أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد ساحلي - صاحب الوجه المرن قصة قصيرة















المزيد.....

صاحب الوجه المرن قصة قصيرة


خالد ساحلي

الحوار المتمدن-العدد: 2051 - 2007 / 9 / 27 - 07:04
المحور: الادب والفن
    



صاحب الوجه المرن إذا لقي صاحب رأيٍ جريء متمسك بمبدئه قال له : " أنا معك تقدم لا تخف" وإذا رجع إلى زمرته قال : " لقيت فلانا البارحة استهزأت به ، أمددته بغرور سيقتله لا محالة أنا معكم ولائي لكم " . كانت هذه سيرته وكان هذا مرضه ، يوصي بالناس خيرا على مسمعهم ويرفع أعلام النميمة غيبا ، وصيته للمتصرفين في الناس بالظلم للعامة و البطش وبمعاملة العبيد و التضييق عليهم ، يلبس ثوب المصلح لا تراه غير واعظ في طرقات المدينة البلهاء يسب مكر المعارضة هاديا الناس إلى صراط مستقيم ، يخوّف من يشاء بكلاليب ومشاط النظام ، لا يتفا جئ و لا يشعر بالحرج حين الوقوف على منابر المعارضة حاضا على الثورة و التغيير والتمسك بخيار التجديد و و التداول على الحكم، لا يجد صعوبة في التأقلم مع الأرض ومع الظرف ، قبل أن يصير معروفا لدى مصالح الأمن كان يتودد ، يتذلل ككلب صيد ، يخبر عن مخبأ الصيد ، دليل طريق هو إلى حيث الفريسة البريئة المرتجفة خوفا من دوي البندقية وطلقتها ، غالبا ما يكون حاملا للأخبار القاتلة لأصحابها أو الزاجة بهم في غياهب السجون ، يختلق أحاديث وقصصا من واقع خياله حين تشح الأخبار وتتضاءل المعلومات ، المعلومات يبيعها، يؤذي بها كل من يضايقه أو تنفر روحه منه . يعلـّق الأكاذيب على عتبات الهلاك لمن لم يوقره و يحترمه ، يريد أن يكون رفيع شأن ، في قرارة نفسه يعرف أنّ شرفه وضيع يتدلى كذيل بغل يهش به يمينا و شمالا على الذباب الأزرق العالق بمؤخرته . ينقل المعلومات و الأخبار بسرعة البرق ، في اليوم يزور عدة أمكنة ومكاتب ، يبدأ نهاره بدخوله على رئيس البلدة يعطيه تقريرا مفصلا عما قاله الناس في المقاهي و الأندية و الأماكن العامة و حتى داخل البيوت فله شركاء آخرون يعملون نفس عمله يأتونه بما يطلبه إلا أنهم أقل منه منزلة ولا يحظون بمعاملة أصحاب المناصب الهامة .. ثاني باب يطرقه باب رئيس دائرة البلدة فيسرد عليه ما حدث في اجتماعات المجلس البلدي من مشاريع وما ينوى فعله ، والجهات التي تضيّق عليه ومن مارس عليه الضغوطات لأجل التنازلات و الصفقات لمشاريع شركاء الظل . يستمع رئيس الدائرة بآذان صاغية ويحدثّه هو أيضا عن المشاكل التي تواجهه وعن الأوامر الآتية من هنا وهناك ، وعن الأسماء المجهولة والضغوطات الكثيرة . يحدثه صاحب الوجه المرن عن أشياء تقترب للخيال و الوهم منسوجة بعقاقير الكذب والافتراء .
يكلفه رئيس دائرة البلدة بالبحث عن أمور تهمه و يطلب مساعدته بنفوذه عند أشخاص بعينهم و سيجزيه مقابل ذلك بعدة إستفادات ، يأخذ صاحب الوجه المرن المعلومات و التعليمات لينتقل إلى أبواب أخرى ذات هيبة تغرس في النفس رهبة فيفرغ ذاكرته عن آخرها ودون أن يسأل يجيب بكل ما حفظه وما سجله كحاسوب مبرمج .
هذا المسئول يختلف عن باقي المسئولين هو يتعامل مع الخبر و المعلومة بكل احترافية وحذر ومع هذا فهو يشبّه صاحب الوجه المرن بقنوات صرف المياه القذرة، هو لا يحمل إليه إلا ما يكلفه البحث و التقصي ودخول المنازل و تفتيشها ، رحلة مضنية و خطرة للبحث عن أدلة قاطعة تدين مرتكبيها ، أحيانا كثيرة لا يجد أدلة تثبت قضايا فساد أو تخريب أو تهريب أو إخلال بنظام عام كما نقل له الخبر ، يوبخـّه المسئول الأمني كالعادة وكم من مرة وبخـه ومرّغ أنفه في الزبالة ، يتأسف لعدم تدقيقه ويعتذر بأهمية الخبر وسرعة التعامل معه .
