أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من معالم السينما المصرية : نهر الحب















المزيد.....

من معالم السينما المصرية : نهر الحب


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1858 - 2007 / 3 / 18 - 04:54
المحور: الادب والفن
    


1
الأدبُ وما تصرّفَ عنه من رواية وقصة وأمثولة ، وجدَ له مكاناً أثيراً في الفنّ السينمائي . بيدَ أنّ الأمرَ ، في واقع الحال ، ما كان بتلك البساطة في مبتدأ خبر هذا الفنّ الجديد ، الطاريء على حياتنا المشرقية . لم يُعترفَ بصفة " السيناريست " آنئذٍ ، ما فتيء مخرجو السينما المصرية ، الروّاد ، يستأنسون بإقتباس حكاية هذا الفيلم الهوليوودي أو ذاك . ومن طرائف ذلك الزمن ، ما رواه المخرج الواقعي صلاح أبو سيف ، بخصوص بداياته في السينما ، حينما إستدعاه المنتج ليسأله مستنكراً عن سبب إعتماد كاتب مصريّ لإعداد قصة وسيناريو للفيلم الجاري تحضيره : " من هوَ هذا نجيب محفوظ ؟! ولمَ ندفع له نقوداً ، وعندنا عشرات الأفلام الأمريكية ، الجاهزة !؟ " . ولكن أديب نوبل ، العربيّ ، كان ثمة في الأستديو ، أخيراً ؛ كان هناكَ في الكثير من الأفلام مؤلفاً وكاتباً للسيناريو ، على السواء . فمنذ مستهل خمسينات القرن المنصرم ، جسّدَ محفوظ شغفه بالسينما عبرَ رفدها ، المرة تلو الاخرى ، بنصوص لأفلام لاقت نجاحاً منقطع النظير ـ كما كان حالُ " ريا وسكينة " للمخرج أبو سيف ، نفسه ، المأخوذ عن واقعة حقيقية ، هزتْ مجتمع الإسكندرية في العشرينات من ذلك القرن . ثمّ تواصلَ تعاون المبدعيْن هذيْن ، كتابة وإخراجاً ، وكان من ثمراته أولى الأفلام من موجة الواقعية الجديدة ؛ مثل " شباب إمرأة " ، الذي برهنَ على حجم الموهبة ، الكبير ، لبطلته تحية كاريوكا : حتى ليجوز لنا القولُ ، بأنها كانت الممثلة الحقيقية الوحيدة ، الفريدة ، القادمة من ساحة الرقص الشرقيّ ؛ هذا دونما تجاهل زميلتها ، سامية جمال ، ولو بدرجة أقل . على أنّ الفن السابع ، المصريّ الواقعيّ ، كان بإنتظار شمسه الساطعة ، المقدّر لها أن تغمرَ بإشراقتها النجومَ جميعاً ؛ كان على موعدٍ مع طفلة رقيقة ، ولجَتْ حلبة التصوير مترددة ، وجلة ، بأعوامها السبعة لا غير .

2
فاتن حمامة ، إسمٌ فنيّ أشهرَ من أن يُعرّف . إنها سيّدة الشاشة العربية ، وكفى . لم تتسيّد نجمتنا الشاشة الكبيرة ، خلل كوّة شباك التذاكر ؛ ولم يك هذا من شيمة عبقريتها ، المنصاحة ـ كوردة ، منذ لحظة التفتح : كانت فاتن حمامة ، وستبقى أبداً ، نورَ قلبِ كل محبّ للسينما ، يسير بهديه على طريق الإبداع الأصيل ، الحقيقي . وكان من غرائب الإتفاق ، أن يكتشفَ هذه الطفلة ، المعجزة ، إثنانٌ من عمالقة الفنّ في القرن الماضي ؛ هما المخرج محمد كريم والموسيقار محمد عبد الوهاب . الأول ، هوَ رائد السينما المصرية ، وقد قدّمها للثاني بدور كومبارس ، في أحد أفلامه الغنائية : " إنها لتشبه شيرلي تمبل ، أشهر أطفال السينما الهوليوودية ، بل وتفوقها موهبة بمراحل " ، يؤكد محمد كريم . على أنه بإنطواء صفحة دورها الصغير ذاكَ ، ما عاد أحدٌ ليتذكر تلك الصغيرة ، الموهوبة . ثمّ إنقضى ما يقارب العقد من الأعوام ، قبل أن يُتاح لفاتن حمامة ولوج الأستديو ، صبيّة مراهقة ، هذه المرة . ستلعب أدواراً كثيرة ببطولة مطلقة ، كان أهمها دور " آمنة " في فيلم " دعاء الكروان " ، من إخراج هنري بركات ، عن قصة بالعنوان نفسه لطه حسين . بدوره ، يتذكر أديبنا العالمي نجيب محفوظ ذلك الدور ، واصفاً إياه بقوله : " كان شيئاً رهيباً ورائعاً " ( مجلة " نصف الدنيا " القاهرية ـ العدد 674 لعام 2003 ) . نحن في الخمسينيات من القرن الماضي إذاً ، حيث يتتالى دفقُ إبداع فاتن حمامة مع أفلام عظيمة اخرى ، من قبيل " لكَ يوم يا ظالم " ، " لا أنام " و " الزوجة العذراء " : الفيلمان الأول والثاني ، كانا من إخراج صلاح أبو سيف عن سيناريو لنجيب محفوظ . هذا الأخير ، كان من التواضع وبساطة الخلق أنه قد أعدّ سينمائياً رواية " لا أنام " من تأليف إحسان عبد القدوس ، وكرر الأمر ذاته في روايات اخرى له ؛ مثل " الطريق المسدود " و " إمبراطورية ميم " . لقد تضلع ببطولة كل منهما نجمتنا فاتن حمامة ؛ هذه التي ما عتمتْ أيضاً أن واصلت سيرها على السراط الموصل لعقد الستينات ، والمطلّ على " نهر الحب " .

