أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - دلور ميقري - محاكمة الكاتب















المزيد.....

محاكمة الكاتب


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1973 - 2007 / 7 / 11 - 10:50
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


محاكمتان ، أثرتا بي بشدّة ؛ الأولى ، ما يُعرف بـ " قضية ساكو وفانزيتي " ، والثانية محاكمة المغضوب صدّام حسين ! القضية الأولى ، شغلت العالم في العقد الثاني من القرن العشرين ؛ تماماً كما كانه حال مثول ديكتاتورنا العراقي أمام العدالة ، في مستهل هذا القرن الجديد . من جهة اخرى ، فإنّ " ساكو وفانزيتي " ، كان عنواناً لفيلم سينمائيّ ، إيطاليّ ، تسنى لي حضوره في بداية السبعينيات ، المنصرمة ، وهو من بطولة الممثل العظيم جيان ماريا فولونتي ؛ أحد نجومي المفضلين آنذاك ، وكان مشهوراً بأدواره في الأفلام السياسية الموضوع ، فضلاً عن شعبيته المترسّخة عالمياً وخصوصاً مع تحفة الكاوبوي ، " من أجل حفنة من الدولارات " . وحكاية الفيلم الأول ، بإيجاز شديد ، تتمحور حول مهاجرَيْن إيطالييْن إلى الولايات المتحدة ؛ عامليْن فقيريْن ، بالكاد الواحد منهما يجدُ لقمة كفاف لعائلته ، وإذا به في يوم من الأيام على موعد مع البوليس ، ليعلم أنه متهم بجريمة قتل وسطو مسلح . قضية العاملين ساكو وفانزيتي ، قدّر لها أن تضحي مناسبة ً لمحاكمة النظام الأمريكيّ برمته ، والذي كان آنذاك قائماً على سياسة التمييز العنصريّ ، البغيضة ؛ لا بل ، ومحاكمة المجتمع ككل ، المتواطيء مع تلك السياسة والمتضامن معها .

الكاتب أيضاً ، وجد نفسه على مرّ التاريخ ، معرضاً للمحاكمة ؛ شاعراً كان أم روائياً أم فيلسوفا . وأنا لا أعني هنا ، بطبيعة الحال ، حالة الراحل صدّام حسين ؛ مع إحترامي لمواهبه الفكرية والأدبية ! .. لندع الطغاة ، إذاً ، يسرحون ويمرحون في جنان النعيم ، ولنتابع قضية المدعو ـ فلان الفلاني ـ بإعتباره كاتباً . وكنتُ هنا ، في هذا المنبر الكريم ، قد تناولت جوانبَ من القضية تلك ، محتسباً إياها قضية رأي عام ؛ قضية كل من ينتمي للمشرق في هذا المهجر ، البائس . ويحق لبعض القراء الأكارم ، هنا أيضاً ، أن يعبروا عن ضجرهم أو إستيائهم مما قد يعتبرونه " عضّ اليد المحسنة " ، أو " تشويه صورة جنة النعيم ، الأوروبية " .. الخ . وعلى كل حال ، فمن الصعب أن تطلب من الإنسان أن يكون منصفا ، ما دام الآخرون على إصرارهم في العدوانية ، غير المبررة بحال . على المنقلب الآخر للقضية ، ثمة ذلك المبرر لما نتعرضُ له نحن ؛ معشر أمة لا إله إلا الله .. الخ ! ـ وأعني به ، خطر الإرهاب والتطرف ، المضطرد التصاعد والمتهدد الغرب في عرينه ، أو مصالحه هنا وهناك على أطراف المعمورة . هكذا سببية ، ربما لا تحظى بقبول بعضنا ، بل وتستدعي إستهجانهم ؛ وتحديداً ، من لدن أصحاب يافطة " المؤامرة الكبرى " .