الأبواب لا تغلق في وجهه الكل يخاف وشايته، يهدد الجميع وخطره قد يخترق أي مسئول. يغيب صاحب الوجه المرن وقت ما يشاء عن أعين العامة و الخاصة، حتى العيون المكلفة بحراسة حركاته تفقد أثره أحيانا ، ينتقل لباب الوالي ، ينتظر ساعات وساعات لكنه لا ييأس له صبر كبير على الإهانة، المكانس لا تكنسه ، يقول للحاجب جملته المعروضة على كل باب يقصده : " أبلغ سيادته .... أن السيد صاحب الوجه المرن هنا ومعه أشياء تهمه وتخصه " ربما كانت هذه الجملة السحرية هي مفتاح أبواب اللصوص والعصابات و الساسة و المعارضة وغيرها من الفئات على حد سواء. لقد كانت هذه الجملة كجملة علي بابا لكنها من نوع مختلف ، صاحب الوجه المرن هذا ماركة لا يدري أحد من صنعها و لا الجهة المخولة بذلك ، لا أحد يستطيع محو أثره من المكان الذي يطأه ولا احد يستطيع تقفي أثره من العامة ، في قلبه مرض لا يعرف مكمنه أحد . حتى الأطباء حيّرهم صاروا هم المرضى خوفا ووسوسة ، صاحب الوجه المرن أدخل خلقا كثيرا ظلمات السجون وقدم خلقا كثيرا لفوهات المدافع ومصورات البنادق، ألقى بكثيرين للهاوية و الجحيم ، الأحزاب يجول فيها ويصول كما إدارات الدولة ، يلعب على كل الحبال ، مهرج أكروبات ، صاحب الوجه المرن بمجرد أن تراه تشم رائحة الشر منبعثة منه ، ذميم الخلق ، قصير ملتصق بالأرض ، شارباه طويلان متسخان تعمل كمنعكس شرطي كلما رأى أو سمع شيئا جديدا ، عيناه رقيقتين حادتين ضيقتين ، رموشه لا تتحرك كثيرا ، يعلم الجميع ما يصنعه لا أحد له الجرأة على وصف نتانته و فساد طبعه و خلقه، يعتبر واحد من أعضاء إخطبوط الفساد ، خياط ماهر للشراك ، حاذق في إثارة الفتن ، بأسه طلاء الثعالب في الخفاء ، ولائه للأشكال الأكبر حجما و للرتب الأكثر تأثيرا ، وفائه للصور المعلّقة بها منفعته . صاحب الوجه المرن يبدأ مغامراته كلما التقى صاحب رأي جريء متمسك بمبدئه أو رجل خير أو وطني يغار على الحرمات و الخيرات التي تسرق وتنتهك ، كانت دعوته : "تقدم إذا احتجت للرجال أنا معك " كانت هذه تجارته لما هدأ الوضع ووضعت الظروف الحالكات أوزارها وبدأ وعي من جوع يستيقظ بعدما نام وعي من خوف ، كان صاحب الوجه المرن قد أُحِيلَ على المعاش لكن بقت تجربته في الأرشيف يُفتَخَرُ بها كتراث ، لا زال على كبر سنه يهذي بما كان يفعله إذا خلى لشياطينه ، تجارته كسدت ، أضحى يضلع في شوارع المدينة يبصق من فمه صديد سعال يذبح صدره حين يخرجه ، وجهه أخذ لون الأصفر حتى عيناه ، فتح كل الأبواب إلا بابا واحدا حرم نفسه منه ، باب الطمأنينة لقد حُِرمَ الشيء الذي لطالما نزعه من قلوب الأبرياء و المخلصين في هذه البلدة و في هذا الوطن... صار صاحب الوجه المرن لا ينام الليل و لا النهار ، هو يدري حين أُحِيلَ على المعاش أن من صنعوه وجدوا من يناوبه بخدمات أحسن من خدماته ، شهورا على تنحيته لم يعد يظهر صاحب الوجه المرن، اختفى فجأة ، كان العامل الجديد يسمع في التوصيات قبل استلام عمله :" لا يوجد رأسان في قبعة واحدة."
خالد ساحلي



#خالد_ساحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصبع و الذباب قصة قصيرة
- الرجل الصالح
- المهاجر قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا الحكواتي
- ورثة البخيل
- قصص قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا دعاء
- الحذاء
- المسمار ( المتقادم في الزمن )


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد ساحلي - صاحب الوجه المرن قصة قصيرة