أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - منهل السراج - علاقات ساخنة علاقات باردة















المزيد.....

علاقات ساخنة علاقات باردة


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 11:56
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


تعيش صديقتنا في استوكهولم منذ سنوات طويلة، أتت من الشرق، وظلت بعد خمسة عشرة عاماً من الحياة في الغرب، ممتلئة بكرم الشرق ودفئه، ومازالت مصرة على الاحتفاظ بتلك العادات، أو ربما لاتستطيع التخلي عنها. قالت، كان باستضافتها في منزلها الصغير في استوكهولم كاتب أوروبي تربطها بعائلته صداقة حديثة العهد. كرمها جعلها تدعوه أن يقضي ليلته في بيتها الصغير بدل أن يصرف فلوسه في أوتيلات استوكهولم باهظة الثمن. وافق الأوروبي على عادة الأوروبيين، بسهولة، ذلك لأن العرض أتى من قبلها. شكرها بكلمات سهلة وسريعة أيضاً. أنهى أمسيته وذهبا معاً إلى بيتها. أعدت للضيف طعاماً كريماً، واستأذنته كي تحضر فراشاً إضافياً تضعه في المطبخ، ذلك لأن بيتها صالة للنوم والجلوس ومطبخ فقط، فرشت فراشاً مؤقتاً في المطبخ، وتمنت للرجل الذي كان يغسل يديه في الحمام ليلة سعيدة، وذهبت لتنام في المطبخ، تاركة له السرير الرئيسي في الشقة، مثلما نفعل عادة حين نقدم للضيف أحسن ماعندنا، "صدر بيتنا للضيف والعتبة لنا". رجع الرجل من الحمام إلى المطبخ، لظنه أن الفراش المؤقت يخصه هو الضيف/الشخص الذي أضيف، إذ من غير المعقول في التفكير الأوروبي أن يتخلى شخص عن فراشه ولو لأعز إنسان، فكيف بضيف عادي؟.
دخل الرجل إلى المطبخ فوجد المرأة نائمة في المكان المفترض أنه له.
وقف محرجاً ومبهوتاً ثم قال معتذراً:
ـ أنا آسف، لاأستطيع، أنا أحب زوجتي.

قلت لها: تستحقين.
وحضرت قصص التاريخ التي تتحدث عن العربي الذي كاد من كرمه أن يذبح ابنه من أجل ضيفه. ومازال واجب الضيف وشكل العلاقات في الشرق، يرهق كثيراً من الناس.
الإيثار، الكرم، بذل النفس والوقت، جب النميمة، إسكات ألسنة الناس، السترة.. وكل ما يمتن شكل العلاقات ولكن في الوقت نفسه يفرغها من معانيها وأهدافها، ينمو ويتفاقم في البلاد.
ومع ذلك وحين يهاجر أحدنا لا تحضر مساوئ العلاقات وسخونتها التي تصل إلى درجة الحريق، بل يحضر دفء الشرق ليوقظ الحنين والشوق أكثر.
يشتكي أغلب المهاجرين من الحنين، وبعضهم يعمل جاهداً على محاربة هذا الغول.. الذي يفتك حقاً ومن دون مبالغة.
يحدث حين تتفكك متاريس أحدهم أن يفلت ببكاء طويل، يعبر عن حرمان سنين من الوطن.
ـ هنا لايوجد صداقات، هنا يوجد علاقات..
صاح أحدهم من حزنه ومرارته، كان يقصد علاقات الغرب.
ذلك لأن ذاكرة المغترب تقوم بانتقاء كل ماهو حنون وأليف، أو كما تقول الأغنية: وهي الشجرة العتيقة يلي ماكنا نطيقها، اشتقتلها واشتقتلك.."

