أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أحمد حسنين الحسنية - الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر















المزيد.....

الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر


أحمد حسنين الحسنية

الحوار المتمدن-العدد: 2026 - 2007 / 9 / 2 - 11:38
المحور: الصحافة والاعلام
    


تفرض علي واجباتي الأبوية - و التي أرحب و أسعد بالقيام بها - أن أشارك أفراد أسرتي - على فترات منتظمة - مشاهدة برامج الرسوم المتحركة، و هذه المشاركة بالإضافة إلى كونها فرصة لمشاركة الأسرة وقت سعيد، و تدعيم الروابط بين أفراد أسرتي الصغيرة، حفظها الله، فإنني وجدت فيها أيضاً فرصة لمعرفة ما تشاهد أسرتي، حتى أتدخل عند اللزوم بما فيه المصلحة، و كذلك فإنني رأيت فيها فرصة لدراسة السياسة المتبعة من الإعلام الأوروبي و الغربي في تنشئة أطفاله، حيث الغالبية الساحقة من برامج الرسوم المتحركة التي تبث في رومانيا - حيث بلد المنفى لأنني أنظر لأقامتي بالخارج على إنها مرحلية - مستوردة من كندا و ألمانيا و بريطانيا و أيرلندا و أستراليا و أسبانيا و المجر، على إنها مدبلجة، أي يعاد تسجيل الحوار، باللغة الرمانية، ليفقهها الأطفال.
كانت نتيجة هذه المتابعة المنتظمة أن رأيت العجب فيما يبث في تلك البرامج الكرتونية، فالكثير منها تعلم ألفاظ غير لائقة، و بصورة متكررة لنفس العبارة الخارجة أو غير المهذبة، و كأنها عملية تلقين، كذلك وجدت من بعض تلك البرامج محاولات لبث روح الرفض لدى الأطفال لسلطة الأب و الأم، أو تصوير الأب و الأم بمظهر المتخلفين عن الواقع، بينما الصغار هم جيل التكنولوجيا و الحداثة، بهدف إضعاف سلطة الأب و الأم على أطفال لا يتعدون العاشرة من العمر، و معظمهم أقل من ذلك، فهذا هي الفئة العمرية التي أُنتجت لها مثل تلك الرسوم، مثلما هناك محاولات لبث روح التمرد على سلطة المعلمين، و الإستهانة بهم، و إن كانت تلك السياسة التدميرية أقل من المتبع تجاه سلطة الأسرة.
الأمر لا يقف كذلك على ألفاظ غير مهذبة تلقن، و العمل الدائب لتحطيم مكانة الأب و الأم لدى الأطفال، و تفكيك عرى الأسرة التقليدية، بل يتعداه لترويج سلوكيات غير محمودة، بطريقة غير مباشرة، كالكذب و الغش، فبعض تلك البرامج تعلم الأطفال الكذب و الخداع و الغش و السرقة، و سلوكيات تتعارض مع النظافة الشخصية و قواعد الصحة العامة، و ذلك حين يرى الأطفال أبطال بعض تلك الحلقات الكرتونية يكذبون و يغشون و يخادعون و يسرقون، و لا يعتنون بنظافتهم، و قواعد السلوك الصحي، و ذلك طوال حلقات تبلغ في طولها الربع ساعة أو نصف الساعة، و فقط بضع دقائق معدودة قبل النهاية توضح العواقب السيئة لذلك السلوك، دقائق معدودة لا تغني في شيء، بعد أن قام معدوا تلك الحلقات خلال ربع أو نصف ساعة، و أحيانا أكثر، حسب البرنامج، بتلقين الأطفال الصغار سلوكيات مذمومة لم يكونوا قبل المشاهدة على علم بها من الأصل.
على إن هناك ملاحظة أخرى سلبية لاحظتها بوضوح، و تهمني كأب و مواطن مصري عربي مسلم، و أعني بذلك تلك العنصرية البغيضة التي يُلَقنها أطفال أوروبا و الغرب، منذ صغرهم و بداية و عيهم، ضد العرب و المسلمين، و ذلك بزرع صورة سلبية للعرب و المسلمين في أذهان النشء، بطريقة منهجية منظمة، بما يؤكد أن هناك سياسة مرسومة، من المسئولين في بعض شركات إنتاج تلك الرسوم، و أصحاب تلك المحطات التجارية التي تبث تلك البرامج المسمومة. فهناك تصوير نمطي للعربي و