ، و مثل الأطفال حين يتخيلون أنفسهم يقودون دراجات نارية يردد : ( عااانْ عااانْ عاااانْ . حَـــيــِـّدْ التباري من الطريق ) . أفرغ حمولتها فوق السقالة.. وأمسك (البالة) على هيئة وتر ، وراح يدندن ):حيدوا عمي وانتاقموا مني ،حيدو التــْويباري وانتاقموا مني ...) .
تلعلع قهقهاتهم ، و يتأملان أصابعه المفلطحة التي لا تليق أن تكون أنامل عازف فنان ورقيق الإحساس ، وعلق" التباري" متهكما : " تلك الأصابع لا تصلح إلا ل(البـــَغـــْــلي ) " .

ضحك ضحكا كالبكاء ، وأرسل صدره زفرة حارة .



في نفس التوقيت غادروا البيت ...
بعد العصر ، بعد أن صارت الحجرة لا ينقصها إلا النجارة المسلحة الخاصة بالسقف ، حيث تناولو غداءهم فوق السقالات دون أن يستريحوا ولو للحظات ..
انصرفوا أمام نادية ..
كانوا يتحدثون عن برنامج العمل في اليوم الموالي و ضرورة الحضور مبكرا ..
كانت أم عماد تقف أمام البيت مع صغيرتها ..
ارتسم على شفتيها طيف ابتسامة لم يرها سواه ، لكن سرعان ما تلاشت حين لمحت خلفهم نادية ، وأحست بانقباض في صدرها .. توقف أمام الورش و نادى"كبالا" على "بعية " ، فصفقت الباب في عنف خلفها معنفة صغيرتها ، وترمق نادية - التي مشت بمحاذاتهم مطرقة الرأس - بنظرات نارية ...


من فوق أتاه صوت "بعية " وهو يعاتبه على أن هاتفه لا يرد كلما اتصلوا به ، يجدوه خارج التغطية ...
- أطفأته إلى الأبد ، أنا حر ما شأنك ؟ هل لديك أي اعتراض ؟؟
- وذاك ...
يلمح يبده من فوق إلى الجهاز الظاهر من جيبه ...
- هذا رقم ثان يا زوجي العزيز ، ورقم سري ..
وانتبه الى صوت خافت ..
كانت أم عماد - من شباكها- تشير إليه بيدها أنها أن ينتظرها حتى تخرج .
وسمع نداء بقية الرفاق يلحون عليه أن يصعد ، فتعلل أنه مكتئب ..
تبادل مع عبدالرحيم بعض الهمس ، طالبا منه مفاتيح حجرته ، فوضح له أنه سيتأخر في الخارج ، وينتظر منه رنة على الهاتف ...
- إليك رقمي الجديد ..
ركب رقمه ، سمع رنة وأقفل الخط ..



في الحمام ..
تأمل ملامحه الغائمة في المرآة ، قال لنفسه ": الساعة الآن الثامنة بتوقيت غرينتش ...الحادية عشرة بتوقيت بلدها . لا شك أنها الآن أمام الحاسوب تنتظره .. سأبتعد عن النت .. لن أدخل أي موقع إلكتروني .. يكفيني ما ضيعت من عمري على ضفاف السيليكون . ماذا جنيت ؟ لن يتوقف العالم إن غبت عن الحاسوب أسبوعا .. لا . لن أضعف سأحاول أن أنساها حتى لو بعثت ألف رسالة فلن أقرأها .. سأتحمل بعض الألم " ، كتب اسمها بالسبابة فوق البخار..ثم مسح المرآة ، وشرع في حلاقة شوك خديه .. تخيلها حزينة كئيبة دامعة العين والقلب .. بين نارين .. نار (البعاد) وزواج بغيض أشبه بجحيم ...
تترقرق الدموع في محجريه ، تنساب فوق خذيه الحليقين ..
وأحس ببعض الراحة .



ارتدى ثيابه وغادر ، وردد الليل صدى وقع خطواته الواثقة من نفسها ، وهو يدنو من الدكان القريب من الورش .. تناهت إلى مسامعه قهقهات الرفاق ، وقد تناثروا فوق قطع الآجر ممزقين سكون الليل .
"كل هذا ليس مهما ..." ، يقول في سره ..
شيء واحد شغل باله .. لم يكن يتوقع أن تنتهي جلستهما الغرامية رغم بعض الكدر حين سألته كيف قضى يوم عمله في بيت المحامي ، أدرك سر تلميحها من خلال نبرات صوتها الحزينة .. اختلج قلبه فرحا بغيرتها من نادية رغم الألم الذي تمطى في دواخله .. فلم تهدأ إلا حين عرفت أنها أم وأرملة ، فهتفت في حبور صبياني :
- سأجعلك تنسى كل النساء !!

كل شيء كان على مايرام لولا ...
وهما يغادران قبيل الساعة السابعة ، كانت تتأبط ذراعه ، وترخي رأسها على كتفه في الممرشبه المظلم .
نظر إلى عبد الرحيم مشدوها وإلى جانبه ابنها ..
فغرق الأربعة في صمت مقبري ...


(يتبع )



#هشام_بن_الشاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصفور الشرق ينقر العيون الزرق
- خطايا بيضاء
- النصف الآخر (9)
- رسالة أخيرة
- النصف الأخر (8)
- النصف الآخر (7)
- النصف الآخر 6
- النصف الآخر (4-5)
- النصف الآخر (3)
- النصف الآخر
- مثقل بنشيج الروح ..
- أعلنت عليكم الحب بطريقتي
- سوتيان _ مشاهد من حياة مخبولة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
- ق.ق.ج
- بيت لا تفتح نوافذه …
- الشياطين تخدع أحيانا
- !أسعدت حزنا.. أيها القلب
- روتانا سينما... وهلوسات أخرى !


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام بن الشاوي - النصف الآخر (10)