جدل امريكي

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 1987 - 2007 / 7 / 25 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

حتى وقت قريب كان الجدل الذي يدور في الاروقة السياسية الامريكية حول الوجود العسكري في العراق ذا صفة حزبية، حيث كانت الرؤى المتصارعة تنطلق من طرفين مختلفين حزبيا، جمهوري وديمقراطي، واشتاد اوار هذا الجدل في الانتخابات التي افرزت سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس. ومنذ ذلك الوقت بدأ التغير يدب في طبيعة المواجهة الحزبية، حيث برزت اصوات جمهورية تدعو الى الاسراع في سحب القوات الامريكية من العراق، او على الاقل تغيير طبيعة مهمتها وتقليص عددها، اي ان الجدل تجاوز التصنيف الحزبي، لكنه في الحقيقة لم يتجاوز المصالح الحزبية، فلا بد ان هزيمة الجمهوريين في الانتخابات دفعت ببعض قادة حزبهم الى الشعور بضرورة تعديل موقفهم مما يجري في العراق، حتى لا يكونوا في سلة واحدة تتوجه اليها جميع سهام النقد، ولذلك طرح اكثر من سيناتور امريكي تصوراته الخاصة عن امكانية سحب القوات الامريكية في العراق او ايجاد تغيير ما في مهمتها يقلل من الخسائر البشرية والتكاليف المالية.
عندما تشتد الازمة يحاول كل سياسي طموح البروز من خلال ابداء رأي معين او اقتراح حل ما، وهذا ما يحدث في الولايات المتحدة هذه الايام، فقد اندفعت الى الواجهة مجموعة من الاسماء التي كانت مغمورة الى الواجهة، وخاصة من الجمهوريين الذين فقدوا عددا كبيرا من صقورهم في حوادث سياسية وشخصية مختلفة، في محاولة منهم لاقناع الرأي العام الامريكي بقدرتهم على تفكيك المأزق العراقي مثلما شيده صقور الجمهوريين حسب اتهام المناهضين للحرب في العراق.
نظرا لتوفر عدد كبير من مراكز الابحاث ومعاهد الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة، فهناك فرصة لكل سياسي امريكي للحصول على وصفته الخاصة بالشأن العراقي، تلك الوصفة التي تسمح له بالظهور في وسائل الاعلام مرارا وتكرارا، وعندما يجتمع هذان العاملان، الوصفة المحبوكة والظهور الاعلامي، يتسلل مفعول الخلطة سريعا الى الشرق الاوسط وبالتحديد الى بعض الساسة العراقيين الذين يعولون كثيرا على انتهاء الصبر الامريكي للقفز الى مواقع متقدمة في السلطة العراقية، وقد زاد من طموح هؤلاء تلك التسريبات عن خطط يدرسها البنتاغون لتعديل وجود القوات الامريكية او حتى سحبها فضلا عن التصريحات المتضاربة لأركان القيادة الامريكية، سواء في واشنطن او بغداد، عن مهل وفرص زمنية محدودة امام الحكومة العراقية لتحسين الاوضاع او تسريع العمل في انجاز بعض المتطلبات.
تحتفظ الذاكرة السياسية الامريكية بنماذج سيئة لتجربة الانسحاب السريع من بعض الاماكن، سواء في لبنان او الصومال او غيرها، حيث وجدت ان المضاعفات المستقبلية لهكذا انسحاب تزيد من المخاطر والخسائر، بطريقة تجبر الولايات المتحدة على العودة ثانية للمساعدة في اخماد الحرائق القديمة التي خلفتها وراءها، لذلك فأن المفهوم السياسي للإنسحاب سيأخذ طابعا مختلفا هذه المرة، فالأحتمال الاكبر ان تأخذ الولايات المتحدة في تقليص عدد قواتها مع بداية الصيف القادم، لكنها ستحتفظ بقواعد عسكرية مركزية في عدة مناطق من العراق، والمهمة الاساسية لتلك القوات ستكون مواجهة الارهاب وحماية الحدود ومراكز انتاج ونقل النفط، لكن حجم وطبيعة الدور الامريكي في العملية السياسية الجارية في العراق هو ما سيظل موضع تساؤل، حيث هناك شعور امريكي واضح بعدم الارتياح للطريقة التي تسير بها العملية السياسية وكذلك وتيرة السير ايضا وتزايد الضغوط الامريكية على الحكومة والبرلمان العراقيين للإسراع بإنجاز بعض الخطوات يقوي الشعور بتحول او تعديل في الدور السياسي الامريكي ، كما ان هناك مواقع عديدة في العراق تبدو قريبة من التغيير، لكن الساسة العراقيين على عادتهم يجرون حسابات ومساومات بطيئة في كل خطوة يتخذونها بطريقة تؤدي غالبا الى تحجيم الخطوات السياسية التي يخطونها.
جزء كبير من الجدل الامريكي لن يتجاوز وسائل الاعلام اما الجدل العراقي فيضيع معظمه في الحسابات المعقدة لذلك فأن العراق لن يشهد نهاية دراماتيكية ولا فصلا مشوقا مليئا بالاحداث هذا الصيف ولا حتى في الخريف القادم وهو الامر الذي لا يريد ان يصدقه الكثيرون في العراق.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات