|
بعضٌ من ملامح المستقبل القريب
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1952 - 2007 / 6 / 20 - 11:45
المحور:
القضية الفلسطينية
حَرِص رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومَنْ عاونه في التأسيس لحكومة سلام فياض على اجتناب "حكومة الطوارئ" تسميةً رسميةً لها حتى لا ينجح خصومها، أي حركة "حماس"، كثيرا، في التشكيك والطعن في "شرعيتها الدستورية"، فـ "الدستور"، في نصِّه وتفسيره، في منتهى الوضوح في أمر حق رئيس السلطة الفلسطينية في إعلان "حالة الطوارئ"، وفي إقالة الحكومة القائمة، لتغدو "حكومة تصريف أعمال" في خلال "المُدَّة القانونية" لعمل هذه الحكومة، والتي لا تزيد عن شهر واحد، فإمَّا أن يجتمع "المجلس التشريعي" ليقرِّر تمديد "حالة الطوارئ"، وإمَّا أنْ يكلِّف الرئيس عباس رئيس الوزراء ذاته (إسماعيل هنية) أو شخصا آخر بتأليف حكومة جديدة، يوافِق عليها "المجلس التشريعي".
هذا هو التحدي الدستوري الذي ستواجهه السلطة الفلسطينية برئاسة عباس بعد شهرٍ من تأليف حكومة فياض، فهل يجتمع "المجلس التشريعي" للموافقة على تمديد "حالة الطوارئ" إذا ما طلب الرئيس عباس تمديدها؟ وإذا اجتمع، هل يوافق على تمديدها؟ وإذا اجتمع ورفض تمديدها فما خيار عباس عندئذٍ؟ هل يكلِّف عباس شخصا آخر بتأليف حكومة جديدة؟ وإذا كان "المُكلَّف" لا ترضى عنه "حماس" فكيف يمكن أن يوافق "المجلس التشريعي" على الحكومة التي ألَّفها؟ إنَّها أسئلة وتساؤلات في منتهى الأهمية من "الناحية الدستورية"، التي هي الآن، أو من الآن وصاعدا، أقلُّ أهمية بكثير من "الأمور السياسية"، أو "السياسية العملية"، ففي أزمة سياسية كبرى كهذه التي تعصف بالشعب الفلسطيني وقضيته القومية يَفْقِد "الدستور" كثيرا من قدسيته، التي لا يَظْهَر فيها إلا في الزمن السياسي العادي والطبيعي.
حكومة سلام فياض مع "حالة الطوارئ" التي فيها، ومن أجلها، قامت ستبقى وستستمر في عملها زمنا أطول بكثير من شهر واحد، أو من بضعة شهور، فَمَن يرى غير ذلك إنَّما هو شخص يتوهَّم أنَّ تلك الحكومة ستتمكَّن في شهر واحد، أو بضعة شهور، من إنجاز المهمَّات التي من أجلها أُعْلِنَت "حالة الطوارئ".
في قطاع غزة، ستستمر حكومة هنية (التي قَبِلَت "حماس" لأسباب دستورية وصفها بأنَّها "حكومة تصريف أعمال") في العمل الذي ليس فيه من معاني العمل الحكومي إلا ما يؤكِّد أنَّها "حكومة شرطية" فحسب، أي حكومة لحفظ الأمن والنظام العام، فإدارة الحياة اليومية للفلسطينيين هناك لن تكون من مهمات وأعمال حكومة هنية، ولسوف نرى تلك الإدارة عُرْضة لـ "تدويل متزايد"، يبدأ بـ "التدويل الإنساني" الذي من خلاله فحسب، أو في المقام الأوَّل، سيتمكَّن أهل القطاع من تلبية حاجاتهم اليومية والمعيشية والإنسانية الأوَّلية والأساسية. ولا شك في أنَّ "الأونروا"، و"المنظَّمات الإنسانية الدولية"، و"المنظَّمات غير الحكومية"، ستصبح المسؤولة الأولى عن الحياة الاقتصادية واليومية للفلسطينيين في القطاع، الذي ستشرع إسرائيل تنهي كل صلة اقتصادية لها به، وتتحكَّم في معابره الحدودية بما يجعل أهله خاضعين بالكامل لسلطة "حكومة اقتصادية دولية"، يراد لها أن تُسْتَكْمَل لاحقا بسلطة "حكومة أمنية دولية"، فـ "المجتمع الدولي" سيشتَرِط لاستمراره في الإغاثة الاقتصادية نشر قوَّة دولية على حدود قطاع غزة مع مصر وإسرائيل، فإذا رفضت حركة "حماس" ظَهَرَت على أنَّها تمنع "المجتمع الدولي" من مساعدة أهل القطاع اقتصاديا بعد أن قطعت إسرائيل كل صلة اقتصادية لها به. أمَّا المقايضة الإسرائيلية فستكون "الأمن في مقابل بقاء المعابر الحدودية مفتوحة أمام الإغاثة الاقتصادية الدولية".
