تطورات سياسية واقتصادية محبطة


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7868 - 2024 / 1 / 26 - 00:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1-الحرب في غزة كشفت عن عورة النظام الدولي السائد حاليا بشكل فاضح فلم يعد هناك من يحمي الضعفاء والأقليات، بل أن النظام الحالي يحمي الأقوياء ويتجاهل المدنيين العزل والاطفال والنساء، وهذا بالضبط ما يحدث الآن في غزة. واللوم هنا لا يقع على الغرب وحده، ولكن على كل المجتمع الدولي الصامت بما فيهم العالم العربي البائس. حرب غزة تؤسس لشريعة الغاب والبقاء للأقوى.
الآن يعاد تنظيم القيم الانسانية والاخلاقية بشكل جديد حيث يتم استبدال حقوق الانسان بالاستقرار ويتم استبدال الديموقراطية بديكتاتورية النظام من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية باعتبارها أهم من حق الفرد في التعبير عن نفسه. والأكثر من هذا يتم تقديم حق السيادة والمصالح الضيقة للدول الكبرى على القوانين والمواثيق الدولية. والعقوبات التي تفرض على الكثير من الدول الفقيرة فيما يتعلق بالتجارة الخارجية والاستثمارات والتحويلات المالية الدولية خير شاهد على هذا كما يعرف كل الاقتصاديين. لا أحد يعرف إلى أين يتجه العالم. وداعا للإنسانية وحق الحياة للضعفاء وأهلا بعالم الاستبداد والوحوش والقتل والدمار بدم بارد.
2-في أمريكا تشير التوقعات والاستطلاعات إلى أن ترامب سينجح في الفوز بفترة رئاسية ثانية. هذا بالرغم مما هو معروف عن ترامب من خلال أفعاله وأقواله وتاريخه أنه لا يكترث بشيء أسمه الديموقراطية أو حقوق الإنسان حتى أنه كان يسمي السيسي بالديكتاتور المفضل لديه. بالإضافة إلى أنه ماكينة كذب ومحتال وزير نساء وليس لديه أي نوع من الحياء لدرجة أنه سرق العديد من المستندات والوثائق السرية من البيت الأبيض عند انتهاء رئاسته، وكما هو معروف فإن أبوه أيضا كان حرامي. والمدهش أنه قام قبل ترشحه للرئاسة بإنشاء مركز للتدريب في قلب نيويورك تحت مسمي "جامعة ترامب"! وهذه الجامعة كانت عبارة عن دور واحد في أحد المباني ووضع لافته على الشباك "جامعة ترامب" وفي أحد المرات وأثناء مروري أمام المبنى صعدت من باب حب الاستطلاع للسؤال عما يدرس بهذه الجامعة، لأجد أمامي شابا أمريكيا يخرج من الباب ولما سألته قال لي إنها جامعة لتدريس فنون النصب والاحتيال والأونطة! فمشيت في الحال. وفور إعلان فوز ترامب بالرئاسة، أرسل مجموعة من العمال لنزع اللافته وإخلاء المكان وسط حشد من الصحافيين. وفي اليوم التالي نشر في الصحافة والتليفزيون أنه تم تعويض كل من دفعوا رسوما ولم يستكملوا كورس النصب والاحتيال بمبلغ إضافي فوق ما تم تسديده وذلك منعا للفضائح والتقاضي وهي أشياء مكلفة جدا في أمريكا. والسؤال المهم هو لماذا يفضل أعضاء الحزب الجمهوري ترامب على كل المرشحين ألآخرين؟ والإجابة كما أرى هي خبرة ترامب كإعلامي سابق في جذب الجماهير البسيطة من خلال لغته السوقية والسخرية من الآخرين خاصة السياسيين والأكاديميين وهي أشياء تجذب الملايين من البسطاء عادة وتجعلهم يشعرون أنه واحد منهم. كما أن ترامب قوي ويفعل ما يريد مهما كانت التبعات والعواقب وكمثال على هذا إعلانه أثناء رئاسته اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل رغم تحذيرات معظم مستشاريه من ردود فعل الدول الإسلامية وشعوبها، وعلى ما يبدو فإنه كان يعرف أنها شعوب مغلوبة على أمرها ومشغولة بالجري وراء لقمة العيش. وإمعانا في جرأته صرح بعدها في البيت الأبيض وهو يتكلم بشكل ساخر بأنه قيل