|
المسمار ( المتقادم في الزمن )
خالد ساحلي
الحوار المتمدن-العدد: 1998 - 2007 / 8 / 5 - 07:50
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
يخترق الحطب مزهوا بقوة الولوج مقتحما المساحات القاسية الصلبة، حين تدفعه المطارق بقوة الحقد المتأصلة في البأس، يشد الألواح مشكلاّ هياكل و أجساما، سلالته من القدم لم تتغير بتغير الحضارات المتعاقبة، حافظ على خصوصيته و شكله، بفضله يصنع الكرسي، يصنع هو أيضا الشقوق كما يمكنه بناء الصروح و الناطحات، مدانة له المدنية ،حتى التوابيت لم تكن لولاه لقد راع حرمة الأموات حين ربط الأخشاب وجمعها و شكـّلها ليحفظ للميت كرامته. المسمار بحر في عطاءه، صبور للضربات الموجعة، أحيانا كثيرة يميل خائرا حين يكثر الطرق العشوائي عليه، يُحَطـَمُ دماغه و صموده، ينحني مجبر لا بطل، يرفع عنوة، يقّـّوم عنفا، يدخل قوة، دون رفض أو احتجاج، يترك حق الحرية، يقال عنه أنه منـّبه للغافل و التائه حين يوخز القدم أو اليد، يتوغل في لحم الآدمي غير آبه بإحساس روحه، يغرس الألم المشابه للألم الذي يعانيه، ينتقم لنفسه لحظة انتصار تعوضه عن الأيام الماضيات من العذاب، نسوه في تلك الأيام . المسمار حياته مرتبطة مع بناءات ذات عمد، يكـّون الأشكال المتنوعة، ينزع قهرا، كأنه لم يكن ذا أثر، يتجمع حين يدخل الصدأ حياته فيحدد له نهاية عمره، يعوّج يشيخ، لا يتوانى في طاعة أوامر قالع المسامير حين يقترب منه ليأخذ روحه. قالع المسامير ملك موت لكل مسمار على الأرض، ينزع روحه من حياة الخشب و في أي مكان كان، جبانة المسمار صناديق قديمة... قد يرمى في مكان سحيق أو على الأرض لتدوسه أحذية الأمان الحديدية دون مراعاة لقيمته اعتبارا لسابق عهده، دون شفقة أو رحمة، أحيانا يدفع للمطرقة و السندان فيُبعَث ُمن جديد. بشكل أقل أبهة، تظهر عليه نتؤات الزمن وما فعله الانبعاث . يفرح قالع المسامير لمهنته اللامتناهية، المسمار يشترى ليؤدي وظيفة لا يؤديها غيره... عندما تصنع الأشياء أحجامها تزدريه الأيدي ب arache clou يأخذ المسمار حظه من الدنيا كباقي الأجناس و الكائنات و المواد، منه الغني و الفقير، عز في بيت عز، وذل في بيت ذل، حين يرتبط أبديا مع الخشب لا ينزع حينها أبدا، و إذا نزع تهشم الحطب معه و فسد شكله، حين يسكن الجدران الفخمة النظيفة ذات الألوان الزاهية تتعلق عليه الألواح الزيتية الباهرة غالية الثمن، حتى الساعات المبحرة في القدم تنام معلـّقة به لينام في أشهر متاحف الدنيا المحروسة بآلات التصوير و عشرات رجال الأمن و الكلاب المدربة. المسمار راض بقدره و فنائه و تآكله و أكسدته على خشب أو اسمنت أو حديد أو على أي شيء يتمثل فيه. المسمار لا يترك لحظة ليرتاح إلا إذا كان (المنسي)، المسمار لا يتضايق بالأليتيين و لا بالدبر و لا بالخصيتين الثقيلتين و لا بالفرج وما تحمله هذه الأسماء من نتانة الرائحة، كل جالس على كرسي يعلم أن المسمار يشده فيطمئن و يرتاح، المسمار لا يهمه إن تواطأت الأقدام الصاعدة للسلم الخشبي مع الأحذية الخشنة، المسمار يصنع الأشكال التي يؤذي الإنسان أخيه الإنسان لأجلها. حين ينزع المسمار نادرا ما يحتـّج فيحدث صوت كزكزة حينها فقط يُعَلِـّم الآخرين كيف يصنع صوتا لا يصنعه غيره، يعَلِمُ أن الأقل حجما قد يصنع الثورة و الصخب، جلبة ما بعدها جلبة... يذكر المسمار عهده الأبدي يوم قطعه لأصدقائه، كانوا أربعة وقـّعوا ميثاق الشرف، وقّـّعوه بالدم، ثلاثة من جنس واحد رابعهم ليس منهم، الشرف لا يعترف بلون و لا بجنس. العهد: قسم على خدمة الإنسانية على اتجاهين مستقيم و أعوج، خير وشر، مخضـّر حياة ومصفـّر لنهاية حياة، أقسموا لا افتراق في معمل و لا مصنع و لا ورشة و لا قصر و لا بلاط، لا فرقة حتى يفرّقهم الموت أو الهدم للأبد. يقدمون الخدمة يصنعونها ومن بعدها ينتحر الواحد من الأربعة، لا شك يترك المسمار خليفة، المنتحر يقسم بالفداء و التضحية لغيره، كان حظ المسمار أن يأخذ بهذا العهد، عهد المطرقة إيفاء الدين، صناعة الألم و صداع الرأس لأجل غاية البناء و الهدم، كان لقالع المسامير نفوذ نزع المسامير كلما تم التكوين لرسم المهندس، كان على الحطب أن يرضى بصنيع المسمار من تركيب و تفكيك أو كسر وصدع، كان العهد القديم بين الأصدقاء يتجدد و يحصّن الـفـُرقة. ذاك اليوم تفرعت المسألة و تشتت الفكرة، يذهب المسمار مع الحطب، تتزاوج المطرقة بقالع المسامير، تبدأ العصرنة و العولمة، تنتشر إمبراطورية متوحشة لتبدع وسائل أخرى و أدوات تقلـّل العبء لهذا المتقادم في الزمن و لا يفنى. الشيء الوحيد الذي أغاظ المسمار و أبكاه فأنعزل وصار بلا رحمة إلى اليوم، أنه يوجد حاكم مستبد في بلاد غريبة نسبه لنفسه، و الأكثر أن المسمار خادم الإنسان و الحضارات عبر العصور جعلوه شعار سياسي يتلهى به الكتـّاب والمعارضة يوم أقرنوه بجحا (مسمار جحا لازم يتنحى). تطلع المسمار للهجرة إلى بلاد جديدة حيث يجد المسامير المتحضرة بكثير من الحرية و الاحترام . خالد ساحلي
#خالد_ساحلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا
...
-
الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا
...
-
بين الذاكرة والإرث.. إبداعات عربية في مهرجان الإسكندرية السي
...
-
شاهد: معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
-
السفير الإيراني في دمشق: ثقافة سيد نصرالله هي ثقافة الجهاد و
...
-
الجزائر.. قضية الفنانة جميلة وسلاح -المادة 87 مكرر-
-
بمشاركة قطرية.. افتتاح منتدى BRICS+ Fashion Summit الدولي لل
...
-
معرض الرياض للكتاب يناقش إشكالات المؤلفين وهمومهم
-
الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا
...
-
-الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|