3
كانت فاتن حمامة في سنّ المراهقة ، حينما إلتقت المخرج عزالدين ذو الفقار ، في فيلم " بين الأطلال " المنتج عام 1948 . ثم ما لبثت أن تزوجته ، رغم الفارق الشاسع ، بينهما ، في العمر . هذه التجربة الحياتية لفنانتنا ـ والمريرة ، بحسب شهادتها للصحافة ـ ربما إستعادتها بشكل أو بآخر ، خلال تأديتها دور " نوال " في فيلم " نهر الحب " ، الذي قام عز الدين ذو الفقار ، نفسه ، بإخراجه عام 1960. إنّ القصة هنا ، هيَ تنويعٌ على رواية " آنا كارنينا " لتولستوي ، الكلاسيكية المعروفة . إنها حكاية الحبّ الحرام ؛ حبّ إمرأة متزوجة لرجل آخر : إن ظرفاً طارئاً ، عصيباً ، يدفع تلك المرأة ـ وهيَ في حقيقتها فتاة مراهقة بعدُ ـ إلى الإقتران بمحام كهل ، على جانب كبير من الثراء والوجاهة . كان مجرد ترديد إسم من صار الزوج ؛ " طاهر باشا " ، ( زكي رستم ) ، كافياً لبث الرعب في أفئدة الناحية التي تقع فيها مزرعته ( " العزبة " ) ، والمقيم فيها شقيق " نوال " كمشرفٍ قانونيّ . الزواج المصلحيّ هذا ، يكون ثمرته طفلٌ جميل ، ما عتمَ أن أضحى سلوة والدته ، المبتئسة المتوحّدة . المشهد الأول للفيلم ، كان إسترجاعياً ( فلاش باك ) : ثمة ، نجدُ بطلتنا في عز أزمتها الحياتية ، والمنعكسة على نفسيتها بشدة ، بعدما هجرها زوجها وإنتزع منها الطفل ذي الأعوام السبعة . وكان الكابوس ، المقيم في لياليها جميعاً ، من واردات حالتها النفسية ، الموصوفة ، مذ أن كانت عروساً : قطار جامح ، يتقدم ناحيتها بسرعة مخيفة ، فيما هي وسط السكة تماماً ، حائرة مبلبلة ساهمة ، فلا يوقظها رنين جرس الإنذار إلا وهيَ بمواجهة قاطرة الموت تلك . يُقدّم الفيلم الزوجَ كشخص كريه الخلق ، طاغية ، لا مكان للعاطفة لديه . وبالمقابل ، فإمرأته إنسانة مرهفة المشاعر ، مخلصة ، متفانية في أمومتها . كانت في طريقها بالقطار إلى المدينة التي يعيش فيها شقيقها ، لمحاولة التوفيق بينه وبين زوجته إثر خلاف شديد ، مبعثه خيانته لها مع خادمة . في تلك الرحلة إذاً ، تلتقي بطلتنا مع ضابط شاب ، إسمه " خالد " ( عمر الشريف ) ؛ لقاء عابر ، لا يلبث أن يتحوّل حباً جارفاً بينهما . لدينا هنا ، منذ البداية ، ما يمكن نعته ، نقدياً ، بـ " العلامة " مكاناً وظرفاً : رحلة القطار تلك ، نهاراً / كبديل عن كابوس القطار ، ليلاً ؛ وخيانة الشقيق ، الزوجية ، واقعاً / كبديل عن خيانتها هيَ ، المؤجلة . هكذا علامة ، لما سيدهم الحكاية من أحداث ، نعثر عليها أيضاً في مشهد بيتيّ ، حميم ، حينما تنسى " نوال " نفسها ، فتحلق برقصة " فالس " مع موسيقى منبعثة من جهاز تسجيل . فما هيَ إلا لحظات وزوجها يدخل الصالون ، ليوبخها على " طيشها " هذا : إنه مشهدٌ في غاية الرومانسية ، سيتكرر لاحقاً أكثر من مرة ، ولكن برفقة الحبيب . إذ يلتقيا ثانية في سهرة عائلية ، وكانت هيَ في الحديقة ، مأخوذة بالموسيقى الراقصة ، المنبعثة من الداخل . إذاك ، يقتطف لها " خالد " زنبقة بيضاء ، معلناً لها حبّه مشفوعاً بقوله : " أنت إيزيس ، وأنا أوزوريس .. وهوذا نهر الخلود ، أمامنا " . قوله هذا ، يستعيد إذاً تلك الأسطورة المصرية ، القديمة ، عن شقيقين حبيبين ، فرق الموت