ربما أن السويديين فيما بينهم، هم أكثر شعوب العالم انعزالاً وبروداً وتشدداً في العلاقات. فالجار لايعرف جاره وإن كان بيتاهما هما البيتين الوحيدين في المنطقة كلها.
تسأل أحدهم إن كان لديه الوقت لاستقبالك فيجيبك بافتخار:
ـ آسف عندي شغل.
لاشيء مقدس غير العمل.
منذ الصيف الماضي لم يلق جارنا السويدي السلام علينا. قال لنا اليوم: هاي، مع ضحكة، وأضاف بفرح: الدنيا صيف.
مزاجهم يخضع كثيراً للشمس والهواء والمطر، طبعاً هم يتحدثون بقرف عن المطر، وبتوسل عن الشمس، ويعتبرون أن طقس بلادنا نعمة لاتقدر بثمن.
سمعت من أحد مواطنينا، إن طقس الأوروبيين يساعدهم على العمل ويقلل من ضياع الوقت في العلاقات، أي أن البرد يساعدهم على العمل. وكنت مقتنعة أن الأمر ممكن، لكن تبين أن تقديس العمل ينبع من داخل الإنسان، وليس من الطقس، فالطقس يعتم في الشتاء الثانية ظهراً، ويستمر نهاراً شبه كامل في الصيف، مما يربك النوم والراحة. إلا إذا كان هذا المحلل يعتبر أن دفء شمسنا تشجع على اللهو والتسلية مع الآخر، فهذا حق.
المراقب البعيد يظن أن الأوروبي لايكترث لأمر الآخر. الفكرة بالعام عنهم أنه لو صادف أحدهم جريحاً ملقى على الأرض فإنه يكمل طريقه، ولايقترب منه. لكن تبين أنهم لا يقتربون من المصاب ولايلمسونه مخافة أن يؤذوه، إذا كان يعاني من كسر أو ماشابه، يتصلون بالإسعاف ويمضون في طريقهم، وقد يقف بعضهم لمواساة صاحب المشكلة ريثما يأتي من يساعد.
هم لايحبون الثرثرة مع من لايعرفونه، إذ مامعنى أن يثرثر مع جاره وهو ماض إلى عمله ومخه مشغول بأمور عديدة؟ غير وارد في قاموس تفكيرهم، كلمة الواجب الاجتماعي، لامعنى لهذا الواجب فالعلاقات حرة وباختيار حر، ليس من واجب الأخت أن تزور أختها إن لم تكن مقربة منها، وليس من داع لأن تسأل عن خالتها لأنها خالتها وتخشى أن تعتب عليها مثلاً.
يحاولون في الأعياد أن يتقاسموا البهجة في الطرقات وفي ساحة كل منطقة. تجد على باب البناء ورقة مطبوعة ملونة، يدعونك أن تشارك بالرقص والطعام إن أحببت في الساحة القريبة من البيت. وفي العيد يقتحمون الآخر بطريقتهم، ببهجة خاصة تحمل طابع تقليدهم البارد والبعيد عن طريقتنا نحن الشرقيين، لذلك هم غالباً لاينجحون في سحب الآخر، لكن حين لايلمسون ترحيباً فإنهم ينسحبون بهدوء.
اختراع الهاتف الجوال كان حلاً هائلاً للعلاقات عندهم، فلأن الكل يعمل والكل حر في توجهه للمدينة التي يحب، ومكان العمل الذي يبدع فيه، والوقت الذي يناسبه، فالعلاقات تستمر على الهاتف، واللقاءات تكون بالإجازات التي ربما تحدث بالعام مرة واحدة.
في المترو، جلست إلى جانبي فتاتان إحداهما تتحدث السويدية والثانية تتحدث العربية.
منذ أن جلستا أخرجت كل منهما هاتفها. السويدية راحت تتحدث مع أمها. قالت إنها اليوم أسعد إنسان في العالم، وتبين من حديثها أنها تشرف على تعليم طفل يعاني من مرض عقلي، وأنها استطاعت أن تعلم الولد خلع ثيابه بنفسه، كانت فرحتها أنها قهرت وانتصرت على المرض. فيما الفتاة التي تتحدث العربية، اتصلت بصديقة لها تخبرها كيف نجحت في خداع رفيقتهن الثالثة، وانطلت عليها كذبتهما، خداع الصديقة الثالثة كان مبعث بهجة ولذة لهما.
كانت الفتاتان تتضاحكان لكن لكل أسبابها، ولكل فهمها الخاص للعلاقات.

حين كنت أكثر من انتقاد الآخرين، كانت جارتنا تقول لي:
"ماخليت لحالك صاحب".
ذلك لأن العلاقات مأسورة بالمصالح غالباً.
كانت صديقتنا الأوربية التي زارتنا في سوريا تستغرب كثيراً تواجد الناس مع بعضهم وفي كل الأوقات، تتساءل: ألايوجد أوقات للعمل؟ كانت تستغرب اصطفاف الكراسي الواطئة أمام الدكاكين.
وكنا نراقب، كيف تستغل المناسبات، الأفراح والعزاءات، لاستعراض كم الناس الذين يشاركون ونوعهم، فحين تصطف سيارات كثيرة وفخمة عند الباب فإن الأحزان تقل والأفراح تفقع أكثر، وحين يقل عدد الزائرين فإن الضيق يخنق، والفرح يسكت ويبهت.
يقال فلان صاحب "عزوة" مما يعني أن لديه الكثير من المعارف والمقربين.
وهل يستهان بالخلافات التي تنشأ ضمن العائلة الواحدة؟ أخت مع أختها وعديل مع عديله، وصهر مع حماته، وكنة مع أم زوجها، خلافات قد تستمر سنوات من القطيعة، والطرفان يرفضان المصالحة والكل فخور بعناده وتشدده. المشكلة أن القطيعة بين الأهل لاتنهي العلاقة وتريح الطرفين من بعضهما، وبالتالي تجعل الأطراف المتنازعة كل في شأنه، المشكلة أنها تستمر في الشد والجذب ولاتنتهي إلا وقد أعيت الطرفين. وربما يكون سبب النزاع المباشر كرة تقاتل عليها طفلان مثلاً.

أجروا دراسات عديدة عن أسباب حوادث الانتحار التي تكثر في السويد، ولكن مؤكد أنه لم يخطر في بالهم أن معاركنا التي نعيشها في بلادنا بين بعضنا هي ماتجعلنا نلتهي عن ذواتنا ونكمل يومنا من دون أن ينتحر أحدنا. لم يخطر في بالهم أن أسباب العيش هي نفسها أسباب الموت: المعارك، المشاحنات، العداءات.
فهل ندعو الله أن يحفظ لنا سخونة الشرق وصراعاته؟ أم ندعوه أن ينعم علينا ببرودة الغرب وأمانه؟



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء الشان العام
- مجموعات ومواقع سقط عتب
- حجاب أم عقيدة أم إنه عادة
- ألفريدة يلينك قلم كاره وممتعض
- من أجل الغزال
- فصل من رواية بعنوان -كما ينبغي لنهر-
- ولو بدمعة.. حماة
- بين أعياد العالم وأعياد سورية
- زوجة الشاعر
- خصوصاً النساء
- كاتب مغترب ترك الشقا على من بقى
- ما يطلبه الجمهور
- بين ثياب البعثية وثياب التهريب
- عمنا نجيب.. نحبك كثيراً
- شيطنات اللغة
- بحصات في الحلق
- خبر عاجل وجميل
- قنابل تسيّل الدموع
- احتشمي بيروت
- دونية ومسحوقة أيضاً


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - منهل السراج - علاقات ساخنة علاقات باردة