إذا جاز لي إستئذان ذاكرتكم ، فالمقال السابق كان تناهى بنا إلى حيث تنتهي قضايا العالم ، أجمع ؛ وأعني بها ، المحكمة . المحقق ، المتوسط السن ، الذي فجأني بحضوره بلا أيّ موعد مسبق ، كان في جعبته مفاجأة ثانية ، أدهى . وتشديدي على الرقم ، متأتٍ لما سيأتيني من بواطن جعبته تلك : فهو قادم للتحقيق معي ، بسبب ما راح يقرأه أمامي من " تهديد بالقتل لإمرأة وطفلها ، في حال لم تترك هي سكنها " ! .. حينما كان يتلو عليّ لائحة الإتهام ، المفبركة ، لاحظتُ مدى الحقد الضاري ، المنبعث من صوته وعينيه ، على السواء : " يا ذا الشعر الأسود الـ .. تقتعد حضننا وتنتف بذقننا ! " ، هكذا ، على الأرجح ، كانت دواخله تردد . بدوري ، رحتُ أدفع التهمة معتبراً إياها بدون أي أساس . وذكرته بحقيقة بسيطة ، وهي أنني من كان طوال السنوات الفائتة ، يتقدم بالشكاوى مرة تلو الاخرى . " آآآ ، نعم ! وحينما لم يأبه أحدٌ بشكاواك ، فقد بادرتَ إلى التهديد .. مفهوم ، مفهوم !! " ، قال لي الرجل بكل ثقة . ولم يكتفِ بذلك ، بل وسألني بعدئذ ما إذا كنتُ من أصحاب السوابق ؟ كان يجب أن يكون ، فعلاً ، أعمى البصر والبصيرة ، كيما يوجه لي هكذا سؤال : شقتي آنذاك ـ المتواضعة كصاحبها ـ كانت مفتوحة الباب على حديقتي الأثيرة ، المزدهرة في أوان الربيع بأزاهيرها وتعريشاتها وخمائلها . أما الصالون ، حيث إقتعد كلانا على الأريكة الجلدية ، فكان يحتبي مرسماً ويفضي ، بدوره ، لمكتبي . محققنا ، العتيد ، لم يبدِ أيّ إكتراث بما حوله ؛ أو ربما زاده ذلك يقيناً بصفتي ، الإجرامية ، المموّهة بتلك الإكسسوارات : " هل لديكَ شاهدٌ ما ، يمكنني الإتصال به ؟ " ، سألني وهو ينفخ بضجر . أجبته جازماً ، بأنه لديّ مائة شخص يشهدون على ما تعرضتُ له وأطفالي ، طيلة خمسة أعوام ، من مضايقات أولئك الجيران . وإذا به يفجؤني بالقول ، محتداً : " أذكر لي إسم شاهد واحد فقط ، فليس لديّ الوقت لإستجواب أمة إيران كلها ، المقيمة في اوبسالا !! " .

قلنا قبلاً ، أنّ شكاويّ بحق الجيران ، المحترمين ، إضطردت وتعددت . لماذا لا تقول ، أنّ ذلك وحده كان سبباً كافياً لإثارة شركة السكن عليّ ؛ فهذا يكلفهم مالاً مضاعاً ، كما صرّح لي رئيس الشركة ، بنفسه ! وبما أن القضية هذه ، قد أحيلت للمحكمة ، فسأعرض لكم الوقائع التالية وبإيجاز شديد ما أمكن . وقبل كل شيء ، يجدر الملاحظة بأنّ الموظف الموتور ، الذي لفق لي قضية التهديد تلك ، هوَ نفسه من كان فيما سلف يتلقى شكاويّ ويتجاهلها . حتى وبلغت القحة بجارتي ، ما غيرها ، أن أعلنت أمامه في إجتماع ضمنا سوية ً، أنها حرة في بيتها ولا تسمح لكائن من كان بتقييد حركتها ! وقاحتها ، الموصوفة ، تمادت إلى حدّ أن تشتم ذات ليلة متأخرة ، صاخبة بموسيقاها ورقصها مع أصحابها ، الخفيرَيْن المكلفين بالتحري عن هكذا مخالفات ؛ مما أجبرهما ذلك على إستدعاء رجال البوليس . إنها عينة واحدة حسب ، من عشرات مماثلة ، لم تكن كافية لتحريك شعرة في ضمير ـ كذا ـ صاحبنا الموظف المسؤول . هذا الأخير ، وجدَ أنّ من واجبه حضور محاكمتي ، بصفة الشاهد الوحيد ، ضدي . الجلسة الأولى ، الإفتتاحية ، تمّ تأجيلها بسبب قدومي بدون محام . وإرتأت القاضي ، بعد إستشارتي طبعاً ، إلى تعيين رجل يتولى الدفاع عني . في الجلسة تلك ، حاولتُ الإعتراض على طريقة التحقيق . فقالت لي القاضي ، بلطف ، أنّ وقتا مديداً أمامي في الجلسة المقبلة ، لقول ما أريد : هذا الوقت ، الموعود ، لن يتاح لي ، أبداً . المهم ، أنّ لديّ الآن محامياً ، وعليّ تحديد موعد معه . كان شاباً ، في مقتبل العمر ، وقد إستقبلني في مكتبه بمركز المدينة وإستمع إليّ بلا مبالاة. لقائي معه ، الأول ، حملني على التشاؤم وإنتظار الأسوأ . أما الثاني ، فقد حصلت عليه بمشقة : " ماذا تريد مني ؟ نعم ، أعرف أنك حدثت السكرتيرة عن إثباتات جديدة ، مهمة . ولكن ، أما كان بإمكانك وضعها في المكتب ، لديها ؟! " ، راح يجيبني على الهاتف ، متأففا ، متذمراً .

