أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - التنكيل بالكاتب














المزيد.....

التنكيل بالكاتب


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


الكتابة ، كما يقال ، فعل حياة . وحينما يكف هذا الفعل عن النشاط ، يكون الكاتب قد أعلن موته . من جهتي ، ربما كنت قد أشهرت هكذا إعلان مؤخراً بتوقفي ، الطاريء ، عن الكتابة . على أنه ، وكما في أسطورة " تموز " الرافدية ، أجدني وقد بعثت ثانية للحياة بقدرة ربيع الكتابة . وها أنذا أعود للقلم ، متشبثاً به ـ كقشة الغريق . بيد أنه ، للمفارقة ، كان لا بدّ للأسطورة القديمة أن تتناطح مع التكنولوجيا الحديثة . أقول ذلك لأنّ سبباً ، مباشراً ، كان وراء كفي عن التواصل مع الكلمة ؛ ألا وهو عطل في كمبيوتري ، العتيد . فعلى الرغم من كل الإحتياطات والحرص ، كان هذا الجهاز ، العزيز على قلب صاحبه ، من أولى ضحايا إنتقالي للمنزل الجديد .

منزل جديد ، إذاً ، وهموم قديمة ، متجددة . إنّ تشديدي ، آنفاً ، على أنّ عطل الكومبيوتر كان وراء حتف أنفي ، ذاك الموصوف ، لهو دلالة على أنه ثمة أسباب اخرى ، غير مباشرة : إنها معاناتي مع البيروقراطية المزمنة ؛ هنا في السويد ، حيث أقضي حكماً بالنفي ، مؤبداً على ما يبدو . فسوء الفهم الذي طالما محضني إياه أهل البلد ، الأرقى في عالمنا التعس ـ كذا ، لا أظن أنه سيجد له نهاية قريبة ؛ وخصوصاً مع جيرة السعد . كأنما هو جزء من ذلك الحكم المؤبد ؛ كأنه قدر غاشم ، لا مناص منه ولا مفر . وإذ لا يشعر هؤلاء ، وأولئك ، بالحرج حتى إزاء معاناة أطفالي ، فإنني بالمقابل يعتورني الخجل الآن من تكرار مأساتي على مسمع الأصدقاء والمعارف . وعلى هذا ، أراني مضطراُ إلى الغض أمامهم عن تلك السيرة ، المشينة ، وتغيير الحديث ما أمكن . كذلك الأمر هنا ، فيما يتعلق بالقراء الأكارم ، والذين عرفوا قبلاً بالموضوع ويحق لهم أن يسأموا منه . إننا عادة ً ما نلتذ بثمار الصبار ، في صيف حياتنا الحار ، الكئيب . أما عن معاناة البائع مع الأشواك المؤذية ، فلا نكترث بها إلا قليلاً .

العزلة ، هي مقدور هذا البائع الذي يمنحنا ثمار قريحته / أو روحه بالحقيقة . وحينما يتخلى الكاتب عن طقس عزلته ، فلا بدّ أنّ ذلك بفعل قوة قاهرة . وبما أنني ما فتئت أدوّن لكم يوميات مأساتي ، فلأقل إذاً أنّ عزوفي عن ذلك الطقس ، الأثير ، كان أكثر ما عانيته في أعوامي الأخيرة . زواجي ما كان موفقا ؛ ولكن هذا حديث آخر . خلى المنزل إذاً من العائلة والأولاد ـ من غير شرّ ! ـ ليضحي عاماً بعد الآخر ، مأوىً للأشباح والساحرات ؛ ليصبح صاحبه مباشرة ً تسلية جيرانه ، المتضجرين . وداعاً للعزلة ، المرجوة ؛ لطقس الكاتب وأجوائه وأهوائه وإلهاماته وآماله وأحلامه . على أنه يجب القول أيضاً ، بأنّ حيلي آنئذٍ لم تستنفد جميعاً . ومثل بحّار إحتار في أمر مركبه ، المشرف على الغرق ، فقد طفقت أتفكر مبلبلاً بأمري . لاحظتُ كيف أنّ جيراني إياهم ، المحترمين الراقيين ، يخلدون للهدوء على حين فجأة ، ما أن يحضر ضيف ما لمنزلي . إنهم يخشون من أن يتحول الضيف إلى شاهد ، فيما لو تقدمت بشكوى ضدهم للبوليس أو لشركة السكن . " وجدتها ! " ، هتفت في سري مبتهجا . نعم ، ليكثر الضيوف لديّ وليكفّ الجيران عني بلاءهم المستطير . وهكذا كرت السبحة . ما أن يلوح لي أحدهم بالسلام عليكم ، فيما أنا منشغل بأمور حديقة المنزل ، حتى أهتف به على طريقة أصحاب المطاعم الحلبية : " تفضضضل ! " . الأصدقاء ( أو سمهم ما شئت ) يتزايدون من حولي ، ولكن المشكلة الأساس تضطرد وتتفاقم . إنّ أصدقاءً من أمثال " أبو ثورة " و " أبو مقاومة " و .. لا بدّ أن يتبعهم من هو على شاكلة " أبي حشيشة " .. الخ . والآن ، عليك إقناع رجال الشرطة وشركة السكن ، بأنكَ بريء يا بيه !