المسلم، على إنه اللص، الذي إما ينقض على الأوروبيين ليسلبهم بوسائل العنف و الإكراه، أو يحتال عليهم و يغشهم، و أن الثقة في العرب و المسلمين لا يجب أن تكون أبداً واردة في أي تعامل معهم، و إنه المتخلف تكنولوجياً، الذي لا يزال يعيش في زمن الناقة و البساط السحري و مصباح علاء الدين، و إنه الشهواني الذي يسيل لعابة لمرأى النساء، خاصة لو كن أوروبيات، أما المرأة العربية و المسلمة فهي تلك المرأة التي لازالت أسيرة أسوار الحريم، و إنها الراقصة التي ترتدي بدلة الرقص بصورة دائمة، و التي جعلوها الزي الرسمي للحريم، و تقبع في ظلام الجهل، و مقيدة بقيود التخلف و التمييز.
أما بلاد العرب و المسلمين، فهي في تلك الرسوم الكرتونية ليست إلا صحاري، و مدنهم ليست إلا واحات القرون الوسطى، يفصل بينها فيافي شاسعة، و لا إتصال بينها إلا بقوافل الجمال.
أنا لا أنكر إن التخلف لازال يضرب بأطنابة في نواحي كثيرة من عالمنا العربي و الإسلامي، أكان تخلف في نمط المعيشة نتيجة الأمية و الفقر و تسلط النخب الفاسدة و إنتشار الأفكار المنغلقة، أو تخلف في أسلوب التفكير نتيجة نفس الأسباب السابقة، و لكن ذلك ليس مبرراً لمنتجي تلك البرامج، لجعل الإستثناء قاعدة، فأين عالم الحريم اليوم من عالم الواقع في معظم البلاد العربية و الإسلامية؟ و هل زي المرأة العربية و المسلمة هو بذلة الرقص الشرقي؟ و ما هي نسبة العرب و المسلمين الذين يستخدمون الجمال في الحل و الترحال اليوم؟ و هل العنف حقاً صفة مميزة للعرب و المسلمين؟ و هل بالفعل العربي و المسلم ليس إلا الشخص الشرس المقطب الجبين، الذي لا يعرف الإبتسام، و يجهل قواعد السلوك المهذب المتحضر، و لا يستسيغ الفنون الراقية؟؟؟
إن تلك الرسوم المتحركة العنصرية تظهر لنا النفاق في أوروبا و الغرب، فبينما تتكرر مقولات ضرورة الإندماج بين فئات المجتمع، و تحميل المسلمين معظم الجهد المطلوب للإندماج، و كأن الأمر هو خطأ المسلمين و حدهم، و كأنهم هم الرافضين للإندماج، نجد الأوروبيين في جانب أخر يلقنون أطفالهم كراهيتنا، و إحتقارنا، و عدم الثقة بنا، بما يجعل أجيال تنشأ على ذلك، بما يحول بالفعل بين المسلمين و الإندماج، و يوسع الهوة و يعمقها، لتقاس بعمر الأجيال.
في كتابة Emotional intelligence، كتب عالم النفس الأمريكي Daniel Goleman، ما ألخصه بأسلوبي في تلك الفقرة: أن الأفكار و السلوكيات العنصرية التي تلقن في الصغر، تظل كامنة في عقلية الفرد حتى بعد أن يصبح ناضجاً، مهما أدرك سخف تلك الأفكار العنصرية التي تلقاها في صغره، و مهما حاول التغلب عليها. و قد ضرب المؤلف مثالاً على ذلك، أن الكثير من الرجال البيض - أي الأوروبيين في الأصل - و الذين ترعرعوا في ولايات الجنوب الشرقي من الولايات المتحدة، و الذين لقنوا منذ صغرهم الأفكار العنصرية، و لكنهم بعد ذلك تغلبوا عليها و أصبحوا لا يشعرون بتعصب ضد السود - يقصد المؤلف الأمريكيين من أصل أفريقي، و أنا هنا أنقل تعبيره بأمانة رغم عدم موافقتي للأسلوب الأمريكي في إستخدام لون البشرة لتصنيف البشر - بعقولهم، إعترفوا له صراحة بأنهم مازالوا يشعرون بالغثيان عندما يصافحون السود، فقد ظلوا محتفظين بهذه المشاعر مما تعلموه في أسرهم و هم أطفال.
اليوم الأجيال الحالية في الكثير من دول الغرب، لازالت تربى على العنصرية، و هي اليوم و إن أصبحت عنصرية غير لونية، إلا أنها أصبحت عنصرية ضد عقيدة، و ضد أبناء منطقة بعينها.