قبيل بدء الجلسة المنتظرة ، جاء رجل حليق الرأس وقدّم لي نفسه بصفة " المدّعي العام " . كانت لهجته مهذبة ، ولكنها حازمة : " لا تقلق . ربما يحكمونك بتعويض بسيط ؛ وهذا ما تريده المدّعية ! " . هذه الجملة ، المفيدة ، سمعتها حرفياً ، تقريباً ، من لدن محاميّ . " هذا لا يُبشّر بالخير " ، رددتُ في أعماقي ، متوجّساً . ولكنني ، للحق ، كنت على خطأ بيّن . فمحاميّ لا يُشبه المدّعي العام بشيء ؛ بل شُبّه لي ذلك : فهوَ قد بقيَ صامتاً طوال الجلسة ، العتيدة . في جموده ، الدائب ، كان لا يُشبه في الحقيقة سوى أحد أعمدة القاعة الرخامية ، الجميلة . أما المدّعي العام ، فلم يدخل لسانه في حلقه إلا لكي يبتلع ريقه . إكتفى محاميّ ، كيلا أظلمه ، بثلاثة أسئلة : الأولى ، للمدعية ؛ إذ أراد معرفة ما إذا كانت قد غيّرت رقم هاتفها وجعلته سرياً . الثاني ، كان سؤالاً موجهاً لي ؛ فيما إذا كنت أعتبر نفسي بريئاً . أما الثالث ، يا أخا العرب ، فتوجه به صاحبنا للقاضي ؛ وكان حول سيارته ، وما إذا كان يجب عليه إحتساب الكراج على حساب القضية الكردية .. أعني ، القضية الميقرية !؟ من ناحية اخرى ، فما كان للمدّعية ـ وهيُ جارتي المحترمة ، السويدية ، ما غيرها ـ سوى إثبات موهبتها بالتمثيل . فبدون أن يرف لها جفن حياء ، راحت تسرد نفس الوقائع التي سبق أن ذكرتها أنا ، مراراُ وتكراراُ ، أمام البوليس والتحقيق ؛ الوقائع نفسها ، نعم ، ولكن بإعتبارات معكوسة ، بطبيعة الحال ! وكما بكى " ساكو " في محاكمته ـ بحسب ذلك الفيلم الإيطالي ، الموسوم آنفا ـ رأيتُ دموعي تنهمر مدرارة ، ما أن وصلتُ في مرافعتي ، المبتسرة ، لذكر ولديّ ومعاناتهما طوال سنواتٍ مع جيرة السعد . " هل أنتَ هكذا ، دوماً ، بهذه المشاعر الرهيفة !؟ " ، يأتيني سؤالُ الخصم . معك كلّ الحق ، يا مدّعي الملائكة والقديسين : فما نحن ، ذوي الشعر الأسود ، بعد كل شيء وقبل كل شيء ، سوى سلالات إجرام ، عريقة ؛ محترفي قتل ولصوصية وشغب وفوضى .. وما نحن ، أبناء الجالية المسلمة ، المتخلفة ، في بلدكم ، الأرقى ، أكثرَ من دعاة ورعاة وأداة تطرف وإرهاب . ولكن لم يُتح لي الردّ على الرجل ؛ فقد علقت القاضي الجلسة لإستراحة قصيرة .

للقضية بقية ..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنكيل بالكاتب
- رحلة إلى الجنة المؤنفلة / 2
- سندريلا السينما : فنها وعشقها الضائع
- كركوك ، قلبُ تركستان
- سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
- في مديح الخالة السويدية
- رحلة إلى الجنة المؤنفلة
- أدبُ البيوت
- مناحة من أجل حكامنا
- حليم والسينما
- كنتُ رئيساً للكتاب العرب
- السينما المصريّة وصناعة الأوهام
- شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
- كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
- من معالم السينما المصرية : نهر الحب
- نائبان ومجزرتان
- نائبان وجزرتان
- ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
- حكايتي مع الحجاب


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - دلور ميقري - محاكمة الكاتب