له أن الاحتجاجات سوف تخرج إلى الشوارع بالملايين، ولكن لم يحدث شيء بالمرة كما ترون. والمهم في هذا أن عودة ترامب للبيت الأبيض سوف تقلب الكثير من التوازنات عبر العالم، وأكثر من سيتضرر هم الفلسطينيون لأن ترامب ينحاز بشكل أعمى لإسرائيل، ثم الأوكرانيون لأنه من المعجبين ببوتين الذي ساعده على الفوز بالرئاسة الأولى له في أمريكا. كما أن الأوربيين في حالة قلق لأن ترامب سيسعى مرة أخرى لإخراج أمريكا من حلف الأطلسي "الناتو" وترك أوروبا وحدها في مواجهة روسيا. ونفس الشيء ينطبق على حلفاء أمريكا في منطقة جنوب شرق آسيا خاصة تايوان وكوريا الجنوبية إذ أنه من الوارد أن يتركهم ترامب لمواجهة مصيرهم مع الصين إذا ما رفضوا إن يدفعوا له مصاريف حماية أمريكا لهم. والخلاصة أن عودة ترامب سوف تكون وبالا على الكثير من حلفاء أمريكا ومدعاة للسرور للمستبدين ومنتهكي حقوق الإنسان واللصوص ولا عزاء لدعاة حماية البيئة ومكافحة التلوث والتغير المناخي والكاتب واحد منهم، لان ترامب يرى أن كل المخاطر البيئية نوع من الدجل! ترى أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟
أما على المستوى الاقتصادي فإنه من أهم المخاطر التي تهدد العالم في عام ٢٠٢٤ما يلي:
١الحرب في غزة وأوكرانيا حيث إن هناك أخطار حقيقية لاتساع نطاق هذه الحروب من خلال دخول أطراف أخرى فيها أو استخدام أسلحة خطيرة وأكثر فتكا، وهذا ورد وسوف يكون لهذا التصعيد تأثير سلبي على النمو الاقتصادي في العالم خاصة في الدول المجاورة لمناطق الحرب.
2-التغير المناخي بكافة أشكاله خاصة الفيضانات العنيفة والجفاف والحرائق التي أصبحت تضرب في كافة أنحاء الأرض وهي تمثل خطر حقيقيا على الإنتاج الزراعي وأسعار الطعام. والأمن الغذائي والمائي كما نقول دائما أصبح خطرا متزايدا في العديد من الدول الفقيرة التي يتعين علها إعطاء أولوية قصوى لهذا الخطر.
3-مشكلة المديونية المتزايدة التي تهدد الدول الفقيرة حيث أصبحت معدلات خدمة هذه الديون عبئا ثقيلا على ميزانيتها ومواردها المحدودة بما يهدد استقرارها وتوقف النمو الاقتصادي بها.
4-عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتهديده الدائم بتحجيم صادرات العديد من الدول خاصة الصين إلى أمريكا لمعالجة العجز القياسي في الميزان التجاري الأمريكي وهو ما قد يدفع دول عديدة إلى فرض إجراءات حماية وقيود تجارية أسوة بأمريكا وهو ما يؤثر عادة على أسعار العديد من السلع الاستراتيجية بشكل سلبي ويضر بالمستهلكين.
5-بالرغم من استقرار أسعار البترول والطاقة بشكل عام هذه الأيام إلا أن مخاطر اتساع رقعة الحرب في غزة بالذات قد ترفع أسعار هذه المدخلات الهامة في العمليات الإنتاجية والنقل والمواصلات والكهرباء وهو ما قد يؤدي إلى عودة التضخم المرتفع مرة أخرى وتأجيل البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة من ثم انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وزيادة البطالة.
6-حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد بسبب الحروب والصراعات السياسية خاصة بين روسيا والصين من جانب وأمريكا وأوروبا من الجانب الآخر. هذه الاضطرابات تؤدي إلى نقص في الكثير من السلع الاستراتيجية وارتفاع أسعارها، وهذا ما يحدث الآن في البحر الأحمر حيث تضطر الناقلات إلى تفادي قناة السويس والدوران حول إفريقيا وهو ما يزيد أسعار الشحن بشكل كبير وما يتم نقله من سلع ومستلزمات انتاج ومعدات.
وأخيرًا ندعو الرب أن يحفظ عالمنا العربي والجميع وأن يخيب توقعاتنا. ‏‏‏
مستشار اقتصادي