تلك التربية العنصرية هي أحد أسباب حالة التوتر الحالية في بعض المجتمعات الأوروبية، لأن الكثير من الأوروبيين و الغربيين لا يرغبون حقاً في إحترام المسلمين و العرب، لأنهم نشأوا على كراهيتهم و إحتقارهم، و أصبح من الصعوبة بمكان لديهم أن يتغلبوا على تلك المشاعر، بل أصبح اليوم إبداء تلك المشاعر العنصرية مقبولاً في العديد من المجتمعات، خاصة في ظل أخطاء بعض المسلمين و العرب، و التي تتصيدها و تضخمها وسائل إعلام، أغلبها تجارية و حزبية، فهي تنتظر مثل تلك الأخطاء لتكررها و تضخمها و تسترجع معها سلسلة الأخطاء السابقة، حتى يبدو الأمر و كأنه طبيعة العرب و المسلمين، و أشهر مثال على ذلك قناة سي إن إن الدولية، و التي تبث لأوروبا و أفريقيا و الشرقين الأقصى و الأوسط، و جنوب أسيا، من لندن.
إننا يجب أن نقول للغرب، و للأوروبيين على وجه الخصوص: إن معظم، إن لم يكن كل - مع إستثناء بسيط - العرب و المسلمين الذين يحيون في أوطانكم، راغبين في أن يحيوا في سلام و أمان في مجتمعاتهم الغربية، و أن عليك لتساعدهم على الإندماج، أن تضرب بيد صارمة، على يد أولئك الذين يريدون أن تستمر الهوة بين المسلمين من جانب، و المجتمعات الغربية من جانب أخر، و الذين ينشأون أطفالك على كراهيتنا، فمثلما تطالب المسلمين بأن ينشأوا أطفالهم على النظر لمجتمعاتهم الغربية على إنها أوطانهم، و أن عليهم أن يمحضوها إحترامهم و حبهم، عليك أن تعلم أطفالك ليس فقط قبول الأخر، بل و إحترامه.
إنني يجب أن أنوه مشيداً في هذا المقام ببعض شركات إنتاج الرسوم المتحركة البريطانية و الأيرلندية، التي بُث إنتاجها على شاشات قنوات الأطفال في رومانيا، لأنني - و الحق أقول - لم أر في إنتاجها أي أثر لأي عنصرية بغيضة، أكانت مفضوحة أو مستترة، بل يجب أن أذكر أن رسالة بعض تلك البرامج كانت هي تعليم الأطفال قبول الإختلاف في اللون و الأصل و الثقافة و الدين، و أود لو إقتدت بهم بعض شركات إنتاج الرسوم المتحركة الأسبانية و المجرية و الكندية و الألمانية، التي ينضح من بعض إنتاجها عنصرية و كراهية فجة ممجوجة بحق العرب و المسلمين، لأنها لو فعلت ذلك، و علمت الأطفال قبول المختلف، فإنها تسهل عملية الإندماج، في الوقت الحاضر، و في المستقبل، لأن الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر، و كذلك تلقين تقبل الأخر في الصغر يبقى أثره في المستقبل البعيد.
الإندماج هو جهد طرفين، لا طرف واحد



#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وراء جريدة الدستور؟؟؟
- ثم هرع إلى بوش يستغيث به
- إلا اليونسكو
- الإصلاح يحتاج يد صارمة و تفويض شعبي
- الدولة الفاطمية، هذه هي الحقيقة
- لأنني أريد نتيجة و أرفض الوصاية و لا أخشى المنافسة
- و هكذا الإحتلال أيضا يا ناظر العزبة
- فوز حزب العدالة التركي مسمار في نعش آل مبارك علينا إستثماره
- لقد كان نضال وطني و ليس مجرد خلاف فقهي
- إقتحموا الحدود، فالبشر قبل الحدود
- مستثمر رئيسي أم لص شريك؟؟؟
- رسالة إلى حماس، نريد القصاص من هؤلاء المجرمين
- مشروع الهيئة المصرية الأهلية للعدالة
- يوم و نصب المعتقل المصري المجهول
- يوم و نصب المعتقل المجهول
- إضرابات بدون هدف و تنظيم، لا شيء
- مصر ليست أحادية الإنتماء
- الإنقلاب العسكري المصري القادم، أسبابه و مبرراته
- حمر عيناك، تأخذ حقوقك
- حد السرقة في الفقه السعودي


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أحمد حسنين الحسنية - الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر