أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - دلور ميقري - في مديح الخالة السويدية















المزيد.....

في مديح الخالة السويدية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1893 - 2007 / 4 / 22 - 09:38
المحور: كتابات ساخرة
    



من تسنى له ، مشكوراً ، قراءة مقالي " أدب البيوت " ، ربما يتذكر أنّ إشكالاً ، مفترضاً ، كان قد تربّصَ بعنوانه . ولكيَ لا يتكرر الأمرُ هنا ، مع هذا المقال ، أبادرُ على الفور إلى تأكيد حقيقة بديهية : ما دامت سورية هيَ " وطني الأم " ، فالسويد بهذه الحالة هي بمثابة " خالتي " ! وزوجة الأب ، ليست ظالمة دائماً ، أليس كذلك ؟ وعلى كل حال ، فإنني إقتبستُ هذا العنوان من رواية بالإسم ذاته ، لماريو بارغاس يوغا ؛ الروائي البيروفي ، الرائع . وروايته " في مديح الخالة " ، لا شأن لها طبعاً بالسويد ؛ اللهمّ إلا من ناحية واحدة ـ بحسب ذمتي ، الواسعة : فكل أديب ، كائناً من كان ، حينما يشرع في إعداد رواية جديدة ، فإنه يتساءل في سرّه ما إذا كانت المسكينة ستفوزُ برضى عباقرة الأكاديمية ، السويدية ! وكاتبنا ، بارغاس ، هوَ علاوة على ذلك من المرشحين ، المزمنين ، لجائزة نوبل . أما كاتب هذه الأسطر ، المنكوشة الشعر ، فإنه في موطن الجائزة ، نفسها ؛ مواطنٌ يحمل جنسية السويد وباسبورتها ، ولا يحلمُ على مدار الساعة سوى بإنجلاء كابوسه ، المقيم : أن يحظى بسعادة ليلة واحدة حسب ، تضمه وولديْه الصغيريْن في غرفتهما ؛ في بيتي بالذات ، الذي حرما منه لأكثر من عاميْن . سفر جيراني خارجاً ، في إجازات قصيرة ، كانت هيَ المرات النادرة ، المحظوظة ، التي سعدتُ فيها بضمّ طفليّ هذين ، دونما قلق . وتشديدي على المفردة الأخيرة ، مبعثه حقيقة أنه في الحالات الاخرى ، المغامرة ، كان عليّ قضاء كل ليلة معهما ، دونما ان تغمض عينايَ لساعة واحدة ؛ وأن أستقبل خلالها رجال البوليس وشركة السكن ، دفعة تلوَ الاخرى .

السويد ، فردوس الله في أرضه . لا ريبَ في ذلك ولا مظنة . إنها جنة للأطفال ، بشكل خاص . بكاء طفل ، يزلزل بلدنا الأوروبيّ ، الأكثرَ تحضراً ، أكثرَ مما يفعله " تسونامي " ، الآسيويّ . ولن أنسى ما حييتُ ، تلك الليلة قبل أكثر من عشر سنوات ، حينما أفاق إبني البكر وكان رضيعاً وقتها ، لشأن من شؤونه ، الخاصة جداً . ألا تقول أنّ بكاءه لهنيهة هيّنة ، قد أزعجَ جيراننا ، السويديين . دُهشتْ أمه ، حينما أفاقت مجدداً وعلى رنين الهاتف ، هذه المرة . كانت دورية الشرطة ، على الطرف الآخر من الخط . وقد طمأنتهم هيَ بأنّ طفلنا " عملها " ، وأنّ كل شيء الآن على ما يرام . وهم بدورهم إعتذروا بكل أدب على الإزعاج . هذا كان قبل عقد من الأعوام . بيدَ أنّ الوضع إختلفَ ، جذرياً ، إثرَ " غزوة نيويورك " ، المباركة : فلم نعد نحظى بأدب أحد من أهل البلد ، بوليساً كان أم مواطناً عادياً . وحتى " الأدب " ، بمعناه الإبداعيّ ، أضحى عبثا هنا ، في بلد " نوبل " الآداب ! صرنا بنظر أهل البلد ، بالمفرد والجملة ، جنوداً في جيش إبن لادن ـ كإرهابيين وذابحي نعاج بشرية ، بإسم الله : ما عادَ يشفع للواحد منا علمانيته ولا ليبراليته ؛ فكل ذلك ، عند الأوربيين ، هوَ مجرد إخباتٍ وتدليس . فوسائل إعلامهم كانت تركز على حقيقة ، أنّ أفراد خلية " هامبورغ " كانوا قد دأبوا ، قبيل غزوتهم ، على الإخلاد لمواخير المدينة ، بإعتبار أنّ نساء الغرب ، الكافر ، ما هنّ إلا سبايا وغنائم للمؤمنين . وأذكر من ناحيتي ، أنه في شركة الميديا ، الخاصة ، التي عملت فيها على مدى أربعة أعوام ، فقد كانت علاقتي مع زملائي ، السويديين ، على ما يرام . إنما تغيّر كل شيء ، بعد أحداث 11 سبتمبر ، وراحت الأعينُ الزرقاء اللون ، ترمشني طوال الوقت بنظرات متوجسة ، مرتابة : " بماذا يفكر ، هذا الرجل الغامض ؟ ولمَ بصره ، الأسود ، لا يفارق رقابنا !؟ " .

السويد ، فردوس إذاً . إنه كذلك فعلاً ، ولكن لأصحابه وليسَ لنا . كنا وسنبقى ، أبداً ، مواطنين من الدرجة الدنيا . في مبتدأ حلولي هنا ، كان أول ما تسلمته من مدرسة اللغة السويدية ، عبارة عن كتاب بالعربية ، يشرح فيها طبيعة الحياة في هذا البلد ثقافة ومجتمعاً وعاداتٍ وسياسة وقوانيناً . كما أنّ الكتاب إحتوى بعض النصائح للأجانب ، لكي يندمجوا ويتمثلوا في المجتمع . أهم تلك النصائح ، أنّ عليك أن تكون بشوشاً دوماً والإبتسامة لا تفارق ثغركَ ؛ خصوصاً إذا ما صادفتَ جاركَ ، السويديّ ، أمام مصعد العمارة ، أو ـ بلا مؤاخذة ـ في حجرة القمامة . إبتسمْ يا هذا .. فيبتسمُ لكَ جيرانكَ ، وكذلك أساتذتكَ في المدرسة ومسؤولو أوراق إقامتك في البوليس وإدارة الهجرة وأرباب عملك لاحقاً وو . المحظوظون ، من الأجانب ، المتسلقون مراتب الوظيفة والوجاهة ، كانوا بالضرورة من ذوي الوجوه البشوشة . الأحزاب السويدية ، يميناً ويساراً ووسطاً ، تحتاج أصواتنا في الحقيقة ـ وليس إبتساماتنا ؛ نحن الذين نتكاثر كالسمك ، في شبه الجزيرة الإسكندينافية هذه . ولا بأسَ بعد ذلك بهذه النائبة في البرلمان ، من أصل كرديّ ، أو ذلكَ الوزير في الحكومة ، من منشأ تركيّ . إكسسوارات ، يعني ! إبتسم دوماً ، ومهما يكن مزاجكَ . أما إذا كنتَ ـ لا قدّرَ الله ـ مثل كاتب هذه السطور ، المتجهّمة ، لا يضحكُ وجهه للرغيف بائتاً كان أم طازجاً ؛ فالويل لكَ ثمّ الويل في بلد البسمة الخالدة ، هذا : فلن يشفع لكَ عندهم أيّ إعتبار ، وكل شيء سيكون لديهم سواء . وبدلاً من أن يتبسموا لك ، فإنهم سيهزؤون بك حدّ القهقهة . كما جرى معي ، حينما صارَ عليّ أن أستقبل ، دفعة وراء الاخرى ، موظفي شركة السكن ومن ثمّ البوليس والتحقيق ، بسبب مشاكلي المؤبدة مع الجيران المزعجين : " مفهوم ، مفهوم .. إنكَ كاتبٌ ، ورسام فضلاً عن ذلك ؟ .. هاهاها ! وهوايتك الوحيدة ، هيَ زرع الزهور في حديقة المنزل ؟ .. هاهاها ! " .

ربّ متسائل ، أصابه ما أصابكم من ضجر وقنوط ، سينفجرُ بيَ : " ولمَ يا أخَ العرب ضننتَ على بني الأوادم أولئك ، ببسمة شاردة .. كيما تخلص وتخلصنا !؟ " . ربما سأثير غضبكم مجدداً ، إذا ما حلفتُ بأغلظ الإيمان أنّ الموضوع لا علاقة له ببسمة أو وحمة . نعم ، ولديّ أكثر من دليل على ما أذهب إليه . إلا أنني سأكتفي بواقعة واحدة حسب ، حصلت مؤخراً . فإبنة أختي ، التي حضرت مرة من " ستوكهولم " لزيارتنا أين نقيم نحن في " أوبسالا " ، كان لي معها دردشة طويلة حول أوضاع الأجانب هنا ، وخصوصاً الجاليات الإسلامية . كنتُ قد طلبتُ مساعدتها بشأن معاناتي مع الجهات الرسمية ، وغير الرسمية ، على خلفية قضيتي ، الموصوفة آنفاً . وإذا بها تكاد أن تجهش بالبكاء ، حينما راحت بتنهدة إثر أختها تروي لي معاناتها الشخصية مع زميلاتها ـ أو بالأصح ، رفيقاتها ـ في مقر البرلمان السويديّ . إنها متفرغة للعمل هناك ، بصفتها ككادر متقدم في الحزب المحافظ ، الحاكم . في كل مرة ، لما يتعيّن عليها مخاطبة إحدى هاته الرفيقات ، السويديات ، فلا بدّ أن تنقلب هذه الأخيرة إلى شبيهة فيفي عبده المسلسلات المصرية ؛ فتتصنع موقفَ المصدوم ؛ مجحظة عينيها ، مرجّفة أرنبة أنفها ، مهدّلة أذنيها ، مرخية يديها ، مغمغمة بإرتياع مصفرّ : " أوه ، أوه ! لماذا تثورين عليّ هذه الثورة ، كأنني عدوّة لك !؟ " . إبنة شقيقتي هذه ، إسمها " شيرين " ، بالمناسبة ( أيْ : حلوة ، بالكردية ) . وهيَ فتاة جميلة فعلاً ، وفضلاً عن ذلك تمتلك خفة ظل وموهبة في الدعابة وتقليد الآخرين ، بحيث أنها في صغرها كانت أشبه بـ " الكوميديان " . كانت في أشهر الرضاعة ، حينما إنضمت إلى متاع هجرة أبويْها : فهيَ والحالة تلك ، متأصلة في المواطنة السويدية ، لهجة ومسلكاً وهنداماً وعقلية . ومع هذا ، ألا تقول أنها ـ كخالها ، محسوبكم المغضوب ! ـ تحتاج أيضاً لشهادة حسن سلوك في الإبتسام والبشاشة .
[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة إلى الجنة المؤنفلة
- أدبُ البيوت
- مناحة من أجل حكامنا
- حليم والسينما
- كنتُ رئيساً للكتاب العرب
- السينما المصريّة وصناعة الأوهام
- شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
- كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
- من معالم السينما المصرية : نهر الحب
- نائبان ومجزرتان
- نائبان وجزرتان
- ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
- حكايتي مع الحجاب
- صورة وبقرة وقمر
- كلمتان أمامَ ضريح الحريري
- أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
- العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
- دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
- دليلُ القاريء إلى القتلة / 1


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - دلور ميقري - في مديح الخالة السويدية