أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - دلور ميقري - أدبُ البيوت















المزيد.....

أدبُ البيوت


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1880 - 2007 / 4 / 9 - 03:09
المحور: كتابات ساخرة
    


أحسبُ أنّ من يقرأ عنوان مقالي هذا ، ربما سيتبادر له أنني جانبتُ التعبير الصحيح ، لغوياً ، وكان من المفروض أن يكون العنوان " آداب البيوت " ؛ بإعتبار أنّ للبيوت حرمتها ، وأنّ من وصايا الرسول للمؤمنين أن يدخلوا البيوت من أبوابها .. الخ . ولكن مهلاً ، عزيزي القاريء ! تابع متن المقال ، ولكَ أن تحكمَ بعدئذٍ ما إذا كان الحال كذلك . في واقع الأمر ، فإنني مضطر لإزعاجكَ مجدداً ، بالتصريح أنّ المسألة تتعلق فعلاً بـ " الأدب " . أعرفُ ، عزيزي ، أنكَ لا بدّ وأن تنفخ بضيق صبر ، متسائلاً : " وهل ستضيف جنابكَ لنا شكلاً آخرَ ، جديداً ، من الأدب ، نحن الذين سئمنا من الأشكال الأكثر جدّة ؛ كأدب التاريخ وأدب المدن وأدب قلة الأدب !؟ " . على أنه ثمة " أدب السجون " أيضاً ؛ مما لا يجب أن ينساه المرءُ . إنه فضلاً عن ذلك ، إسمُ برنامج تبثه إحدى الفضائيات الخليجية ، المقرّبة من القيادة الدولية للمقاومة والجهاد المقدس . هذا البرنامج ، سبق له أن عرض عدة حلقات عن معاناة الكتاب والصحفيين في المعتقلات ، هنا وهناك من دول الشرق الأوسط . ولكن القائمين على القناة تلك ، ربما تلقوا توبيخاً من القيادة العالمية ، الموسومة ، لأنّ سجون الدولة العبرية ، العدوّة ، بدتْ في تلك الحلقات أشبه بالفردوس الرباني بالنسبة لجحيم سجوننا العربية وذئابها ، وآدابها !

فيما أكتبُ المقال هذا ، يتزلزل سقفُ البيت فوق رأسي . نحن أهل المشرق ، بطبيعتنا ، نخشى " الفوق " كائناً من كان . شجعانٌ أشاوس نحن ولا شك ؛ بيضٌ مواضينا حمرٌ وقائعنا .. الخ . هذا في البرّ فقط . أما حينما تحلق الطائرات ، فوقنا ، فالفرار سيّد المراجل جميعاً ! جيراني ، وهمُ سويديون ـ أو أشباههم لا أدري حقيقة ـ مصرون والحالة تلك على مشاركتي الكتابة . بطبيعة الحال ، فإنهم يجهلون اللغة العربية ؛ لا بل ويبدو أنها مُسمّة ما أن تسري في أمعائهم .. أعني ، في أسماعهم ! وإذ يجتمع لديّ أحياناً منَ الأصدقاء منْ يتكلم ، معاً ، بالعربية والكردية ، فالأرجح أنّ جيراني أولئك ، الفرنجة ، لا بدّ أن يتبادر لوهمهم أنّ بيتي هوَ أحد معاقل القيادة الدولية للمقاومة والكذا وكذا . عدوانية جيراني المزعجين ، غير مفهومة بحال ؛ اللهمّ إلا من باب ذلك الموجب ، المقاوم . أو أن الأمر ، كما راح يتهيأ لذهني ، المشوش ، ذو مسوّغ جدير بالإقناع : فالنقد الحديث ـ بلا مؤاخذة ـ يؤكد أنّ الإبداع عملية مشتركة بين الكاتب والقاريء . وها أنا هنا ، بفضل أولئك المزعجين ، أسجلُ فتحاً جديداً في النقد ؛ بالبرهنة على أنّ الكتابة هيَ عملية مثلثة ، بين الكاتب والقاريء والجار غير القاريء ! من جهته ، كان دستويفسكي يقول : " الكتابة تنقذ المرءَ من الجنون " . يا سيدي ، ومن الجريمة أيضاً . صدقوني ، لو أنّ أحداً قد ابتليَ ، وعلى مدى أعوام وأعوام ، بما ابتليتُ به من جيران مزعجين ، لكان حرياً به الآن إقامة مؤبدة في السجن . سجون السويد ، كما يُشاع لديكم ، شبيهة بفنادق خمسة نجوم . ربما لهذا السبب ، تعتقدون بأنني بطران على النعمة . لا ، هذا لم يدُر بذهني قط . المسألة أخلاقية بحتة . يعني بصدق وإخلاص وضمير ، يجب أن أكون ممتناً لأولئك الجيران ، الذين شاركوني ليسَ بعملية الكتابة حسب ، بل وخاصة في إكتشاف نظرية جديدة ، نقدية ، فضلاً عن تأسيس نوع آخر من الكتابة ؛ ألا وهوَ " أدبُ البيوت " .