بينهما ، إلا أنّ عشقهما ينبعث كل ربيع مع طوفان النيل : لكأنما المخرج هنا ( وهوَ كاتب السيناريو ، كذلك ) ، يعطي للمشاهد إنطباعاً بأنّ علاقة أخوية ، بريئة ـ كذا ، هيَ التي ربطت بين بطليْ الفيلم . هكذا إنطباع ، ضافره مخرجنا في مشاهد اخرى ، سوقاً لتجنب تابو التقاليد الإجتماعية والموروثات الدينية ، سواءً بسواء . فثمة حائل ، كان يقف دوماً صلداً ، عصياً ، بين الحبيبين ، موحياً ببراءة علاقتهما ومنافاتها للصلة الجسدية ، المحرّمة : كما في الرحلة إلى بيروت ، بعدما أوحى لها الزوج بنية الطلاق ، حيث تجتمع مع " خالد " في فندق واحد ، إنما في غرفتين منفصلتين ؛ وكان هذا ، أصلاً ، قد أجرى للتو عملية خطيرة في ظهره ، إثرَ سقوطه من على ظهر خيله خلال مسابقة فروسية ! .. في الأخير ، يموت الحبيب في حرب فلسطين ، فيقعُ الطلاق بين " نوال " ورجلها ، إنما بثمن باهظ ؛ حينما يجبرها هذا على التخلي عن إبنها ، لقاء تهديدها بفضيحة الصور الملتقطة في لبنان مع من دعاه هوَ بـ " العشيق " : إنها حيلة فنية ، سقيمة ، لشدّما تمّ مجّها في الأفلام المصرية ، ما فتئت عقلية المجتمع مخابراتية بحتة ، مذ لحظة إستيلاء العسكر على السلطة وحتى يومنا الحاضر . تطردُ الزوجة الخائنة إذاً ، بما تتهم به من خيانة ، وكانت آخر كلمات الباشا لشقيقها : " كان الأولى أن ترجَمَ كزانية ، لو أننا في عصر آخر " . تهيم " نوال " في الشوارع تائهة ، ضائعة ، فلا تلبث أن تجد نفسها ثمة ، على مفترق سكة الحديد . يدوي في تلك اللحظة جرس الإنذار ، مترافقاً مع صراخ إبنها ، المتوهمة سماعه متماهياً بصراخ حقيقي للحارس . ولكن قاطرة الموت كانت هناك ، أسرعَ من يقظتها المباغتة . هذه النهاية ، فضلاً عن أنها تحيلنا إلى ذلك الكابوس ، الذي عذب صاحبته إلى مختتم حياتها ، فإنها تضعنا أيضاً أمامَ مسألة " البديل " ، التي إبتدهنا فيها دراستنا للفيلم : البطل يدفع ثمن فعلته إنتحاراً / ولكن ذنبه مغفورٌ ، ما دام قد إستشهد في ساحة المعركة ضد اليهود = البطلة تدفع ثمن خيانتها الزوجية إنتحاراً / ولكن ذنبها مغفورٌ ( بنظر مشاهدي الفيلم ، على الأقل ! ) ، ما دامت هيَ من دفعتْ عشيقها للإستشهاد .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نائبان ومجزرتان
- نائبان وجزرتان
- ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
- حكايتي مع الحجاب
- صورة وبقرة وقمر
- كلمتان أمامَ ضريح الحريري
- أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
- دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
- دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
- الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
- النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة
- تاريخٌ تركيّ ، بلا عِبْرة
- شيطانُ بازوليني 2 / 2
- الطاغية والطفولة
- أفلامُ عطلةِ الأعياد ، المفضّلة
- السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
- شيطانُ بازوليني 1 / 2
- نفوق الوحش ونفاق الإنسان


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من معالم السينما المصرية : نهر الحب