وعن بُعْد، ستُمارِس حكومة سلام فياض بعضا من سلطاتها وصلاحياتها، فكثير من معاملات الفلسطينيين في القطاع لن تحظى بشرعية دولية إذا لم تُجِزْها وتوقِّعها تلك الحكومة.
أمَّا في الضفة الغربية التي سيُرْفع عنها، وعن حكومة فياض، الحصار المالي والاقتصادي والسياسي الدولي، فلا لابد للقوى الأمنية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية من أن تغدو قادرة على إنهاء كل ظواهر "السلاح غير الشرعي"، فالفلسطينيون ما عادوا يقبلون بقاء تلك الظواهر ولو ادَّعى ذوو المصلحة في بقائها بأنَّها "ظواهر مقاومة". ولسوف تحتاج حكومة فياض إلى "إقليم" في الضفة الغربية تمارِس فيه عملها وسلطاتها، وإنْ كانت إسرائيل ستحرص كل الحرص على إقامة صلة سياسية (وقانونية) بين هذا "الإقليم" و"الدولة ذات الحدود المؤقتة". كما ستحتاج إلى أن تتعاون مع رئاسة السلطة الفلسطينية ومع "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية بما يُقْنِع الفلسطينيين بأنَّ عهد القوى الأخرى التي شاركت في صنع المأساة الفلسطينية الجديدة قد ولَّى إلى غير رجعة. وإنَّ من الأهمية بمكان، في هذا السياق، أن يُفْرَج عن مروان البرغوثي، وعن قسم كبير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وإلى أن يصبح ممكنا إنهاء حال الانفصال (الواقعي والعملي) بين القطاع والضفة لا بدَّ من أن نرى هنا وهناك ما يؤكِّد بقاء "التعددية السياسية والفكرية"، فكل تنظيم سياسي فلسطيني يجب أن يظل محتفظا بوجوده هنا وهناك.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا -النصر- اللعين!
-
ثنائية -الإيمان- و-الإلحاد-.. نشوءاً وتطوُّراً
-
-التقسيم الثاني- لفلسطين!
-
-حماس- خانت شعبها!
-
حرب إسرائيلية بسلاح فلسطيني وأيدٍ فلسطينية!
-
مناورات على مقربة من -ديمونا-!
-
حل مشكلة -حق العودة- يبدأ من هنا!
-
-النكسة-.. معنىً ومبنىً!
-
-لُغْز- العبسي!
-
أي -عفريت- سيَخْرج من قمقم -البارد-؟!
-
هل هذا ما يقترحه بوش على طهران؟!
-
هل هذا هو -الهدف الكامن-؟!
-
-عين الرمانة- إذ انتقلت شمالا!
-
-مبادَرة إسرائيلية- أم فخٌّ ل -المبادَرة العربية-؟!
-
-ثقافة التميُّز-.. عندنا!
-
أهو عام القضاء على القضية الفلسطينية؟!
-
غزة.. ملثَّمون في حصان طروادة!
-
-العودة-.. حقَّاً وحقائق!
-
-صبيانية- ليفني في القاهرة!
-
رأيٌ في رأي
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن -خطة ترامب للسلام- في غزة؟
-
الحكم بسجن ساركوزي يثير مجددا الجدل حول تسييس القضاء في فرنس
...
-
-معا من أجل غزة- ـ مظاهرة حاشدة في برلين تطالب بوقف الحرب في
...
-
لماذا أثارت خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة انقساما في حكو
...
-
لماذا يشعر البعض بالبرد أكثر من غيرهم؟
-
وداعا للنظارات.. السلطات الصحية الأميركية تجيز أول قطرة لعلا
...
-
نبض أوروبا: مالذي يجعل انتخابات مولدافيا توصف بالحاسمة؟
-
وزير خارجية سان مارينو: نعلن الاعتراف بدولة فلسطين
-
5 قتلى في فيضانات جنوب الجزائر
-
الناتو يستعرض قوته في بحر الشمال بالتزامن مع تصاعد التوتر مع
...
المزيد.....
-
إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2
/ سعيد مضيه
-
إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل
/ سعيد مضيه
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
/ سعيد مضيه
المزيد.....
|