نوهتُ في المستهل بأدب السجون ، وها أنا أربطه بما أسميته " أدب البيوت " . فلطالما قرأنا قصائد التركي ناظم حكمت ، الذي يُعدّ أشهر الشعراء السجناء في قرننا الماضي . وشهرة هذا الشاعر ، متأتية خصوصاً من سيرته في السجن ، اليومية ، وربما أكثرَ من قصائده نفسها . يبدو أنّ سلطات بلاده آنئذٍ ، أرادت تعكير شاعريته المُستلهَمة من شيوعيّته العنيدة ، بأن جعلته في عنبر واحد مع سجناء الحقّ العام من رعاع وسرسرية . لماذا لا تقول ، أنّ الرجل إستطاب صحبة أولئك الأصناف ـ ممن يوصفون ماركسياً بـ " حثالة البروليتاريا " ! قصائد شاعرنا ، المهرّبة من سجنه ذاكَ ، أكبر دليل على زعمنا بتوفق تلك الصحبة ، الموصوفة . وكذا الأمر ، فيما يخصّ قلة حظ قصائده ، اللاحقة ، التي كتبها في خارج السجن ؛ في موسكو ، تحديداً ، التي نفيَ إليها بعدما أطلقوا سراحه . لدينا أيضاً مثالٌ آخر ، لشاعر سوريّ من قرننا الحالي ، منفيّ في السويد حالياً ، على إثر خروجه من سجنه الطويل ، الممض . كان من سعدنا أنّ قصائده ، السجينة ، قد تمّ تهريبها إلى الخارج لتطبع هناك وتترجم إلى لغات اخرى . إذاً ، ورغم قساوة المعتقل ، في هذا المثال وذاكَ ، بيدَ أنه أتاحَ للشعراء أن يتواصلوا بإلهامهم ، وبغض الطرف عن أصالة ما كتبوه أو قيمته . بالمناسبة ، فشاعرنا السوريّ ـ السويديّ ، ذاكَ ، كان قد تنقل في الواقع بين سجون عدة . في كل مرة ، وهوَ في طريقه إلى سجن جديد ، كان يداخله أملٌ بأنه سيكون أفضل حالاً من سابقه . على أنّ آماله كانت سرعان ما تتبدد ، على عتبة الواقع المرير ، المشين : فالسلطة الأمنية ، هيَ هيَ ؛ ولا جديد في الأمر . صدقوني ، أيها القراء الأعزاء ، بأنّ هذا شبيه بحالي هنا مع " السلطة السكنية " في مدينتي السويدية : في أول الشهر القادم ، سأنتقل إلى منزل آخر . ولكن رحلة عذاباتي لا بدّ أنها ستتجدد ، ومع جيران جدد .

من حقكم طبعاً ، ما لو نفختم بي ضجراً ، متسائلين : " أدب السجون وفهمنا حكايته ، فماذا عما تزعمه بخصوص أدبكَ ، البيتيّ ؟ " . حسنٌ ، ها قد وصلنا لموضوعنا ، أخيراً . إسمي ـ والكِبَرُ لله وحده ـ تعرفونه ؛ إنه في جيرة عنوان المقال ، على كل حال : وأنا في جيرة من ؟ لا داعي لتكرار مأساتي ! المهم ، أنّ إسمي لم يوح مرة ً للقراء بأنّ صاحبه شاعر ماعر . إذا كان إسمي ، المتواضع فعلاً ، يوحي بالقلاقل والمشاكل ـ كما يتجلى ، أحياناً ، بالتعليقات المرفقة بمقالاتي ـ فهذا ليسَ ذنب صاحبه ، صدقوني ! منذ فتوتي ، كان لي حظ قرض الشعر ، ولقد طبعتُ مجموعتين من قصائدي . لديّ علاوة على ذلك ثلاث مجموعات اخرى غير مطبوعة ، ولا توجد إمكانية لنشرها أو حتى مراجعتها . نعم ، في هذا المهجر ، ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، إندثرتْ حياتي شخصياً تحت أنقاض برجَيْ بابل ، النيويوركييْن ! فديتكَ ، كيف لكَ أن تحظى بما يقتضيه القصيدُ من شروطٍ ، إنسانية قبل كل شيء ، ما دام أهلُ البلد ، الأرقى في المعمورة ، ينهالون على رأسكَ بطرقاتهم ليلاً نهاراً ـ كشرطيّ بهراوة غليظة : في هذه الحالة ، لا حرجَ عليكَ فيما إذا إنهلتَ ، بدوركَ ، على رؤوس القراء بقلمك المحمرة عينه ، ثأراً ممن شردكَ في منفى الشمال ، الصقيعيّ ؛ المنفى غير المرحب بثقافتكَ وأصلك وفصلك ، وإسمك المعروف ! أرجوكم ، إفهموني . هذا ما عنيته بـ " أدب البيوت " . إنه أدبٌ مهجريّ ، طاريء ، كما سلفَ القولُ . وما يربطه بـ " أدب السجون " ، أنّ هذا الأخير هوَ إبنٌ شرعيّ لحالة الطواريء ، المؤبدة ، التي شردتنا ومرمطتنا .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناحة من أجل حكامنا
- حليم والسينما
- كنتُ رئيساً للكتاب العرب
- السينما المصريّة وصناعة الأوهام
- شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
- كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
- من معالم السينما المصرية : نهر الحب
- نائبان ومجزرتان
- نائبان وجزرتان
- ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
- حكايتي مع الحجاب
- صورة وبقرة وقمر
- كلمتان أمامَ ضريح الحريري
- أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
- دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
- دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
- الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
- النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - دلور ميقري - أدبُ البيوت