ما كنت بحاجة لهكذا رهط من البشر ، لو أنّ جيراني المحترمين كانوا أقل شراسة وعدائية ؛ أو لو أنّ شركة السكن قد أوقفتهم عند حدّهم ، لمرة واحدة حسب . موظفو هذه الشركة ، التي تستولي على نصف راتبي إيجاراً ، دأبوا على الردّ على شكواي ، الأزلية ، بهذا القول : " لا دليل على ما تدعيه .. آسفون ! " . تتوسّع دائرة الجحيم ، فأحاول الإستنجاد بالشرطة . يا للهول ! إنكَ تعطلنا ، يا هذا ، عن عملنا في ملاحقة الزعران والسرسرية ، من ذوي الشعر الأسود ، شروى جنابك . ثمّ يحيلونني ، من جهتهم ، إلى نفس موطفي شركة السكن ، بعدما يتهددونني بالويل والثبور إذا ما عاودتُ الإتصال بهم وتعطيلهم عن مهمتهم ، المقدسة . ولكن شركتنا للحق سرعان ما عثرت على الدليل ، المفقود . أتصل في صباح أحد الأيام بالموظف المسؤول عن الشكاوى ، معيداً على سمعه ، الأصمّ ، الإسطوانة الكلثومية ذاتها . ويكون جوابه ، المعتاد ، ذاته . أقول له ، ما إذا كان ينتظر أن تقع مصيبة ما ، حتى يحصل على الدليل . ولا ألبث أن أتهدده منفعلاً بإحالته بنفسه إلى القضاء ، فيما إذا لم يتخذ إجراءً ما بحق أولئك الجيران . إنه يصمت للحظة ، قبل أن يطلب مني مهلة من الوقت . ولا يمضي أكثر من بضعة دقائق ، قبل أن يعيد الإتصال بي : " إنك يا هذا تتهدد جيرانك بالإبادة الجماعية ، فيما إذا لم يرحلوا عن سكنهم ! " . أردّ على الموظف الموتور ، بأنني سأشكوه تواً للبوليس بتهمة التلفيق وإساءة إستعمال السلطة ؛ فيكون جوابه حاضراً : " إلى اللقاء ، إذاً ، في المحكمة ! " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة إلى الجنة المؤنفلة / 2
- سندريلا السينما : فنها وعشقها الضائع
- كركوك ، قلبُ تركستان
- سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
- في مديح الخالة السويدية
- رحلة إلى الجنة المؤنفلة
- أدبُ البيوت
- مناحة من أجل حكامنا
- حليم والسينما
- كنتُ رئيساً للكتاب العرب
- السينما المصريّة وصناعة الأوهام
- شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
- كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
- من معالم السينما المصرية : نهر الحب
- نائبان ومجزرتان
- نائبان وجزرتان
- ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
- حكايتي مع الحجاب
- صورة وبقرة وقمر


المزيد.....




- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - التنكيل بالكاتب